شرح حديث (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم)

كتابة:
شرح حديث (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم)

نص الحديث

ثبت في صحيح البخاري عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- خَطَبَ النَّاسَ يَومَ النَّحْرِ، فَقالَ: يا أيُّها النَّاسُ أيُّ يَومٍ هذا؟ قالوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، قالَ: فأيُّ بَلَدٍ هذا؟، قالوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قالَ: فأيُّ شَهْرٍ هذا؟، قالوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قالَ: فإنَّ دِمَاءَكُمْ وأَمْوَالَكُمْ وأَعْرَاضَكُمْ علَيْكُم حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، فأعَادَهَا مِرَارًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقالَ: اللَّهُمَّ هلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هلْ بَلَّغْتُ -قالَ ابنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا-: فَوَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، إنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إلى أُمَّتِهِ، فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ).[١]

وفي رواية أخرى في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: (خَطَبَ النبي -صلى الله عليه وسلم- النَّاسَ وَقالَ: إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ علَيْكُم، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا، أَلَا كُلُّ شَيءٍ مِن أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وإنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِن دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بنِ الحَارِثِ، كانَ مُسْتَرْضِعًا في بَنِي سَعْدٍ، فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ).[٢]

شرح الحديث

يظهر في الحديث النبوي الشريف تحريم ثلاثة أمور مقابل حرمة ثلاثة أمور أخرى؛ فجاء تحريم الدماء والأموال والأعراض مقابل حرمة الشهر الحرام، والبلد الحرام، ويوم العيد من الشهر الحرام، وهذا التحريم جاء موافقاً لمقاصد الشريعة الإسلامية؛ فلا يجوز لأي أحد كائن من كان التجرؤ على دماء المسلمين بالقتل أو الاعتداء، أو التعرض لأموالهم بالسلب والنهب، أو التحدث في أعراضهم.[٣]

كما رتب المولى -تبارك وتعالى- العقوبات القاسية على كل من انتهك حرماته؛ يقول المولى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)،[٤] ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ في فُسْحَةٍ مِن دِينِهِ، ما لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا).[٥][٣]

وقد أثبت الإسلام ضرورة احترام الأموال؛ فيقول -تبارك وتعالى-: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا)،[٦] وأما عن حرمة عرض المسلم فيظهر ذلك جلياً في سورة النور؛ يقول -تبارك وتعالى-: (وْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ)،[٧] فشهادة هؤلاء الكاذبة كانت سبباً لأن يكونوا عند الله كاذبين، وإن كانوا بادّعائهم صادقين؛ وكل ذلك لتعظيم حرمة التعرض للمسلم دون وجه حق.[٨]

مناسبة الحديث

هذا الحديث هو جزء من خطبة حجة الوداع، والتي خطب فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل وفاته؛ وسميت بحجة الوداع؛ لأنها كانت آخر عهد للنبي -صلى الله عليه وسلم- بتجمع كهذا في الناس،[٩] وقيل لأن هذه الحجة كانت آخر حجة للنبي -صلى الله عليه وسلم- وقد ودع الناس فيها، كما تسمى حجة الإسلام؛ لأنها كانت حج الفريضة في حق النبي -صلى الله عليه وسلم-.[١٠]

أهم الدروس المستفادة من الحديث

يتبين لنا مما سبق عظمة هذا الحديث النبوي الشريف، وعظمة الدروس المستفادة منه، ونذكر منها ما يأتي:

  • حرمة دماء المسلمين؛ وأنها عزيزة وغالية عند الله -تبارك وتعالى-.
  • حرمة أموال المسلمين؛ وتغليظ العقوبات على كل من استولى عليها بغير وجه حق.
  • حرمة أعراض المسلمين؛ وحرمة التعرض لها بالذم والقدح والتشهير، أو البهتان والقذف.
  • حرمة الأشهر الحرم؛ والتي هي "ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب".
  • بيان مكانة البيت الحرام، والتي أخذ منها سبب تسميته بالحرام؛ وذلك لعظمته.
  • تحريم عدة أفعال فيه؛ كالصيد، والقتل، والتعرض لأشجاره، وهذا الحكم قائم إلى يوم القيامة، أو إلى العلامات الكبرى؛ يوم تستحل الكعبة وتهدم في آخر الزمان.

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1739، صحيح.
  2. رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:1218، صحيح.
  3. ^ أ ب عبد الكريم الخضير، شرح بلوغ المرام، صفحة 24. بتصرّف.
  4. سورة المائدة، آية:32
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:6862، صحيح.
  6. سورة النساء، آية:5
  7. سورة النور، آية:13
  8. سيف الحارثي، استنباطات الشيخ عبد الرحمن السعدي من القرآن الكريم عرض ودراسة، صفحة 669-670. بتصرّف.
  9. حسن بن علي الفيومي، فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب، صفحة 389. بتصرّف.
  10. موسى بن راشد العازمي، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون، صفحة 466. بتصرّف.
5479 مشاهدة
للأعلى للسفل
×