شرح حديث (البيعان بالخيار)

كتابة:
شرح حديث (البيعان بالخيار)

حديث: البيعان بالخيار

أخرج البخاري في صحيحه، عن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "البَيِّعانِ بالخِيارِ ما لَمْ يَتَفَرَّقا -أوْ قالَ: حتَّى يَتَفَرَّقا- فإنْ صَدَقا وبَيَّنا بُورِكَ لهما في بَيْعِهِما، وإنْ كَتَما وكَذَبا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِما".[١]


شرح حديث: البيعان بالخيار

معاني مفردات الحديث

فيما يلي بيانٌ لمعاني مفردات الحديث:

يَتَفَرَّقا: أي فارق بعضهما بعضًا؛ بمعنى توزّعوا وتشتّتوا.[٢]

كَتَما: أخفيا.[٣]

مُحِقَتْ: نَقَصَت وذَهَبَتْ بركتُهُ.[٤]


المعنى الإجماليّ للحديث

رتّب الإسلام أحكامًا للمعاملات المختلفة ومنها البيع والشراء؛ وذلك لئلا يحصل من النزاع والخلاف ما ليس بمحمودٍ، وفي الحديث يخبرنا النّبي -صلى الله عليه وسلم- عن المدّة التي يصلح فيها فسخ العقد في البيع، فيخبرنا بأنّ للبائع أو للمشتري الحقّ في فسخ العقد ما لم يتفرّقا عن مجلس البيع، ويبيّن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّ البائع والمشتري إذا صدق كلٌّ منهما في ثمن السلعة ووصف المبيع ونحوه، حلّت البركة للبائع في الثمن وللمشتري في السلعة، وإن كذب كلٌّ منهما على الآخر سواءً في وصف المبيع أو الوفاء بالثمن ونحوه، ذهبت بركة بيعهما.[٥]


ما يُستفاد من الحديث

في الحديث جملةٌ من المعاني والفوائد، منها ما يلي:[٥]

  • أنّ خيار فسخ العقد متاحٌ ما لم يتفرق البائع والمشتري من مجلس العقد.
  • أهمية الصدق في البيع والشراء، وأنّه سببٌ لحصول البركة.
  • لزوم العقد بتفرق الأبدان، ولا حقّ لأحدهما في فسخ العقد بعده.
  • التحذير من الكذب وبيان أثره في محق البركة وزوالها.


آداب البيع والشراء

فيما يلي ذكرٌ لجملةٍ من الآداب التي ينبغي للبائع والمشتري التحلي بها ومراعاتها.


أولًا: عدم الغش في البيع والتزام الأمانة

فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مَرَّ علَى صُبْرَةِ طَعامٍ فأدْخَلَ يَدَهُ فيها، فَنالَتْ أصابِعُهُ بَلَلًا فقالَ: ما هذا يا صاحِبَ الطَّعامِ؟ قالَ أصابَتْهُ السَّماءُ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: أفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعامِ كَيْ يَراهُ النَّاسُ، مَن غَشَّ فليسَ مِنِّي"،[٦] فالحديث يدلّ على تحريم الغش، ووجوب أن يكون البائع أمينًا.[٧][٨]


ثانيًا: تحلّي البائع والمشتري بخلق السّماحة

فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أنّ النّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إذا باعَ، وإذا اشْتَرَى، وإذا اقْتَضَى"،[٩] فالأخلاق الحسنة سببٌ لتحقيق الألفة بين النّاس.[٧][٨]


ثالثًا: عدم التبخيس في الميزان

وقد دلّت النصوص الشرعية على حرمة ذلك، فقال الله تعالى: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ* الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ* وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ)،[١٠] والتطفيف في الميزان بخسٌ فيه إمّا بالزيادة أو النقصان، وفي ذلك أكلٌ لأموال النّاس بالباطل.[٧][٨]


رابعًا: تجنّب الحلف الكاذب لبيع السلعة

فعن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- أنّ النّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَومَ القِيامَةِ، ولا يَنْظُرُ إليهِم ولا يُزَكِّيهِمْ ولَهُمْ عَذابٌ ألِيمٌ قالَ: فَقَرَأَها رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ثَلاثَ مِرار، قالَ أبو ذَرٍّ: خابُوا وخَسِرُوا، مَن هُمْ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: المُسْبِلُ، والْمَنَّانُ، والْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بالحَلِفِ الكاذِبِ"،[١١] لما في ذلك من الغشّ والخداع الذي لا يرضاه الشّرع بحالٍ.[٧][٨]


خامسًا: تجنّب احتكار البائع للسّلع

واحتكار السّلع محرَّمٌ شرعًا باتفاق فقهاء المذاهب؛ لما رُوي عن معمر بن عبد الله بن نضلة -رضي الله عنه- أنّ النّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنِ احْتَكَرَ فَهو خاطِئٌ. فقِيلَ لِسَعِيدٍ: فإنَّكَ تَحْتَكِرُ، قالَ سَعِيدٌ: إنَّ مَعْمَرًا الذي كانَ يُحَدِّثُ هذا الحَدِيثَ، كانَ يَحْتَكِرُ".[١٢][٧][٨]


سادسًا: استحباب إكثار البائع من الصدقة

فعن قيس بن أبي غرزة -رضي الله عنه- أنّ النّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كنَّا بالمدينةِ نبيعُ الأوساقَ ونبتاعُها، وكنَّا نُسمِّي أنفسَنا السَّماسرةَ، ويُسمِّينا النَّاسَ، فخرج إلينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ يومٍ، فسمَّانا باسمٍ هو خيرٌ من الَّذي سمَّيْنا أنفسَنا، وسمَّانا النَّاسَ، فقال: يا معشرَ التُّجَّارِ إنَّه يشهَدُ بيعَكم الحلِفُ والكذِبُ فشُوبوه بالصَّدقةِ"،[١٣] إذ يُرجى من هذه الصدقة أن تكون مكفِّرةً لما يقع في البيع من الحلف أو اللغو أو الغشّ ونحوها.[٧][٨]


سابعًا: استحباب كتابة البيع والإشهاد عليه

لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ)،[١٤] وقوله: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ)؛[١٤] وذلك حفاظًا على الحقوق، وتجنّبًا لما قد يقع من خلافات ونزاعات بخلاف ذلك.[٧][٨]


المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن حكيم بن حزام، الصفحة أو الرقم:2079، حديث صحيح.
  2. "معنى يتفرقا"، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 27/1/2022.
  3. "معنى كتما"، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 27/1/2022.
  4. "معنى محقت"، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 27/1/2022.
  5. ^ أ ب "شرح حديث البيعان بالخيار"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 27/1/2022. بتصرّف.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:102، حديث صحيح.
  7. ^ أ ب ت ث ج ح خ "من فقه البيوع في السنة النبوية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 27/1/2022. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت ث ج ح خ "آداب البيع"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 27/1/2022. بتصرّف.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:2076، حديث صحيح.
  10. سورة المطففين، آية:1-3
  11. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:106، حديث صحيح.
  12. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن معمر بن عبد الله بن نضلة، الصفحة أو الرقم:1605، حديث صحيح.
  13. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن قيس بن أبي غرزة، الصفحة أو الرقم:3809، حديث صحيح.
  14. ^ أ ب سورة البقرة، آية:282
2422 مشاهدة
للأعلى للسفل
×