محتويات
شرح حديث (لا تغضب)
ثبت في الحديث الشريف: (أنَّ رَجُلًا قالَ للنَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: أوْصِنِي، قالَ: لا تَغْضَبْ، فَرَدَّدَ مِرَارًا، قالَ: لا تَغْضَبْ)،[١] يُشير الحديث النبويّ الشريف إلى عدم الانفعال عند الغضب؛ فالغضب هو أمرٌ اعتياديّ من طبائع البشر، لكنّ النّهي هنا ألّا يكون الغضب مُصاحباً بالتأثر الشديد والأذى الذي يلحق بالنفس وبالآخرين نتيجةً لهذا الغضب.[٢]
وعدم إيقاع النفس بالمكان الذي يغلب على ظنّ الإنسان أنّه سيجعله في تهورٍ وشرٍ مُحتّم، فينتج عن ذلك الندم والخسران،[٢] والإنسان من طبعه الاعتياد، فإذا سلّم نفسه للغضب اليوم لم يَسلم منه غداً، وإذا اشتد غضبه من شيء، سيزداد بعدها من شيئين وثلاثة، وفي كلِّ مرةٍ يكون ابتلاؤه بمن يغضبه ويثير في نفسه فورة التأثر، فيتهور ويقع في الشتم.[٢]
وقد يتطور فيقع في مدّ اليد وسفك الدم، أو القذف والاتهام بالباطل، فيأتي يوم القيامة وللنّاس عليه حقوق كثيرة، فيأخذ كلِّ منهم من حسناته حتى تفنى، ثم يأخذ هو من سيئاتهم حتى تُلقى عليه، فيُلقى في النار؛ لذلك يجب ضبط النفس وعدم تعويدها على الانفعال والاندفاع.[٢]
وهذا الغضب الشديد المنهيّ عنه إنّما ما كان في حقِّ النّفس، أمّا عن الغضب المحمود فهو الغضب لأجلِ الله ولله -سبحانه- على بصيرة لانتهاك محارمه وحدوده، فهو غضب واجبٌ على المسلم، دون طلبٍ للرياءِ أو العُجب، فيجب تغيير المنكر والغيرة على حدود الله -عزوجل- من التعدّي والانتهاك.[٣]
كيفية الابتعاد عن الغضب
إنّ الغضب وإن كان غريزة بشريّة من طبع الإنسان، إلّا أنّه يمكن التقليل منه وتفاديه، وذلك بعدّة طرق، نُلّخصها بما يأتي:[٤]
- طرق وقائيّة: وهذه الطرق تكون قبل الوقوع بالغضب، ومنها:
- اجتناب الأسباب المثيرة له في النفس، كالمزاح الثقيل والاستهزاء.
- اجتناب مُجالسة السفهاء وكثرة مخالطة شرار الناس.
- اجتناب تناول المشروبات التي تُغيّر الطباع وتُهيّجها.
- الابتعاد عن كثرة الجدال دون فائدة.
- الحرص على ذكر الله -سبحانه- ومداومة الاستغفار والحوقلة بصدقٍ وإخلاصٍ، فالذي يملك نفسه عند الغضب هو صاحب الشدة والبأس، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (ليسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشَّدِيدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ).[٥]
- طرق علاجيّة: وهذه الطرق تكون بعد الوقوع الغضب، ومنها:
- مقاومة النفس نحو المزيد من الاندفاع، والاستسلام له.
- إلزامها حدودها وعدم السماح لها بالظلم والتعدي.
- تذكّر دائماً أنّ مقاومة غضب النفس وعدوانها من أعظم الأمور التي يُثاب عليها المسلم، والتي يجب عليه أن يعتادها.
الأمور التي يراعى فعلها عند الإحساس بالغضب
لقد جاءت الوصايا النبوية التي تحثُّ على عدم الانفعال، وقد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض الأمور التي تُساعد على ذلك، والتي يُستحب فعلها، نذكر بعضاً منها:[٦]
- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم
فقد تشاجر رجلان عند النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى بدأ الغضب يفور منهما، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (إنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لو قالَهَا لَذَهَبَ هذَا عنْه: أَعُوذُ باللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).[٧]
- تغيير الموضع الذي هو فيه
جاء عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا غضِبَ أحَدُكم وهو قائمٌ فلْيَجلِسْ، فإنْ ذهَبَ عنه الغَضبُ وإلَّا فلْيَضطَجِعْ).[٨]
- الوضوء، وإخماد غضب وثوران النفس بالماء.
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6116، صحيح.
- ^ أ ب ت ث أحمد حطيبة، شرح رياض الصالحين، صفحة 4. بتصرّف.
- ↑ ابن باز، فتاوى نور على الدرب، صفحة 399-400. بتصرّف.
- ↑ حمزة قاسم، منار القاري شرح صحيح مختصر البخاري، صفحة 254. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6114، صحيح.
- ↑ ابن القيم، اغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان، صفحة 73- 74. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن سليمان بن صرد، الصفحة أو الرقم:2610، صحيح.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:21348، رجاله ثقات.