شرح قصيدة ابن الرومي في رثاء ابنه

كتابة:
شرح قصيدة ابن الرومي في رثاء ابنه


قصيدة ابن الرومي في رثاء ابنه

خطف الموت الابن الأوسط الشاعر ابن الرومي فكتب قصيدة يرثيه فيها، ويشكو آلامه، ويفصح عن مكنونات نفسه بعد أن فقد أقرب أبنائه إلى قلبه، وفيما يأتي تفصيل القول في رثاء ابنه:


قصيدة ابن الرومي

قال الشاعر ابن الرومي راثيًا ولده:[١]


بكاؤكُما يشْفي وإن كان لا يُجْدي

فجُودا فقد أوْدَى نَظيركُمُا عندي

بُنَيَّ الذي أهْدَتْهُ كَفَّايَ للثَّرَى

فَيَا عِزَّةَ المُهْدَى ويا حَسْرة المُهدِي

ألا قاتَل اللهُ المنايا ورَمْيَها

من القَوْمِ حَبَّات القُلوب على عَمْدِ

تَوَخَّى حِمَامُ الموتِ أوْسَطَ صبْيَتي

فلله كيفَ اخْتار وَاسطَةَ العِقْدِ

على حينََ شمْتُ الخيْرَ من لَمَحَاتِهِ

وآنَسْتُ من أفْعاله آيةَ الرُّشدِ


يقول الشاعر إنّ دموعكما يا عينيّ يشفيني من آلامي، وإن كان قليل الفائدة، فأكثري يا عيوني من الدّموع، فقد فقدْتُ من هو بمكانتكم بالنسبة إلي، فلقد فقدتُ ولدي الذي قدّمته بيدي إلى التّراب، فيا لحظِّ من أهديته ولدي ويا لسوء حظّي وحسرتي على فقدي له.


أتمنى من الله أن يعاقب الموت على إصابته لمن يتعلّق بهم القلب متعمّدًا قاصدًا ذلك، فلقد تمكّن الموت من النيل من طفلي الأوسط، فإنّني أشكوه لله كيف اختار الجوهرة المتوسّطة في عقد أبنائي، في حين أنني قد آنستُ من ولدي، ومن ملامحه الخير، واستنتجت من أعماله أنّه سيكون ولدًا صالحًا.


طَوَاهُ الرَّدَى عنِّي فأضحَى مَزَارُهُ

بعيداً على قُرْب قريباً على بُعْدِ

لقد أنْجَزَتْ فيه المنايا وعيدَها

وأخْلَفَتِ الآمالُ ما كان من وعْدِ

لقَد قلَّ بين المهْد واللَّحْد لُبْثُهُ

فلم ينْسَ عهْدَ المهْد إذ ضُمَّ في اللَّحْدِ

تَنَغَّصَ قَبْلَ الرِّيِّ ماءُ حَياتِهِ

وفُجِّعَ منْه بالعُذُوبة والبَرْدِ

ألَحَّ عليه النَّزْفُ حتَّى أحالَهُ

إلى صُفْرَة الجاديِّ عن حُمْرَةِ الوَرْدِ


لقد أبعدته فاجعة الموت عنّي، فأصبحت زيارته بالنسبة إلى بعيدة مع أنّ قبره قريب مني، فلقد نال منه الموت، وأتت ساعته ونفّذت ما وعدوته به، وضاع أملي في شفائه وعودته إليّ.


إنّ المدّة التي عاشها ما بين ولادته وموته كانت مدةً قصيرةً جدًّا؛ فعندما وضع في قبره كان ما يزال يتذكّر تفاصيل ولادته، لقد تلوّث ماء حياته، فأصابه بالمرض الذي أودى به إلى الهلاك؛ فقد استمرّ به النزيف حتّى تحوّل من حمرة الحياة والعافية إلى اصفرار المرض والموت.


عجبتُ لقلبي كيف لم ينفَطِرْ لهُ

ولوْ أنَّهُ أقْسى من الحجر الصَّلدِ

بودِّي أني كنتُ قُدِّمْتُ قبْلَهُ

وأن المنايا دُونَهُ صَمَدَتْ صَمْدِي

ولكنَّ ربِّي شاءَ غيرَ مشيئتي

وللرَّبِّ إمْضَاءُ المشيئةِ لا العَبْدِ

وما سرني أن بعْتُهُ بثَوابِه

ولو أنه التَّخْليدُ في جنَّةِ الخُلْدِ

وَلا بِعْتُهُ طَوْعاً ولكنْ غُصِبْته

وليس على ظُلْمِ الحوادِث من مُعْدِي


لقد استغربت من قلبي كيف لم يهلك بعد فقده حتى وإن كنت أملك قلبًا صلبًا كالصخور، لقد تمنّيت لو أني مُتُّ قبله، ولو أنّ الموت استطاع أن يصبر على فراقه كصبري على فراقه.


لكنّ الله -عزّ وجل- كان له حكمةٌ أخرى وقدرٌ آخر، فالحياة وأمورها هي بيد الله، وليس بيد الناس، ولم يسعدني ما نلته من ثواب الخلود في الجنّة بسبب فقدي لطفلي، وإنّي لم أبذل ابني، وأسلّمه للموت وأنا راضٍ عن ذلك، لكنّ مصائب الزمان إذا ما جاءت فلا يستطيع أحد أن يتجاوزها.


وإنِّي وإن مُتِّعْتُ بابْنيَّ بَعْده

لَذاكرُه ما حنَّتِ النِّيبُ في نَجْدِ

وأولادُنا مثْلُ الجَوارح أيُّها

فقدْناه كان الفاجِعَ البَيِّنَ الفقدِ

ثَكِلتُ سُرُوري كُلَّه إذْ ثَكلتُهُ

وأصبحتُ في لذَّاتِ عيْشي أَخَا زُهْدِ

أقُرَّةَ عيني لو فَدَى الحَيُّ مَيِّتاً

فَدَيْتُك بالحَوْبَاء أَوَّلَ من يَفْدِي

ألامُ لما أُبْدي عليك من الأسى

وإني لأخفي منه أضعاف ما أُبْدي


وإنّني ولو فرحت بوجود ولديّ بعده، فإنّ ذكره باقٍ في قلبي؛ فإنّ أبناءنا مثل جوارحنا، تكون مصيبتنا التي لا تجبر هي فقدهم لأي سبب من الأسباب، ولقد دفنت فرحي عندما دفنتُ ولدي، وصرتُ أعيش في هذه الدّنيا زاهدًا مبتعدًا عن لذّاتها.


ابني الحبيب لو كان الفداء يعيد الحياة للميت لسارعتُ في فدائك بأغلى ما أملك وكنت أوّل من يفعل ذلك، ولدي، إنّ الناس يذمّون ما يظهر عليّ من الحزن والألم على فراقك، فيا ليتهم يعلمون أنّني أبدي شيئًا قليلًا؛ مما أعانيه بسبب هذا الفقد.


الأفكار الرئيسة في قصيدة ابن الرومي في رثاء ابنه

من الأفكار الرئيسة في مرثية ابن الرومي ما يأتي:

  • بكاء ابن الرومي على ولده والحزن عليه.
  • التّسليم بأنّ الموت هو أمر الله، وأن الإنسان لا يستطيع أن يغيّر قضاء الله وقدره.
  • تمنّي فداء ابن الرومي ابنه ليعيده إلى الحياة.
  • ذكر مناقب الابن الذي فارق الحياة.
  • لوم الناس على شدّة حزن ابن الرومي على ولده.


شرح الألفاظ في قصيدة ابن الرومي في رثاء ابنه

من الألفاظ التي تحتاج إلى شرح في قصيدة ابن الرومي ما يأتي:


المفردة
معنى المفردة
يجدي
بجدي بمعنى ينفع.[٢]
المنايا
جمع منيّة وهي الموت.[٣]
الردى
الردى هو الهلاك والموت.[٤]
ينفطر
انفطر القلب بمعنى اهتز وتصدّع.[٥]
حنّت
حنّت بمعنى اشتاقت إلى الشيء.[٦]
ثكلت
الثكل هو الفقد، وثكلت المرأة ابنها يعني فقدته.[٧]



المراجع

  1. "بكاؤكما يشفي وإن كان لا يجدي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 4/2/2022.
  2. "تعريف و معنى يجدي في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 4/2/2022. بتصرّف.
  3. "تعريف و معنى منية في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 4/2/2022. بتصرّف.
  4. "تعريف و معنى الردى في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 4/2/2022. بتصرّف.
  5. "تعريف و معنى انفطر في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 4/2/2022. بتصرّف.
  6. "تعريف و معنى حنّ في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 4/2/2022. بتصرّف.
  7. "تعريف و معنى ثكلت في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 4/2/2022. بتصرّف.
10338 مشاهدة
للأعلى للسفل
×