محتويات
شرح قصيدة قارئة الفنجان
قصيدة قارئة الفنجان للشاعر نزار قباني، كتبها عام 1970م جاءت على شعر التفعيلة، وقد بنى تفعيلته على البحر المتدارك، نظرًا لقربه من النفس والانطباع الحزين الذي يتركه فيها، وأشار بعض الباحثين إلى أنّ القصيدة رمزيّة، وأنّ المقصود فيها بقول "ولدي" هي الشعوب العربية، وتحديدًا الشعب الفلسطيني.[١]
تدور القصيدة حول مستقبل هذا الشعب ومحاولة التنبؤ بما سيحدث له مستقبلًا كما سيأتي تاليًا،[١] إذ قال فيها:[٢]
:جَلَست والخوفُ بِعَينيها
:تتأمَّل فُنجاني المَقلوب
:قالت:
:يا ولَدي.. لَا تَحزَن
:فالحبُّ عليكَ هُو المَكتوب
:يا ولدي
:قد مَاتَ شَهيدًا
:مَن مَات عَلى دينِ المَحَبُوب
يصوّر نزار قباني المرأة الآن من زاوية أخرى؛ إذ تقرأ الفنجان وتُحاول أن تستعير من الحاضر شيئًا تستشرف به المستقبل، فتبدأ القصيدة بالحدث الوحيد الذي يجري فيها وهو قراءة فنجان ذلك الرجل الذي تجد المرأة فيه أنّ العشق هو سيد الموقف فقط، وتُسليه بقولها إنّ الرجل الذي يموت على الحب والوفاء يكون من عداد الشهداء.[٣]
:فنجانُك دُنيا مرعبةٌ
:وحياتُك أسفارٌ وحروب
:ستحب كثيرًا يا ولدي
:وتموت كثيرًا يا ولدي
:وستعشَقُ كلّ نساءِ الأرض
:وترجعُ كالملِك المَغلوب
الحب يكون معادلًا للموت الآن، لا يُمكن للإنسان أن يًرع فيموت سوى مرة واحدة، ولكنّ الحب يكون قادرًا على أن يجعل له في كل يوم ضحية، ولكن في نهاية الأمر لن تكون سوى رجل غلبته النساء التي عشقها.[٤]
:بحياتِك يا وَلدي امرأةٌ
:عيناها، سُبحانَ المعبود
:فمُها مرسومٌ كالعُنقود
:ضحكتُها موسيقى وورود
:لكنَّ سماءَك ممطرةٌ
وطريقك مسدودٌ مسدود
الآن الحبّ هو سيد الموقف بين الرجل وتلك المرأة المجهولة، امرأة حازت الصفات المستحيلة بين النّساء فكانت أجملهنّ وأكملهن، والرجل ذك سيُغرم في تلك المرأة، لكن للأسف فإنّ سماء حبهما لن تكون صافية ونهاية ذلك العشق مسدودة لا محال.[٤]
:فحبيبةُ قلبِك يا ولدي
:نائمةٌ في قصرٍ مَرصود
:والقصرُ كبيرٌ يَا ولدي
:وكلابٌ تحرسه وجنود
:وأميرة قلبِك نائمةٌ
:مَن يدخل حجرتها مفقودٌ
:مَن يطلبُ يدها
:من يدنُو من سورِ حدِيقتها مفقود
:من حاول فك ضفائرها
:يا ولدي
:مفقودٌ مفقود
تبدأ قارئة الفنجان الآن بالحديث عن أسباب استحالة ذلك الحب، ولماذا طريق ذلك الرجل مسدود انسداد الأرض تحت الجبال، فهو لم يعشق امرأة عادية على الإطلاق بل أحبّ سيدتهنّ مَن لا يستطيع أن يصل إليها أي من الرجال.[٤]
بصّرتُ ونجمتُ كثيرًا
لكنّي لَم أَقرَأ أبدًا
فنجانَاً يُشبه فنجَانك
لم أعرِف أَبدًا يا ولدي
أحزاناً تشبه أحزانك
مقدورك أن تمشي أبدًا
في الحبّ على حدّ الخَنجر
وتظلّ وحيدًا كالأَصداف
وتظلّ حزيناً كالصّفصاف
مقدُورك أَن تمضي أبدًا
في بحرِ الحبِّ بغيرِ قلوع
وتحبّ ملايين المرّات
وترجعُ كَالملكِ المخلُوع
تستطرد المرأة في حديثها عمّا تراه في الفنجان، فهي تُشاهد الآن كمية المرات التي سيُخذل فيها من النساء اللاتي عشقهنّ، ولن يتمكن إلا أن يكون ملكًا بلا مملكة ولا أعوان، فلا رأي له ولا أهمية لوجوده، هذه هي حاله التي أخبرته بها تلك القارئة، وهذا هو مقدوره الذي لن يتمكّن من الفرار منه على الإطلاق.[٤]
التحليل اللغوي لقصيدة قارئة الفنجان
القصيدة هي ابنة الألفاظ المستخدمة فيها، وهو ما حدث بالضبط مع الشاعر نزار قباني، الذي استخدم في قارئة الفنجان مجموعة من الأفعال المتراوحة، ما بين الفعل الماضي، والفعل المضارع الحاضر والقريب من المستقبل.[١]
ولو دلّ ذلك على شيء فإنّما سيدل على الإيحاءات التي يُحملها نزار للقصيدة، مثل امتداد النص عبر الماضي والحاضر، وحتى المستقبل الذي تتنبأ العرّافة به، ومن تلك الكلمات: "جلست، تتأمل، قالت، ستموت".[١]
استخدم الكاتب مجموعة من الجمل الاسمية مثل: "الحب عليك هو المكتوب، في بحر الحب بغير قلوع، مقدورك أن تمضي أبدًا، في الحب على حد الخنجر"، ليدلل على الثبات والرسوخ الذي تشعر القارئة به في أثناء قراءتها للفنجان، ولتُعطي انطباعًا لدى المُتلقي أنّ تلك النبوءة حاصلة لا محالة.[١]
استخدم كثيرًا من الكلمات المُعرفة بأل؛ إذ تُستخدم هذه الأداة في الأحوال الطبيعية من أجل التفخيم والتعظيم، لم يهمل استخدام الكلمات المُنكرة مثل كلمة "شهيدًا"، حيث لم يُعرف بشيء عن الشهيد، ولا وقت استشهاده، ولا كيفية حصول ذلك، حتّى يهب المُتلقي فرصة التحيل والتفكير وليُبين البحر المتلاطم الذي يغرق فيه الرجل.[١]
إنّ القصيدة تحفل كثيرًا بالمُشتقات مثل: "نائمة، ممطرة، مرعبة"، وهذا كله يُجدّد الصورة في القصيدة ويهبها حيوية عالية، عدا عن استخدام الشاعر للكثير من الكلمات المُضعفة للدلالة على التنجيم والخبرة والتأمل.[١]
التحليل الأسلوبي والفني لقصيدة قارئة الفنجان
استطاع نزار قباني من خلال أسلوبه المميز أن يتمكّن من شدّ القارئ إلى تلك القصيدة، حيث الأسلوب هو الفيصل في ذلك، القصيدة تحمل في طيّاتها بُعدين أساسيين؛ البعد الأول هو البعد الذاتي وهو احتمال ضعيف؛ إذ إنّ امرأة قارئة للفنجان تُخبر آخر عن مستقبله ومحطات حياته وما الذي سيُعانيه.[١]
لكنّ شعر التفعلية هو شعر بعيد عن الذاتية، أمّا البُعد الثاني أو المعنى القريب الذي أراده الشاعر، فهو أنّ القارئة هي بمثابة الضمير العربي، والرجل هو القضية الفلسطينية، أو حتى الشعب الفلسطيني، الذي هُجّر من أرضه.[١]
إنّ المعاني التي دار الشاعر حولها هي كلها معاني الخوف والفزع الذي يُعاني منه الشعب الفلسطيني أو حتى القضية نفسها، مثل قوله: "جلست والخوف بعينيها" أي إنّ الخوف دائمًا ما يُساورهم يعتلي عيونهم، أمّا أوصاف المرأة الكاملة الجميلة فما هي إلا صفات فلسطين نفسها؛ الوطن الجميل الذي تُعبر عنه الفتاة الجميلة.[١]
دمج نزار ما بين الخاص والعام في آنٍ معًا، الخاص وهو الحب، أمّا العام فهو فلسطين (الوطن)، واستخدم أسلوب الاستدراك والاستئناف مثل قوله: "لا تحزن فالحب عليك هو المكتوب"، للإشارة إلى المعاني المتراكمة التي يُحاول أن يُوصلها للمتلقي، وقد سخَّر الشاعر معانيه في القصيدة لتكون خالدة على مر العصور، وتُسطر ما يعانيه الفلسطيني في كل آن، وهذا ما ميّز شعر نزار قباني.[١]