شرح قصيدة كن بلسمًا لإيليا أبو ماضي

كتابة:
شرح قصيدة كن بلسمًا لإيليا أبو ماضي

شرح أبيات قصيدة كن بلسمًا لإيليا أبو ماضي

وُلد إيليا أبو ماضي في إحدى القرى اللبنانية عام 1889م، وهو من الشعراء المهجريين الذين أحبّوا وطنهم ونثروا فيه القصائد الحية، كما إنه ينتمي إلى الشعراء الذين يدعون إلى التفاؤل والنظر إلى الحياة بعين الرضا،[١] ومن القصائد التي نسجها في ذلك المقام قصيدة كن بلسمًا، وفيما يأتي شرح لأبيات القصيدة:[٢]


كُن بَلسَمًا إِن صارَ دَهرُكَ أَرقَما

:::وَحَلاوَةً إِن صارَ غَيرُكَ عَلقَما

إِنَّ الحَياةَ حَبَتكَ كُلَّ كُنوزِها

:::لا تَبخَلَنَّ عَلى الحَياةِ بِبَعضِ ما

يستهل الشاعر أبياته في القصيدة بطلب إلى الإنسان أن يكون بلسمًا هينًا لينًا حتى ولو لاقاه الدهر بأصعب السموم، وأن يكون هو حلو اللسان حتى ولو كان غيره ينقط علقمًا ومرارة.[٣]


أَحسِن وَإِن لَم تُجزَ حَتّى بِالثَنا

:::أَيَّ الجَزاءِ الغَيثُ يَبغي إِن هَمى

مَن ذا يُكافِئُ زَهرَةً فَوّاحَةً

:::أَو مَن يُثيبُ البُلبُلَ المُتَرَنِّما

عُدَّ الكِرامَ المُحسِنينَ وَقِسهُمُ

:::بِهِما تَجِد هَذَينِ مِنهُم أَكرَما

هنا يُعلم الشاعر الإنسان أن يبقى محسنًا دائمًا في جميع أحوال حياته، حتى ولو لم يتلقَ شكرًا على إحسانه، فهل أحد يُجازي البلبل على زقزقته أو الوردة على رائحتها الجميلة، ولو قارن الإنسان ما بين كل المحسنين في الأرض وبين العصفور والوردة لوجد أنّ الأخيرين أكرم من المحسنين.[٣]


يا صاحِ خُذ عِلمَ المَحَبَّةِ عَنهُما

:::إِنّي وَجَدتُ الحُبَّ عَلَمًا قَيِّما

لَو لَم تَفُح هَذي وَهَذا ما شَدا

:::عاشَت مُذَمَّمَةً وَعاشَ مُذَمَّما

عليكَ يا إنسان أن تتعلّم المحبة من البلبل والزهرة، وأن تعيش وتنشر تلك المحبة في الأرض، فلو الزهرة كانت من غير ريح ولم يعد يشدو البلبل كحاله لذمهما النّاس ولم ينجيان من كلامهم.[٣]


فَاِعمَل لِإِسعادِ السِوى وَهَنائِهِم

:::إِن شِئتَ تُسعَدَ في الحَياةِ وَتَنعُما

أَيقِظ شُعورَكَ بِالمَحَبَّةِ إِن غَفا

:::لَولا الشُعورُ الناسُ كانوا كَالدُمى

يُؤكّد الشاعر على أهمية محاولة الإنسان إسعاد غيره، فلمّا يُسعد النّاس هو سيأتي من يُحاول إسعاده، ثم يُعرج الشاعر مرة أخرى على أهمية المحبة في حياة الإنسان وأنّها أهم ما يُميزه عن الخشب المسندة.[٣]


أَحبِب فَيَغدو الكوخُ كَونًا نَيِّرًا

:::وأبغض فَيُمسي الكَونُ سِجنًا مُظلِما

ما الكَأسُ لَولا الخَمرُ غَيرُ زُجاجَةٍ

:::وَالمَرءُ لَولا الحُبُّ إِلّا أَعظُما

يذكر الشاعر في هذا المقام أنّ ما يميز كل شيء هو ما في داخله، فالكأس تُغرب بسبب ما تحويه من الشراب، والإنسان يُقدر على حسب الحب الذي في داخله، ولولا ذاك الحب لكان مجرد كومة من العظام.[٣]


كَرِهَ الدُجى فَاِسوَدَّ إِلّا شُبهُهُ

:::بَقِيَت لِتَضحَكَ مِنهُ كَيفَ تَجَهَّما

لَو تَعشَقُ البَيداءُ أَصبَحَ رَملُها

زَهرًا وَصارَ سَرابُها الخَدّاعُ ما

يذكر الشاعر أنّ المحبّة تقدر على تحويل كلّ شيء قاسٍ إلى ليّن هيّن، فلو أحبّ الناس الصحراء، فإنّ رملها سينبت بالزهر والريحان، وسيكون السراب الخادع ماءً طيبًا.[٣]


لَو لَم يَكُن في الأَرضِ إِلّا مِبغِضٌ

:::لَتَبَرَّمَت بِوُجودِهِ وَتَبَرَّما

لاحَ الجَمالُ لِذي نُهىً فَأَحَبَّهُ

:::وَرَآهُ ذو جَهلٍ فَظَنَّ وَرَجَّما

إنّ الأرض لتكره الإنسان المُبغض الذي يقيم عليها، ولو تجسّد الجمال في إنسان، فرآه ذا عقل فإنّه سيحبه ويميل إليه، ورآه جاهل فإنّه سيرجمه كما تُرجم الشياطين.[٣]


لا تَطلِبَنَّ مَحَبَّةً مِن جاهِلٍ

:::المَرءُ لَيسَ يُحَبُّ حَتّى يُفهَما

وَاِرفُق بِأَبناءِ الغَباءِ كَأَنَّهُم

:::مَرضى فَإِنَّ الجَهلَ شَيءٌ كَالعَمى

يؤكد الشاعر أنّ المحبة تحتاج إلى عقل متفتح وذكاء ثاقب، ولا يقدر عليها إلّا من اتّصف بتلك الصفات، أمّا الأغبياء فعلى الإنسان أن يرحمهم ويحزن عليهم، فالغباء مرض لا شفاء منه.[٣]


وَاِلهُ بِوَردِ الرَوضِ عَن أَشواكِهِ

:::وَاِنسَ العَقارِبَ إِن رَأَيتَ الأَنجُما

يا مَن أَتانا بِالسَلامِ مُبَشِّرًا

:::هَشَّ الحِمى لَمّا دَخَلتَ إِلى الحِمى

لو كنت في الرياض فانظر إلى الورود والرياحين وانس الأشواك، ولا تخف من العقارب والسموم إن أبصرت النجوم النيرة، ثم يُعرج الشاعر على ذكر الرجل الذي تُقال القصيدة في حضرته، وهو المندوب البطريركي المطران ثيودوسيوس أبو رجيلي، ويذكر أنّ دعوته هي السلام ونبذ الطائفية.[٣]


وَصَفوكَ بِالتَقوى وَقالوا جَهبَذٌ

:::عَلامَةٌ وَلَقَد وَجَدتُكَ مِثلَما

لَفظٌ أَرَقُّ مِنَ النَسيمِ إِذا سَرى

:::سَحَرًا وَحُلوٌ كَالكَرى إِن هَوَّما

وَإِذا نَطَقتَ فَفي الجَوارِحِ نَشوَةٌ

:::هِيَ نَشوَةُ الروحِ اِرتَوَت بَعدَ الظَما

وَإِذا كَتَبتَ فَفي الطُروسِ حَدائِقٌ

:::وَشّى حَواشيها اليَراعُ وَنَمنَما

وَإِذا وَقَفتَ عَلى المَنابِرِ أَوشَكَت

:::أَخشابُها لِلزَهوِ أَن تَتَكَلَّما

هذه الأبيات كلها تتحدث عن مديح البطريرك المطران ثيودوسيوس أبو رجيلي، فيذكر أنّ كلامه الجميل الذي يدعو إلى المحبة يجعل الأوراق تزهر من تحته، والمنبر يهتز من نشوته بسبب حديثه الجميل.[٤]


إِن كُنتَ قَد أَخطاكَ سِربالُ الغِنى

:::عاشَ اِبنُ مَريَمَ لَيسَ يَملُكُ دِرهَما

وَأَحَبَّ حَتّى مَن أَحَبَّ هَلاكَهُ

:::وَأَعانَ حَتّى مَن أَساءَ وَأَجرَما

يذكر الشاعر في هذا المقام أنّ المال ليس كل شيء بالنسبة للإنسان، ويضرب مثلًا بالنبي عيسى بن مريم -عليه السلام-، وكيف أنّه نشر الحب في حياته، ولم يتخذ موقف العداء من أحد.[٣]


الأفكار الرئيسة في قصيدة كن بلسمًا لإيليا أبو ماضي

وردت في قصيدة كن بلمسًا مجموعة من الأفكار من أهمها:[٥]

  • الدعوة إلى الحب والتفاؤل في الحياة.
  • الابتعاد عن الكره والبغض والحقد.
  • النظر إلى نصف الكأس المملوء هو ما يفعله الأذكياء فقط.
  • الحب هو ما يُميّز الإنسان عن الدمية الخشبية.


معاني المفردات في قصيدة كن بلسمًا لإيليا أبو ماضي

وردت في القصيدة مجموعة من الكلمات والمفردات التي لا بدّ من شرحها، حتى يتمكن القارئ من فهم النص كله، ومن بينها:
المفردة
المعنى
أرقم
هو ذكر الحية، وهو واحد من أخبث الحيات وأكثرها سميّة.[٦]
الدجى
هو الظلمة والسواد.[٧]
البيداء
هي الصحراء والأرض الفلاة التي لا شيء فيها.[٨]
الروض
هو المكان الأخضر الذي يكثر الماء فيه.[٩]


الصور الفنية في قصيدة كن بلسمًا لإيليا أبو ماضي

برزت مجموعة من الصور الفنية في قصيدة كن بلسمًا من بينها:[٥]

  • لولا شعور الناس كانوا كالدمى: شبّه الشاعر الإنسان الخالي من المحبة بالدمية التي لا قلب لها لينبض.
  • فيمسي الكون سجنًا مظلمًا: صوّر الشاعر أنّ الكون الذي يعيش فيه الإنسان المبغض بالسجن المظلم القاسي.
  • لاح الجمال لذي نهى فأحبه: شبه الشاعر الجمال بالشخص الذي يلوح للآخر فيراه.
  • وارفُق بأبناء الغباء: شبه الغباء بالوالد والأغبياء هم أبناء ذاك المرض.


إنّ الحياة ليست سوى نصًا؛ فلا بدّ للإنسان أن يقرأه بحبّ وحكمة وتمعّن، فيترك أثرًا جميلًا من خلفه، ليتذكر النّاس الأريج الفواح الذي خلّفه وراءه، فيكون هو بحر الجمال الذي لا ينتهي.


المراجع

  1. زوبة ليزة، شعرية القصيدة في ديوان إيليا أبو ماضي، صفحة 6. بتصرّف.
  2. "كن بلسما"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 12/9/2021.
  3. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر بحث منشور، كن بلسمًا، صفحة 2. بتصرّف.
  4. "كُنْ بَلْسَمًا"، هنداوي، اطّلع عليه بتاريخ 12/9/2021. بتصرّف.
  5. ^ أ ب معزيز مختارية، النزعة التأملية في الشعر العربي الحديث، صفحة 155. بتصرّف.
  6. "تعريف و معنى أرقم في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 12/9/2021. بتصرّف.
  7. "تعريف و معنى الدجى في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 12/9/2021. بتصرّف.
  8. "تعريف و معنى البيداء في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 12/9/2021. بتصرّف.
  9. "تعريف و معنى الروض في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 12/9/2021. بتصرّف.
35597 مشاهدة
للأعلى للسفل
×