محتويات
شرح أبيات قصيدة هي الأخلاق تنبت كالنبات
قصيدة (هي الأخلاق تنبت كالنبات) للشاعر العراقي الكبير معروف الرصافي، أنشدها سنة 1327م، وهي قصيدة عمودية من بحر الوافر، تتألف من 53 بيتًا، وتعد من أهم القصائد التي نظمها الرصافي.[١]
ويقول فيها الشاعر معروف الرصافي[٢]:
هي الأخلاق تنبت كالنبات
:::إذا ُسقِيَت بماء المكرُمات
تقوم إذا تعهّدها المُرَبّي
:::على ساق الفضيلة مثمرات
يقول الشاعر في هذه الأبيات أن الأخلاق تنمو كالنبات إذا سُقيت بالماء، ووجدت من يرعاها؛ فإنها ستصبح قوية، وتعطي ثمارًا ناضجة، وكذلك الأخلاق إذا وجدت من ينميها لدى الأطفال من جهة الآباء، فإن ذلك يؤدي إلى تنشئة جيل يتحلى بتلك بالفضائل والمكارم.[٣]
وتسمو للمكارم باتِّساق
:::كما اتّسقت أنابيب القناة
وتُنعش من صميم المجد روحًا
:::بأزهار لها ُمتَضوِّعات
ويصف الشاعر أن مكارم الأخلاق لدى الإنسان تعلو بانتظام، مثل أنابيب قنوات المياه، وأنها تنشئ من قلب العزة روحًا بأزهار لها خاشعة: أي بأبناء مهذبين.
ولم أر للخلائق من مَحَلّ
:::يهذّ بها كحِضن الأمهات
فحضن الأم مدرسة تسامت
:::بتربية البنين أو البنات
ويبين الشاعر ان لا أحد يستطيع غرس الأخلاق في نفوس الأطفال سوى الأمهات من بين جميع الخلق، ويشبه حضن الأم بالمدرسة التي عَلَت بتربية البنين والبنات.
وأخلاق الوليد تُقاس حسنًا
:::بأخلاق النساء الوالدات
وليس ربيب عالية المَزايا
:::كمثل ربيب سافلة الصفات
ويبين الشاعر أن أخلاق الأطفال تقاس وفقًا لأخلاق الأمهات اللواتي ولدنهنّ، وأن هنالك فرق بين أبناء الأمهات اللواتي يتميزن بالأخلاق العالية، وأبناء الأمهات اللواتي يتسمن بصفات مذمومة.[٤]
وليس النبت ينبُت في ِجنان
:::كمثل النبت ينبت في الفلاة
فيا صدر الفتاة رحُبت صدرًا
:::فأنت مقرّ أسنى العاطفات
ويكمل الشاعر المقارنة بتشبيه الأبناء بالنبات الذين ينبت في الحدائق ويتلقى الرعاية، وهو ليس مثل النبات الذي ينمو في الأرض الخالية دون أدنى اهتمام، ويتعجب من صدر الفتاة فلها صدر يتسع للأبناء، وهي المكان الأفضل للعطف والحنان.
نراك إذا ضممت الطفل لوحًا
:::يفوق جميع ألواح الحياة
إذا أستند الوليد عليك لاحت
:::تصاوير الحَنان مصوَّرات
يبيّن الشاعر أنه إذا رعت الأم طفلها، واحتضنته؛ يصبح متفوقًا على غيره، وإذا اعتمد عليها بانت مشاهد الحنان عليه.
لأخلاق الوليد بك انعكاس
:::كما انعكس الخيال على المرآة
وما ضَرَ بان قلبكَ غير درس
:::لتلقين الخصال الفاضلات
ويقول الشاعر إن تربية الأم تنعكس على أخلاق الطفل مثل انعكاس الخيال على المرآة، ولن يعود عليك بالضرر تعليم الأخلاق الحميدة.
فأول درس تهذيب السجايا
:::يكون عليك يا صدر الفتاة
فكيف نظُنّ بالأبناء خيرًا
:::إذا نشأوا بحضن الجاهلات
ويبين أن أول الدروس التي يتلقاها الطفل على صدر المرأة: هي تهذيب الاخلاق، ويتساءل: كيف يكون الظن بالأبناء خيرًا، إذا تربوا في حضن النساء الجاهلات في التربية؟
وهل ُيرجى لأطفال كمالٌ
:::إذا ارتضعوا ثُدِيّ الناقصات
فما للأمهات جهِلْن حتى
:::أتَيْن بكلّ طَيّاش الحصاة
ويكمل الشاعر تساؤله: كيف يتمنى وجود أطفال يتحلون بالأخلاق، ويتسمون بالكمال إذا رضعوا من ثدي الأمهات الجاهلات؟ أي تربوا على أيدي الأمهات اللواتي ليس لديهن أدنى معرفة بالتربية والتنشئة السليمة، وأن هناك من الأمّهات اللواتي بقين جاهلات حتى جئن بأبناء جهلة مثل الأرعن المتسرع برمي الحجارة.
حَنَوْن على الرضيع بغير علم
:::فضاع حُنُوّ تلك المرضعات
أم المؤمنين إليك نشكو
:::مصيبتنا بجهل المؤمنات
ويبين أن تلك النساء الجاهلات عطفن على أبنائهن دون تنشئة سليمة، فضاع ذلك الحنان، ويشكو الشاعر لأم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر عن مصيبة جهل بعض الأمهات في التربية.
فتلك مصيبة يا أم منها
:::نكاد نغص بالماء الفرات
تخذنا بعدك العادات ديناً
:::فأشقى المسلمون المسلمات
ويبين أثر تلك المصيبة أنهم يكادون يكدّرون الماء العذب نتيجة لها، وأنه تم اتباع بعض العادات التي أهلكت المسلمون والمسلمات.
فقد سلكوا بهنّ سبيل خُسْر
:::وصدّوهنّ عن سُبُل الحياة
بحيث لزِمن قعر البيت حتى
:::نزلْنَ به بمنزلة الأداة
ويبين الشاعر تلك العادات التي جعلوهن يسرن في طريق يؤدي إلى الخسارة، ومنعوهن طريق الخير في الحياة إذ تم إلزامهن في البيوت، مما أدى إلى جهل بعض الأمهات، وبقين في المنازل كالأداة.
وعَدُّوهنّ أضعف من ذباب
:::بلا جنح وأهون من َشذاة
وقالوا شرعة الإسلام تقضي
:::تفضيل الذين على اللواتي
وقالوا أن معنى العلم شيءٌ
:::به صدور الغانيات
وقالوا الجاهلات أعفّ نفسًا
:::عن الفحشاء من المتعلّمات
لقد كذَبوا على الإسلام كذبًا
:::تزول الشُمّ منه مُزلزلات
ويشير الى ان من فرض ذلك على النساء هو عدو ضعيف يشبه الذباب ليس له جناح، واضعف من الحشرة، وحجة هذا العدو أن الإسلام يقتضي بتفضيل الرجال على النساء، وأن العلم له علاقة بالغانيات، وأن الجاهلات هن العفيفات عن الأفعال القبيحة من المتعلمات، وأنه تم تشويه الإسلام بهذا الكلام الكذب.
أليس العلم في الإسلام فرضًا
:::على أبنائه وعلى البنات
وكانت اُمّنا في العلم بحرًا
:::تَحُلّ لسائليها المُشكلات
ويبين الشاعر أن الدين الإسلامي فرض العلم على البنين والبنات، جميعًا وأن أمّنا عائشة رضي الله عنها على علم ومعرفة كافية تحل بها مشاكل الناس.
وعلّمها النبيّ أجلّ علم
:::فكانت من أجلّ العالمات
لذا قال أرجعوا أبدًا إليها
:::بثُلثَيْ دينكم ذي البيّنات
ويبين الشاعر هنا أن الرسول هو من علمها الكتاب والسنة، وكانت من أفضل العالمات بالدين، وأنه يقول للناس: أرجعوا لها أذا أردتم تسالون عن شيء ما.
وكان العلم تلقينًا فأمسى
:::يُحَصَّل بانتياب المدرسات
وبالتقرير من كتب ضخام
:::وبالقلم المُمَدّ من الدواة
ويبين الشاعر أنّ أسلوب التعليم هو التلقين، وأصبح يتم تحصيله من المعلمات والكتب الكبيرة الحجم والقلم الذي يزود بالحبر من الوعاء.
ألم نرَ في الحسان الغيد قبلًا
:::أوانس كاتبات شاعرات
وقد كانت نساء القومِ قدماً
:::يَرُحن إلى الحروب مع الغُزاة
يكنّ لهم على الأعداء عَوْنًا
:::ويَضمِدن الجروح الداميات
وكم منهنّ من اُسرت وذاقت
:::عذاب الهُون في أسر العداة
يذكر الشاعر أنه كان هناك عبر التاريخ من النساء الجميلات كاتبات وشاعرات نفخر بهن، ويذهبن مع الغزاة إلى الحروب؛ لتضميد الجراح وتقديم العون والمساعدة، وتعرضن للأسر والعذاب عند العدو.
فماذا اليومَ ضَرَّ لو التفتنا
:::إلى أسلافنا بعضَ الْتِفات
فهم ساروا بنهج هدىً وسِرنا
:::بمنهاج التفرُّق والشَتات
نرى جهل الفتاة لها َعفافًا
ويتساءل الشاعر: ما الضرر لو اتبعنا الذين قبلنا من المسلمين؟ فهم ساروا على نهج سليم، ونحن سرنا على نهج التفرقة، فنرى أن الجهل سمة للعفاف عند الفتاة، وهذه دعوة لتحرير المرأة من الجهل والظلم.
:::كأن الجهل ِحصنٌ للفتاة
ونحتقر الحلائل لا لجُرمٍ
:::فنُؤذيهنّ أنواع الأذاة
ونُلزِمهنّ قعر البيت قهراً
:::ونحسبهنّ فيه من الهَنات
لئن وَأدوا البنات فقد قَبَرنا
:::جميع نسائنا قبل الممات
حجبناهنّ عن طلب المعالي
:::فعِشن بجهلهنّ مهتكات
ولو عَدِمت طباع القوم ُلؤمًا
:::لما غدت النساء محجّبات
ويبين أن الجهل يعتبر حماية للفتاة في بعض المجتمعات، وأنهم يقللوا من قيمة النساء، ويتسببون بالأذى لهن دون أي ذنب يرتكب، ويتم إلزامهن الجلوس في البيت، ويفكرون أنهن بهذا الحال سعيدات، ويذكر الشاعر أنه إذا قديمًا تم دفن البنات، فإنهم قد دفنوهن قبل الممات بالجهل، ومنعهن من التعلّم، وأنهن عشن حياتهن بجهل ممزقات، ولو أنه افتقرت طباع القوم لصفة اللؤم، لما بقيت النساء محجبات.
وتهذيب الرجال أجَلّ شرط
:::لجعل نسائهم مهذبات
وما ضرّ العفيفةَ كشفُ وجهٍ
:::بدا بين الإعفاء الاُباة
فدىً لخلائق الأعراب نفسي
:::وأن وُصِفوا لدينا بالجُفاة
فَكم برزت بحَيّهم الغواني
:::حواسر غير ما متيبات
وكم خشف بمربعهم وظبيٍ
:::يمرّ مع الجدَاية والمهاة
ولولا الجهل ثَمّ لقلت مَرْحى
:::لمن ألِفوا البداوة في الفلاة
ويجب تهذيب الرجال أولا من أجل جعل النساء مهذبات، ويتساءل الشاعر: ما الذي يضر اذا كشفت المرأة وجهها يظهر بين عفاف العظماء؟ ويفدي الشاعر نفسه للعرب حتى لو كانوا يتسمون بالجفاء، ويبين أنه كم ظهرت بأحيائهم الغواني مكشوفات وغير متربيات، وكم صوت بموقعهم ظهر، ومر حيوان المها والظبي مع أولاده، ولولا الجهل لقال أهلًا وسهلًا لمن اعتاد على البداوة في الأرض الواسعة الخالية، وهي الصحراء.
الأفكار الرئيسة في قصيدة هي الأخلاق تنبت كالنبات
تضمنت قصيدة هي الأخلاق تنبت كالنبات مجموعة من الأفكار الرئيسة، وهي:[٥]
- دعوة الشاعر للتحلي بالأخلاق، وغرسها لدى الأبناء.
- وقوع مسؤولية التربية على الأمهات.
- وجود فرق بين تنشئة الأم المتعلمة، والأم الجاهلة، وانعكاس اخلاق الأم على أبنائها
- التطرق لمشكلة مجتمعية، وهي تجهيل المرأة، وحرمانها من التعليم.
- نظرة الإسلام إلى المرأة، وحفظ حقها في التعلم.
- ذكر بعض من أدوار المرأة في عهد الرسول.
- دعوة المجتمع للسير على نهج الرسول والسلف بتعليم المرأة.
معاني المفردات في قصيدة هي الأخلاق تنبت كالنبات
فيما يأتي تفسير لبعض معاني المفردات والكلمات الواردة في قصيدة هي الأخلاق تنبت كالنبات:[٦]
الكلمات | المعاني |
المكارم | الصفات والأخلاق الحميدة |
تعهدها | تولى مسؤولية تربيتها |
اتساق | انتظام |
تسمو | تعلو |
يهذبها | يربيها |
المزايا | الفضائل |
سافلة | سيئة الخلق |
جنان | حدائق |
فلاة | أرض خالية |
أسنى | أفضل |
استند | اعتمد |
تصاوير | مشاهد |
تلقين | تعليم |
نشأوا | تربوا |
الجاهلات | غير المتعلمات |
طياش | المتسرع الأرعن |
الحصاة | الحجارة |
الفلاة | الأرض الخالية |
ألفو | عاشروا |
مرحى | أهلًا وسهلًا |
خشف | صوت |
بمربعهم | بمكان سكنهم |
الجداية | أولاد الظبي |
حواسر | مكشوفات |
الأباة | العظماء |
وأدوا | دفنوا |
مهتّكات | ممزقات |
الهنات | السعيدات |
الحلائل | جمع حليلة، وهي الزوجة |
يضمدن | تشد على الجرح بالضمادة |
الدواة | محبرة |
الغيد | المرأة الرشيقة |
الصور الفنية في قصيدة هي الأخلاق تنبت كالنبات
من أبرز الصور الفنية والبلاغية التي جاءت في قصيدة هي الأخلاق تنبت كالنبات ما يأتي:
- شبه الشاعر الأخلاق بالنبات.
- شبه مكارم الأخلاق بأنابيب المياه المنتظمة.
- شبه مكارم الأخلاق بالشيء الذي ينعش الروح.
- شبه الأبناء المهذبون بالأزهار المتضرعات.
- شبه حضن الأم بالمدرسة التي تعمل على تعليم الأبناء مكارم الأخلاق.
- شبه الأبناء الذين يتحلون بالأخلاق بالنبات الذي ينمو في الحدائق.
- شبه الأبناء الذين لا يتحلون بالأخلاق بالنبات الذي ينمو في الأرض الخالية دون رعاية.
- شبه الأم بالشيء الذي يستند عليه الطفل.
- شبه انعكاس التربية على الطفل بانعكاس الخيال على المرآة.
- شبة الأطفال غير المهذبين بطياش الحصاة.
- شبه عدو العلم بالذباب الضعيف.
- شبه علم سيدتنا عائشة بالبحر.
- شبه الجهل بالحصن المنيع.
ختامًا، تعد قصيدة هي الأخلاق تنبت كالنبات من أهم قصائد الشاعر الكبير معروف الرصافي، إذ إنه يعبر فيها عن أهمية غرس مكارم الأخلاق في نفوس الأطفال، لتنشئة جيل جديد يساهم في نهضة المجتمع، كما أنه أكد على أهمية تعليم المرأة وعدم حرمانها من حقها في التعلم.
المراجع
- ↑ محمد رضا، مجلة المنار، صفحة 133. بتصرّف.
- ↑ "هي الأخلاق تنبت كالنبات"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 15/9/2021. بتصرّف.
- ↑ أحمد الزيات، مجلة الرسالة، صفحة 28. بتصرّف.
- ↑ محمد علي، مجلة المقتبس، صفحة 26. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، أرشيف منتدى الفصيح. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الدواة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 15/9/2021. بتصرّف.