محتويات
صاحب مقولة: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً
لقد اشتهر عل ألسنة كثير من الناس أنّ هذه المقولة حديث نبوي شريف، وفي الحقيقة أنّ هذه المقولة ليست بحديث نبوي، وهي ممّا لا أصل له، يقول الألباني رحمه الله: "لا أصل له مرفوعاً وإن اشتهر على الألسنة في الأزمنة المتأخرة".[١]
وقد نسب الشيخ الألباني رحمه الله هذه المقولة للصحابي الجليل: عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه-،[٢] وقد رويت عنه بهذه الصيغة: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا).[٣]
شرح مقولة: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا
لقد فهمت هذه العبارة بعدة أفهام؛ منها الفهم السليم المحمود، ومنها الفهم المغلوط المذموم، وللتفصيل أكثر فإنّ هذه العبارة تكون من شطرين اثنين، شطر يتحدث عن عمل الدنيا وبيان حاله، وشطر يتحدّث عن عمل الآخرة وبيان حاله.
معنى الشطر الأول: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا
يُفهم من هذه العبارة أنّ العمل في الدنيا ينبغي أن يكون في غاية الإتقان والمهارة، والأخذ بالأسباب والسعي الجاد، حتى يستفيد منه الإنسان أكبر قدر من الزمن، بل ولتستفيد منه الأجيال القادمة؛ فإذا قمت بعمل ما فعليك أن تتقنه غاية الإتقان، ليمكث في الأرض أكبر مدة زمنية ولتعم فائدته.
يقول ابن الأثير رحمه الله عند شرح هذه العبارة: "أمَّا فِي الدُّنْيَا فَلِلْحثِّ عَلَى عِمارتها وَبَقَاءِ النَّاسِ فِيهَا حَتَّى يَسْكُن فِيهَا ويَنْتَفع بِهَا مَنْ يَجيء بَعْدَكَ، كَمَا انْتَفَعْت أَنْتَ بعَمَل مَنْ كَانَ قَبْلَكَ وسَكَنْتَ فِيمَا عَمَرَه، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا عَلم أَنَّهُ يَطُول عُمْرُه أحْكَم مَا يَعمَلُه وحَرصَ عَلَى مَا يَكْسِبُه".[٤]
وكذلك فإنّ العبارة تدل بمضمونها أنّ على الإنسان الاجتهاد في العمل، والإنتاج، ويأخذ كامل الاحتياط لمستقبله، ويبني على أنّ مستقبله سيطول كثيراً ولن يتوقف؛ مما يؤدي به إلى أخذ الاحتياط وزيادة الإنتاجية، ولا يؤول به الحال إلى القعود، والكسل، والتهاون في أخذ الاحتياطات، لأنه إن كان قد أنتج إنتاجاً ما، فإن هذا الإنتاج سيكون مفيداً وإن لم يكن له فللأجيال القادمة.
ومن المفاهيم المغلوطة لهذه العبارة الطمع في الدنيا، وعدم الزهد فيها، والركون إليها وتعليق الأمل فيها، وهذا كله من الفهم المغلوط للعبارة حيث إنّها تدل على ما قدمناه آنفاً، ولا تدل على هذا المعنى السلبي.
معنى الشطر الثاني: واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً
والمقصود من العبارة تذكير المرء باقتراب أجله، والشعور الدائم بدنو الموت منه، ليكون دائم الإخلاص لله في عمله، وليستكثر من العمل الصالح قبل فوات الأوان، يقول ابن الأثير رحمه الله في شرح هذه العبارة: "وَأَمَّا فِي جانِب الْآخِرَةِ فإنه حَثٌّ على إخلاص العمل وحُضُور النّيَّة والقَلْب فِي العباداتِ وَالطَّاعَاتِ، والإكْثار مِنْهَا، فإِنّ مَنْ يَعْلم أَنَّهُ يَمُوتُ غَداً يُكْثر مِنْ عبَادَته ويُخْلِص فِي طاعتِه".[٥]
ومن المعاني العامة التي تفهم من هذه العبارة هو الاستعجال، والإكثار من أعمال الآخرة، والتباطؤ في أعمال الدنيا زهداً بها، وكأنها باقية لك، فلا تستعجل عليها.[٦]
المراجع
- ↑ ناصر الدين الألباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، صفحة 63. بتصرّف.
- ↑ ناصر الدين الألباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، صفحة 63. بتصرّف.
- ↑ ناصر الدين الألباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، صفحة 63. بتصرّف.
- ↑ ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، صفحة 359. بتصرّف.
- ↑ ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، صفحة 359. بتصرّف.
- ↑ ابن عثمين، فتاوى نور على الدرب، صفحة 2. بتصرّف.