شرح وتفسير سورة البلد المُبسط

كتابة:
شرح وتفسير سورة البلد المُبسط

القسم الذي ابتدأته سورة البلد

قال الله -تعالى-: (لَا أُقْسِمُ بِهَـذَا الْبَلَدِ* وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـذَا الْبَلَدِ* وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ* لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ).[١]


جاء في تفسر هذه الآيات الكريمات:[٢]

  • قول الله -تعالى-: (لَا أُقْسِمُ بِهَـذَا الْبَلَدِ): يعني مكة فقد أقسم الله سبحانه وتعالى بمكة المكرمة؛ دلالة على فضلها.
  • وقوله -تعالى-: (وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـذَا الْبَلَدِ): يعني يوم فتح مكة جعلناها لك حلالاً تقتل فيها من شئت من الكفار، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (...ألا فإنَّها لم تَحِلْ لأَحَدٍ قبلِي,ولاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي,ألا وإِنَّها حَلَّتْ لي ساعَةً من نَهارٍ...)،[٣] فأقسم الله -تعالى- بمكة لحلول نبيه -صلى الله عليه وسلم- فيها؛ إعزازاً له وإذلالاً لأعدائه.
  • وقوله -تعالى-: (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ): الوالد: آدم، وما ولد: محمد -صلى الله عليه وسلم-.
  • قول الله -تعالى-: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ): أي في مشقة وشدة، والكبد: الانتصاب، أي لقد خلقناه في بطن أمه منتصباً، كما قال مجاهد: "إنّ الولد يكون في بطن أمه منتصباً كانتصاب الأم، وملك موكل به، إذا اضجعت الأم رفع رأسه، ولولا ذلك لغرق في الدم".


إعراض كفار قريش سبب خسرانهم في الآخرة

قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ* عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ).[٤]


جاء في تفسر هذه الآيات الكريمات:[٥]

  • (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ): أي أن الذين أعرضوا عن الدين الإسلامي، ولم يصدقوا بالقرآن الكريم؛ يأخذون كتابهم بشمائلهم.
  • (عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ): أي أنهم يدخلون نار مغلقة لا يُعلم ما بداخلها.


التذكير بنعم الله على الإنسان

قول الله -تعالى-: (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ* وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ* وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ).[٦]


في هذه الآيات الكريمات يذكرنا الله -تعالى- بنعمه التي أنعمها بها على الإنسان؛ كي نشكره سبحانه على ما أنعم، (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ): وهديناه الطريقين، ونَجَد: طريق في ارتفاع، والمقصود هديناه طريق الخير وطريق الشر.[٧]


الأعمال الصالحة التي دعت إليها السورة وثوابها

قال الله -تعالى-: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ*  فَكُّ رَقَبَةٍ* أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ* يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ* أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ* ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ* أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ).[٨]


دعت هذه الآيات إلى نشر الرحمة بين الناس عامة والأقارب بوجه خاص:[٩]

  • (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ): أي أنك لم تفعل، ولم تكن تعلم ما العقبة حتى أعلمك ماهي.
  • (فَكُّ رَقَبَةٍ): أي عتق رقبة من الرق.
  • (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ): الإطعام في يوم فيه مجاعة.
  • (يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ): يتيم من الأقارب
  • (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ): اللاصق بالتراب من شدة الحاجة.
  • (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ* أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ): فمن فعل كل ما ذكر من أعمال الخير، وكان من المؤمنين الصابرين، ووصل رحمه؛ كان من أصحاب اليمين الفائزين بجنات النعيم.


التعريف بسورة البلد

  • سورة البلد مكية آياتها عشرون، سميت بهذا الاسم؛ لأنّ الله تعالى ابتدأ السورة بالقسم بالبلد الحرام والمقصود به مكّة المكرّمة وفي ذلك تعظيمًا لشأنها، وقد شرّف الله مكة فجعل فيها الكعبة وهي قبلة المسلمين.[١٠]
  • تهدف سورة البلد إلى بيان مكانة مكة المكرمة، ومقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بها، وبركته على أهلها، والتنويه بأنّ أسلاف النبي -صلى الله عليه وسلم- من سكانها الذين كانوا من الأنبياء مثل إبراهيم وإسماعيل -عليهم السلام- أو من أتباع الحنفية مثل عدنان ومضر، وذم سيرة أهل الشرك، وإنكارهم البعث، وما كانوا عليه من التفاخر المبالغ فيه، وإهمالهم شكر النعم.[١١]
  • سورة البلد من السور التي لم يذكر لها سبب نزول في المجمل، إلا أنّ لبعض آياتها سبب نزول -فقوله تعالى-: (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا)،[١٢] نزلت في الحارث بن عامر بن نوفل، إذ إنّه أذنب وجاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يستفتيه، فأمره الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- بأنّ يُكَفِّر عن ذنبه بإخراج المال، فقال الحارث: "لقد ذهب مالي في الكفّارات والنفقات، منذ دخلت في دين محمد".[١٣]


سورة البلد سورة مكية يدور الحديث فيها عن سعادة الإنسان وشقاوته، ومنهجه في اختيار أحد الطريقين، ثم أبانت للإنسان ما يعترضه من الأهوال والمصاعب يوم القيامة وطريق اجتيازها بالإيمان والعمل الصالح وإنفاق المال في جهات البر والخير.

المراجع

  1. سورة البلد، آية:1-4
  2. سهل التُستري ، تفسير التستري، صفحة 194. بتصرّف.
  3. رواه محمد ناصر الدين الألباني ، في صحيح الجامع الصغير وزيادته، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:1745، صحيح .
  4. سورة البلد، آية:19-20
  5. شمس الدين القرطبي، تفسير القرطبي، صفحة 71. بتصرّف.
  6. سورة البلد، آية:8-10
  7. محمد الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، صفحة 438. بتصرّف.
  8. سورة البلد، آية:11-18
  9. ابن أبي زَمَنِين، تفسير القرآن العزيز، صفحة 134-135. بتصرّف.
  10. وهبه الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 241. بتصرّف.
  11. محمد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، صفحة 346. بتصرّف.
  12. سورة البلد، آية:6
  13. وهبه الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 244. بتصرّف.
4719 مشاهدة
للأعلى للسفل
×