شرح وتفسير سورة التكاثر المُبسط

كتابة:
شرح وتفسير سورة التكاثر المُبسط

شرح آيات سورة التكاثر

نزلت سورة التكاثر بعد سورة الكوثر في بداية الوحي على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وسُمّيت بهذا الاسم نسبة إلى أول آية فيها، قال -تعالى-: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ)،[١] ووضّحت السورة في آياتها تنبيهًا واضحاً ورسالة شديدة لكلّ إنسان غارق في أمور الدّنيا، وبيّنت أنّ هذا التفاخر محرّم، وأشارت إلى أنّ ما يتفاخر به الإنسان مصيره الزوال ونهايته ستكون في قبر معتم، وعندها سيعلم ما هو اليقين وما هي الحقيقة الباقية.[٢] ويمكن تفسير السورة بحسب الرسالة التي تحملها كلّ آية على النحو الآتي:


من الانشغال بمفاخرة الدنيا إلى القبور

الآيات التي تتحدّث عن هذا العنوان هي قول الله -تعالى-: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ* حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ)،[٣] فقد حذّر الله -سبحانه وتعالى- الإنسان من الاغترار بالدّنيا ومتاعها، وأشار إلى عاقبة التفاخر، والانسياق وراء المال والأولاد، فيطغى انشغال الإنسان في تحصيل الجاه والسّمعة وولعه في التفاخر بماله وسمعته على عبادته لله وتحقيق الهدف الذي خلقه الله من أجله، فيُفني عمره حتى يدركه الموت وهو على هذا الحال،[٤] النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يقولُ ابنُ آدمَ: مالي مالي، وهلْ لكَ يا ابنَ آدمَ مِنْ مالِكَ إلَّا ما أكلْتَ فأفنيتَ، أوْ لبِسْتَ فأبليتَ، أو تصدقتَ فأمضيتَ).[٥]


وعيدٌ بعد وعيد

الآيات التي تتحدث عن هذا العنوان هي قول الله -تعالى-: (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ)،[٦] حيث تضمّنت الآيتين توكيدًا لفظيًا أكّد الله -سبحانه وتعالى- فيه الزجر والوعيد ليتوقّف الإنسان عن الانشغال في التكاثر، فكلّ آية تَحمل مُرادها الخاص بها، ففي الأولى يقول الله -تعالى-: إنكم ستعلمون في القبر ما العذاب الذي ينتظركم، وفي الثانية يقول: عند البعث ستعلمون صدق المصير الذي وعدتكم به.[٧]


التنبيه من العاقبة

الآية التي تتحدّث عن هذا العنوان هي قوله -تعالى-: (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ* لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ)،[٨] فيُنبّه الله -سبحانه وتعالى- النّاس من خلال الآية بتكرار كلّا، ويقول لهم: لا تفعلوا ما أنتم عليه حتى لا تندموا بعد ذلك، فما تفعلوه يستوجب العقاب والوعيد، وقصد بكلمة اليقين؛ أي البعث، فعند حصوله ينتفي الشك ويزول، وعندها تعلمون من هو الشقيّ والسعيد، وقيل إن القصد منها الموت أيضًا، ويُقسم الله -سبحانه وتعالى- بوعيدٍ آخر مخاطبًا فيه الكافرين الذين استحقّوا دخول جهنّم خاصة والنّاس عامّة.[٩]


الجزاء اليقين في الآخرة

الآية التي تتحدث عن هذا العنوان هي قوله -تعالى-: (ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ)،[١٠] ويُؤكّد الله -سبحانه وتعالى- في هذه الآية على ما جاء في الآية السابقة، فالكافرين سيرون عذاب الجحيم عن بعد في قبورهم، ثمّ سيرونه يقينًا حقيقيًا أمامهم بعد بعثهم يوم القيامة، وقيل القصد فيها أن يعلم الإنسان يقينًا أنّ الله هو من خلقه وهو من سيبعثه بعد الموت.[١١]


السؤال عن النعم

الآية التي تتحدّث عن هذا العنوان هي قوله -تعالى-: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)،[١٢] حيث سيُسأل كلّ إنسان عن النّعم التي أعطاه الله إياها، وقيل إنّ النعيم المسؤول عنه يوم القيامة هو الأمن والصحّة، وقيل إنّ الله -سبحانه وتعالى- سيسألهم يومئذٍ عمّا أنعمه عليهم وفيما استعملوا هذه النّعم، وهو أعلم منهم بذلك، وقيل إنّ الله سيسألهم عن طعامهم وشرابهم،[١٣] لما رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (أتاني النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم،- وأبو بَكرٍ، وعُمَرُ، فأطعَمْتُهُم رُطَبًا، وأسقَيْتُهُم ماءً، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: هذا مِن النَّعيمِ الذي تُسألونَ عنه).[١٤]


يتلخّص مما سبق أنّ سورة التكاثر من السور المكيّة، وفيها نبّه الله إلى ضرورة الانشغال في الطاعة بدلًا من الانشغال بالتكاثر في الأولاد والنّسب حتى يدخل الإنسان القبر؛ لأنه سيجد الحقيقة هُناك وسيعلم أنّ وعيد الله حقّ، وسيُسأل عن كلّ النّعم وفيما استخدمها.


أسباب نزول سورة التكاثر

دائمًا ما يأتي الردّ من الله مناسبًا لما وقع من الحوادث، ودائمًا ما يكون ردّ الله هو القول الفصل في كلّ شيء، ويقال إنّ سبب نزول سورة التكاثر هو أنّ قبيلتين من الأنصار كانت تُدعى بني حارثة والأخرى بني الحارث يتفاخرون بأحيائهم وبما تكاثروا فيه من نسبٍ ورجالٍ، فكانت تقول إحداهما للأخرى: فيكم مثل فلان بن فلان وفلان؟ [١٥]


فكانت تردّ عليها: انطلقوا إلى القبور، وجعلوا يفعلون مثل ذلك التفاخر ويشيرون إلى القبور في كل سؤال، حتى أنزل الله قوله -تعالى-: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ* حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ)،[١٦] فجعلهم الله -سبحانه وتعالى- عِبرة وعِظة بأن وصلت بهم الدرجة في المبالغة أن يتفاخروا بأمواتهم وما كان لهم من مجد.[١٥]


إنّ سبب نزول سورة التكاثر قبيلتين من قبائل الأنصار كانتا يتفاخران في الأحياء والأموات منهم وما كان لهم من أمجاد، فردّ الله عليهم من خلالها.


أثر سورة التكاثر على الفرد المسلم

في كلّ سورة من سور القرآن جعل الله أثراً مُلازماً لها، فكلما قرأها العبد وجد فيها من العِظة والعِبرة ما يعينه على الثبات، ففي قصص الأقوام السابقة، وأسباب النزول، والتفاسير، يجد المسلم ما نبّه الله -سبحانه وتعالى- وحذّر منه، أو رغّب وأمر به، فيقف المسلم حيث أمر الله ويبتعد عمّا نهى عنه، ومن أثر سورة التكاثر على نفس المسلم ما يأتي:[١٧]

  • يُذكّر الله -سبحانه وتعالى- الفرد المسلم على أنّ الموت والقبر والحساب حقّ، فلا ينسى آخرته.
  • ذمّ الله -سبحانه وتعالى- الانشغال بأمور الدنيا والانشغال بالجاه والأولاد عن طاعته.
  • عندما يبعث الله -سبحانه وتعالى- النّاس يوم القيامة لن تُغني عنهم قوّتهم، ولا أموالهم، ولا مكانتهم في الحياة الدنيا، والعمل الصالح هو النافع لهم.
  • على المسلم أن يعلم أنّ الله سيحاسبه يوم القيامة على ما أعطاه من نعم، وسيسأله كيف استعملها وأين تصرّف بها، فعليه أن يُعدّ نفسه لهذا السؤال.
  • على المسلم أن يتذكّر يوم القيامة، ويتذكّر الهدف الحقيقي الذي خلقه الله من أجله، ولا ينجرف مع تيار الدّنيا.


سورة التكاثر تُحذّر العبد من الانشغال في الدنيا عن طاعة الله -سبحانه وتعالى-، وبيّن المقال تفسير آياتها بشكلٍ مبسّط، ونبّهت السورة المسلمين إلى ضرورة الالتفات إلى الله وعدم الانشغال بما يتهافت عليه غيرهم من النّاس من مال، وتفاخر في الأولاد، والأنساب، فهذه لن تنفعهم عند الله شيئاً إذا لم يستخدموها في طاعته.


المراجع

  1. سورة التكاثر، آية:1
  2. جعفر شرف الدين، كتاب الموسوعة القرآنية، صفحة 147. بتصرّف.
  3. سورة التكاثر، آية:1-2
  4. د وهبة الزحيلي، التفسير الوسيط للزحيلي، صفحة 2924-2925. بتصرّف.
  5. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن الشخير ، الصفحة أو الرقم:8132، صحيح.
  6. سورة التكاثر، آية:3-4
  7. ابن عاشور، التحرير والتنوير، صفحة 521. بتصرّف.
  8. سورة التكاثر، آية:5-6
  9. القرطبي، شمس الدين، تفسير القرطبي، صفحة 173-174. بتصرّف.
  10. سورة التكاثر ، آية:7
  11. السمعاني، ابو المظفر، تفسير السمعاني، صفحة 276. بتصرّف.
  12. سورة التكاثر، آية:8
  13. الطبري، أبو جعفر، تفسير الطبري، جامع البيان، صفحة 581-583. بتصرّف.
  14. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:14637، صحيح على شرط مسلم.
  15. ^ أ ب د وهبة الزحيلي، التفسير المنير للزحيلي، صفحة 382. بتصرّف.
  16. سورة التكاثر ، آية:1-2
  17. جعفر شرف الدين، كتاب الموسوعة القرآنية، صفحة 145. بتصرّف.
4729 مشاهدة
للأعلى للسفل
×