شعراء قتلهم شعرهم

كتابة:
شعراء قتلهم شعرهم

الأدب العربي

يعود تاريخ الأدب العربي إلى خمسة عشر قرنًا مضى أو يزيد، فالأدب العربي أدبٌ عريق مرت عليه فترات من التاريخ كان متقدًا منتشرًا قويًا، ومرت عليه فترات من الخمول والضعف، ويعود ذلك إلى ما أصاب الأمة العربية من انتكاسات على مر تاريخها، فالأدب مرآة الحياة يعكس تقدم الأمم وكل التفصيلات من حالات إنسانية وعلمية، فمن الطبيعي إذًا عندما تتقدم الحضارة أن يتقدم الأدب معها، والأدب العربي عبر تاريخه شهد الكثير من التطور والتجديد فاستمدّ واستلهم من ثقافات وحضارات الأمم الأخرى، لكن كان له الطابع الخاص المميز له عن بقية آداب الأمم الأخرى، والأدب العربي يمر اليوم بحالة من الخمول لما تشهده الأمة العربية من انقسامات، لكن يبقى الأدب العربي ذا مكانة مرموقة بين الآداب العالمية، فالأدب العربي يضعف لكن لايموت؛ لأن الأدب العربي متصل بالقرآن الكريم، والقرآن هو الكتاب المقدس لكل المسلمين، وشهد الأدب العربي مؤخرًا انتفاضة في ظل الانفتاح على الحضارات الأوروبيّة بما فيها من تقدُّم وتطوّر.[١]

شعراء قتلهم شعرهم

عُرف الشعر قديمًا بأنّه كلام موزن مقفّى يخضع لنظام البيت الشعري، وهذا النظام عُرف فيما بعد بعلم العروض، وقيل الشعر ديوان العرب فكان العرب يعبرون عن أحاسيسهم من خلال قولهم الشعر، فكان الشعر تعبيرًا عن حالة إنسانية مترافقة مع حاجات المجتمع، ولذلك نجد التطور الشعري على مر العصور، والشعر سلاح الشعراء فيرفعون به من يشاؤون، وينزلون به من يشاؤون، وفي كل موقف من مواقف الحياة نطقت الألسن بأبيات شعرية معبرة عن الحالة، وتعددت الحالات والمواقف، وكان للشعراء دور بارز في الحياة الأدبية والفكرية السياسية العربية، فكان للشعر قيمة عند قائله وعند مجتمعه، وكل قبيلة افتخرت وتفاخرت بشعرائها، وبما أن الشعر ديوان العرب، فقد وثق هذا الديوان عبر تاريخ الأدب العربي ظاهرة فريدة وهي "شعراء قتلهم شعرهم" فمن هم وما الأسباب، هذا ما سيُعرض فيما يأتي:[٢]

طرفة بن العبد

شاعر جاهليّ من شعراء المعلقات، في إحدى المجالس كان ينادم هو وخاله المتلمّس ملك الحيرة عمرو بن هند، فأطلت أخت عمرو بن هند بظلها على المجلس، فقال طرفة فيما بعد شعرًا في أخت عمر بن هند:

ألا أيها الظبي الذ

ي يبرقُ شِنْفاهُ



ولولا الملك القاعـ

ـد قد ألثمني فاه

فوصل الشعر إلى عمرو بن هند فأسر في نفسه ولم يقتل طرفة لئلا يُقال قتل ضيفَه، وكان عمرو بن هند يخاف من قوم طرفة، وطرفة كان قد هجا عمرو بن هند ووصفه بالنعجة، فعندما وصل الهجاء لعمرو استشاط غضبًا وزاده غضبًا، وانتظر عمرو إلى أن رجع طرفة والمتلمس إلى قومهما، وأرسل كتابًا مختومًا لكل من المتلمس وطرفة، وفيه بأن يذهبا إلى ملك البحرين لينالا مكافأةً، ولكن المتلمس شك بالأمر وعرض الكتاب على غلام من غلمان الحيرة ممن يحسنون القراءة، فوجد أمر قتله، وحذر المتلمس ابن أخته طرفة لكن طرفة كان مغترًا بنفسه وبمنزلته وبقومه، وقال للمتلمس إن كان اجترأ عليك فما كان ليجترئ عليّ، فذهب إلى ملك البحرين وقُتل هناك وهو ابن ستة وعشرين عامًا.[٣]

أبو الطيب المتنبي

هو الشّاعر العباسي الأصيل، اُشتهر المتنبي بمدحه لسيف الدولة الحمداني في حلب، كان أبو الطيب متمكنًا من اللغة يطوّعها بين يديه كيفما يشاء، وكان كثير الفخر والاعتداد بنفسه وأصله وعروبته، وما زال شعره إلى هذا اليوم يملأ الدنيا، إلا أنّ المتنبي قتله بيت قاله، والقصة تقول إن أبو الطيب المتنبي تعرض لأم ضبه في قصيدة ورماها بأفحش التهم وهجاها هجاءًا لاذعًا شديدًا، وكان لأم ضبة أخ يُقال له "فاتك بن أبي جهل الأسدي" فعندما وصلته القصيدة الفاحشة في أخته أسر لأبي الطيب المتنبي في نفسه شرًا، وركب المتنبي مسافرًا يومًا، فلقي "فاتك بن أبي جهل الأسدي" في الطريق فأراد أن ينجو بنفسه ويهرب، فقال له غلامه ألست أنت القائل:[٤]

الخيلُ والليلُ والبَيداءُ تعرفني

والسيفُ والرُّمح والقرطاسُ والقلمُ

فعاد المتنبي وثبت في القتال في وجه فاتك بن أبي جهل الأسدي حتى قُتل، وهكذا كانت نهاية الشاعر الذي ملأ الدنيا وشغل الناس بسبب بيت شعري قاله.[٥]

الشاعر أبو نخيلة

شاعر مخضرم شهد العصر الأموي والعصر العباسي، وتعود سبب تسميته بأبي نخيلة لأن ولادته كانت تحت نخلة، وأبو نخيلة قال قصيدة مشهورة عُرفت بالقصيدة التي أضاعت الخلافة، والقصة تقول إنّ أبا نخيلة أحس برغبةأبي جعفر المنصور بخلع ابن أخيه عيسى بن موسى وتولية ابنه المهدي الخلافة من بعده، فنظم أبو نخلة قصيدة يقول فيها:[٦]

إلى أميرِ المؤمنينَ فاعْمِدِي 

إلى الذي يَنْدَى ولا يندى ندي


سيري  إلى بحرِ البِحارِ المُزْبِدِ

إلى  الذي  إن  نَفِدَتْ  لم   يَنْفَدِ


ليسَ وليُّ عهدِنا بالأسعدي

عيسى! فَزَحْلِقْها إلى محمدِ


فقدْ رضينا بالغلامُ الأمردِ

وقد فَرَغْنَا غيرَ أن لم نشهدِ

وغير أن العقدَ لم يؤكدِ

فلو سمعنا قولَك: امدد امددِ


كانَتْ لنا كدَعْقَةِ الوِرْدِ الصَّدِي

فنادِ للبيعةِ جمْعاً نحشدِ


وأشاع أبو نخيلة القصيدة حتى أنشدتها العامة والخدم، ووصلت إلى أبي جعفر المنصور، فطلب المنصور أبا نخلة إلى مجلسه, وطلب منه أن يُنشد القصيدة، وكان عيسى بن موسى في المجلس، وعندما أنهى أبو نخلة قصيدته سُرَّ أبو جعفر المنصور، وقال للعيسى "ولئن كان هذا عن رأيك؛ لقد سررتَ عمك، وبلغتَ من مرضاته أقصى ما يبلغه الولد البار السار" فقال عيسى "لقد ضللت إذًا وما أنا من المهتدين" وخلع عيس بن موسى من الخلافة بسبب هذه القصيدة، وأُخذت البيعة للمهدي، ولكن عيسى بن موسى أراد الانتقام من أبي نخلة، فأرسل رجاله في طلب رأس أبي نخلة، فذبح رجال عيسى بن موسى أبا نخلة وسلخوا وجهه ورموا جثته للنسور.[٧]

بشار بن برد

من الشعراء المخضرمين، فقد عاصر الشاعر بشار بن برد العصر الأموي والعصر العباسي، وكان أعمى، وعُرف بشاعر الهجاء، وشعره كان سبب مقتله، وبشار قال الهجاء منذ صباه، وكان لا يخاف من هجاء كبير في الدولة أو صغير، ويُحكى أنَّ بشار مدح الخليفة المهدي، ولم يعطي الخليفة بشار ما يرد مقابل مدحه، فهجاه وقال فيه:

خَليفةٌ يَزْني بعمّاتِهِ 

يَلْعَبُ بالدّبُّوقِ والصَّولجَانْ

ووصلت الأبيات إلى المهدي فكاد يموت غيظًا، وقُبض على بشار بعد ذلك في البصرة وضُرب بالسوط بتهمة الزندقة حتى مات، وأُلقي به في نهر دجلة.[٨]

وضاح اليمين

هو عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبد كُلال، ولُقب بوضاح لجماله، إذ كان يغطي وجهه خوفًا من العين، وهو من الشعراء الذين قتلهم شعرهم، ولقب بصريع أم البنين التي كانت سببًا في مقتله بسبب تغزله بها، والقصة تقول إنّ الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك كان في الحج هو وزجته أم البنين، وكان الوليد عبد الملك قد توعّد من يتعرض لزوجته، لكن وضاح أطلق لسانه يروي الشعر الرقيق في أم البنين، فقال:

أَصَحوتَ عن أم البنيـ

 ـنَ  ذكرِهَا وعنائِها؟


وَهَجَرْتَهَا هجرَ امرئٍ        

لم يسل صَفْوَ صفائِها


قرشيةٌ كالشمسِ أشـ

ـرقَ نورُهَا ببهائِهَا


زادتْ على البِيضِ الحِسَا

نِ بحسْنِهَا ونَقَائِهَا

والأبيات طويلة في أم البنين، وعندما أحسّ وضاح بغضب الخليفة كتب عدة قصائد يمتدحه، لكن لم يرضَ الوليد ودبر له وقتله، ويُقال دفنه حيًّا في حفرة أعدها له في القصر.[٣]

المراجع

  1. "الأدب العربي في السنين المائة الأخيرة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-12. بتصرّف.
  2. "شعر عربي"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-12. بتصرّف.
  3. ^ أ ب "شعراء قتلهم شعرهم"، www.ahlalhdeeth.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-12. بتصرّف.
  4. "الخيل والليل والبيداءُ تعرفني"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-12. بتصرّف.
  5. "فاتك بن أبي جهل الأسدي"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-12. بتصرّف.
  6. "أبو نخيلة الراجز"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-12. بتصرّف.
  7. "شعراء قتلهم شعرهم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-12. بتصرّف.
  8. "شعراء قتلهم شعرهم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-18. بتصرّف.
5733 مشاهدة
للأعلى للسفل
×