شعر الغزل بين العصر الأموي والعباسي

كتابة:
شعر الغزل بين العصر الأموي والعباسي


شعر الغزل بين العصر الأموي والعباسي

لم تكن الحال واحدة بالنسبة لشعر الغزل في العصرين الأموي والعباسي، بل كانت هنالك ملامح تميّز الغزل في كل عصر من هذه العصور، وفيما يأتي حديث عن ذلك:

الغزل في العصر الأموي

انقسم الغزل في العصر الأموي إلى ثلاثة أنواع متباينة واضحة، يمتاز كلّ نوع منها بما يجعله علامة فارقة في كتاب الشعر العربي؛ وتفصيل القول فيها كما يلي:

الغزل العذري

نشأ هذا الغزل نتيجة التربية الإيمانية لجيل أدرك الصحابة وجزءًا من صدر الإسلام، فنشأ في بيئة مسلمة مكتملة الملامح ليس فيها شرك أو أخلاق غير إسلامية، فاندمجت الأخلاق الحميدة عند هذا الجيل مع تعاليم الإسلام والموهبة الشعرية الكبيرة والعواطف والمشاعر الإنسانية المحكومة بتعاليم الدين الجديد، فظهر هذا الغزل العفيف على يد مجموعة من الشعراء في الحجاز تحديدًا.[١]

الغزل العمري

سمّي هذا الغزل بهذا الاسم نسبة إلى مؤسسه الشاعر عمر بن أبي ربيعة، كان هذا الغزل يمتاز بالصراحة في مضامينه، إضافة إلى تناوله المرأة بشكل مادي بعيدًا عن المعنى والروح التي امتاز بها الشعر العذري أو العفيف، فكان الغزل العمري يتناول الحديث عن جسد المرأة ويصف مفاتنها، ويصرّح بألفاظ كان العربي يتحرّج منها، لذلك سمّي أيضًا بالغزل الصريح.[١]

الغزل التقليدي

كان هذا الغزل امتدادًا للغزل في العصر الجاهلي، وهو أشبه ما يكون بالنسيب الذي تُفتَتَح به القصائد ويتغزّل به الشاعر بفتاة غير حقيقية حتى يصل إلى غرضه الرئيس من القصيدة.[١]

الغزل في العصر العباسي

حمل العصر العباسي معه الترف والبذخ للرعية نظرًا لاتساع الدولة وكثرة الواردات التي كانت تنهال عليها من كل جهة، فهذا الترف حمل الشعب إلى حياة الدعة والراحة والترف التي انعكست على شعرهم، فظهر في هذا العصر لونان واضحان للغزل هما:[٢]

  • الغزل العفيف

وهو امتداد للغزل العذري، وفيه يتغزل الشاعر بجمال المرأة بألفاظ رقيقة عذبة بعيدًا عن الفحش والبذاءة، وكان يُقال هذا الشعر غالبًا للجواري اللواتي كان عددهم في الدولة العباسية كبيرًا جدًّا.

  • الغزل الماجن

هذا الغزل يُسمّى أيضًا الغزل المذكّر أو الغلماني، وهو غزل مستحدث في العصر العباسي ويخالف معتقدات الإنسان وإنسانيته، وفيه يصرف الشاعر الغزل نحو الغلمان، فيصفون أجسامهم بطريقة غير مقبولة، ومن أشهر رواد هذا الغزل الشاعر أبو نواس.

نماذج من الغزل في العصر الأموي والعباسي

فيما يأتي نماذج على الغزل في العصرين الأموي والعباسي:

  • قصيدة بان الخليط لجرير

يقول جرير: [٣]

بانَ الخَليطُ وَلَو طُوِّعتُ ما بانا

وَقَطَّعوا مِن حِبالِ الوَصلِ أَقرانا

حَيِّ المَنازِلَ إِذ لا نَبتَغي بَدَلاً

بِالدارِ داراً وَلا الجيرانِ جيرانا

قَد كُنتُ في أَثَرِ الأَظعانِ ذا طَرَبٍ

مُرَوَّعاً مِن حِذارِ البَينِ مِحزانا

يا رَبُّ مُكتَئبٍ لَو قَد نُعيتُ لَهُ

باكٍ وَآخَرَ مَسرورٍ بِمَنعانا

لَو تَعلَمينَ الَّذي نَلقى أَوَيتِ لَنا

أَو تَسمَعينَ إِلى ذي العَرشِ شَكوانا.
  • قصيدة وكم قائل لي اسل عنها بغيرها للمجنون

يقول مجنون ليلى قيس بن الملوح:[٤]

وَكَم قائِلٍ لي اِسلُ عَنها بِغَيرِها

وَذَلِكَ مِن قَولِ الوُشاةِ عَجيبُ

فَقُلتُ وَعَيني تَستَهِلُّ دُموعَها

وَقَلبي بِأَكنافِ الحَبيبِ يَذوبُ

لَئِن كانَ لي قَلبٌ يَذوبُ بِذِكرِها

وَقَلبٌ بِأُخرى إِنَّها لَقُلوبُ

فَيا لَيلَ جودي بِالوِصالِ فَإِنَّني

بِحُبِّكِ رَهنٌ وَالفُؤادُ كَئيبُ

لَعَلِّكِ أَن تُروى بِشُربٍ عَلى القَذى

وَتَرضى بِأَخلاقٍ لَهُنَّ خُطوبُ

وَتَبلي وِصالَ الواصِلينَ فَتَعلَمي

خَلائِقَ مَن يُصفي الهَوى وَيَشوبُ

لَقَد شَفَّ هَذا القَلبَ أَن لَيسَ بارِحاً

لَهُ شَجَنٌ ما يُستَطاعُ قَريبُ

فَلا النَفسُ تَخليها الأَعادي فَتَشتَقى

وَلا النَفسُ عَمّا لا تَنالُ تَطيبُ

لَكِ اللَهُ إِنّي واصِلٌ ما وَصَلتِني

وَمُثنٍ بِما أُوليتِني وَمُثيبُ

وَآخِذُ ما أَعطَيتِ عَفواً وَإِنَّني

لَأَزوَرُّ عَمّا تَكرَهينَ هَيوبُ

فَلا تَترُكي نَفسي شَعاعاً فَإِنَّها

مِنَ الوَجدِ قَد كادَت عَلَيكَ تَذوبُ

وَأَلقى مِنَ الحُبِّ المُبَرِّحِ سَورَةً

لَها بَينَ جِلدي وَالعِظامِ دَبيبُ

وَإِنّي لَأَستَحيِيكِ حَتّى كَأَنَّما

عَلَيَّ بِظَهرِ الغَيبِ مِنكِ رَقيبُ.
  • قصيدة أمن آل نعم أنت غاد فمبكر لعمر بن أبي ربيعة

يقول عمر بن أبي ربيعة:[٥]

وَلَيلَةَ ذي دَورانَ جَشَّمتِني السُرى

وَقَد يَجشَمُ الهَولَ المُحِبُّ المُغَرِّرُ

فَبِتُّ رَقيباً لِلرِفاقِ عَلى شَفا

أُحاذِرُ مِنهُم مَن يَطوفُ وَأَنظُرُ

إِلَيهِم مَتى يَستَمكِنُ النَومُ مِنهُمُ

وَلى مَجلِسٌ لَولا اللُبانَةُ أَوعَرُ

وَباتَت قَلوصي بِالعَراءِ وَرَحلُها

لِطارِقِ لَيلٍ أَو لِمَن جاءَ مُعوِرُ

وَبِتُّ أُناجي النَفسَ أَينَ خِباؤُها

وَكَيفَ لِما آتي مِنَ الأَمرِ مَصدَرُ

فَدَلَّ عَلَيها القَلبُ رَيّا عَرَفتُها

لَها وَهَوى النَفسِ الَّذي كادَ يَظهَرُ

فَلَمّا فَقَدتُ الصَوتَ مِنهُم وَأُطفِئَت

مَصابيحُ شُبَّت في العِشاءِ وَأَنوُرُ

وَغابَ قُمَيرٌ كُنتُ أَرجو غُيوبَهُ

وَرَوَّحَ رُعيانُ وَنَوَّمَ سُمَّرُ

وَخُفِّضَ عَنّي النَومُ أَقبَلتُ مِشيَةَ ال

حُبابِ وَرُكني خَشيَةَ الحَيِّ أَزوَرُ

فَحَيَّيتُ إِذ فاجَأتُها فَتَوَلَّهَت

وَكادَت بِمَخفوضِ التَحِيَّةِ تَجهَرُ

وَقالَت وَعَضَّت بِالبَنانِ فَضَحتَني

وَأَنتَ اِمرُؤٌ مَيسورُ أَمرِكَ أَعسَرُ

أَرَيتَكَ إِذ هُنّا عَلَيكَ أَلَم تَخَف

وُقيتَ وَحَولي مِن عَدُوِّكَ حُضَّرُ

فَوَ اللَهِ ما أَدري أَتَعجيلُ حاجَةٍ

سَرَت بِكَ أَم قَد نامَ مَن كُنتَ تَحذَرُ

فَقُلتُ لَها بَل قادَني الشَوقُ وَالهَوى

إِلَيكِ وَما عَينٌ مِنَ الناسِ تَنظُرُ

فَقالَت وَقَد لانَت وَأَفرَخَ رَوعُها

كَلاكَ بِحِفظٍ رَبُّكَ المُتَكَبِّرُ

فَأَنتَ أَبا الخَطّابِ غَيرُ مُدافَعٍ

عَلَيَّ أَميرٌ ما مَكُثتُ مُؤَمَّرُ

فَبِتُّ قَريرَ العَينِ أُعطيتُ حاجَتي

أُقَبِّلُ فاها في الخَلاءِ فَأُكثِرُ.
  • قصيدة زار الخيال وصد صاحبه لابن المعتز

يقول ابن المعتز: [٦]

زارَ الخَيالُ وَصَدَّ صاحِبُهُ

وَالحُبُّ لا تُقضى عَجائِبُهُ

يا شَرُّ قَد أَنكَرتِني فَلَكَم

لَيلٍ رَأَتكِ مَعي كَواكِبُهُ

شابَت نَواصيهِ وَعَذَّبَني

مِن طولِ أَيّامي أُراقِبُهُ

حَتّى إِذا الإِمساءُ أَورَدَهُ

حَوضَ الغُروبُ فَعَبَّ شارِبُهُ

هامَ الهَوى بِمُتَيَّمٍ قَلِقٍ

في الصَبرِ قَد سُدَّت مَذاهِبُهُ

باتَت تُغَلغِلُ بَينَ ثَنيِ دُجى

حَتّى أَتَتكَ بِهِ رَكائِبُهُ

بِأَبي حَبيبٌ كُنتُ أَعهُدُهُ

لي واصِلاً فَاِزوَرَّ جانِبُهُ

عَبِقُ الكَلامِ بِمِسكَةٍ نَفَحَت

مَن فيهِ تُرضي مَن يُعاتِبُهُ

نَبَّهتُهُ وَالحَيُّ قَد رَقَدوا

مُستَبطِناً عَضباً مَضارِبُهُ

فَكَأَنَّني رَوَّعتُ ظَبيَ نَقاً

في عَينِهِ سِنَةٌ تُغالِبُهُ.
  • قصيدة غزال به فتر وفيه تأنث لأبي نواس

يقول أبو نواس:[٧]

غَزالٌ بِهِ فَترٌ وَفيهِ تَأَنُّثٌ

وَأَحسَنُ مَخلوقٍ وَأَجمَلُ مَن مَشى

أَقولُ لَهُ يَوماً وَقَد شَفَّني الهَوى

أَطَلتَ عَذابي فيكَ يا خَيرُ مَن نَشا

فَقالَ أَلَمّا يَأنِ أَن تَترُكَ الصَبا

وَما لَكَ يا هَذا وَما لي وَما تَشا

فَقُلتُ لَهُ أَقصِر عَنِ اللَومِ سَيِّدي

فَمَن ذا يُطيقُ الصَبرَ عَن مُشبَهِ الرَشا

أَرى لَكَ وَجهاً فَتَّتَ القَلبَ حُسنُهُ

بِهِ يَنجَلي كَربي وَقَد يَنجَلي الغِشا

أَتَقتُلُني إِن قُلتُ إِنّي أُحِبُّكُم

وَلا ذَنبَ لي إِن كانَ في الناسِ قَد فَشا

كَتَمتُ الهَوى حَتّى أَضَرَّ بِمُهجَتي

وَكانَ الهَوى طِفلاً صَغيراً فَقَد نَشا

فَرَقَّ لِيَ المَولى فَفُزتُ بِمَوعِدٍ

وَقالَ انتَظِرني قَبلَ مُقتَبَلِ العِشا.

المراجع

  1. ^ أ ب ت شكري فيصل، تطور الغزل بين الجاهلية والإسلام، صفحة 231 - 233. بتصرّف.
  2. ناصر بن سليم بن محمد علي الحميدي، الشعر في كتاب الأوراق للصولي دراسة تحليلية، صفحة 128 - 133. بتصرّف.
  3. "بان الخليط ولو طوعت ما بانا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 8/2/2022.
  4. "وكم قائل لي اسل عنها بغيرها"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 8/2/2022.
  5. "أمن آل نعم أنت غاد فمبكر"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 8/2/2022.
  6. "زار الخيال وصد صاحبه"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 8/2/2022.
  7. "غزال به فتر وفيه تأنث"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 8/2/2022.
7260 مشاهدة
للأعلى للسفل
×