شعر الغزل في العصر العباسي الثاني

كتابة:
شعر الغزل في العصر العباسي الثاني


شعر الغزل في العصر العباسي الثاني

شاع الغزل كواحد من الأغراض الشعرية منذ الجاهلية وحتى العصر الحديث، حيث لا بدّ للشاعر من التغني بالمرأة التي يحب بين جدران كلماته، وازدهر ازدهاراً واضحاً في العصر العباسيّ، إذ أقبل عليه الشعراء إقبالاً كبيراً، إلّا أنّه أخذ منحى آخر غير الذي عُرف في العصر الأموي، فقد كان الغزل في العصر الأموي عفيفاً على الأغلب بطابعه، أمّا غزل العصر العباسي فقد مال لأن يكون غزلاً صريحاً جريئاً،[١] ومن أجمل القصائد التي وردت في العصر العباسي الثاني في باب الغزل:


قصيدة أبت عبراته إلا انسكابا

قال أبو فراس الحمداني:[٢]

أَبَت عَبَراتُهُ إِلّا اِنسِكابا

وَنارُ غَرامِهِ إِلّا اِلتِهابا

وَمِن حَقِّ الطُلولِ عَلَيَّ أَلّا

أُغِبَّ مِنَ الدُموعِ لَها سَحابا

وَما قَصَّرتُ في تَسآلِ رَبعٍ

وَلَكِنّي سَأَلتُ فَما أَجابا

رَأَيتُ الشَيبَ لاحَ فَقُلتُ أَهلاً

وَوَدَّعتُ الغَوايَةَ وَالشَبابا

وَما إِن شِبتُ مِن كِبَرٍ وَلَكِن

رَأَيتُ مِنَ الأَحِبَّةِ ما أَشابا

بَعَثنَ مِنَ الهُمومِ إِلَيَّ رَكباً

وَصَيَّرنَ الصُدودَ لَها رِكابا

أَلَم تَرَنا أَعَزَّ الناسِ جاراً

وَأَمرَعُهُم وَأَمنَعُهُم جَنابا

لَنا الجَبَلُ المُطِلُّ عَلى نِزارٍ

حَلَلنا النَجدَ مِنهُ وَالهِضابا

تُفَضِّلُنا الأَنامُ وَلا تُحاشي

وَنوصَفُ بِالجَميلِ وَلا نُحابى

وَقَد عَلِمَت رَبيعَةُ بَل نِزارٌ

بِأَنّا الرَأسُ وَالناسُ الذُنابى


قصيدة ربع خلا من بدر مغناه

قال الشاعر البحتري: [٣]

رَبعٌ خَلا مِن بَدرِهِ مَغناهُ

وَرَعَت بِهِ عينُ المَها الأَشباهُ

بَدَلاً شَنيئاً مِن مَحاسِنِ صورَةٍ

وَصَلَ القُلوبَ بِناظِرَيها اللَهُ

كانَت مُرادَ عُيونِنا فَرَمى الهَوى

رَيبُ الزَمانِ فَشَتَّ صَرفَ قُواهُ

وَلَرُبَّما أَرتَعتُ رَوضَةَ حُسنِها

طَرفي وَأَعطَيتُ الفُؤادَ مُناهُ

ما كان عَهدُ وِصالِها لَمّا نَأَت

إِلّا كَحُلمٍ طارَ حُلوُ كَراهُ

فَتَناسَ مَن لَم تَرجُ رَجعَةَ وُدِّهِ

وَوَصالِهِ وَتَعَزَّ عَن ذِكراهُ

بِمُجَنَّبٍ رَحبِ الفُروجِ مُشَذَّبٍ

نابي القَذالِ حَديدَةٍ أُذُناهُ

ضافي السَبيبِ مُقَلِّصِن لَم تَنخَزِل

مِنهُ القَطاةُ وَلَم يَخُنهُ شَظاهُ

صافي الأَديمِ كَأَنَّ غُرَّةَ وَجهِهِ

فَلَقُ الصَباحِ انجابَ عَنهُ دُجاهُ

يَجري إِذا جَرَتِ الجِيادُ عَلى الوَنى

فَيَبُذُّ أولى جَريِها أُخراهُ

يُدنيكَ مِن مَلِكٍ أَغَرَّ سَمَيدَعٍ

يُدنيكَ مِن أَقصى مِناكَ رِضاهُ

لَو قيلَ مَن حازَ السَماحَةَ وَالنَدى

يَومَ الفَخارِ لَقيلَ ذاكَ الشاهُ

الشاهُ شاهُ المَجدِ غَيرَ مُدافَعٍ

حازَ المَكارِمَ كُلَّها بُرداهُ

ما البَحرُ مُلتَطِمُ العُبابِ يُمِدُّهُ

بَحرٌ يَفيضُ بِسَيبِهِ عَبراهُ

يَوماً بِأَسمَحَ مِن أَسِرَّةِ كَفِّهِ

في حالَتَيهِ بِما حَوَتهُ يَداهُ

كَلّا وَلا غَيثٌ تَهَلَّلَ مُزنُهُ

بِحَيا الوَرى إِلّا كَبَعضِ نَداهُ

وَلَما أُسامَةُ وَهوَ يَحمي غيلَهُ

وَوَراءَهُ مَعَ عُرسِه شِبلاهُ


قصيدة وحلو الدلال مليح الغضب

قال ابن المعتز:[٤]

وَحُلوُ الدَلالِ مَليحُ الغَضَب

يَشوبُ مَواعيدُهُ بِالكَذِب

قَصيرُ الوَفاءِ لِأَحبابِهِ

فَهُم مِن تَلوُّنِهِ في تَعَب

سَقاني وَقَد سُلَّ سَيفُ الصَبا

حِ وَاللَيلُ مِن خَوفِهِ قَد هَرَب

عُقاراً إِذا ما جَلَتها السُقا

ةُ أَلبَسَها الماءُ تاجَ الحَبَب

فَأَصلَحَ بَيني وَبَينَ الزَمانِ

وَأَبدَلَني بِالهُمومِ الطَرَب

وَما العَيشُ إِلّا لِمُستَهتِرٍ

تَظَلُّ عَواذِلُهُ في شَغَب

يَهيمُ إِلى كُلِّ ما يَشتَهي

وَإِن رَدَّهُ العَذلُ لَم يَنجَذِب

وَيَسخو بِما قَد حَوَت كَفُّهُ

وَلا يُتبِعُ المَنَّ ما قَد وَهَب

فَكَم فِضَّةٍ فَضَّها في سُرورِ

يَومٍ وَكَم ذَهَبٍ قَد ذَهَب

وَلا صيدَ إِلّا بِوَثّابَةٍ

تَطيرُ عَلى أَربَعٍ كَالعَذَب

وَإِن أَطلَقَت مِن قِلادَتِها

وَطارَ الغُبارُ وَجَدَّ الطَلَب

فَزَوبَعَةٌ مِن بَناتِ الرِياحِ

تُريكَ عَلى الأَرضِ شَدّاً عَجَب

تَضُمُّ الطَريدَ إِلى نَحرِها

كَضَمِّ المُحِبِّ لِمَن قَد أَحَب

أَلا رُبَّ يَومٍ لَها لا يُذَمُّ

أَراقَت دَماً وَأَغابَت سَغَب

لَها مَجلِسٌ في مَكانِ الرَديفِ

كَتُركِيَّةٍ قَد سَبَتها العَرَب

وَمُقلَتُها سائِلٌ كُحلُها

وَقَد جُلِيَت سَبَجاً مِن ذَهَب

فَظَلَّت لُحومُ ظِباءِ الفَلاةِ

عَلى الجَمرِ مُعجَلَةً تُنتَهَب

وَطافَت سُقاتُهُمُ يَمزِجونَ

بِماءِ الغَديرِ بَناتِ العِنَب

وَحَثّوا النَدامى بِمَشمولَةٍ

إِذا شارِبٌ عَبَّ فيها قَطَب

فَراحوا نَشاوى بِأَيدي المُدامِ

وَقَد نَشَطوا عَن عِقالِ التَعَب

إِلى مَجلِسٍ أَرضُهُ نَرجِسٌ

وَأَوتارُ عيدانِهِ تَصطَخِب

وَحيطانُهُ خَرطُ كافورَةٍ

وَأَعلاهُ مِن ذَهَبٍ يَلتَهِب

فَيا حُسنَهُ يا إِمامَ الهُدى

وَخَيرَ الخَلائِفِ نَفساً وَأَب

إِذا ما تَرَبَّعَ فَوقَ السَريرِ

وَبِالتاجِ مَفرِقُهُ مُعتَصِب

لَهُ راحَةٌ يا لَها راحَةً

تَرى جَدَّ نائِلِها كَاللَعِب

وَأَهيَبَ ما كانَ عِندَ الرِضى

وَأَرحَمَ ما كانَ عِندَ الغَضَب

قصيدة عيون المها بين الرصافة والجسر

قال الشاعر علي بن الجهم:[٥]

عُيونُ المَها بَينَ الرُصافَةِ وَالجِسرِ

جَلَبنَ الهَوى مِن حَيثُ أَدري وَلا أَدري

أَعَدنَ لِيَ الشَوقَ القَديمَ وَلَم أَكُن

سَلَوتُ وَلكِن زِدنَ جَمراً عَلى جَمرِ

سَلِمنَ وَأَسلَمنَ القُلوبَ كَأَنَّما

تُشَكُّ بِأَطرافِ المُثَقَّفَةِ السُمرِ

وَقُلنَ لَنا نَحنُ الأَهِلَّةُ إِنَّما

تُضيءُ لِمَن يَسري بِلَيلٍ وَلا تَقري

فَلا بَذلَ إِلّا ما تَزَوَّدَ ناظِرٌ

وَلا وَصلَ إِلّا بِالخَيالِ الَّذي يَسري

أحينَ أزحنَ القَلبَ عَن مُستَقَرِّهِ

وَأَلهَبنَ ما بَينَ الجَوانِحِ وَالصَدرِ

صددنَ صدودَ الشاربِ الخمر عندما

روى نفسَهُ عن شربها خيفةَ السكرِ

ألا قَبلَ أَن يَبدو المَشيبُ بَدَأنَني

بِيَأسٍ مُبينٍ أَو جَنَحنَ إِلى الغَدرِ

فَإِن حُلنَ أَو أَنكَرنَ عَهداً عَهِدنَهُ

فَغَيرُ بَديعٍ لِلغَواني وَلا نُكرِ

وَلكِنَّهُ أَودى الشَبابُ وَإِنَّما

تُصادُ المَها بَينَ الشَبيبَةِ وَالوَفرِ

كَفى بِالهَوى شُغلاً وَبِالشَيبِ زاجِراً

لَوَ اَنَّ الهَوى مِمّا يُنَهنَهُ بِالزَجرِ

أَما وَمَشيبٍ راعَهُنَّ لَرُبَّما

غَمَزنَ بَناناً بَينَ سَحرٍ إِلى نَحرِ

وَبِتنا عَلى رَغمِ الوُشاةِ كَأَنَّنا

خَليطانِ مِن ماءِ الغَمامَةِ وَالخَمرِ

المراجع

  1. ياسمينة محمد عمر، خصائص الشعر يف العصر العباسي، صفحة 306. بتصرّف.
  2. "أبت عبراته إلا انسكابا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 10/2/2022.
  3. "ربع خلا من بدره مغناه"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 10/2/2022.
  4. "وحلو الدلال"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 10/2/2022.
  5. "عيون المها "، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 10/2/2022.
6127 مشاهدة
للأعلى للسفل
×