شعر النقائض بين جرير والفرزدق

كتابة:
شعر النقائض بين جرير والفرزدق


شعر النقائض بين جرير والفرزدق

هجاء جرير للفرزدق

يعد كل من جرير والفرزدق من أشهر شعراء فن النقائض على مر العصور، وفي العصر الأموي على وجه الخصوص، إذ حظي هذان الشاعران باهتمام خاص من الدارسين والباحثين، لكثرة النقائض الشعرية التي دارت بينهما، ومن أشهرها قصيدة طويلة يهجو فيها جريرُ الفرزدقَ، ويقول فيها:[١]


وَهَل كانَ الفَرَزدَقُ غَيرَ قِردٍ

:::أَصابَتهُ الصَواعِقُ فَاِستَدارا

وَكُنتَ إِذا حَلَلتَ بِدارِ قَومٍ

:::رَحَلتَ بِخِزيَةٍ وَتَرَكتَ عارا

تَزَوَّجتُم نَوارَ وَلَم تُريدوا

:::لِيُدرِكَ ثائِرٌ بِأَبي نَوارا

فَدينُكَ يا فَرَزدَقُ دينُ لَيلى

:::تَزورُ القَينَ حَجّاً وَاِعتِمارا

فَظَلَّ القَينُ بَعدَ بِكاحِ لَيلى

:::يُطيرُ عَلى سِبالِكُمُ الشَرارا


فردّ عليه الفرزدقُ معاني قصيدته ونقضها بقصيدة طويلة، يقول في بدايتها:[٢]

جَرَّ المُخزِياتِ عَلى كُلَيبٍ

جَريرٌ ثُمَّ ما مَنَعَ الذِمارا

وَكانَ لَهُم كَبَكرِ ثَمودَ لَمّا

رَغا ظُهراً فَدَمَّرَهُم دَمارا

عَوى فَأَثارَ أَغلَبَ ضَيغَمِيّاً

فَوَيلَ اِبنِ المَراغَةِ ما اِستَثارا

مِنَ اللائي يَظَلُّ الأَلفُ مِنهُ

مُنيخاً مِن مَخافَتِهِ نَهارا

تَظَلُّ المُخدِراتُ لَهُ سُجوداً

حَمى الطُرقَ المَقانِبَ وَالتِجارا

كَأَنَّ بِساعِدَيهِ سَوادَ وَرسٍ

إِذا هُوَ فَوقَ أَيدي القَومِ سارا.


ومن النقائض الأخرى الشهيرة التي دارت بين جرير والفرزدق، قصيدة يهجو جريرُ الفرزدقَ فيها ويقول:[٣]

لِمَنِ الدِيارُ كَأَنَّها لَم تُحلَلِ

بَينَ الكِناسِ وَبَينَ طَلحِ الأَعزَلِ

وَلَقَد أَرى بِكَ وَالجَديدُ إِلى بِلىً

مَوتَ الهَوى وَشِفاءَ عَينِ المُجتَلي

نَظَرَت إِلَيكَ بِمِثلِ عَينَي مُغزِلٍ

قَطَعَت حِبالَتَها بِأَعلى يَليَلِ

وَإِذا اِلتَمَستَ نَوالَها بَخِلَت بِهِ

وَإِذا عَرَضتَ بِوُدِّها لَم تَبخَلِ

وَلَقَد ذَكَرتُكِ وَالمَطِيُّ خَواضِعٌ

وَكَأَنَّهُنَّ قَطا فَلاةٍ مَجهَلِ

يَسقينَ بِالأُدَمى فِراخَ تَنوفَةٍ

زُغباً حَواجِبُهُنَّ حُمرَ الحَوصَلِ.


فرد عليه الفرزدقُ وقال:[٤]

إِنَّ الَّذي سَمَكَ السَماءَ بَنى لَنا

بَيتاً دَعائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطوَلُ

بَيتاً بَناهُ لَنا المَليكُ وَما بَنى

حَكَمُ السَماءُ فَإِنَّهُ لا يُنقَلُ

بَيتاً زُرارَةُ مُحتَبٍ بِفِنائِهِ

وَمُجاشِعٌ وَأَبو الفَوارِسِ نَهشَلُ

يَلِجونَ بَيتَ مُجاشِعٍ وَإِذا اِحتَبوا

بَرَزوا كَأَنَّهُمُ الجِبالُ المُثَّلُ

لا يَحتَبي بِفِناءِ بَيتِكَ مِثلُهُم

أَبَداً إِذا عُدَّ الفَعالُ الأَفضَلُ

مِن عِزِّهِم جَحَرَت كُلَيبٌ بَيتَها

زَرباً كَأَنَّهُمُ لَدَيهِ القُمَّلُ.


هجاء الفرزدق لجرير

هجا الفرزدقُ جريراً في قصائد كثيرة، منها أنه هجاه وهو محرم للحج، فقال: "والله لأفسدن على ابن المراغة حجه"، فاستقبله مهاجياً له:[٥]


إِنَّكَ لاقٍ بِالمُحَصَّبِ مِن مِنىً

فَخاراً فَخَبِّرني بِمَن أَنتَ فاخِرُ

أَبِالقَيسِ قَيسٍ أَم بِخِندِفَ تَعتَزي

إِذا زَأَرَت مِنها القُرومُ الهَوادِرُ.


فرد عليه جرير بعد حجه وقال:[٦]

ما لِلفَرَزدَقِ مِن عِزٍّ يَلوذُ بِهِ

إِلّا بَنو العَمِّ في أَيديهِمُ الخَشَبُ

سيروا بَني العَمِّ فَالأَهوازُ مَنزِلُكُم

وَنَهرُ تيرى فَلَم تَعرِفكُمُ العَرَبُ

الضارِبو النَخلَ لا تَنبو مَناجِلُهُم

عَنِ العُذوقِ وَلا يُعيِيهِمُ الكَرَبُ.


تعريف شعر النقائض

لغةً

النقائض هي جمع النقيضة، ولها معانٍ عديدة في اللغة حسب السياق اللغوي، فنقول نقضَ البناء أي هدمه، ونقض الحبل أي حلّه وفك عقده، وإذا أردنا ضده فالإبرام للحبل والبناء، هذا في المعنى الحسي، أما المعنى المعنوي فيتمثل في نقض العهود والمواثيق، وفي نقض القول والإتيان بما يخالفه، فنقضَ القول أي خالفه وغايره في المعنى.[٧]


ومن منبع المعنى المعنوي لكلمة النقائض جاء فن النقائض الشعري، والذي يعني مناقضة القول والمجيء بما يخالفه، ولهذا نقول نقائض جرير والفرزدق -على سبيل المثال-، فمناقضة شاعر لشاعر آخر في المعنى اللغوي تعني مخالفة قوله ومناقضته وقول ما يغايره في المعنى.[٨]


اصطلاحاً

شعر النقائض في المعنى الاصطلاحي هو فن شعريّ يتجه فيه شاعرٌ إلى آخر بقصيدة إما متفاخراً فيها وإما مُهاجياً، فيرد عليه الآخر -متفاخراً أو مُهاجياً- بقصيدة مماثلة لها في القافية والبحر والروي، وبهذا يكون الآخر قد نقضَ ما قاله الأول بما يخالفه، وبالتالي لا بد من وحدة الموضوع في كلا القصيدتين، من هجاءٍ أو رثاءٍ أو نسيبٍ، وغيرها من المواضيع.[٩]


خصائص شعر النقائض

يعتبر شعر النقائض لوناً من ألوان الهجاء إلا أنه استقل عنه بخصائص معينة، منها:[١٠]

  1. أن تكون بين شاعرين يرد أحدهما على الآخر، فإن كانت من جانب واحد لم تكن من فن النقائض.
  2. أن تتشابه القصيدتان في البحر والروي والقافية.
  3. أن يردَّ الشاعرُ الثاني على المعاني التي ذكرها الشاعر الأول.
  4. أن يكتب الشاعر قصيدة طويلة ذات عدد كبير من الأبيات، وتعد نقيضة الشاعر جرير واحدة من أطول النقائض، إذ تجاوزت خمسين بيتاً شعرياً.
  5. أنها تتأثر بالدين الإسلامي الحنيف، فقد استعان الشعراء في هذا الفن بالعديد من المعاني والمصطلحات الإسلامية، ونظموا شعرهم وأبياتهم في كنف الحضارة الإسلامية.
  6. أنها تصوّر عصرها الاجتماعي بشكل أوسع وأوفى.[١١]
  7. أنها كانت بيئة خصبة لاختلاط التعاليم الإسلامية والجاهلية في آنٍ واحدٍ.[١٢]


المراجع

  1. موقع الديوان، "ألا حي الديار بسعد إني"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 26/1/2022.
  2. موقع الديوان، "جر المخزيات على كليب"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 26/1/2022.
  3. موقع الديوان، "لمن الديار كأنها لم تحلل"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 26/1/2022.
  4. موقع الديوان، "إن الذي سمك السماء بنى لنا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 26/1/2022.
  5. موقع الديوان، "إنك لاقٍ بالمحصّب من منى"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 26/1/2022.
  6. موقع الديوان، "ما للفرزدق من عز يلوذ به"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 26/1/2022.
  7. أحمد الشايب، تاريخ النقائض في الشعر العربي، صفحة 2-3. بتصرّف.
  8. أحمد الشايب، تاريخ النقائض في الشعر العربي، صفحة 3. بتصرّف.
  9. أحمد الشايب، تاريخ النقائض في الشعر العربي، صفحة 3. بتصرّف.
  10. معمر بن المثنى، برواية اليزيدي عن العسكري عن ابن حبيب عنه، شرح نقائض جرير والفرزدق، صفحة 1. بتصرّف.
  11. أحمد الشايب، تاريخ النقائض في الشعر العربي، صفحة 456. بتصرّف.
  12. أحمد الشايب، تاريخ النقائض في الشعر العربي، صفحة 457. بتصرّف.
7031 مشاهدة
للأعلى للسفل
×