شعر غازي القصيبي

كتابة:
شعر غازي القصيبي

نماذج من شعر غازي القصيبي

غازي القصيبي؛ شاعر سعودي يُلقب بسندباد الشعر السعودي الحديث، حظي شعره بانتشار واسع بين القراء، وأشهر أعماله ديوان "معركة بلا راية" الذي أصدره في بيروت عام 1971م، كما تمكّن من ترجمة بعض من أشعاره إلى اللغة الإنجليزية عن طريق ديوانه "الشرق والصحراء"، وتميز شعره بالعاطفة الصادقة من خلال الصور الفنية التي قدمها، ومن أشعاره الآتي:

قصيدة: لك الحمد

لَكَ الحَمْدُ وَالأَحْلامُ ضاحِكَةُ الثَغْرِ
لَكَ الحَمْد وَالأَيّامُ دامِيَةُ الظَفْرِ
لَكَ الحَمْدُ وَالأَفْراحُ تَرْقُصُ فِي دَمِي
لَكَ الحَمْدُ وَالأَتْراحُ تَعْصِفُ فِي صَدْرِي
لَكَ الحَمْدُ لا أُوَفِّيكَ حَمْدًا وَإِنْ طَغَى
زَمانِي وَإِنْ لَجْتَ لَيالِيَهُ فِي الغَدْرِ
قَصَدْتُكَ، يا رَبّاهُ، وَالأُفُقُ أَغْبِرَ
وَفَوْقِي مِنْ بَلْوايَ قاصِمَةُ الظَهْرِ
قَصَدْتُكَ، يا رَبّاهُ، وَالعُمْرُ رَوْضَةٌ
مُرَوِّعَةُ الأَطْيارِ، واجِمَةُ الزَهْرِ
أَجْرُّ مِنْ الآلامِ ما لا يُطِيقُهُ
سِوَى مُؤْمِنٍ يَعْلُو بِأَجْنِحَةِ الصَبْرِ
وَأَكْتُمُ فِي الأَضْلاعِ ما لَوْ نَشَرْتَهُ
تَعَجَّبَتْ الأَوْجاعَ مِنِّي.. وَمِنْ سِرِّي
وَيَشَمَّتُ بِي حَتَّى عَلَى المَوْتِ طَغْمَةً
غَدَتْ فِي زَمانِ المَكْرِ أُسْطُورَةُ المَكْرَ
وَيَرْتَجِزُ الأَعْداءُ هذا بِرَمْحِهِ
وَهذا بِسَيْفٍ حَدِّهِ ناقَعَ الحَبْرَ
لَحا اللهُ قَوْماً صَوَّرُوا شُرْعَةَ الهُدَى
أَذاناً بِبَغْضاءَ.. وَحَجّاً إِلَى الشَرْ
يُعادُونَ رَبَّ العالَمِينَ بِفِعْلِهِمْ
وَأَقْوالُهُمْ تَرْمِي المُصَلِّينَ بِالكَفْرِ
يُهَدِّدُنِي دَجالُهُمْ مِنْ جُحُورِهِ
وَلَمْ يَدْرِ أَنَّ الفَأْرَ يَزْأَرُ كَالفَأْرِ
جَبّانٌ يَحُضُّ الغافِلِينَ عَلَى الرَدَى
وَيَجْرِي إِلَى أَقْصَى الكُهُوفِ مِنْ الذُعْرِ
وَما خِفَّتْ وَالآسادُ تَزْأَرُ فِي الشَرَى
فَكَيْفَ بِخَوْفِي مِنْ رُوَيْبِضَةِ الجُحْرِ؟
وَلَمْ أَخْشَ، يا رَبّاهُ، مَوْتًا يُحِيطُ بَيْ
وَلكِنَّنِي أَخْشَى حِسابَكَ فِي الحَشَرِ
وَما حَدَّثَتْنِي بِالفِرارِ عَزِيمَتَي
وَكَمْ حَدَّثَتْنِي بِالفِرارِ مِنْ الوَزَرِ
إِلَيْكَ، عَظِيمُ العَفْوِ، أَشْكُو مَواجِعِي
بِدَمْعٍ عَلَى مَرْأَى الخَلائِقِ لا يَجْرِي
تَرْحَلُ إِخْوانِي.. فَأَصْبَحْتُ بَعْدَهُمْ
غَرِيبًا يَتِيمُ الرُوحِ وَالقَلْبِ وَالفِكْرِ
لَكَ الحَمْدُ وَالأَحْبابُ فِي كُلِّ سامِرٍ
لَكَ الحَمْدُ وَالأَحْبابُ فِي وَحْشَةِ القَبْرَ
وَأَشْكُرُ إِذْ تُعْطِي، بِما أَنْتَ أَهْلُهُ
وَتَأْخُذُ ما تُعْطِي، فَأَرْتاحُ لِلشُكْرِ[١]

قصيدة: جميع المطارات عندي سواء

جَمِيعُ المَطاراتِ عِنْدِي سَواءٌ
جَمِيعُ الفَنادِقِ عِنْدِي سَواءٌ
وَكُلُّ اِرْتِحالٍ قَبَيْلَ الشُرُوقِ
وَبَعْدَ المَساءِ
سَواءٌ
وَكُلُّ الوُجُوهِ
تُطارِدُنِي عِنْدَ كُلِّ وَداعِ
تُلاحِقُنِي عِنْدَ كُلِّ لِقاءٍ
سَواءٌ
فَفِيمَ العَناءُ؟
أُفِيقُ مَعَ الفَجْرِ
أَشْرَبُ شايَ الصَباحِ
أَسِيرٌ إِلَى عَنّابَةِ الأَمْسِ وَاليَوْمِ
حَيْثُ تَسِيلُ الدِماءُ
أُصافِحُ نَفْسَ الأَيادِي المَلِيئَةِ
بِالعِطْرِ وَالمَكْرِ.. أَلْمَحُ نَفْسَ الرِياءِ
وَنَفْسُ الخِداعِ
وَنَفْسُ الغَباءِ
فَفِيمَ العَناءُ؟
فَفِيمَ العَناءُ؟
وَأَلْهُو بِنَفْسِ القَراراتِ
أَهذِي بِنَفْسِ الخِطاباتِ
أَسْمَعُ نَفْسَ الغِناءِ
أَطْوفُ بِنَفْسِ الجُمُوعِ
وَأَبْصِرُ نَفْسَ الدُمُوعِ
وَأَضْحَكُ حِينَ يَشاءُ القَضاءُ
وَأَحْزَنُ حِينَ يَشاءُ القَضاءُ
فَفِيمَ العَناءُ؟
فَفِيمَ العَناءُ؟
وَلا يَعْرِفُ الفَقْرُ أَنِّي
سَكَبْتُ دُمُوعِي عَلَيْهِ
وَلا يَعْرِفُ الحُبُّ أَنِّي
اِرْتَمَيْتُ.. لَثَمَتْ يَدَيْهِ
وَلا يَعْرِفُ الظُلْمُ أَنِّي
تَمَلْمَلْتُ فِي قَبْضَتَيْهِ
وَلا يَعْرِفُ الناسُ أَنِّي
غَضِبْتْ وَقَدْ عَذَّبَ الأَبْرِياءُ
وَحارَبْتُ حِينَ طَغَى الأَدْعِياءُ
فَفِيمَ العَناءُ؟
فَفِيمَ العَناءُ؟
وَحِينَ أَغِيبَ
وَراءَ المَغِيبِ..
يَقُولُونَ: كانَ عَنِيدًا
وَكانَ يَقُولُ: القَصِيدا
وَكانَ يُحاوِلُ شَيْئاً جَدِيدًا
وَراحَ وَخَلْفَ هذا الوُجُودا
كَما كانَ قَبْلُ غَبِيّاً بَلِيدًا
فَفِيمَ العَناءُ؟
فَفِيمَ العَناءُ؟[٢]

قصيدة: قل لها

قُلْ لَها إِنَّهُ تَأَمَّلَ فِي دُنْياهُ
حِيناً فَعادَ يَحْضُنُ دَمْعَهُ
راعِهُ أَنَّ عُمْرَهُ يَتَلاشَى
مِثْلُ ما تَخْمُدُ الأَعاصِيرُ شَمْعَةً
وَصِباهُ يَضِيعُ مِنْهُ كَما ضاعَ
نِداءٌ تَطْوِي المَتاهاتُ رَجْعَهُ
قُلْ لَها إِنَّهُ يُفِيقُ عَلَى جُرْحِ
وَتَغْفُو سِنِينُهُ فَوْقَ لوعة
سَكَبَ الدَهْرِ مِنْ أَساهُ رَحِيقًا
فَتَحْساهُ جُرْعَةً إِثْرَ جَرْجرعة
لَها.. إِنَّهُ يَهِيمُ وَأَخْشَى
أَنْ تُوارِيَهُ رِحْلَةً دُونَ رجعة[٣]

قصيدة: قلت لي السحر في البحر والليل والبدر

وقلتِ لي: السِحْرُ فِي البَحْرِ وَاللَيْلُ وَالبَدْرَ
فِي الكائِناتِ المُدْمَأَةِ بِالعِشْقِ
تَحْلُمُ أَنْ تَتَضاعَفَ وَهِيَ تُحِبُّ
وَتَكْبُرُ وَهِيَ تُحِبُّ
وَتَولَّدُ فِي الفَجْرِ
قُلْتُ لِي: السِحْرُ فِي الوَتَرِ
المُتَنَفَّسُ شَوْقًا وَشِعْرًا
وَقُلْتُ.. وَقُلْتُ..
وَأَرْسَلَتُ رُوحِي تَعْبُرُ هذا الفَضاءَ
المُرَصَّعُ بِاللانِهايَةِ تَسْأَلُ ما السِحْرُ؟
ما الحُبُّ؟ ما العَيْشُ؟ ما المَوْتُ؟
تَسْأَلُ تَسْأَلُ
يا أَنْتَ! لا تَنْبَشِي أَلْفُ جُرْحٍ قَدِيمَ
وَأَلْفُ سُؤالٍ عَتِيقَ
فَإِنِّي نَسِيتُ الضِمادَ
نَسِيَتْ الإِجاباتِ
مُنْذُ تَبَرَّأَتُ مِنْ نَزْوَةِ الشُعَراءِ
وَعُدْتُ إِلَى زُمْرَةِ الأَذْكِياءِ
الَّذِينَ يَخُوضُونَ هذِي الحَياةَ
بِدُونِ سُؤالٍ.. بِدُونِ جَوابِ
وَيَأْتَزِرُونَ النُقُودَ وَيَرْتَشِفُونَ النُقُودَ
وَيَسْتَنْشِقُونَ النُقُودَ
وَهذِي الثَوانِي الَّتِي أَخَذَتْنا إِلَى
عَبْقَرٌ كَيْفَ جاءَتْ؟
وَكَيْفَ اِسْتَطاعَتْ عُبُورُ الطَرِيقِ
المُدَجَّجُ بِالمالِ وَالجاهِ وَالعِزِّ وَاليَأْسِ؟
كَيْفَ اِسْتَطاعَتْ نَفاذاً لِقَلْبِي؟
وَيا وَيْحَ قَلْبِي!
مُنْذُ سِنِينَ تَجَمَّدَ كَيْفَ يَعِيشُ
الفَتَى دُونَ قَلْبٍ يَدُقُّ؟
وَدُونَ دِماءٍ تَسِيلُ؟
تَحَنَّطْتُ لٰكِنَّنِي لَمْ أُبْحَ
فَمَشَيْتُ وَلَمْ يَدْرِ مَنْ مَرَّ بَيْ
أَنَّنِي دُونَ قَلْبِ
فَمِنْ أَيْنَ أَقْبَلَتْ تَرْتَجِلِينَ القَصائِدَ
تَسْتَمْطِرِينَ الكَواكِبَ زَخَّةً وَجَدْ
تُثِيرِينَ زَوْبَعَةً فِي الرَمِيمِ؟
أَنا قَدْ تَقاعَدَتْ سَيِّدَتِي
مِن مُطارَدَةِ الوَهْمِ عَبْرَ صَحارَى الخَيالِ
تَقاعَدْتُ مِنْ رِحْلَتِي فِي تُخُومِ الرَجاءِ
وَعَبْرَ بِحارُ المَخاضِ المَلِيئَةِ
مَوْجاً عَنِيفاً
تَقاعَدَتْ أَعْلَنَتْ لِلناسِ أَنِّي
قَدْ كُنْتُ مُنْذُ سِنِينَ طِوالٍ وَمُتَ
فَمَنْ يَفْضَحْ السِرَّ؟ مَنْ يَحْفِرُ القَبْرَ؟
سَيِّدَتِي! أَوْغَلُ اللَيْلِ فَاِنْطَلِقِي
وَدَعِي المُومْياءُ الَّذِي مَسَّهَ البَحْرُ
لَمْ يَنْتَفِضْ.. مَسَّهُ اللَيْلُ لَمْ يَنْتَفِضْ
مَسِهُ البَدْرُ لَمْ يَنْتَفِضْ يَتَأَمَّلُ فِي المالِ
وَالجاهِ، وَالعِزِّ، وَالبَأْسِ
حَسْناءُ أَنْتَ؟ أَظُنُّكَ! ما عُدْتُ
أَشْعُرُ بِالحَسَنِ
كُلُّ النِساءِ الجَوارِي سَواءٌ
وَلَوْ جِئْتَنِي فِي صِبايَ مَنْحَتَك
شِعْراً جَمِيلًا
وَحُبّاً طَهُورًا
وَلكِنْ أَتَيْتُ وَقَدْ يُبَسَ الكَرَمَ
وَالطَيْرُ هاجَرَ وَالعُمْرُ أَقْفَرَ
ما فِي ضُلُوعِي سِوَى رُزْمَةٍ مِنْ نُقُودِ
فَهَلْ أَنْتَ، كَالأُخْرَياتِ سَبَّتُكَ النُقُودُ؟
أُمُّ البَحْرِ أَغْناكَ عَنْ هَمْسَةِ الدُرِّ؟
وَالبَدْرُ أَغْناكَ عَنْ شَهْقَةِ الماسِ؟
سَيِّدَتِي!
اُتْرُكِينِي فَإِنِّي أَطَلْتُ الكَلامَ
وأدركني الآن ضوء الصباح.[٤]

قصيدة: يشهد الله أنكم شهداء

يَشْهَدُ للّهِ أَنَّكُمْ شهداء

يَشْهَدُ لأنبئ وَلِأُولِيء

مْتِمٌّ كَيْ تَعِزَّ كَلِمَةُ رَبِي

فِي رُبُوعِ أَعَزِّهِ لِإِسْرَءِ

نَتَحَرْتُمْ؟! نَحْنُ لَذَينِ نَتَحَرَّنُ

بِحَيَّةِ أُمُوتِهُ أَحِيءَ

أَيَّةُ لِقَوْمٍ نَحْنُ مَتْنٌ فَهِي

نَسْتَمِعُ م يَقُولُ فِينَ لَرُثَءَ

قَدْ عَجَزْنَ حَتَّى شَكَى لِعَجْزٍ مِنْ

وَبِكِين حَتَّى زُدَرْن لَبْكُءْ

وَرَكَعْنَ حَتَّى شَمْأَزِ رُكُوعِ

وَرُجُونٌ حَتَّى سَتَغِثُّ لِرَجْءَ

وَرَتْمِينَ عَلَى طوغيت بَيْتِ

أَبْيَضُ مِلْءَ قَلْبِهِ لِظُلْمَءٍ...

وَلِعَقْنَ حِذْءِ شِرُونٍ حَتَّى

صَحُّ.. مَهِلٌ.. قَطَعْتُمُونِي لِحِذْءِ

آيَةٌ لِقَوْمٍ نَحْنُ مِتْنٍ وَلٰكِنَّ

أَنْفَتْ أَنْ تَضْمَنَ لِغَبْرَءِ

قُلْ (لآيت) يَعْرُوسُ لِعَوْلِي

كُلُّ حَسَنٍ لِمُقْلَتَيْكَ لَفَدَءَ

حِينَ يُخْصَى لِفُحُولِ صَفْوَةٍ قَوْمِيٍّ

تَتَصَدَّى... لِلمُجْرِمِ لِحَسْنَءِ

تَلَثَّمُ لِمَوْتٍ وَهِيَ تَضْحَكُ بِشَرْ

وَمِنْ لِمَوْتٍ يَهْرُبُ لِزَعْمَءِ

فُتِحَتْ بِبِه لِجُنْنٍ وَهَشَتِ

وَتَلَقَّتْكَ فَطْمَ لِزَهْرَءِ

قُلْ لِمَنْ دَبَجُوا لِفَتْوَى رُوَيْد

رُبُّ فَتْوَى تَضِجُّ مِنْهُ لَسَمْءَ

حِينَ يَدْعُو لِجُهْدٍ يَصْمُتُ

حِبْرٌ وَيَرْعُ وَلَكُتُبِ وَلَفَقَهْءَ

حِينَ يَدْعُو لِجُهْدٍ لِ سَتُفْتَءُ

لفَتْوَى يَوْمٍ لِجُهْدٍ لِدَمْءِ[٥]

قصيدة: أنت السعادة والكآبة

أَنْتِ السَعادَةُ والكآبة
وَالوَجْدُ حُبُّكَ والصبابة
أَنْتَ الحَياةُ تَفِيضُ بِالخُصْبِ
المُعَطِّرُ كَالسَحابَةِ
مِنْكَ الوُجُودُ يَعْبُ
فَرْحَتُهُ وَيَسْتَدْنِي شَبابَهُ
وَعَلَى عُيُونِكَ تَنْثَرُ
الأَحْلامُ أَنْجَمَها المُذابَةُ
وَعَلَى شِفاهِكَ يَكْشِفُ الفَجْرُ
الجَمِيلُ لَنا نِقابَةٌ
أَوْحَيَت لِلشُعَراءِ ما كَتَبُوا
فَخُلِدَت الكِتابَةُ
وَهَمَسَتْ لِلخُطَباءِ فَاِرْتَجَلُوا
البَدِيعُ مِنْ الخِطابَةِ
خَطَرَتْ فِي التارِيخِ طَيْفاً
تَعْشَقُ الرُؤْيا اِنْسِكابَهُ
ضَلَّ الأَلَى حَسْبُوك
جِسْماً لا يَمَلُّونَ اِعْتِصابَهُ
كوَضَجِيعَةٌ مَسْلُوبَةِ الإِحْساسِ
طِيعَةُ الإِجابَةِ
وَذَبِيحَةٌ نَحَرَت لِيَأْتِيَ
الذِئْبُ مِنْها ما اِسْتَطابَهُ
وَبِضاعَةً فِي السُوقِ باعَتْها
العِصابَةُ لِلعِصابَةِ
تَبْقِينَ أَنْتِ فَقَهْقَهِي
مِمّا يَدُورُ بِبالِ غابَةٍ
تَبْقِينَ أَنْتِ وَيَذْهَبُونَ إِذا
الصَباحُ جَلّا ضَبابَهُ
تَبْقِينَ أَنْتِ وَيَذْهَبُونَ
ذُبابَةٌ تَتْلُو ذُبابَةً![٦]

قصيدة: بيروت

بَيْرُوت
بَيْرُوتُ! وَيْحَكَ! أَيْنَ السِحْرُ وَالطِيِّبُ؟
وَأَيْنَ سُحِرَ عَلَى الشُطْآنِ مَسْكُوبٌ؟
وَأَيْنَ رِحْلَتُنا والوجد مَرْكَبُنا؟
وَالبَحْرُ أُفُقٌ مِنْ الأَحْلامِ مَنْصُوبٌ؟
وَأَنْتَ مُتْرَعَةُ النَهْدَيْنِ مُتْرَفَةٌ
دِنْياكْ وَعَدَ بِشَوْقِ الوَصْلِ مَخْصُوبٌ
فِي مُقْلَتَيْكَ مِنْ الأَهْواءِ أَعْنَفُها
وَفِي شِفاهِكَ إِيماءٌ وترحيب
وَفِي يَمِينِي وُرُودٌ جِئْتُ أَزْرَعَها
عَلَى ضَفائِرَ فِيها اللَيْلُ مَصْلُوبَ
بَيْرُوتُ! ماذا يَقُولُ الناسُ؟ هَلْ ذَبَحْتَ
بَيْضُ الأَمانِي.. وَغالِ الطِفْلَةِ الذَيِّبِ؟
وَهَلْ تَوارَى مَلِيحٌ كانَ يَأْسِرُنِي
وَهَلْ قَضَى قَبْلَ يَوْمِ الوَعْدِ مَحْبُوبٌ؟
وَأَيْنَ ما كان يا بيروت إذ رَقَصَتْ
لِي اللَيالِي.. وطارت بِي الأَعاجِيبُ؟
وَأَيْنَ شَعْرٌ جَمِيلٌ لَسْتُ أُذَكِّرُهُ
عَلَى الصَنَوْبَرِ وَالتُفّاحِ مَكْتُوبٌ؟
وَأَيْنَ أَوَّلُ حُبٍّ ضِمْنِيٍّ.. ومضى
ووقدة فِي حَنايا القَلْبِ مَشْبُوبٌ؟
بَيْرُوتُ! لا تُصَفِّي لِي الجُرْحَ.. أَعْرِفُهُ
فَإِنَّهُ فِي دِمائِي الحُمْرِ مَعْصُوبٌ
أَنا الذي أَسَرَتْهُ الرُومُ.. ما لَحِقَتِ
بِهِ العَرّابُ.. وخانته الأَعارِيبُ
حَمَلَتْ فِي كَبِدِي الآلامَ فَاِنْفَطَرَتْ
وَطَوَّحَت بِي إِلَى اليَأْسِ التَجارِيبِ
يالِلزَعاماتِ تَلْهُو بِي.. وَأَعْشَقُها
وَرُبَّما عَشِقَ الإزراء مَنْكُوب
كَمْ أَرْضَعُونِي شَرابَ الوَهْمِ. كَمْ سَخَّرُوا
مِنِّي.. وَكَمْ غَصَبَتْ رُوحِي الأَكاذِيبَ
لا تَنْتَهِي غَفْلَةٌ عِنْدِي مُعْتَقَةٌ
وَلا اِنْتَهَتْ عِنْدَهُم تِلْكَ الأَلاعِيبُ
بَيْرُوتُ! نَحْنُ الآلي ساقُوكَ عارِيَةٌ
لِلمَوْتِ يَصْرُخُ فِي عَيْنَيْكَ تَعْذِيبُ
كَمْ ناشَدْتْنا شِفاهٌ فِيكِ ضارِعَةٌ
وْكَمْ دَعانا عَفافٌ مِنكَ مَسْلُوب
فَما اِسْتَفاقَ ضَمِيرٌ فِي جَوانِحِنا
مُخَدِّرٌ فِي ضِفافِ الزَيْف مَحْجُوب
حَتَّى إِذا ضَحِكَ الجَلّادُ.. ما دَمْعَتْ
عَيْنٌ وَلا غَصَّ بالآهات مَكْرُوبٌ
سَقَطَتْ وَاِنْتَفَضَ التارِيخُ يَلْعَنُنا
وَأَطْرَقَتُ فِي أَسَى المَجْدِ المَحارِيبِ
نَهِيم خَلْفَ سَلامٍ عَزَّ مَطْلَبِهِ
وَمَلَّ مَنْ وَعَدَهُ المِمْطالُ عُرْقُوبَ
عِشْنا مَعَ الذُلِّ حَتَّى عافَ صَحْبَتُنا
نِمْنا عَلَى الصَبْرِ حَتَّى ضَجَّ أَيُّوبَ
أَكُلَّما قامَ فِيهِمْ مَنْ يَذْبَحُنا
قُلْنا: السَلامُ عَلَى العِلّاتِ مَطْلُوبٌ
وَكُلَّما اِسْتَأْسَدَ العُدْوانُ باركَه
مِنّا جَبانٌ إِلَى الإِذْعانِ مَجْذُوبٌ
لا تُرْجِعْ الأَرْضُ إِلّا حِينَ يَغْسِلُها
بِالجُرْحِ وَالنارِ يَوْمَ الفَتْحِ شُؤْبُوب[٧]

المراجع

  1. "لك الحمد"، الديوان ، اطّلع عليه بتاريخ 6/12/2021. بتصرّف.
  2. "فيم العناء؟"، الديوان ، اطّلع عليه بتاريخ 6/12/2021. بتصرّف.
  3. "قل لها "، الديوان ، اطّلع عليه بتاريخ 6/12/2021. بتصرّف.
  4. "المومياء"، الديوان ، اطّلع عليه بتاريخ 6/12/2021. بتصرّف.
  5. "شهداء "، الديوان ، اطّلع عليه بتاريخ 6/12/2021. بتصرّف.
  6. "حواء العظيمة "، الديوان ، اطّلع عليه بتاريخ 6/12/2021. بتصرّف.
  7. "بيروت"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 6/12/2021.
4845 مشاهدة
للأعلى للسفل
×