شعر في الحب والغزل

كتابة:
شعر في الحب والغزل


شعر الغزل

يكاد شعر الغزل أن يكون الإرث الأكبر من الشعر العربي الذي تركه الشعراء وراءهم من الجاهليّة وإلى العصور الحديثة، حتّى إنّ الدكتور شكري فيصل صاحب كتاب تطور الغزل بين الجاهلية والإسلام يرى أنّ الشعر الجاهلي الذي انتهى إلى الناس يكاد يكون قاصرًا على الغزل، وما عداه من الأغراض الشعرية الأخرى؛ كالمدح والفخر والرثاء والهجاء لا تعدو أن تكون قسيمًا لشعر الغزل، فالشعر الجاهلي بحسب د.شكري كالقطعة الذهبية ذات الوجهين: وجهٌ هو شعر الغزل، والوجه الآخر هو سائر الأغراض الشعريّة الأخرى،[١] والغزل هو فن شعري يتمثل بقول الشعر في محبوبته ووصف مفاتنها المعنوية والمادية، ومنه شعر غزلي عفيف، ومنه شعر غزلي فاحش وفاضح، وسيقف المقال مع شعر في الحب والغزل.[٢]

شعر في الحب والغزل

بعد الوقوف مع لمحة عن شعر الغزل وبداياته وأنواعه فإنّ الفقرة القادمة ستقف مع قصائد في شعر الحب والغزل قالها شعراء من عصور مختلفة من عصور الأدب العربي، وجدير بالقول إنّ الغزل ليس من الضروريّ أن يكون في قصيدة كاملة، بل من الممكن له أن يكون في مطلع قصيدة وهو ما يُعرف بالنّسيب، ويذهب الدكتور شكري فيصل إلى أنّ قصائد كثيرة قد قيلت في الفخر -مثلًا- وكان السبب الأساس في قولها هو الغزل، كالفخر الذي يقوله عنترة ليُطرب به عبلة محبوبته وابنة عمه، فمنبع الشعر إذًا في هذه الحال

هو الحب والغزل والمشاعر الإنسانيّة الصادقة في المقام الأوّل،[٣] وفي الفقرة القادمة سيقف المقال مع قصائد شعر في الحب والغزل ومن ذلك قصيدة في الغزل والحب لوضّاح اليمن الشاعر الأمويّ المعروف، وكذلك قصيدة للمجنون وهو قيس بن الملوّح مجنون ليلى أحد أعلام الشعراء العذريّين المعروفين، وقصيدة أخرى لأبي صخر الهذلي الشّاعر الأموي المعروف كذلك،[٤] ولكُثيّر عزّة أحد شعراء الغزل العذري من الأمويين، وكذلك قصيدة للشاعر الأموي الأشهر صاحب المنهج العمريّ في الغزل عمر بن أبي ربيعة، وأخيرًا قصيدة لنزار قبّاني الشاعر السوري المعروف، وفي الفقرة القادمة القصائد تباعًا.

قصائد شعر في الحب والغزل

بعد التّأصيل لموضوع الشعر الغزلي والحديث حوله وحول نشأته وبداياته بقي أن تقف هذا المقال مع صلب موضوعها وهو مقتطفات من قصائد شعر في الحب والغزل، والمقتطفات ستكون من مجموعة قصائد للشّعراء سابقي الذّكر أعلاه، وسيكون ترتيبهم بحسب العصور من الأقدم إلى الأحدث:

  • قصيدة وضّاح اليمن بعنوان حي التي أقصى فؤادك حلت:

حَيِّ الَّتي أَقصَى فُؤَادِك حَلَّتِ

عَلِمَت بأَنَّكَ عَاشِقٌ فَأَدلَّتِ

وإِذَا رأتك تَقَلقَلَت أَحشَاؤُها

شَوقًا إِلَيكَ فَأَكثَرَت وأّقَلَّتِ

وَإِذَا دَخَلَتَ فَأُغلِقَت أَبوَابُها

غَرَمَ الغيورُ حِجَابَها فَاعتَلَّتِ

وَإِذَا خَرَجتَ بَكَت عَلَيكَ صَبَابةً

حَتَّى تَبُلَّ دُموعُها مَا بَلَّتِ

إِن كُنتَ يَا وَضَّاحُ زُرتَ فَمَرحَبًا

رَحُبَت عَلَيكَ بِلادُنا وَأَظَلَّتِ

  • قصيدة مجنون ليلى بعنوان متى يشتفي منك الفؤاد المعذب:

مَتى يَشتَفي مِنكَ الفُؤادُ المُعَذَّبُ

وَسَهمُ المَنايا مِن وِصالِكِ أَقرَبُ

فَبُعدٌ وَوَجدٌ وَاِشتِياقٌ وَرَجفَةٌ

فَلا أَنتِ تُدنيني وَلا أَنا أَقرَبُ

كَعُصفورَةٍ في كَفِّ طِفلٍ يَزُمُّها

تَذوقُ حِياضَ المَوتِ وَالطِفلُ يَلعَبُ

فَلا الطِفلُ ذو عَقلٍ يَرِقُّ لِما بِها

وَلا الطَيرُ ذو ريشٍ يَطيرُ فَيَذهَبُ

وَلي أَلفُ وَجهٍ قَد عَرَفتُ طَريقَهُ

وَلَكِن بِلا قَلبٍ إِلى أَينَ أَذهَبُ

  • قصيدة كُثيّر عزّة بعنوان خليليّ هذا ربع عزّة:

خَليلَيَّ هَذا رُبعُ عَزَّةَ فَاِعقِلا

قلوصَيكُما ثُمَّ اِبكِيا حَيثُ حَلَّتِ

وَمُسّا تُرابًا كَانَ قَد مَسَّ جِلدَها

وَبيتا وَظِلاَ حَيثُ باتَت وَظَلَّتِ

وَلا تَيأَسا أَن يَمحُوَ اللهُ عَنكُما

ذُنوبًا إِذا صَلَّيتُما حَيثُ صَلَّتِ

وما كنت أَدري قَبلَ عَزَّةَ ما البُكا

وَلا مُوجِعاتِ القَلبِ حَتَّى تَوَلَّتِ

وَما أَنصَفَت أَما النِساءُ فَبَغَّضَت

إِلينا وَأَمَّا بِالنَوالِ فَضَنَّتِ

فَقَد حَلَفَت جَهدًا بِما نَحَرَت لَهُ

قُرَيشٌ غَداةَ المَأزَمينِ وَصَلّتِ

أُناديكَ ما حَجَّ الحَجِيجُ وَكَبَّرَت

بِفَيفاء آل رُفقَةٌ وَأَهَلَّتِ

وَما كَبَّرَت مِن فَوقِ رُكبةَ رُفقةٌ

وَمِن ذي غَزال أَشعَرَت وَاِستَهَلَّتِ

وَكانَت لِقَطعِ الحَبلِ بَيني وَبَينَها

كَناذِرَةٍ نَذرًا وَفَت فَأَحَلَّتِ

فَقُلتُ لَها يا عَزَّ كُلُّ مُصيبَةٍ

إِذا وُطِّنَت يَومًا لَها النَفسُ ذلَّتِ

وَلَم يَلقَ إِنسانٌ مِنَ الحُبَّ مَيعَةً

تَعُمُّ وَلا عَمياءَ إِلّا تَجَلَّتِ

فَإِنَ سَأَلَ الواشُونَ فِيمَ صَرَمتُها

فَقُل نَفسُ حُرٍّ سُلِّيَت فَتَسَلَّتِ

كَأَنّي أُنادِي صَخرَةً حِينَ أَعرَضَت

مِن الصُمِّ لو تَمشي بِها العُصمُ زَلَّتِ

صَفوحٌ فَما تَلقاكَ إِلَّا بخيلَةً

فَمَن مَلَّ مِنها ذَلِكِ الوَصلَ مَلَّتِ

أَباحَت حِمًى لَم يَرعَهُ الناسُ قَبلَها

وَحَلَّت تِلاعًا لَم تَكُن قَبلُ حُلَّتِ

فَلَيتَ قَلوصي عِندَ عَزَّةَ قُيِّدَت

بِحَبلٍ ضَعيفٍ غُرَّ مِنها فَضَلَّتِ

  • قصيدة أبي صخر الهذلي بعنوان لليلى بذات الجيش:[٤]

لليلى بذاتِ الجيشِ دارٌ عـرفـتُـهـا

وأخرى بذاتِ البين آياتُها سَطرُ

وقفتُ برسمَيْهَـا فـلـمّـا تـنـكّـرا

صدفتُ وعينٌ دمعُها سـربٌ هـمـرُ

إذا قلتُ هذا حين أسلو يَهيجُني

نسيمُ الصبا من حيثُ يَطّلِعُ الفجرُ

وانّي لَتَعْروني لذِكراكِ فَتْرةٌ

كَما انْتَفَضَ العُصفورُ بَلّلهُ القَطْرُ

هَجَرْتُكِ حتّى قيل لا يَعْرِفُ الهوى

وزُرْتُك حتى قيل ليس له صبرُ

صَدَقْتِ أنا الصّبّ المُصاب الذي به

تباريحُ حُبٍّ خامرَ القلبَ أو سِحْرُ

أما والذي أبكى وأضْحَكَ والذي

أماتَ وأحيا والذي أمرهُ الأمرُ

لقد تَركَتْني أحْسُدُ الوحشَ أن أرى

ألِيفَيْنِ منها لا يَروعُهما النّفْرُ

فيا هجرَ ليلي قد بلغتَ بِيَ المَدى

وزِدتّ على ما لم يكن بَلَغ الهجرُ

ويا حبَّها زِدْني جَوى ليلة

ويا سَلوةَ الأيّامِ مَوْعِدُكِ الحَشْرُ

عجبتُ لِسَعْيِ الدهرِ بيني وبينها

فلمّا انقضى ما بينَنا سكن الدهرُ

وإنّي لآتيها وفي النفس هَجْرُها

بَتاتًا لأُخرى الدهر ما وَضَح الفجرُ

فما هو إلّا أن أراها فُجاءةً

فأبُهْتُ لا عُرْفٌ لَدَيّ ولا نُكْرُ

تكاد يدي تَنْدَى إذا ما لمستُها

ويَنْبِتُ في أطرافِها الورقُ الحُضْرُ

هَيَّجَ القَلبَ مَغانٍ وَصَيَر

دارِساتٌ قَد عَلاهُنَّ الشَجَر

وَرِياحُ الصَيفِ قَد أَزرَت بِها

تَنسِجُ التُربَ فُنونًا وَالمَطَر

ظِلتُ فيها ذاتَ يَومٍ واقِفًا

أَسأَلُ المَنزِلَ هَل فيهِ خَبَر

لِلّتي قالَت لِأَترابٍ لَها

قُطُفٍ فيهِنَّ أُنسٌ وَخَفَر

إِذ تَمَشَّينَ بِجَوٍّ مُؤنِقٍ

نَيِّرِ النَبتِ تَغَشّاهُ الزَهَر

بِدِماثٍ سَهلَةٍ زَيَّنَها

يَومُ غَيمٍ لَم يُخالِطهُ قَتَر

قَد خَلَونا فَتَمَنَّينَ بِنا

إِذ خَلَونا اليَومَ نُبدي ما نُسِر

فَعَرَفنَ الشَوقَ في مُقلَتِها

وَحَبابُ الشَوقِ يُبديهِ النَظَر

قُلنَ يَستَرضينَها مُنيَتُنا

لَو أَتانا اليَومَ في سِرٍّ عُمَر

بَينَما يَذكُرنَني أَبصَرنَني

دونَ قَيدِ المَيلِ يَعدو بي الأَغَر

قالَتِ الكُبرى: أَتَعرِفنَ الفَتى؟

قالَتِ الوُسطى: نَعَم، هَذا عُمَر

قالَتِ الصُغرى وَقَد تَيَّمتُها:

قَد عَرَفناهُ، وَهَل يَخفى القَمَر

ذا حَبيبٌ لَم يَعَرِّج دونَنا

ساقَهُ الحَينُ إِلَينا وَالقَدَر

فَأَتانا حينَ أَلقى بَركَهُ

جَمَلُ اللَيلِ عَلَيهِ وَاِسبَطَر

وَرُضابُ المِسكِ مِن أَثوابِهِ

مَرمَرَ الماءَ عَلَيهِ فَنَضَر

قَد أَتانا ما تَمَنَّينا وَقَد

غُيِّبَ الأَبرامُ عَنّا وَالقَذَر

لا تسـألوني... ما اسمهُ حبيبي

أخشى عليكمْ.. ضوعةَ الطيوبِ

زقُّ العـبيرِ.. إنْ حـطّمتموهُ

غـرقتُمُ بعاطـرٍ سـكيبِ

والله.. لو بُحـتُ بأيِّ حرفٍ

تكدَّسَ الليـلكُ في الدروبِ

لا تبحثوا عنهُ هُـنا بصدري

تركتُهُ يجـري مع الغـروبِ

ترونَهُ في ضـحكةِ السواقي

في رفَّةِ الفـراشةِ اللعوبِ

في البحرِ، في تنفّسِ المراعي

وفي غـناءِ كلِّ عندليـبِ

في أدمُعِ الشّتاءِ حينَ يبكي

وفي عطاءِ الديمةِ السكوبِ

لا تسألوا عن ثغرهِ.. فهلا

رأيتـمُ أناقةَ المغيـبِ

ومُـقلتاهُ شاطِـئَا نـقاءٍ

وخصرهُ تهزهُزُ القـضيبِ

محاسنٌ.. لا ضمّها كتابٌ

ولا ادّعتها ريشةُ الأديبِ

وصدرهُ.. ونحرهُ.. كفاكمْ

فلن أبـوحَ باسمهِ حبيبي

المراجع

  1. د. شكري فيصل (1982)، تطور الغزل من الجاهلية إلى الإسلام (الطبعة السادسة)، بيروت: دار العلم للملايين، صفحة 23 وما بعدها. بتصرّف.
  2. "غزل (فن)"، الموسوعة العربية، اطّلع عليه بتاريخ 22/9/2021. بتصرّف.
  3. د. شكري فيصل (1982)، تطور الغزل من الجاهلية إلى الإسلام (الطبعة السادسة)، بيروت: دار العلم للملايين، صفحة 23 وما بعدها. بتصرّف.
  4. ^ أ ب "أماني المحبين مدامع العشاق"، الهندواي، اطّلع عليه بتاريخ 22/9/2021. بتصرّف.
5361 مشاهدة
للأعلى للسفل
×