شعر نزار القباني

كتابة:
شعر نزار القباني

قصيدة أصبح عندي الآن بندقية

أصبح عندي الآن بندقية
إلى فلسطين خذوني معكم
إلى ربىً حزينة
كوجه المجدلية
إلى القباب الخضر
والحجارة النبيَّة
عشرين عاماً وأنا أبحث عن أرضٍ وعن وهوية
أبحث عن بيتي الذي هناك
عن وطني المحاط بالأسلاك
أبحث عن طفولتي
وعن رفاق حارتي
عن كتبي
عن صوري
عن كل ركن دافئٍ
وكل مزهرية
إلى فلسطين خذوني معكم يا أيها الرجال
أريد أن أعيش أو أموت كالرجال
أصبح عندي الآن بندقية
قولوا لمن يسأل عن قضيتي
بارودتي صارت هي القضية
أصبح عندي الآن بندقية
أصبحت في قائمة الثوار
أفترش الأشواك والغبار
وألبس المنيّة
أنا مع الثوار
أنا من الثوار
من يوم أن حملت بندقيتي
صارت فلسطين على أمتار
يا أيها الثوار
في القدس
في الخليل
في بيسان
في الأغوار
في بيت لحمٍ
حيث كنتم أيها الأحرار
تقدموا ... تقدموا ..
إلى فلسطين طريق واحد
يمر من فوهة بندقية


القصيدة الدمشقية

هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ وبعـضُ الحـبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرّحتمُ جسدي
لسـالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
و لو فتحـتُم شراييني بمديتكـم
سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا
وما لقلـبي –إذا أحببـتُ- جـرّاحُ
ألا تزال بخير دار فاطمة

. . .

مآذنُ الشّـامِ تبكـي إذ تعانقـني
وللمـآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمـينِ حقـولٌ في منازلنـا
وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتـاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنـا
فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ" منتظرٌ
ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ و لمـاحُ
هنا جذوري هنا قلبي هنا لغـتي
فكيفَ أوضحُ؟ هل في العشقِ إيضاحُ؟
كم من دمشقيةٍ باعـت أسـاورَها
حتّى أغازلها والشعـرُ مفتـاحُ
أتيتُ يا شجرَ الصفصافِ معتذراً
فهل تسامحُ هيفاءٌ ووضّـاحُ؟
ما للعروبـةِ تبدو مثلَ أرملةٍ؟
أليسَ في كتبِ التاريخِ أفراحُ؟
والشعرُ ماذا سيبقى من أصالتهِ؟
إذا تولاهُ نصَّـابٌ ومـدّاحُ؟
وكيفَ نكتبُ والأقفالُ في فمنا؟
وكلُّ ثانيـةٍ يأتيـك سـفّاحُ؟
حملت شعري على ظهري فأتعبني
ماذا من الشعرِ يبقى حينَ يرتاحُ؟


قصيدة الممثلون

حرب حزيران انتهت فكلُّ حربٍ بعدَها، ونحنُ طيّبونْ
أخبارُنا جيّدةٌ وحالُنا ـ والحمدُ للهِ على أحسنِ ما يكونْ
جمرُ النراجيلِ... على أحسنِ ما يكونْ
وطاولاتُ الزّهرِ ما زالتْ على أحسنِ ما يكونْ
والقمرُ المزروعُ في سمائِنا مدَوَّرُ الوجهِ على أحسنِ ما يكونْ
وصوتُ فيروزَ من الفردوسِ يأتي: نحنُ راجعونْ
تغَلْغَلَ اليهودُ في ثيابِنا، و"نحنُ راجِعونْ "
صاروا على مِترَينْ من أبوابِنا، و"نحنُ راجِعونْ"
ناموا على فراشِنا، و"نحنُ راجِعونْ"
وكلُّ ما نملكُ أن نقولَهُ: إنّا إلى الله لَراجعونْ.


قصيدة كأنني شراع

ليلاً، إلى شواطئ الإيقاعْ
يَفتح لي، أُفْقَاً من العَقيقْ
ولَحظة الإِبداعْ
وجهك.. وجهٌ مُدْهِشٌ
وَلَوحةٌ مَائيَّةٌ
ورحلةٌ من أبدعِ الرحلاتِ
بين الآسِ.. والنعناعْ..
وجهكِ..
هذا الدفترُ المفتوحُ، ما أَجملهُ
حين أراهُ ساعة الصباحْ
يحمل لي القهوة في بسمَتهِ
وحمرة التفَّاحْ..
وجهك.. يستدرجني
لآخر الشعر الذي أَعرفهُ
وآخر الكلامْ..
وآخر الورد الدمشقِيِّ الذي أحبُّهُ
وآخر الحمامْ..
وجهك يا سيِّدتي
بَحْر من الرموزِ، والأسئلة الجديدهْ
فهل أعود سالماً؟
تَستَفزُّني
والموجُ يستَفِزُّني
والعشقُ يَستفزُّني
ورحلتي بعيدة
وَجهكِ يا سيِّدتي
رسالةٌ رائعةٌ
قَدْ كتِبَتْ..
ولم تَصلْ، بعدُ، إلى السمَاءْ..


قصيدة تعريف غير كلاسيكي للوطن

وطني
يفهمك السذج ريحاناً وراح
ويظنونك درويشاً يهز الرأس،
أو رقص سماح
ويظنونك في غفلتهم
نغمة من بزق..
وقناني عرق..
ومواويل تغنى للصباح..
وطني
يا أيها الصدر المغطى بالجراح
وطني
مَن أنت؟ إن لم تنفجر
تحت إسرائيل صندوق سلاح


قصيدة صباح الخير أيها المنفى

ما عدتُ في المنفى أحس بغربة
أو وحشة ..
أو أشتكي هذا الرحيل القاسي
قد أصبح المنفى صديقي غاليا
يأتي إلى المقهى معي
يقرأ جرائده معي
ويعد وجبات الطعام معي
ويقيس بدلاتي .. وقمصاني
ويلبس نصف أحذيتي معي
ويحب آلاف النساء معي
ويمل من كل النساء معي
وينام ملء جفونه
وأنا أظل مع القصيدة صاحيا


قصيدة حزن يغتالني

حزن يغتالني
وهم يقتلني
وظلم حبيب يعذّبني
آه! ما هذه الحياة
التي كلّها آلام لا تنتهي
وجروح لا تنبري
ودموع من العيون تجري
جرحت خدّي
أرّقت مضجعي
وسلبت نومي
آه يا قلبي
يا لك من صبور
على الحبيب لا تجور
رغم ظلمه الكثير
وجرحه الكبير
الذي لا يندمل ولا يزول
ما زلت تحبه
رغم كل الشّرور
ما زلت تعشقه
ما زلت تحنّ إليه
رغم ما فيه من غرور
قلبي، ويحك قلبي
إلى متى، إلى متى؟؟
أخبرني بالله عليك إلى متى؟؟
هذا الصّبر
وهذا الجَلَد والتّحمل
إلى متى هذا السّهر والتّأمل؟
إلى متى هذه المعاناة والتّذلل؟
كُفَّ عن هذا، كُفّ
فاكره كما كرهت
واهجر ما هجرت
وعذّب كما عذّبت
واظلم كما ظلمت
واجرح كما جرحت
فلقد عانيت كثيراً
وصبرت كثيراً وكثيراً على حبيب لا يعرف
للحبّ معنى
أما آن لك يا قلبي أن توقف كل هذا؟
فبالله عليك يا قلبي
كُفّ!
4724 مشاهدة
للأعلى للسفل
×