شعر نزار قبانى

كتابة:
شعر نزار قبانى


قصيدة من مفكرة عاشق دمشقي

فرشت فوق ثراك الطاهـر الهدبـا

فيا دمشـق... لماذا نبـدأ العتبـا؟

حبيبتي أنـت... فاستلقي كأغنيـةٍ

على ذراعي، ولا تستوضحي السببا

أنت النساء جميعاً.. ما من امـرأةٍ

أحببت بعدك.. إلا خلتها كـذبا

يا شام، إن جراحي لا ضفاف لها

فمسحي عن جبيني الحزن والتعبا

وأرجعيني إلى أسـوار مدرسـتي

وأرجعي الحبر والطبشور والكتبا

تلك الزواريب كم كنزٍ طمرت بها

وكم تركت عليها ذكريات صـبا

وكم رسمت على جدرانها صـوراً

وكم كسرت على أدراجـها لعبا

أتيت من رحم الأحزان... يا وطني

أقبل الأرض والأبـواب والشـهبا

حبي هـنا.. وحبيباتي ولـدن هـنا

فمـن يعيـد لي العمر الذي ذهبا؟

أنا قبيلـة عشـاقٍ بكامـلـها

ومن دموعي سقيت البحر والسحبا

فكـل صفصافـةٍ حولتها امـرأةً

وكـل مئذنـةٍ رصـعتها ذهـبا

هـذي البساتـين كانت بين أمتعتي

لما ارتحلـت عـن الفيحـاء مغتربا

فلا قميص من القمصـان ألبسـه

إلا وجـدت على خيطانـه عنبا

كـم مبحـرٍ.. وهموم البر تسكنه

وهاربٍ من قضاء الحب ما هـربا

يا شـام، أيـن هما عـينا معاويةٍ

وأيـن من زحموا بالمنكـب الشهبا

فلا خيـول بني حمـدان راقصـةٌ

زهــواً... ولا المتنبي مالئٌ حـلبا

وقبـر خالد في حـمصٍ نلامسـه

فـيرجف القبـر من زواره غـضبا

يا رب حـيٍ.. رخام القبر مسكنـه

ورب ميتٍ.. على أقدامـه انتصـبا[١]


قصيدة حبّ 1980

يصبح دمي بنفسجياً..
تهجم كريات العشق على بقية الكريات
وتأكلها..
تهجم الكلمة الأنثى على بقية الكلمات
وتطردها...
ويكتشفون من تخطيط قلبي..
أنه قلب عصفور..
أو قلب سمكة..
وأن مياه عينيك الدافئة..
هي بيئتي الطبيعية
والشرط الضروري لاستمرار حياتي..
عندما تصبح المكتبات
ويصبح مكتب البريد
حقلاً من النجوم.. والأزهار... والحروف المقصبة
أقع في إشكالٍ لغويٍ كبير..
أسقط من فوق حصان الكلمات
كرجلٍ لم ير الخيل في حياته..
ولم ير النساء..
آخذ صفراً في الأدب
آخذ صفراً في الإلقاء
أرسب في مادة الغزل
لأنني لم أستطع أن أقول بجملةٍ مفيدة
كم أنت رائعة
وكم أنا مقصرٌ في مذاكرة وجهك الجميل
وفي قراءة الجزء العاشر بعد الألف..
من شعرك الطويل...[٢]


قصيدة إلى سمكة قبرصية تدعى تمارا

باسم ليماسول..
شكراً يا تامارا
باسم هذا الخاتم المشغول بالفيروز..
شكراً يا تامارا
اسم هذا الدفتر المفتوح للضوء.. وللشعر..
والعشاق..
شكراً يا تامارا
باسم أسرابٍ من النورس كانت
تنقر الحنطة من ثغرك..
شكراً يا تامارا
باسم كل القبرصيين الذين اكتشفوا
اللؤلؤ الأسود في عينيك.
شكراً يا تامارا
باسم أحزاني التي ألقيتها في بحر بيروت.
وأجزائي التي أبحث عنها..
في زوايا الأرض ليلاً ونهاراً...
ألف شكرٍ.. يا تامارا.
يا تامارا القبرصية:
أيها السيف الذي يقتلني من قبل أن يلقي التحية
باسم مقهانا البدائي على البحر..
وكرسيين مزروعين في الرمل..
و (أنطونيو) الذي كان خلال الصيف عراب هوانا.
والذي كان وديعاً مثل قط منزليٍ..
وعريقاً مثل تمثال حكيمٍ من أثينا،
ورقيقاً.. وصديقاً.. عندما يختار في الليل لنا
فاكهة البحر..
ويوصيك بأن ترتشفي (الأوزو)
الذي تشربه آلهة اليونان في الحب وفي الحرب..
ويرجوك بأن تستمتعي بمذاق (الكالامار)
ومذاق العشق في تلك الجزيرة
باسم آلاف التفاصيل الصغيرة..
ألف شكرٍ .. يا تامارا[٣]


قصيدة الحزن

علمني حبك ..أن أحزن
وأنا محتاج منذ عصور
لامرأة تجعلني أحزن
لامرأة أبكي بين ذراعيها
مثل العصفور..
لامرأة.. تجمع أجزائي
كشظايا البلور المكسور
علمني حبك.. سيدتي
أسوأ عادات
علمني أفتح فنجاني
في الليلة آلاف المرات..
وأجرب طب العطارين..
وأطرق باب العرافات..
علمني ..أخرج من بيتي..
لأمشط أرصفة الطرقات
وأطارد وجهك..
في الأمطار، وفي أضواء السيارات..
وأطارد طيفك..
حتى .. حتى ..
في أوراق الإعلانات ..
علمني حبك..
كيف أهيم على وجهي..ساعات
بحثا عن شعر غجري
تحسده كل الغجريات
بحثا عن وجه..عن صوتٍ..
هو كل الأوجه والأصوات
أدخلني حبك.. سيدتي
مدن الأحزان..
وأنا من قبلك لم أدخل
مدن الأحزان..
لم أعرف أبداً..
أن الدمع هو الإنسان
أن الإنسان بلا حزنٍ
ذكرى إنسان..[٤]



المراجع

  1. "من مفكرة عاشق دمشقي"، الديون.
  2. "قصيدة حبّ 1980"، الديوان.
  3. "إلى سمكة قبرصية تدعى تمارا"، الديوان.
  4. "قصيدة الحزن"، الديوان.
6999 مشاهدة
للأعلى للسفل
×