محتويات
الجنة
تعدُّ الجنة هي النعيم الكامل الذي أعدَّه الله -عزَّ وجلَّ- لعباده المؤمنين وأوليائه الصالحين من أهل طاعته، جزاءً لهم وثوابًا جزيلًا على أفعالهم، وهذا النعيم لا يشبوه نقصٌ ولا يعكر صفوه كدر، ومهما وُصف ذاك النعيم إلَّا أنَّ العقل لا يستطيع إدراكه ويكفي في ذلك قول الله تعالى في الحديث القدسي: "أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ، ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ"[١]، وقد عدَّ الله -عزَّ وجلَّ- دخول الجنة والنجاة من النار فوزًا كبيرًا وفلاحًا عظيمًا ونجاةً كبرى،[٢] ودليل ذلك ما جاء في القرآن الكريم حيث قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}،[٣] لكن هل جميع المكلفين يستحقون دخول الجنة دون حساب؟ أم أنَّه لا بدَّ من اتصافهم بصفاتٍ معينة ليفوزوا بها، هذا ما سيتم الحديث عنه في هذا المقال تحت عنوان صفات الذين يدخلون الجنة بغير حساب.
صفات الذين يدخلون الجنة بغير حساب
قبل الحديث عن صفات الذين يدخلون الجنة بغير حساب لا بدَّ من الإجابة على سؤال هل جميع الكلفين يستحقون دخول الجنة، والإجابة على ذلك يُمكن أن تُستقى من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: "مَن ماتَ لا يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا دَخَلَ الجَنَّةَ، ومَن ماتَ يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا دَخَلَ النَّارَ"،[٤] وعلى ذلك فإنَّ ليس جميع المكلفين يستحقون دخول الجنَّة فمن مات على الشرك سيكون مصيره النار، ومن مات على الإيمان سيكون مصيره الجنان،[٥] لكن هناك ثلةٌ من الأولين يدخلون الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب وقد جاء حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذكرهم حيث قال: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَجَعَلَ يَمُرُّ النبيُّ معهُ الرَّجُلُ، والنبيُّ معهُ الرَّجُلَانِ، والنبيُّ معهُ الرَّهْطُ، والنبيُّ ليسَ معهُ أحَدٌ، ورَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فَرَجَوْتُ أنْ تَكُونَ أُمَّتِي، فقِيلَ: هذا مُوسَى وقَوْمُهُ، ثُمَّ قيلَ لِي: انْظُرْ، فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فقِيلَ لِي: انْظُرْ هَكَذَا وهَكَذَا، فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فقِيلَ: هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ، ومع هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ ألْفًا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بغيرِ حِسَابٍ فَتَفَرَّقَ النَّاسُ ولَمْ يُبَيَّنْ لهمْ، فَتَذَاكَرَ أصْحَابُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالوا: أمَّا نَحْنُ فَوُلِدْنَا في الشِّرْكِ، ولَكِنَّا آمَنَّا باللَّهِ ورَسولِهِ، ولَكِنْ هَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاؤُنَا، فَبَلَغَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقَالَ: هُمُ الَّذِينَ لا يَتَطَيَّرُونَ، ولَا يَسْتَرْقُونَ، ولَا يَكْتَوُونَ، وعلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"،[٦] وفيما يأتي بيان صفات الذين يدخلون الجنة بغير حساب:[٧]
- أنَّهم لا يسترقون: أي الذين لا يطلبون من غيرهم أن يرقوهم، مع التنبيه إلى أنَّ الاسترقاء جائز بدليل ترخيص النبيِّ ذلك لعائشة.
- أنَّهم لا يتطيرون: أي الذين لا يتشاءمون بالمرئيات والمسموعات، فلا يردهم ولا يمضيهم التشاؤم.
- أنَّهم لا يكتوون: أي الذين لا يستخدمون الكيِّ في العلاج، رغم جواز ذلك عند الحاجة إليه، ودليل ذلك قول ابن عباس رضي الله عنه: "الشِّفَاءُ في ثَلَاثَةٍ: شَرْبَةِ عَسَلٍ، وشَرْطَةِ مِحْجَمٍ، وكَيَّةِ نَارٍ".
- أنَّهم على ربهم يتوكلون: أي الذين يفوضون أمرهم لله -عزَّ وجلَّ- مع الأخذ في الأسباب.[٨]
الأعمال التي تُدخل الجنة
إنَّ الجنة هي المطلوب الأعظم التي يسعى إليها كلَّ مسلم، ليتلذذ برضوان الله -عزَّ وجلَّ- ويأنس به، ويتقلب بنعيم جنته، حيث قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ* فَاكِهِينَ بِمَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ* كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}،[٩] ولأهمية هذه الغاية بالنسبة للمسلم سيتم ذكر بعض الأعمال التي تُدخل الجنة، وفيما يأتي ذكر ذلك:
توحيد الله واتباع رسوله
إنّ توحيد الله -عزَّ وجلَّ- وإفراده بالعبادة لهو السبب الأول والرئيسي في فوز المسلم في الجنة ودخوله إليها، حيث إنَّ الشرك بالله يُحبط الأعمال ويجعل بين الجنة والمسلم حاجزًا مانعًا من دخولها، ودليل ذلك قول الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}،[١٠] ومن صور الشرك التي يجب على المسلم الابتعاد عنها الذهاب إلى الكهَّان والسحرة، والذبح لغير الله، بالإضافة إلى أنه يجب متابعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم،[١١] ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ أُمَّتي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَن أَبَى، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَن يَأْبَى؟ قالَ: مَن أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَن عَصَانِي فقَدْ أَبَى".[١٢]
أداء الفرائض
على المسلم الذي يسعى إلى دخول الجنة أن يقوم بجميع الفرائض التي أوجبها عليه مثل إقامة الصلاة حيث وعد الله -عزَّ وجلَّ- من أقامها وحافظ عليها بالفردوس الأعلى،[١٣] حيث قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ* أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}،[١٤] بالإضافة إلى أداء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت وبرُّ الوالدين وصلة الأرحام، حيث إنَّ رسول الله أخبر عن عاقَّ الوالدين وقاطع الأرحام أنَّ مصيريهما النار.[١٥]
طلب العلم
إنَّ من أسباب دخول الجنة أن يطلب المسلم العلم لوجه الله عزَّ وجلّ، ودليل ذلك ما جاء في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: "من سلك طريقًا يطلبُ فيه علمًا، سلك اللهُ به طريقًا من طرقِ الجنةِ".[١٦]
الجهاد في سبيل الله
كذلك من أسباب دخول الجنة جهاد المسلم في سبيل الله -عزَّ وجلَّ- سواء أكان جهادًا بالمال أو النفس،[١٧] ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.[١٨]
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 4779، صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة العقدية-الدرر السنية، صفحة 60، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 185.
- ↑ رواه صحيح مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 93، صحيح.
- ↑ "هل كل مسلم يدخل الجنة ولو كان منافقاً أو تاركاً للصلاة أو يقع في الشرك؟"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 17-5-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 5752، صحيح.
- ↑ "شرح حديث الذين يدخلون الجنة بغير حساب"، binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 17-5-2020. بتصرّف.
- ↑ "صفات من يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-5-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة الطور، آية: 17-19.
- ↑ سورة الزمر، آية: 65.
- ↑ عبدالله حماد الرسي، دروس للشيخ عبدالله حماد الرسي، صفحة 13، جزء 27. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 7280، صحيح.
- ↑ عبدالله حماد الرسي، دروس للشيخ عبدالله حماد الرسي، صفحة 14، جزء 27.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 9-11.
- ↑ عبدالله حماد الرسي، دروس للشيخ عبدالله حماد الرسي، صفحة 15، جزء 27. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داوود، عن أبي الدرداء، الصفحة أو الرقم: 3641، صحيح.
- ↑ "ثلاثون سببا لدخول الجنة من القرآن وصحيح السنة"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-5-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة الصف، آية: 10-13.