صلاة العشاء شروط صحتها ومبطلاتها، وكيف صلاها النبي بالتفصيل

كتابة:
صلاة العشاء شروط صحتها ومبطلاتها، وكيف صلاها النبي بالتفصيل

تعريف صلاة العشاء

الصّلاة هي الصّلة بين العبد وربّه، وقد فرض الله على عباده في اليوم واللّيلة خمس صلواتٍ، اثنتان تسرّ فيهما القراءة، وثلاثة تجهر فيهما القراءة، وصلاة العشاء هي الصّلاة الخامسة والأخيرة، وهي صلاة جهريّة، عدد ركعاتها أربع ركعات في الحضر،[١] وركعتان في السّفر، يتوسط الأربع ركعات قعود وتشهّد، يجهر الإمام أو المنفرد في الرّكعتين الأوليّتين بالقراءة، ويسرّ بالرّكعتين الثّالثة والرّابعة، ووقتها من بعد غياب الشّفق الأحمر إلى نصف الليل وهذا وقت اختيار أما ما بعد ذلك فهو وقت ضرورة وعلى ذلك قال جمهور العلماء بعدم تأخير صلاة العشاء إلى ما بعد نصف الليل إلّا للضرورة القصوى؛ لدخول وقت صلاة الفجر، تصلّى العشاء كباقي الصّلوات المفروضة في جماعة، وصلاة الجماعة واجبة على الرّجال دون النّساء، ومن أخّر صلاة العشاء جماعة بحجّة أنّه سيصليها مع قيام اللّيل فقد لحقه الإثم، وسيأتي لاحقًا الحديث عن صلاة العشاء: شروط صحتها ومبطلاتها، وكيف صلاها النبي بالتفصيل.[٢]

وقت صلاة العشاء

كما سبق الحديث عن صلاة العشاء؛ بأنّها هي الصّلاة الخامسة في اليوم واللّيلة، وكما أنّ لكلّ صلاة وقتها الذي حدّده النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، كذلك فإنّ وقت صلاة العشاء ليلًا، ويبدأ من غياب الشّفق الأحمر وإلى طلوع الفجر الصّادق، وفيما يأتي الحديث عن أوّل وقتها وآخره وأفضله:[٣]

أوّل وقت العشاء

فيبدأ وقت صلاة العشاء بمغيب الشّفق الأحمر، هذا بإجماع علماء الأمّة، وقد نقل الإجماع على ذلك كلّ من: ابنُ المنذرِ، وابنُ حَزمٍ، والنوويُّ، وابنُ عبدِ البرِّ، والشوكانيُّ، فهو مذهبُ الجمهورِ: المالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة، والظاهريَّة، وروايةٌ عن أبي حَنيفةَ، وهو قولُ أبي يوسفَ ومحمَّد، وبهذا قال أكثرُ أهلِ العِلم، ودليل ذلك من السّنّة، ما جاء عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بن العاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، أنَّه قال: سُئِلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ عن وَقْتِ الصَّلَوَاتِ، فَقالَ: "وَقْتُ صَلَاةِ الفَجْرِ ما لَمْ يَطْلُعْ قَرْنُ الشَّمْسِ الأوَّلُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ إذَا زَالَتِ الشَّمْسِ عن بَطْنِ السَّمَاءِ، ما لَمْ يَحْضُرِ العَصْرُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ العَصْرِ ما لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَيَسْقُطْ قَرْنُهَا الأوَّلُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ المَغْرِبِ إذَا غَابَتِ الشَّمْسُ، ما لَمْ يَسْقُطِ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ العِشَاءِ إلى نِصْفِ اللَّيْلِ الأوْسَطِ".[٤][٣]

آخر وقت العشاء

أمّا بالنسبة لآخر وقت صلاة العشاء، فقد اختَلَفَ أهلُ العِلمِ فيه على أقوالٍ، أقواها قولان: القول الأوّل: يمتدُّ وقتُ صلاةِ العِشاءِ الاختياريُّ إلى منتصفِ اللَّيلِ، والضّروريُّ إلى طلوعِ الفجرِ، وهذا القول هو روايةٌ عن الإمامِ أحمدَ، ومذهب الشافعيُّ في القديم، ومن المالكيَّة قال به ابنِ حَبيبٍ وابنِ المَوَّازِ، واختارَ هذا القول ابنُ قُدامةَ وابنُ تيميَّة والشوكانيُّ وابنُ باز وأفتت به اللَّجنةُ الدَّائمة، ودليلهم من السّنّة: عن أبي قَتادةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: خطَبَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: "إنَّكم تَسيرُونَ عَشيَّتَكم ولَيلتَكم..." وذكر الحديث، وفيه: "أمَا إنَّه ليس في النومِ تفريطٌ، إنَّما التفريطُ على مَن لم يُصلِّ الصَّلاةَ حتى يَجيءَ وقتُ الصَّلاةِ الأخرى...".[٥] ووَجْهُ الدَّلالَةِ في الحديثُ السّابق: امتدادِ وَقْتِ كُلِّ صَلاةٍ مِنَ الصّلوات الخَمْسِ حتَّى يدخُلَ وَقْتُ الصّلاة الأُخرى، وهذا على عمومه في الصَّلواتِ إلَّا الصُّبْحَ؛ فينتهي وقتها بطلوع الشّمس، القول الثّاني: امتداد وقتُ صلاةِ العِشاءِ إلى نِصف اللَّيلِ فقط، ولا وقت اختيارٍ وضرورةٍ بعده، وقد اختاره ابنِ حَزمٍ الظاهريِّ، ومحتمَلُ قولِ الشافعيِّ، واختاره من الشافعيَّة أبو سعيدٍ الإصطخريُّ، وابنُ عُثيمين، والألبانيُّ، ودليلهم قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}.[٦] وقول النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم: "...ووَقْتُ صَلاةِ العِشاءِ إلى نِصْفِ اللَّيْلِ الأوْسَطِ،..".[٧][٣]

الأفضل في وقت صلاة العشاء

أفضل وقت لصلاة العشاءِ تأخيرُها عن أوّل وقتها إن لم يَشقَّ على الناسِ، وهو مذهبُ السّادة الحنفيَّة والحنابلة وقول لمالكٍ، وقولٌ للشافعيِّ، وهو قولُ طائفةٍ من السَّلَف، وقال أكثرُ أهلِ العِلم به واختارَ هذا القول ابنُ حَزمٍ وابنُ تيميَّة والشوكانيُّ وابنُ باز وابنُ عُثيمين ودليلهم: عن سَيَّارِ بنِ سَلامةَ، قال: دخلتُ أنا وأَبي على أَبي بَرْزةَ الأسلميِّ، فقال له أَبي: كيفَ كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي المكتوبةَ؟ فقال: "وكان يَستحبُّ أنْ يُؤخِّرَ العِشاءَ، التي تَدْعونَها العَتَمةَ، وكان يَكرَهُ النَّومَ قَبلَها، والحديثَ بَعدَها"[٨].[٣]

حكم تأخير صلاة العشاء

بعد الحديث عن وقت صلاة العشاء، وتحديد أوّله وآخره وأفضله، وأقوال العلماء فيه، سيأتي الحديث عن حكم تأخير صلاة العشاء، ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ؛ السّادة الْحَنَفِيَّةُ، والسّادة الحنابلة وقول عند السّادة الشّافعيّة، إلى القول باستحباب تأخير صلاة العشاء إلى ثلث اللّيل، وقال الزّيلعي: قد نقل في استحباب تأخير صلاة العشاء أخبار كثيرة صحاح، وهذا القول هو مذهب أكثر أهل العلم من صحابة رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وتابعيه، ومن الأحاديث التي يستدلّون بها على ما ذهبوا إليه من استحباب تأخير صلاة العشاء قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأََمَرْتُهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْل أَوْ نِصْفِهِ"،[٩] وقيّد بعض الحنفيّة استحباب تأخير صلاة العشاء في الشّتاء، أمّا في الصّيف فيندب بتعجيلها وبعدم التّأخير، وقال الشيخ ابن باز ولأهل البلد الإباحة في اختيار التّأخير إذا رأوا مصلحتهم في ذلك فلا بأس، لأنّ النّبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رغب في تأخير صلاة العشاء، لحديث ابن رباح الذي رواه: أَعْتَمَ النّبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بالعِشَاءِ، فَخَرَجَ عُمَرُ فَقَالَ: الصَّلَاةَ يا رَسولَ اللَّهِ، رَقَدَ النِّسَاءُ والصِّبْيَانُ، فَخَرَجَ ورَأْسُهُ يَقْطُرُ يقولُ: "لَوْلَا أنْ أشُقَّ علَى أُمَّتي - أوْ علَى النَّاسِ وقَالَ سُفْيَانُ أيضًا علَى أُمَّتي - لَأَمَرْتُهُمْ بالصَّلَاةِ هذِه السَّاعَةَ".[١٠][١١] بينما ذَهَبَ السّادة الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أفضليّة عدم التّأخير لِلْفَذِّ وَالْجَمَاعَةِ الَّتِي لاَ تُنْتَظَرُ غَيْرُهَا وتَقْدِيمُ جميع الصَّلَوَاتِ المفروضة فِي أَوَّل وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ بَعْدَ التّأكد من دُخُولِهِ، ولا يستحبّ تأخير صلاة العشاء إلّا لمن احتاج إلى ذلك بسبب عذر ما كصنعة أو حرفة أو أي عمل آخر، وقال بذلك أيضًا في قول آخر السّادة الشّافعية، قَال النَّوَوِيُّ: وَالأْصَحُّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ تَقْدِيمَ صلاة العشاء أَفْضَل، ثُمَّ قَال: وَتَفْضِيل التَّأْخِيرِ دليله أَقْوَى، ولكن يستحب لجماعة المسجد تأخيرها قليلًا ليجتمع النّاس.[١٢]

شروط صحة صلاة العشاء

لصّلاة العشاء شروط كما لباقي الصّلوات المفروضة؛ حتّى يصحّ أداؤها وتتحقّق، وبدونها لا تصحّ ويلزم إعادتها، فالشّرط ما لا يتمّ الشّيء إلّا به، ولا يكون داخل في حقيقة الشّيء الذي تتوقّف صحّته عليه، فمثلًا: الطّهارة من شروط صحّة الصّلاة من التّكبير إلى التّسليم، فلو صلّى المسلم بدون طهارة، أو فقد الطّهارة في جزء من صلاته بطلت صلاته وعليه الإعادة، وشروط صحّة صلاة العشاء كشروط صحة باقي الصلوات وهي:[١٣]

  • العِلم بدخُول وقتِ الصلاة: فلا تصِحُّ صلاة المسلم إلا إذا تيقَّن بدخول الوقت أو غلب على ظنِّه ذلك، سواء كان التّيقّن باجتهادِه، أو أخبَرَهُ شخصٌ ثِقة مشهود له بالعدالة والصّدق والمعرفة في ذلك.
  • الطهارة مِن الحَدَث الأكبر والأصغر: هذا بإجماع علماء الأمّة أنَّ الطّهارة مِن الحَدَث الأكبر والأصغر شَرْطٌ  من روط صِحَّة الصلاة.
  • طهارة الثوْب والبَدَن والمكان مِن النجاسة: فقد اختلف العلماء في حُكْم هذه الطهارة على قولين، أحدهما قول الجمهور إلى أنَّها شرْط لصِحَّة الصلاةِ، وهو قول الحنفيَّة والشّافعيّة والحنابلة، والآخر: قول مالك إلى أنّه ليس بشرط وله فيه قولان: أحدهما: إزالة النجاسة سُنَّة، والثّاني: إزالتها فرْض مع العلم، وساقطة مع النِّسيان، وذهب الشَوْكانِي إلى أنَّ حكم إزالة النجاسة "واجب"، والفرْق بين الواجب والشّرط، أنّ من صلّى وعليه نجاسة فصلاته صحيحة عند من قال بوجوب إزالة النّجاسة، ولكنّه ترك واجبًا، وصلاته باطلة عند من عدّها شرطًا وعليه الإعادة.   
  • سَتر العَوْرَة: فقدْ ذَهَب جمهورُ أهل العلم إلى أنَّ سَتْر العَوْرَة شرْطٌ من شروط صِحَّة الصلاة، وقد خالف بعضُ أصحابِ مالك: بأنّ سَتْر العَوْرَة واجبٌ وليس شَرْطًا، وهذا ما مال إليه الشَوْكانِي في "نَيْل الأوطار"، وقال أكثرُ المالكية: سَتْر العَوْرَة شرْطٌ مع الذِكْرِ والقُدرة عليها، فإنْ عجَز عن السّتر أو نَسِيَ السّتر صَحَّتْ صلاته، وعورة الرّجل بين السّرة والرّكبة وهو قول الجمهور، بينما خالف البعض بقولهم عورة الرّجل القبل والدّبر، وقال جمهور العلماء في عورة المرأة: المرأة كلّها عورة إلّا وجهها وكفّيها، وهناك من قال وقدميها.
  • استقبال القِبْلَة "الكعبة": وهي شرط من شروط صحة الصّلاة أيضًا، فمن كان قريبا من الكعبة، فعلبه أن يتوجه بكلّ جسمه إلى عين الكعبة، وأمّا من كان خارج حدود مكّة ويتوجه إلى جهة الكعبة، فمن كان في شمال مكّة فيتوجّه في صلاته إلى جهة الجنوب، ومن كان جنوب مكّة فيتوجّه في صلاته إلى الشّمال وهكذا.

مبطلات صلاة العشاء

تبطل صلاة العشاء كغيرها من الصّلوات المفروضة أو المسنونة؛ إذا فعل المصلي فعلًا يحرم فعله فيها، وكذلك إذا ترك ما يجب فعله فيها، وذلك يسبّب بطلانها إذا كان بعلم وذكر لا بجهل أو نسيان، ومن الأمور التي تبطل صلاة العشاء بفعلها فيها:[١٤]

الأكل والشرب عمدًا

فمن أكل أو شرب في صلاة العشاء متعمّدًا عالمًا غير جاهلٍ، وذاكرًا غير ناسٍ فعليه الإعادة، وكذلك في صلاة التّطوّع عند الجمهور، لأنّ ما أفسد الفريضة فإنّه يفسد التّطوّع، ولكن إذا أكل أو شرب المصلّي عن جهل أو نسيان فصلاته صحيحة، وهذا مذهب الشّافعية والحنابلة، وكذلك من ابتلع أصغر من الحمصة من بين أسنانه فلا شيء عليه.  

الكلام عمدًا وفي غير مصلحة الصلاة

لا يصلح في الصّلاة غير قراءة القرآن والتّسبيح، ودليل ذلك  عن زيد بن أرقم قال: "كُنَّا نَتَكَلَّمُ في الصَّلَاةِ يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ وهو إلى جَنْبِهِ في الصَّلَاةِ حتَّى نَزَلَتْ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}،[١٥] فَأُمِرْنَا بالسُّكُوتِ، ونُهِينَا عَنِ الكَلَامِ.."،[١٦] فمن تكلّم جاهلًا أو ناسيًا فلا شيء عليه وصلاته صحيحة، وهناك من قال بأنّ الكلام الذي في مصلحة الصّلاة لا يبطلها بشرط ألّا يكثر عرفًا، ودليلهم: حديث أبي هريرة أنَّ رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- انْصَرَفَ مِنَ اثْنَتَيْنِ، فَقالَ له ذُو اليَدَيْنِ: أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ، أَمْ نَسِيتَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ فَقالَ رَسولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: أَصَدَقَ ذُو اليَدَيْنِ؟ فَقالَ النَّاسُ: نَعَمْ، فَقَامَ رَسولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ، فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ".[١٧]

العمل الكثير عمدًا

كلّ فعلٍ كثير وليس من جنس الصّلاة فإنّه يبطلها بلا خلاف، وإن كان قليلًا فإنّه لا يبطلها بلا خلاف، هذا الضابط المتّفق عليه، ولكنّهم اختلفوا في تحديد القليل والكثير على عدّة أوجه وأجمعوا على أنّ الصّحيح المشهور وبه قطع الجمهور: أن الرّجوع فيه إلى العادة فلا يضر، فما يعدّه النّاس قليلًا، كالإشارة بإجابة السّلام، وخلع الحذاء ولبسه، ورفع الثّوب وخفضه، وحمل طفل ووضعه ودفع مارٍّ، ودلك البصاق في الثّوب وشبه هذا، وأما ما تعارف النّاس على كثرته كالمشي بخطوات كثيرة متوالية، وأفعال متتابعة فتبطل الصّلاة، أمّا الحركات الخفيفة كتحريك الأصابع في سبحة أو غير ذلك، فالصّحيح بعدم بطلان، وإن كثرت مع تواليها، لكن يكره ذلك.

الضحك في الصلاة

تبطل الصّلاة بالضّحك الكثير الذي يظهر منه حرفان فأكثر، وقد نقل الإجماع على بطلان الصّلاة بالضّحك ابن المنذر، وقال أكثر العلماء لا ضرر بالتّبسم، وإن غلبه الضّحك ولم يستطع منعه فصلاته صحيحة، بينما تبطل به إن كان كثيراً، وضابط ذلك العرف.

تبطل الصلاة بترك ما يجب فيها

وذلك من ترك ركناً أو واجبًا من واجبات الصّلاة متعمّدًا وعالمًا وذاكرًا بطلت صلاته، لما رواه البخاريّ ومسلم أنّ النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال للأعرابي الذي لم يحسن صلاته: "ارْجِعْ فَصَلِّ فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ".[١٨] وأمّا من ترك واجبًا سهوًا سجد سجدتي السّهو في نهاية الصّلاة، وصلاته صحيحة، وأمّا من ترك ركنًا ساهيًا، فعليه أن يأتي بالرّكن الذي تركه، ثمّ يسجد في نهاية الصّلاة سجدتين للسّهو.

سنة صلاة العشاء

السّنن الرّواتب هي السّنن المؤكّدة التي تتبع لصلوات الفرائض، وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد حافظ عليها،[١٩] منها ما يقع قبل الفريضة، كركعتي الفجر وركعتين أو أربع قبل الظهر، ومنها ما يقع بعد الفريضة، ركعتان بعد الظّهر وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء، لحديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "حَفِظْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ"،[٢٠] فيستحبّ للتّأكيد المواظبة على هذه السّنن المؤكّدة لفعل الّنبيّ صلّى الله عليه وسلّم،[٢١] وعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الجَنَّةِ: أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا.."،[٢٢] وما زاد عن ذلك فهي من النّوافل المستحبّة، وللمسلم أن يصلّي منها ما يشاء في الأوقات المباحة، فليس للعشاء سنة راتبة قبلها؛ لكن للمسلم أن يصلي ركعتين قبلها، كما يستحبّ له أن يصلّي ركعتين بين كلّ أذان وإقامة، لقول النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم: "بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ"، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: "لِمَنْ شَاءَ".[٢٣] قال الشّيخ ابن باز رحمه الله: يشرع صلاة ركعتين بعد كلّ أذان وقبل كلّ صلاة فريضة، لأنّ الصّحابة -رضي الله عنهم- كانوا يصلّون ركعتين قبل المغرب وكذلك قبل العشاء، أي: بعد الأذان وقبل الإقامة لقوله، صلّى الله عليه وسلّم: "بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ"، الحديث السّابق، ولو زاد عن الرّكعتين قبل العشاء ريثما تحضر الفريضة، فلا ضرر في ذلك لأنّه وقت صلاة، وكذلك لو زاد على الرّاتبة بعد العشاء ما شاء، كذلك لا ضير في ذلك.[٢٤]

ما يستحب قراءته في صلاة العشاء

لكلّ صلاة من الصّلوات المفروضة أو النّافلة يقرأ الإمام والمنفرد الفاتحة، ويتبعها بما تيسر من كتاب الله، والأفضل أن يقرأ بعد الفاتحة بسورة كاملة قصيرة أو متوسطة، لألا يضطر إلى الوقوف في مكان يخلّ بالمعنى لقطع القراءة، وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة عن النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، وقد أفاد العلماء منها إلى أنّه يستحب أن يقرأ في صلاتي الفجر والظّهر بالسّور الطّويلة من حزب "المفصل"، وهو الذي يبدأ من سورة "الحجرات"، ومن المستحبّ أن يقرأ في صلاتي العصر والعشاء بأوساط "المفصل" مثل سورة "الضحى و الليل"، وأن يقرأ في صلاة المغرب بالسّور القصيرة، كالإخلاص والمعوذتين، وإن داوم المصلّي على قراءة بعض هذه السّور لعدم حفظه غيرها فلا ضير في ذلك.وقال الإمام النووي نقلًا عن الشافعي والأصحاب رحمهم الله: يستحبّ للإمام والمنفرد أن يقرأ بعد الفاتحة شيئا من القرآن في الفجر، وفي الرّكتعين الأوليين من سائر الصّلوات, ويحصل ذلك بقراءة شيء من القرآن, ولكن قراءة سورة كاملة أفضل, ولو سورة قصيرة أفضل من قدرها من طويلة; لألا يضطر للوقوف في غير موضع الوقف, ممّا يسبّب انقطاع الكلام المرتبط, ثمّ قال ويستحبّ أن يقرأ في الفجر بطوال المفصل, وفي الظهر بقريب من ذلك, وفي العصر والعشاء بأوساطه, وفي المغرب بقصار السّور, فإن خالف الإمام والمنفرد، وقرأ بأطول أو أقصر من ذلك جاز منهما.[٢٥]

كيف صلّى النبي صلاة العشاء

كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يحبّ تأخير صلاة العشاء إلى ثلث الليل، ولكن خوف المشقّة على أمّته أمرهم أن يصلّوها بين مغيب الشّفق الأحمر وثلث اللّيل، حيث قال، صلّى الله عليه وسلّم: "لَولا أن أشُقَّ علَى أمَّتي لأمرتُهُم أن يؤخِّروا العِشاءَ إلى ثُلثِ اللَّيلِ أو نِصفِهِ".[٢٦] وعن عائشة، رضي الله عنها قالت: أَعْتَمَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالعَتَمَةِ، حتَّى نَادَاهُ عُمَرُ: نَامَ النِّسَاءُ والصِّبْيَانُ، فَخَرَجَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقَالَ: "ما يَنْتَظِرُهَا أحَدٌ غَيْرُكُمْ مِن أهْلِ الأرْضِ ولَا يُصَلَّى يَومَئذٍ إلَّا بالمَدِينَةِ"، وكَانُوا يُصَلُّونَ العَتَمَةَ فِيما بيْنَ أنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إلى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأوَّلِ.[٢٧] فهذان الحديثان وغيرهما من الأحاديث الكثيرة، تشير إلى استحباب تأخير النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لصلاة العشاء، ولكن خوف المشقّة على صحابته والمسلمين من بعدهم كان أيضًا يصلّيها أوّل وقتها.[٢٨]

المراجع

  1. "صلاة العشاء"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-03. بتصرّف.
  2. "كيفية صلاة العشاء ووقتها وصلاة سنتها وقيام الليل "، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-03. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث "وقتُ صَلاةِ العِشاءِ"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-03. بتصرّف.
  4. رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:612، حديث صحيح.
  5. رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن أبي قتادة الحارث بن ربعي، الصفحة أو الرقم:681، حديث صحيح.
  6. سورة الإسراء، آية:78
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:612، حديث صحيح.
  8. رواه الألباني ، في صحيح النسائي، عن أبي برزة الأسلمي نضلة بن عبيد ، الصفحة أو الرقم:524، حديث صحيح.
  9. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:167، حديث صحيح.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري ، عن عطاء بن أبي رباح، الصفحة أو الرقم:7239، حديث صحيح.
  11. "حكم تأخير صلاة العشاء في رمضان وغيره "، binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-03. بتصرّف.
  12. مجموعة من المؤلفين، كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 316. بتصرّف.
  13. "ملخص شروط صحة الصلاة من تمام المنة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-06. بتصرّف.
  14. "مبطلات الصلاة ، وهل الشك مما يبطلها ؟ "، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-03. بتصرّف.
  15. سورة البقرة، آية:228
  16. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن زيد بن أرقم، الصفحة أو الرقم:539، حديث صحيح.
  17. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1228، حديث صحيح.
  18. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:793، حديث صحيح.
  19. "سنة صلاة العشاء "، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-03. بتصرّف.
  20. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1180، حديث صحيح.
  21. "سنة العشاء البعدية سنة مؤكدة "، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-03. بتصرّف.
  22. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أم حبيبة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:415، حديث حسن صحيح.
  23. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن مغفل، الصفحة أو الرقم:627، حديث صحيح.
  24. "سنة العشاء القبلية والبعدية "، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-03. بتصرّف.
  25. "السور التي يستحب قراءتها في الصلاة"، www.aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-03. بتصرّف.
  26. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:167، حديث صحيح.
  27. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:864، حديث صحيح.
  28. "كان يصلي العشاء أحيانا وأحيانا "، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-03. بتصرّف.
6614 مشاهدة
للأعلى للسفل
×