عدد ركعات صلاة التهجد
أجمعَ الفقهاءُ على أنَّ أقلّ عدد ركعاتٍ لصلاةِ التهجد هو ركعتين، لِما ثبت عن أبي هريرة عن رسولِ الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (إذا قامَ أحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلْيَفْتَتِحْ صَلاتَهُ برَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ)،[١] وتعدّدت آراؤهم في أكثرها، فقال الحنفيّة أكثرها ثماني ركعات، وعند المالكية أكثرها عشر ركعات أو اثنتي عشرة ركعة، لفعل رسول الله لذلك، وأمّا الشافعية والحنابلة فقالوا إنَّه لا حدَّ لأكثرِها،[٢] وجاء في الحديث الذي رواه زيد بن خالد وابن عباس -رضيَ الله عنهما- أنَّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- صلّى ثلاث عشرة ركعة من ضمنِها الوتر ثلاث ركعات، وفي حديث عائشة -رضي الله عنها- أنَّ النبي -عليه الصلاة والسلام- صلّى إحدى عشر ركعة منها ثلاث ركعات وتراً،[٣] فقد قالت عائشة -رضيَ الله عنها- لمّا سُئلت عن صلاة رسول الله: (ما كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَزِيدُ في رَمَضَانَ، وَلَا في غيرِهِ علَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً)،[٤] فمن المستحب ألَّا يزيد المسلم في صلاتِه عن إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة؛ اتباعاً لسنَّة النبي -عليه الصلاة والسلام-.[٥]
كيفية صلاة التهجد
يحرص المسلم في صلاة التهجّد على ما يأتي:[٦]
- ينوي المسلم قيام اللّيل قبل أن ينام، فإن لم يستيقظ كان نومه عبادة له، ونالَ أجر القيام وهو نائم، وإن استيقظ يَمسح بيديه على وجهِه، ثم يقرأ قوله -تعالى-: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ)،[٧] إلى نهاية السورة، ويدعو الله قائلاً: "الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور"، ويدعو الله بما شاء،[٨] ويُمكن أن يُصلّي المسلم ما يشاء من الركعات بعد أن يُؤدّي سنّة العشاء وقبل أن ينام، وله أن يُصلّيها جهراً أو سرّاً كما يراه الأصلح لحالِ قلبِه وخشوعه.[٩]
- يُنظّف أسنانه بالسّواك ثم يتوضّأ، ويَبدأ قيامه بصلاةِ ركعتين خفيفتين كما كانَ يفعل رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-.
- يُصلّي ركعتين ركعتين، ويَصح أن يُصلّي أربعاً أربعاً، ويَختمها بالسّلام.
- يُصلي في البيتِ أفضل من أن يُصلي في المسجدِ، ويُستحبّ له أن يقرأ جزءاً من القرآن الكريم أثناء التهجد.[٦][١٠]
- يجعل آخر صلاته صلاة ركعة الوتر، تأسّياً بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ باللَّيْلِ وِتْرًا)،[١١][٦] ويَصحّ أن يوتر بركعةٍ واحدة، أو ثلاث ركعاتٍ يُسلّم بعد الثانية ويقوم للثالثة أو جميعها بسلامٍ واحد، ويجوز أن يوتر بخمس ركعات أيضاً جميعها بسلامٍ واحد،[١٢] ووقت الوتر يكون بحسب قول رسول الله: (مَن خَافَ أَنْ لا يَقُومَ مِن آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَن طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ، فإنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وَذلكَ أَفْضَلُ).[١٣][٨]
حكم صلاة التهجد
سنَّ اللهُ -عزّ وجلّ- لأمّتِه التهجّد، فقال -تعالى-: (وَمِنَ اللَّيلِ فَتَهَجَّد بِهِ نافِلَةً لَكَ)،[١٤] كما حثَّ رسولُ الله على صلاةِ التهجد، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (عليكم بقيامِ الليلِ، فإنه دأْبُ الصالحينَ قبلكُم، وقُرْبَةٌُ لكم إلى ربكم، ومكفرةٌ للسيئاتِ، ومَنْهاةُ عن الإثمِ)،[١٥] ويُندب أن تكون في آخرِ اللّيل عند أوّلِه أو وَسطه،[١٦] وهي أفضل صلاةٍ بعد الصلاة المكتوبة،[١٧][١٨] ويندرج قيام الليل من النوافل المطلقة، وحكمه سنّة مؤكّدة،[١٩] وقد وصفَ اللهُ أهل اللّيل بالإيمانِ التامّ، وأعلى شأنهم، ووصفهم بالعلمِ، وفضّلهم على غيرهم، كما أمر نبيّه بقيام الليل، ثمّ حثّ رسول الله عليه.[٢٠]
فضل صلاة التهجد
تُعدّ صلاة التهجّد أفضل صلاة عند الله -تعالى- بعد صلاة الفرض، فقد قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلّم-: (أفضلَ الصَّلاةِ بعدَ المفروضَةِ صلاةٌ منَ اللَّيلِ)،[٢١][٢٢] وقد رفعَ اللهُ من شأنها لما فيها من مجاهدةِ النَّفس والمشقة في ترك الفراش والقيام من أجل مناجاة الله -تعالى-، ولِما يكون فيها من الإخلاص لله -تعالى-، حيث إنَّ وقتها خاصّ لا يطّلع فيه على القائم أحداً،[١٩] ولقيامِ اللّيل العديد من الفضائل، وفيما يأتي ذكرها:
- اهتمام رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- بقيامِ اللّيل وحرصِه عليه حرصاً شديداً، حتى أنَّ قدماه كانت تتفطّر من الوقوفِ فيها، ولمّا سألته عائشة -رضيَ الله عنها- عن قيامه باللّيل رُغم أنَّ الله -تعالى- قد غفرَ له ما تقدّمَ من ذنبِه وما تأخر، أخبرها أنَّه يقيمُ اللّيل شُكراً لله -تعالى-.[٢٣]
- سببٌ من أسبابِ دخول الجنّة، فعن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- قال: (يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ وأطعِموا الطَّعامَ وصلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ تدخلوا الجنَّةَ بسلامٍ).[٢٤][٢٥][٢٦]
- سببٌ من أسباب علوّ المنازل والدرجات في الجنّةِ، فقد روى أبو مالك الأشعري عن رسول الله قال: (إنَّ في الجنَّةِ غُرفًا يُرى ظاهرُها مِن باطنِها وباطنُها مِن ظاهرِها أعدَّها اللهُ لِمَن أطعَم الطَّعامَ وأفشى السَّلامَ وصلَّى باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ).[٢٧][٢٨][٢٦]
- الاتصاف بالإحسان، وكسب ثناء الله عليهم ومدحه لهم، وتمييزهم عن غيرهِم، وتكفير سيئاتهِم،[٢٩] قال الل -تعالى-: (لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّـهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ).[٣٠][٣١]
- الإيمان التامّ، قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ*تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ).[٣٢][٣٣]
- شرفُ المؤمن قيام الليل، وهو أحد الأمرين التي يُغبط صاحبُها عليها.[٣٤]
- تحصيل فضل قراءة القرآن الكريم أثناء القيام، فقد روى عبد الله بن عمرو عن رسول الله قال: (مَن قام بعشْرِ آياتٍ لم يُكتَبْ مِن الغافلينَ ومَن قام بمئةِ آيةٍ كُتِب مِن القانتينَ ومَن قام بألفِ آيةٍ كُتِب مِن المقنطِرينَ).[٣٥][٣٦]
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 768، صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 88-89، جزء 14. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 95، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أمّ المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1147، صحيح.
- ↑ كمال سالم (2003)، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، القاهرة: التوفيقية، صفحة 413-414، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب ت محمد التويجري (2010)، مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة (الطبعة الحادية عشرة)، المملكة العربية السعودية: دار أصداء المجتمع، صفحة 534-535. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 190.
- ^ أ ب محمد العثيمين، فتاوى نور على الدرب، صفحة 2، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ عبد العزيز بن باز، فتاوى نور على الدرب، صفحة 21، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 1095-1096، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 998، صحيح.
- ↑ عبد العزيز بن باز، فتاوى نور على الدرب، صفحة 22-24، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 755، صحيح.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 79.
- ↑ رواه البغوي، في شرح السنة، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 2/458، حسن.
- ↑ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 1063، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 87، جزء 14. بتصرّف.
- ↑ عبد الرحمن الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 304، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد التويجري (2010)، مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة (الطبعة الحادية عشرة)، المملكة العربية السعودية: دار أصداء المجتمع، صفحة 532. بتصرّف.
- ↑ سعيد القحطاني، قيام الليل، صفحة 5-7. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2429، صحيح.
- ↑ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 1077، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ سعيد القحطاني، قيام الليل، صفحة 7-8. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبد الله بن سلام، الصفحة أو الرقم: 1105، صحيح.
- ↑ سعيد القحطاني، قيام الليل، صفحة 8-9. بتصرّف.
- ^ أ ب كمال السيد سالم (2003)، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، القاهرة: المكتبة التوقيفية، صفحة 398، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي مالك الأشعري، الصفحة أو الرقم: 509، أخرجه في صحيحه.
- ↑ سعيد القحطاني، قيام الليل، صفحة 9-10. بتصرّف.
- ↑ سعيد القحطاني، قيام الليل، صفحة 10-11. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 113.
- ↑ كمال السيد سالم (2003)، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، القاهرة: المكتبة التوقيفية، صفحة 397، جزء 1.
- ↑ سورة السجدة، آية: 15-16.
- ↑ سعيد القحطاني، قيام الليل، صفحة 11.
- ↑ سعيد القحطاني، قيام الليل، صفحة 12. بتصرّف.
- ↑ رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 1398، سكت عنه.
- ↑ سعيد القحطاني، قيام الليل، صفحة 13. بتصرّف.