لا تتخلصوا من الدم السري هكذا ببساطة بعد الولادة, حيث يمكن استخراج الخلايا الجذعية منه, التي تساهم في علاج العديد من الامراض.
العلاج بالخلايا الجذعية: كنز من الطبيعة
يعمل الأطباء والباحثون، في مختلف أنحاء العالم، على تطوير استخدام الخلايا الجذعية المأخوذة من الدم السري من أجل شفاء الأمراض، بدءاً من مرض الباركينسون، مرورا بأمراض القلب والشلل الدماغي ووصولا إلى السكري. أما نحن، فقد قمنا بتجميع مختلف القصص التي تتعلق بالاستخدامات المتطورة والجريئة لهذا الكنز الذي تمنحه الطبيعة لكل طفل.
خلال العقود الأخيرة، تبين أن الخلايا الجذعية التي يتم استخراجها من الدم السري، ممكن ان تكون وسيلة ناجعة في معالجة أمراض مختلفة، منها سرطان الدم (اللوكيميا - Leukemia)، الليمفومة، وحتى الأنيميا (فقر الدم) الشديدة. لا يتوقف العلم للحظة عن فحص وابتكار الطرق الإضافية التي تمكنه من استخدام الخلايا الجذعية السرية في معالجة وإشفاء الأمراض التي كانت حتى اليوم مستعصية على الشفاء.
المشكلة بعدد الخلايا الجذعية القليل
إحدى المشاكل التي تواجه استخدام الخلايا الجذعية المأخوذة من الدم السري، تكمن في عدد الخلايا الجذعية القليل نسبيا الموجودة في وجبة الدم. لذلك فإن استيعاب الجسم لهذه الخلايا المزروعة يستغرق وقتا أطول من استيعابه للخلايا الجذعية المستخرجة من النخاع العظمي. أحد الاكتشافات الهامة التي تم التوصل إليها مؤخرا خلال بحث أجري في جامعة بيتسبيرغ (Pittsburgh) الأمريكية، هو أنه بالإمكان استخراج خلايا جذعية من نسيج الحبل السري أيضا، وليس فقط من الدم الذي يجري فيه. وقد تم نشر هذه المعلومات في موقع الإنترنت التابع لمجلةJournal of Biomedicine and Biotechnology العلمية. وتقول د. بريدجيت ديزي، من قسم جراحة العظام في كلية الطب التابعة لجامعة بيتسبيرغ، إنه بالإمكان زيادة عدد الخلايا الجذعية عبر استخراجها من أنسجة الحبل السري. فهذه الخلايا ثابتة وليس من المفترض أن تسبب أية ردات فعل مناعية حادة. من شأن هذا الاكتشاف أن يوسع مجال استخدام الخلايا الجذعية المأخوذة من الدم السري في معالجة العديد من الأمراض.
كيف يتم زرع الخلايا الجذعية
علاج بالخلايا الجذعية: شهادات وقصص نجاح
خلال الفترة القصيرة الماضية، تم جمع العديد من القصص حول علاج الأطفال بواسطة الدم السري الذي تم الاحتفاظ به بعد ولادتهم. فهنالك طفل يبلغ من العمر 6 سنوات، كان قد تعرض لسكتة دماغية خلال الولادة، ويعاني منذ ذلك الحين من الشلل الدماغي، هو واحد من نحو 150 طفلا يتلقون العلاج بواسطة الخلايا الجذعية المأخوذة من الدم السري الخاص بهم. يأمل الأطباء بأن تساهم هذه الخلايا في تحسين أداء الدماغ لديه. ووفقا لما يقوله الأطباء، فإن الخلايا الجذعية المأخوذة من الدم السري لطفل ما تمتلك قدرة أكبر على التخفيف من توتر عضلاته، وكذلك تحسين قدرته على الحركة ومساعدته على التكلم.
كذلك هنالك طفل يبلغ من العمر 4 سنو ات، لم يحصل على كمية كافية من الأوكسجين خلال عملية الولادة، ويعاني اليوم من شلل دماغي يحدّ من قدرته على الرؤية، التكلم والمشي. حصل هذا الطفل قبل فترة وجيزة على حقنة من الخلايا الجذعية المأخوذة من دمه السري، حيث قرر والداه حفظ عينة من هذا الدم عند ولادته، فطرأ تحسن ملحوظ في قدرته على الحديث وكذلك في قدراته الذهنية وحتى قدرته على الرؤية والسير، خلال فترة وجيزة.
الخلايا الجذعية لعلاج السكري
كذلك، يتم إجراء أبحاث تتعلق باستخدام الدم السري من أجل محاربة مرض السكري من النمط الأول. وقد تلقى طفل كان يعاني من مرض السكري منذ ثلاث سنوات حقنة من الخلايا الجذعية السرية، وبعد أن استقرت الخلايا في جسمه، قلّت حاجته إلى الأنسولين بنسبة تصل إلى الثلثين. يعتقد الباحثون أن الخلايا الجذعية تثبط ردة الفعل المناعية التي تحصل عند الإصابة بهذا النمط من مرض السكري، الأمر الذي يؤدي إلى قيام البنكرياس بتدمير عدد أقل من الخلايا المنتجة للأنسولين.
زراعة الخلايا الجذعية لعلاج الباركينسون والزهايمر
كذلك، ومن أجل معالجة أمراض مثل الرعاش (الباركينسون) والزهايمر، قامت مجموعة من العلماء في جامعتي "أدينبرغ" و"ميلانو" بإنتاج خلايا جذعية عصبية ودماغية نقية. ليس هذا الأمر أوتوماتيكا ولا مفهوما ضمنا، ويعتبر مجرد النجاح في تنفيذه دليلا على الإمكانيات العظيمة الكامنة في استخدام الخلايا الجذعية عامة، والخلايا الجذعية السرية بشكل خاص، وفي سبيل معالجة هذه الأمراض الخطيرة الواسعة الانتشار. وسيكون الهدف الأول من الاستخدام الأول لهذه الخلايا الجديدة التي تم إنتاجها هو فحص مدى فاعلية الأدوية الجديدة. أما هدف البحث على المدى البعيد، فهو إنتاج خلايا يمكن استخدامها من أجل بناء أنسجة عصبية بديلة لمن يعانون من الرعاش والزهايمر. كذلك، من المفترض أن يصبح استخدام هذه الخلايا لأغراض الزرع متاحا خلال السنوات القليلة القادمة.
أمراض القلب والاوعية الدموية: العلاج بالخلايا الجذعية
أحد الاستخدامات الواسعة الانتشار للخلايا الجذعية المستخرجة من الدم السري، هو علاج أمراض القلب والأوعية الدموية. وقد تم إجراء إحدى التجارب الأخيرة على عدد من المرضى الذين تعرضوا لنوبات قلبية أدت إلى خلق ندوب في أنسجة القلب. تم حقن خلايا جذعية مأخوذة من أجسام هؤلاء المرضى إلى المنطقة المصابة من القلب، فأدى هذا إلى ترميم عضلة القلب وإلى تحسين أدائها. تعتبر مثل هذه الحالات فرصة هامة جدا لفهم آلية وكيفية عمل الخلايا الجذعية. فالخلايا الجذعية تواجه نوعا من ردات فعل الأنسجة التي يتم حقنها فيها. ومن خلال ردات الفعل هذه "تعرف" الخلايا الجذعية كيف عليها أن تتصرف. وبكلمات أخرى، تقوم هذه الخلايا بتصنيف نفسها وتبنـّي صفات تلائم المكان التي استقرت فيه، بل إنها تفرز عناصر تساعد على إنشاء أوعية دموية جديدة في المكان المصاب والمتضرر. ليس بإمكان أي نوع من الخلايا القيام بهذه الأمور والعمليات، إلا إذا كان من الخلايا الجذعية.
تلخيصا لما جاء
يقوم الطب الحديث ببحث الاستخدامات العملية للخلايا الجذعية المأخوذة من الدم السري. واليوم، هنالك العديد من الامراض التي يتم محاولة علاجها بواسطة الخلايا الجذعية. من المهم جدا التحقق من نجاعة هذه العلاجات وتقييم الفوائد الكامنة بها مقابل مخاطرها، لكون هذا المجال حديثًا نسبيًا. فهناك العديد من الجهات التي تعرض علاجات مختلفة دون اي دليل على نجاعة العلاج او كفاءة الجهة المعالجة. مع ان العديد من المرضى الذين يتم توجيههم لهذا النوع من العلاج، لا يكون لديهم علاج فعال اخر لحالتهم، مع ذلك وحتى في هذه الحالات، يجب التحقق من العلاج ونجاعته ومخاطره الممكنة.