فتوحات الدولة العثمانية في أوروبا

كتابة:
فتوحات الدولة العثمانية في أوروبا

الدولة العثمانية

يمكنُ القول بأنَّ الدولة العثمانية هي أعظم إمبراطورية إسلامية عرفها التاريخ، فقد استمرَّت لما يزيد على 600 سنةٍ بدايةً من تاريخ تأسيسها في عام 1299م على يد عثمان بن أرطغرل إلى أن انتهت وأُعلِن إلغاؤها بقيام الجمهورية التركية التي تعتبرُ وريثها الشرعي في عام 1923م، وفي القرنين السادس عشر والسابع عشر كانت في غاية العظمة والقوة بعد أن توسَّعت وشملت مناطق واسعة من العالم القديم آنذاك، وبلغ عدد ولاياتها 29 ولاية، إضافةً إلى أنها فرضت سيادة اسمية على عدد من الإمارات والدول الأوروبية، وفي هذا المقال سيدور الحديث حول الدولة العثمانية وحول فتوحات الدولة العثمانية في أوروبا.[١]

أصل السلالة العثمانية

يجدر الإشارة إلى أصل العثمانيين قبل الحديث عن فتوحات الدولة العثمانية في أوروبا، حيثُ يعودُ نسبُ العثمانيين حسب وجهات النظر الإثنيَّة إلى العرق المغولي أو العرق الأصفر، فهم قبيلة من الأتراك، وإلى نفس هذا العرق ينتسب المغول وأهل الصين وغيرهم من الشعوب في آسيا الشرقية، وقد كان موطنهم الأصلي في آسيا الوسطى، في البادية التي تقع بين بحر قزوين من الغرب وجبال آلطاي من الشرق، وقد انقسموا إلى العديد من العشائر منها عشيرة قايي التي كان يتزعمها كندز ألب، وعندما استولى المغول على بلاد خراسان نزحت العشيرة إلى السهول والمراعي الممتدة في شمال غرب أرمينيا بالقرب من مدينة خلاط، وقد أحاط الغموض بالكثير من الحياة السياسية التي عاشتها العشيرة في بداياتها، وكثيرًا ما كانت أقرب إلى الأساطير والخرافات وبعيدة عن الحقيقة.[٢]

غيرَ أن المؤكد أن تلك العشيرة استقرَّت في تلك المنطقة فترة طويلة من الزمن وهناك العديد من القبور والحجارة التي تعود إلى أجداد العثمانيين في تلك المنطقة وتدلُّ على ذلك، لكن في عام 1229م ونتيجة الاضطرابات العسكرية التي شهدتها المنطقة نزحت العشيرة مرة أخرى إلى منطقة حوض دجلة وفي العام التالي توفي زعيم العشيرة كندز ألب فتولى زعامة العشيرة ابنه سليمان ثمَّ حفيده أرطغرل الذي التحقَ في خدمة السلطان علاء الدين السلجوقي فأعطاه منطقة من الأراضي الخصبة قُرب مدينة أنقرة، وقد كان لأرطغرل فضل كبير في تمهيد الطريق لقيام الدولة العثمانية.[٢]

نشأة الدولة العثمانية

قبل الحديث عن فتوحات الدولة العثمانية في أوروبا لا بدَّ من المرور على نشأة الدولة العثمانية بشكل مختصر، فقد نشأت الدولة العثمانية في عصر الدولة السلجوقية على الحدود التركمانية وقد كانت تعملُ لصالح السلاجقة وتقوم بردِّ غارات الروم البيزنطيين عن الدولة السلجوقية وعن ديار الإسلام كلها، وكان هناك في نفس الفترة العديد من الإمارات التي لها نفس وضع الإمارة العثمانية، لكن بعد سقوط الدولة السلجوقية استطاعت جميع الإمارات التركمانية أن تحصل على استقلالها بما فيها الإمارة العثمانية في عام 1299م على يد عثمان الأول بن أرطغرل وقد سمِّيت الدولة العثمانية على اسمه، واستطاعت الإمارة العثمانية مع مرور الزمن أن تبتلع جميع الإمارات الأخرى وتؤسس لدولة كبيرة غدت من أعظم الإمبراطوريات الإسلامية على مرِّ العصور.[٢]

فتوحات الدولة العثمانية في أوروبا

في بداية حديث حول فتوحات الدولة العثمانية في أوروبا يجدر بالذكر معرفة أول مرة دخلَ فيها العثمانيون إلى أوروبا، فقد بدأت فتوحات الدولة العثمانية في أوروبا منذ عهد مؤسسها عثمان الأول بن أرطغرل، فقد بدأ منذ أن استلم زعامة العشيرة بعد والده بعقد تحالفات مع الإمارات المجاورة له حتى يتسنَّى له أن يتوجَّه إلى توسيع رقعة أراضيه على حساب الدولة البيزنطية التي كانت في تلك الفترة في حالة ضعف شديد وهذا ما ساعده على التوسع في ذلك الاتجاه في منطقة غرب الأناضول واستطاع عبور مضيق الدردنيل باتجاه جنوب شرق أوروبا، ففتحَ السلطان عثمان مدينة قره جه حصار التي تقع جنوب مدينة سُكود وجعلها مقرًّا وقاعدة له انطلقَ منها إلى البحر الأسود وإلى بحر مرمرة، وفي نفس العام الذي توفي فيه عثمان استطاع ابنه أورخان أن يفتح مدينة بورصة القريبة جدًّا من بحر مرمرة، وبعدَ مرور أكثر من نصف قرن على قيام الدولة العثمانية استطاعت الدولة العثمانية في عام 1353م في فترة حكم السلطان أورخان بن عثمان الأول أن تعبرَ إلى أوروبا الشرقية لأول مرة في التاريخ، وقد كانت أوَّل سلطة إسلامية تستطيع أن تتخذَ لنفسها مكانًا في البلقان، ومنذُ ذلك الحين بدأ فتوحات الدولة العثمانية في أوروبا بالتهافت والتلاحق.[١]

وخلال السنوات التالية استطاعت الدولة العثمانية أن تفتحَ معظم دول منطقة البلقان، وبذلك بدأت شوكتُهم تشتدُّ وسطوتهم تطغى حتَّى زرعوا الرهبة في قلوب القادة الأوروبيين الذين هرعوا تارةً لإعلان الولاء للدولة العثمانية وتارةً لعقد التحالفات وطلب يدَ العون من الإمارات الأوروبية في غرب أوروبا لمواجهة الخطر العثماني، غيرَ أنَّ كل ذلك لم يجدِ نفعًا في وجه القوة العثمانية الجبارة التي راحت تلتهم الدول من حولها وتتحول إلى إمبراطورية عظيمة توَّجت انتصاراتها في أوروبا الشرقية بفتح مدينة القسطنطينية، فعلى الرغم من المحاولات الكثيرة التي باءت بالفشل في فتح تلك المدينة إلا أنَّها سقطَت في النهاية في أيدي العثمانيين في عام 1453م على يد السلطان محمد بن مراد الثاني الذي لُقِّبَ بمحمد الفاتح وبعد ما يقارب على 154 سنة على قيام الدولة العثمانية، وسقطت عند ذلك الإمبراطورية البيزنطية بعد أنَّ مرَّ على قيامها أكثر من 11 قرنًا.[٢]

ولم يتوقف السلطان محمد الفاتح بعد القسطنطينية عن الفتوحات في أوروبا، بل تابع في معاركه وحروبه لتحقيق طموحاته التوسعية داخل أوروبا، فاستطاعت الدولة العثمانية بقيادته من إخضاع بلاد الصرب وبلاد المورة التي تقع جنوب اليونان وبلاد البشناق وبلاد الأفلاق وألبانيا واستطاعت أيضًا هزيمة البندقية وتوحيد بلاد الأناضول بعد أن قضَت على إمارة قرمان وإمبراطورية طرابزون الرومية، وعندما كان محمد الفاتح يهمُّ في فتح إيطاليا توفي قبل تحقيق ذلك عام 1481م، وفي تلك الفترة توقف العثمانيون عن الحروب والتفتوا إلى جهة الشرق.[٢]

وانشغلَ العثمانيون في جهة الشرق إلى استلم الحكم السلطان سليمان القانوني بن سليم عام 1520م فاتَّجه إلى الغرب لتحقيق طموحات أجداده التوسعية في أوروبا، ففتحَ مدينة بلغراد عام 1521م، واستولى على جزيرة رودس في العام التالي، وضمَّ المناطق الجنوبية من مملكة المجر إلى دولته مستغلًّا الأوضاع المتردية فيها، ثمَّ اشتبكت الجيوش العثمانية مع المجرية في وادي موهاج عام 1526م وانتصر العثمانيون واحتلوا المملكة كلها، ثمَّ توجه الجيش العثماني لقتال مملكة النمسا فهزمَت شرَّ هزيمة وطاردَ العثمانيون الملك فرديناند ملك النمسا حتى فيينا وحاصرها لفترة من الزمن لكنَّه لم يوفق في فتحها، وفي العام التالي أيضًا فرضَ عليها حصارًا لم يوفق أيضًا في فتحها فعقد صلحًا مع فرديناند، فتوجَّه عند ذلك إلى الشرق بعد توتر العلاقات مع الصفويين، وقد حققَ العثمانيون في عهد سليمان القانوني العديد من الانتصارات على المملكة الإسبانية والبندقية بالإضافة إلى بقية الانتصارات وقد كانت هذه الفترة هي الفترة الذهبية بالنسبة لفتوحات الدولة العثمانية في أوروبا، فبعد ذلك توقفت الفتوحات حيثُ بدأت الدولة العثمانية بالتأرجح بين الضعف والقوة ولم تستطع أن تحافظ على المناطق التي كانت معها في أوروبا إلى أن انهارت عام 1923م.[٢]

أسباب انهيار الدولة العثمانية

بعد أن دارَ الحديث حول فتوحات الدولة العثمانية في أوروبا والمرور على نشأتها وأصل الأسرة العثمانية، سيُشار إلى الأسباب التي ساعدت على انهيار الدولة العثمانية بعد أكثر من 600 عام على تأسيسها وسيطرتها على مناطق واسعة من العالم، وسيتمُّ ذكر بعض من أسباب انهيار الدولة العثمانية فيما يأتي:[٣]

  • تولي الحكم من قبل سلاطين ظالمين لم يلتفتوا إلى حاجة الشعوب الإسلامية وتطلعاتها.
  • تفشِّي التخلف والجهل والابتعاد عن أساليب العلم الحديثة الصحيحة.
  • تأخرها عن مواكب الحضارة الماضية قدمًا.
  • تفشي الأوهام والخرافات الناتجة عن الضلال بين مختلف أبناء الأمة الإسلامية.
  • انتشار المذهب الصوفي بما فيه من ممارسات مضلَّة منحرفة عن النهج الصحيح.
  • الدخول في حروب أنهكَت المسلمين وزادَت من فقرهم وبؤسهم وعجزهم.

المراجع

  1. ^ أ ب "الدولة العثمانية"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 05-06-2019. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح "الدولة العثمانية"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 05-06-2019. بتصرّف.
  3. "من أسباب سقوط الخلافة الإسلامية"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 05-06-2019. بتصرّف.
4834 مشاهدة
للأعلى للسفل
×