فضل إطعام الطعام في شهر رمضان

كتابة:
فضل إطعام الطعام في شهر رمضان

مفهوم إطعام الطعام

إنّ كلمة الطعام هي كلمة جامعة لشتّى أنواع المأكولات، أو هي اسم لكلّ ما يؤكل، وعند الحجازيين كلمة الطعام تعني البُر؛ وهو القمح، فيقولون طَعِمَ فلانٌ يَطعَمُ طَعْمًا وطعامًا، والجمع أطعمة وجمع الجمع أطعمات، فهو طاعِمٌ إذا أكل أو ذاق الطعام، وعن ابن عبّاسٍ أنّ ماء زمزم "طَعَامُ طُعْمٍ وشِفاءُ سُقْمٍ"؛ أي إنّ الإنسان يشبع عند شربه من مائها كما يشبع الإنسان عندما يأكل الطّعام، وأطعَمَهُ الطعام يُطعمه إطعامًا، فيُقال للذي يُطعِم الطعام مُطعِم، والآخذ للطّعام مُطعَم، ويتبيّن أنّ إطعام الطعام هو إعطاء الطعام وما هو في حكمه من الميسور وغيره للمُعسر وغيره، وقد يكون طعامًا أو ما هو في حكمه كالمال الذي يُفضي إلى الطعام، وهو إمّا أن يكون بأخذ المال، وإمّا أن يكون بإدخال الطعام إلى جوف المحتاج عن طريق فمه؛ وذلك بإطعامه باليد، وإنّ إطعام الطعام خيرٌ في كلّ وقت، ومن أفضل أوقاته شهر رمضان، وسيقف المقال مع فضل إطعام الطعام في شهر رمضان.[١]

فضل إطعام الطعام في شهر رمضان

قبل الوقوف عند فضل إطعام الطعام في شهر رمضان ينبغي العلم أنّ إطعام الطعام في كلّ وقت هو خيرٌ وفضلٌ يسوقه الله -تعالى- لعباده، وقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ الإسْلَامِ خَيْرٌ؟ قالَ: "تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وتَقْرَأُ السَّلَامَ علَى مَن عَرَفْتَ ومَن لَمْ تَعْرِفْ"،[٢] فإطعام الطعام هو خير الأعمال بعد الإيمان وأداء الفرائض، شريطة أن يكون إطعام الطعام هذا الطعام لوجه الله تعالى وفي سبيله لا رياءً ومفاخرة،[٣] وأمّا في رمضان فإطعام الطعام يتزايد أجره لما فيه من تفرّغ الصّائمين للعبادة وفراغ قلوبهم من كلّ شيء سوى العبادة والطاعات، وقد روي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: "من فطَّر صائمًا كان له مثلُ أجره، غير أنه لا ينقصُ من أجر الصائمِ شيئًا"،[٤] فحسب المسلم هذا الحديث ليكثر من إطعام الطعام في رمضان،[٥] وممّا يزيد من فضل إطعام الطعام في شهر رمضان وفي أوقات الجوع ما يأتي:

  • إنّ الله حينما ذكر صفات أصحاب اليمين ذكر من صفاتهم أنّهم يطعمون الطعام في أوقات الجوع، فقال تعالى في سورة البلد: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ* يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ* أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ* ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ* أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ}،[٦] فإطعام الطعام في الوقت الذي لا يجد المسلمون فيه طعامًا هو أفضل من سائر الأوقات والله أعلم.[٧]
  • ومن فضل إطعام الطعام في شهر رمضان -وفي سائر الأوقات كذلك- أنّه من موجبات دخول العبد الجنّة؛ لقوله -صلّى الله عليه وسلّم- فيما صحّ عنه: "اعبدوا الرحمنَ، وأطعموا الطعامَ، وأفْشُوا السّلامَ تدخلوا الجنةَ بسلام"،[٨] وفي رواية عند البخاري في الأدب المفرد: "تدخلوا الجِنان".[٩]
  • ومن فضل إطعام الطعام في شهر رمضان وغيره ما ورد أعلاه أنّ ذلك من أخلاق الإسلام؛ للحديث الذي في صحيح البخاري أنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ الإسْلَامِ خَيْرٌ؟ قالَ: "تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وتَقْرَأُ السَّلَامَ علَى مَن عَرَفْتَ ومَن لَمْ تَعْرِفْ"،[٢] وواضح من الحديث أنّه خير الأعمال بعد الإيمان بما أمر الله -تعالى- به.[١٠]
  • ومن فضل إطعام الطعام كذلك أنّه يقي من النار؛ وذلك لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث الذي يرويه عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه: "اتَّقُوا النَّارَ ثُمَّ أعْرَضَ وأَشَاح، ثُمَّ قالَ: اتَّقُوا النَّارَ ثُمَّ أعْرَضَ وأَشَاحَ ثَلَاثًا، حتَّى ظَنَنَّا أنَّه يَنْظُرُ إلَيْهَا، ثُمَّ قالَ: اتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ، فمَن لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ"،[١١] وفي هذا الحديث دعوة صريحة للتّصدّق الذي يُفضي إلى إطعام الطعام.[١٢]
  • ومن فضل إطعام الطعام عامّة ومن فضل إطعام الطعام في شهر رمضان أنَّ ذلك من أفضل الأعمال، فقد روي أنَّ صهيبًا -أي صهيب الرومي- كان يُكنَى أبا يحيى، ويقولُ إنَّه من العربِ، ويطعمُ الطَّعامَ الكثيرَ، فقال له عمرُ بنُ الخطابِ: يا صهيبُ، ما لك تُكنّى أبا يحيى، وليس لك ولدٌ، وتقولُ إنَّك من العربِ، وتطعمُ الطعامَ الكثيرَ وذلك سَرَفٌ في المالِ؟ فقال صهيبٌ: إنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- كنّاني أبا يحيى، وأما قولُك في النَّسبِ: فأنا رجلٌ من النمرِ بنِ قاسطٍ من أهلِ الموصلِ، ولكني سُبيتُ غلامًا صغيرًا وقد عقلتُ أهلي وقومي، وأما قولُك في الطَّعامِ: فإنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- كان يقولُ: "خِيَارُكُم مَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَرَدَّ السَّلامَ"، فذلِك الذي يحملُني على أنْ أُطعمَ الطعامَ.[١٣]
  • ومن فضل إطعام الطعام أنّ المُطعِمَ له أجرٌ مُضاعَفٌ من الله تعالى؛ فقد روي عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنهم ذَبَحُوا شاةً فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما بَقِيَ منها ؟ قلْتُ: ما بَقِيَ منها إلَّا كَتِفُها. قال: بَقِيَ كلُّها غيرُ كَتِفِها"؛[١٤] أي: إنّ الذي تصدّقوا به للفقراء والمساكين هو الذي بقي لهم عند الله –عزّ وجلّ- ذُخرًا للدّار الآخرة.[١٥]
  • ومن فضل إطعام الطعام أنّ المُتصدّق ومُطعِمَ الطّعام يكون الله -تعالى- في عونه فلا يُخزيه ولا يخذله، وممّا جاء في ذلك الحديث الذي يتحدّث عن بدء الوحي عندما أخبر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أمّ المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- بما رأى فقالت له: "كَلّا أبْشِرْ، فَواللَّهِ، لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا، واللَّهِ، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتُكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوائِبِ الحَقِّ"،[١٦] فصفة إطعام الطعام كانت من الصفات المميزة التي ذكرتها أمّ المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- للنبي –عليه الصلاة والسلام، وذلك في قولها: "وتُكْسِبُ المَعْدُومَ"، والمعدوم هو الفقير.[١٧]

فضل صلة الرحم في رمضان

بعد الفراغ من الحديث عن فضل إطعام الطعام في شهر رمضان يبقى أمر لا بدّ من الحديث عنه إذا ما كان الحديث عن شهر رمضان المبارك؛ فشهر رمضان هو شهرٌ تكثر فيه العبادات من صلاة وصدقة وقيام وكذلك صلة الرحم، فمن الأجواء الرّوحيّة التي يُضفيها رمضان على حياة المسلمين هي الجوّ الأسريّ الكبير الذي تجتمع فيه الأسرة كثيرًا إن كان ذلك على إفطار وإن بعد صلاة العشاء والتراويح وغير ذلك، ولعلّ ممّا يخفى على كثير من النّاس أنّ صلة الرّحم فرضٌ قد أوجبه الله -تعالى- على عباده على درجات مختلفة من الأهميّة بحسب كلّ شخص ومدى صلة القربة بينهم، ومعنى صلة الرّحم هو الإحسان إلى ذوي الأرحام من الأقربين ووصلهم بالخير على حسب الاستطاعة ودفع ما يمكن من الشرّ عنهم، وإنّ فوائد صلة الرحم جمّة لا تنحصر،[١٨] ولكن يُذكر منها ما يأتي:[١٩]

  • أنّها علامة من علامات حُسن إيمان المرء؛ لقوله عليه الصّلاة والسّلام: "مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ".[٢٠]
  • وأيضًا فصلة الرّحم سبب لبركة الرزق والعمر للحديث الذي رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- في الصّحيح أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "مَن أحَبَّ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، ويُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ"،[٢١] وبذلك يكون قد تمّ مقال فضل إطعام الطعام في شهر رمضان وقد علم المسلم فيه فضل إطعام الطعام في شهر رمضان وفي سائر الأوقات، وأيّ الأيّام أفضل لإطعام الطّعام، وكذلك قد عرّج المقال على فضل صلة الرحم في رمضان وغيره، والله -تعالى- أعلى وأعلم.

المراجع

  1. "تعريف و معنى إطعام الطعام في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 03-05-2020. بتصرّف.
  2. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 12، حديث صحيح.
  3. حمزة محمد قاسم، منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (الطبعة الاولى)، دمشق: دار البيان، صفحة 89، جزء 1. بتصرّف.
  4. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن زيد بن خالد الجهني، الصفحة أو الرقم: 807، حديث حسن صحيح.
  5. محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، عمّان: بيت الأفكار الدولية، صفحة 164، جزء 3. بتصرّف.
  6. سورة البلد، آية: 14- 18.
  7. "تفسير القرطبي - تفسير سورة البلد"، www.quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 03-05-2020. بتصرّف.
  8. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 1855، حديثٌ حسنٌ صحيح.
  9. الإمام البخاري، الأدب المفرد بالتعليقات (الطبعة الأولى)، الرياض: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، صفحة 548. بتصرّف.
  10. البخاري، صحيح البخاري (الطبعة الأولى)، بيروت: دار طوق النجاة، صفحة 12، جزء 1. بتصرّف.
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عدي بن حاتم الطائي، الصفحة أو الرقم: 6540، حديث صحيح.
  12. سعيد حوى، الأساس في السنة وفقهها (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 2301، جزء 5. بتصرّف.
  13. "الموسوعة الحديثية"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 03-05-2020.
  14. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2470، حديث صحيح.
  15. الإمام النووي، رياض الصالحين (الطبعة الأولى)، دمشق: دار ابن كثير، صفحة 188. بتصرّف.
  16. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 160، حديث صحيح.
  17. صهيب عبد الجبار، الجامع الصحيح للسنن والمسانيد، صفحة 44، جزء 22. بتصرّف.
  18. عبد الله بن ضيف الله الرحيلي، الأخلاق الفاضلة قواعد ومنطلقات لاكتسابها (الطبعة الأولى)، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 148. بتصرّف.
  19. مجموعة من المؤلفين، أرشيف منتدى الفصيح - 1، صفحة 1. بتصرّف.
  20. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6138، حديث صحيح.
  21. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 5986، حديث صحيح.
3948 مشاهدة
للأعلى للسفل
×