فضل سورة الصافات ومقاصدها

كتابة:
فضل سورة الصافات ومقاصدها

فضل سورة الصافات

ورد في سورة الصافات قول الصحابي الجليل عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلهِ وسلم، يأمرُنا بالتخفيفِ، ويؤمُّنا بالصَّافَّاتِ)،،[١][٢] أمَّا ما ورد من حديثٍ يُخبرنا فيه أنَّه من قرأ يس والصافات من كلِّ جمعة أُعطي سؤله واستجاب الله دعوته؛ فهو حديثٌ لا أصل له وهو حديثٌ مكذوب موضوع.[٣]


ومن الجدير بالذكر أنَّ أكثر ما جاء من الأحاديث عن فضل السور القرآنية موضوع ولا يصحُّ منها إلاّ القليل وقد وضحَّها الأمام السيوطي، ومن السُّور التي صحَّ حديثُ فضلها فاتحة الكتاب، وسورة البقرة، وسورة آل عمران، وسورة الإخلاص، والمعوذات وغيرها من السور.[٤]


مقاصد سورة الصافات

إنَّ سورة الصافات لها مقاصدٌ وأهدافٌ عدَّة، منها ما يأتي:

  • تتحدَّث السورة عن الملائكة، وقد أقسم الله -عزَّ وجلَّ- بها وهي تقف صفوفاً للعبادة، وتَصُفُّ أجنحتها في الهواء طاعةً لله -سبحانه-، وتحدَّثت عن المؤمنين العابدين الطائعين المقيمين للصلاة.[٥]
  • ذكرت السورة بعض الأمور العقائدية كالوحدانية وما دلَّ عليها، من تعظيمٍ وتنزيهٍ لله -تعالى- عن جميع النقائص والعيوب، وتحدَّثت عن مآل الكافرين، وأجر ونعيم المتقين، وكيف عُوقب وهلك قوم لوط.[٦]
  • تتحدَّث عن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- منهم سيدنا نوح -عليه السلام- ومعجزته وكيف نجَّاه الله مع المؤمنين، وذكرت حال سيدنا إسماعيل -عليه السلام- وكيف فداه الله -عزَّ وجلَّ- بذبحٍ عظيم، وتحدثت عن سيدنا إبراهيم -عليه السلام- وكيف بشَّره الله -تعالى- بالذريَّة الصالحة، وكذلك عن سيدنا موسى وسيدنا هارون -عليهم السلام- وأن آتهم الله الكتاب، و ذكرت السورة أيضاً سيدنا يونس -عليه السلام- وابتلائه وكيف أنجاه الله -تعالى-، وكذلك ما أعطى الله لأنبيائه من نصرٍ لهم بعد صبرهم وكيف كان تأييدهم من الله - عزَّو جلَّ-.[٧]
  • ذكرت السورة مقدار فساد عقيدة المشركين وجهلهم، وكما أكَّدت على تعظيم وتنزيه الله-تعالى- عن كلِّ ما ينقصه، كما في قوله -تعالى-: (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ).[٨][٩]
  • ذكرت في ختام السورة حال قريشٍ ومشركيها، وحثَّت المسلمين أن يبقوا أقوياء العزيمة، وبيَّنت ضعف قوَّة المشركين وهوان عزائمهم.[١٠]
  • تحدَّثت أيضاً في سياق الأمور العقائدية عن البعث وما يتبعه من حسابٍ وجزاءٍ، وإبطال عقيدة عبادة الأصنام؛ وأنَّها لا تضرُّ ولا تنفع، وأكَّدت على التوحيد وقدرة الله وتفرُّده بالخَلقِ والإيجاد.[١١]َّ


التعريف بسورة الصافات

سورة الصافات سورة مكيّة، لذا نزلت ترُدَّ على جُحود المشركين في إثبات البعث والحساب، وأنَّ الله واحدٌ لا شريك له، فجاءت مؤيدة بدلائل قدرة الله،[١٢] فإنها ترسِّخ حقيقة الوحدانية؛ وأنَّ الله وحده لا شريك له، ودحض عقيدة الأصنام، وأنَّ الله وحده المستحقُّ للعبادة، وأن لا يُشرك مع الله أحد، فهو المتصرِّف بأمور هذا الكون كلِّه سواءٌ في السماوات أو الأرض.[١٣]


وتحدَّثت عن الحوارات التي تدور مع المتقين، كما في قوله -تعالى-: (أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ)،[١٤] وقوله -تعالى-: (إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ* يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ)، فهي هنا تتحدَّث عن فرحهم وسرورهم، و كيف أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- نجَّاهم من العذاب، وثبَّتهم حتى دخلوا الجنَّة، وذكرت فضائل الأنبياء -عليهم السلام- وصبرهم، منهم إبراهيم -عليه السلام- كيف هاجرإلى ربِّه وصبر على ابتلائه؛ فأصبح خليلٌ للرحمن بصبره وثباته وطاعته لله.[١٣]


اسمها ومعناه وسبب تسميتها

الاسم الذي اشتهرت به هذه السورة هو الصافات، وقد اتُّفق وأجمع عليه جميع المفسرين، وهو ما ورد في كُلِّ المصاحف وكتب التفاسير، وهذا الاسم عائدٌ لوصف الملائكة في الآيات الأولى من السورة: (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا* فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا* فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا)،[١٥] مع أنَّ هذه الكلمة وردت في سورة الملك إلّا أنَّها كانت صِفةٌ للطيور.[١٦]


وذُكِرت كلمة الصافات في سورة النور كوصفٍ للطير أيضاً، وقد سبق نزول سورة الصافات نزول سورة الملك، و سمِّيت بالصافات نسبةً لأوَّل آية بدأت بها السورة، وهذه عادة الله -عزَّ وجلَّ- في كتابه الكريم أن يُسمِّي الأشياء ببعضٍ منها،[١٧] وترتيب نزول سورة الصافات بين السور القرآنية السادسة والخمسون، وتوسَّط نزولها بين سورة الأنعام وسورة لقمان، فقد سبق نزول سورة الصافات سورة الأنعام، وسورة لقمان نزلت بعدها.[١٧]


مناسبتها لما بعدها ولما قبلها من السور

وترتبط سورة الصافات بسورتي ص و يس ارتباطاً وثيقاً، فمثلاً نهاية سورة الصافات مرتبطة ببداية سورة ص وهي السورة التي تليها، فقد قال الله -تعالى- في أواخر آيات سورة الصافات:(لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ* لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ثم كفروا به)،[١٨] وابتدأت سورة ص بقوله -تعالى-:(ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ)،[١٩] تأكيداً على ترابط المعنى بين السورتين فهذا الذكر الذي طلبه أولئك الكافرون ما هو إلا القرآن العظيم، وفي ارتباط آخر بين هاتين السورتين العظيمتين فقد أكملت سورة ص ذكر ما بقي من الأنبياء الذين لم تذكرهم سورة الصافات.[٢٠]


أما عن ارتباط الصافات بسورة يس وهي السورة التي قبلها، فقد انتهت سورة يس بذكر مظاهر قدرة الله، وأنَّه كما خلقهم من لا شيء فإنَّ إعادتهم عليه أمرٌ هين كما قال الله -تعالى-:(أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ)،[٢١] وهكذا استهلَّت الآيات الأولى من سورة الصافات بكون الله الخالق الواحد المتفرِّد بالخلق والقدرة -عزَّ وجلّ-.[٢٠]

المراجع

  1. رواه علاء الدين مغلطاي، في شرح ابن ماجة، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:616، سنده صحيح
  2. محمد بن عبد الله الشوكاني (1414)، فتح القدير للشوكاني، دمشق:دار ابن كثير، صفحة 442، جزء 4. بتصرّف.
  3. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، فتاوى اللجنة الدائمة، الرياض:رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، صفحة 141، جزء 4. بتصرّف.
  4. جامعة المدينة العالمية، الدخيل في التفسير، صفحة 353. بتصرّف.
  5. جعفر شرف الدين (1420)، الموسوعة القرآنية خصائص السور، بيروت:دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، صفحة 201، جزء 7. بتصرّف.
  6. جعفر شرف الدين (1420)، الموسوعة القرآنية خصائص السور، بيروت:دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، صفحة 201، جزء 7. بتصرّف.
  7. جعفر شرف الدين، الموسوعة القرآنية خصائص السور، بيروت:دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، صفحة 201، جزء 7. بتصرّف.
  8. سورة الصافات، آية:180
  9. جعفر شرف الدين (1420)، الموسوعة القرآنية خصائص السور، بيروت:دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، صفحة 201، جزء 7. بتصرّف.
  10. محمد محمود حجازي (1413)، التفسير الواضح، بيروت:دار الجيل الجديد، صفحة 197، جزء 3. بتصرّف.
  11. ابن عاشور (1984)، التحرير والتنوير، تونس:الدار التونسية للنشر، صفحة 81، جزء 23. بتصرّف.
  12. ابن عجيبة (2002)، البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، القاهرة:الدكتور حسن عباس زكي، صفحة 589، جزء 4. بتصرّف.
  13. ^ أ ب أحمد حطيبة، تفسير أحمد حطيبة، صفحة 4. بتصرّف.
  14. سورة الصافات، آية:27
  15. سورة الصافات، آية:1-3
  16. ابن عاشور (1984)، التحرير والتنوير، تونس:الدار التونسية للنشر، صفحة 81، جزء 23. بتصرّف.
  17. ^ أ ب محمد الأمين الهرري (2001)، تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن، بيروت:دار طوق النجاة، صفحة 128، جزء 24. بتصرّف.
  18. سورة الصافات، آية:168-169
  19. سورة ص، آية:1
  20. ^ أ ب وهبة الزحيلي (1418)، التفسير المنير للزحيلي (الطبعة 2)، دمشق:دار الفكر المعاصر، صفحة 161، جزء 23. بتصرّف.
  21. سورة يس، آية:81
5098 مشاهدة
للأعلى للسفل
×