فضل و تعريف سورة المدثر
سورة المدثر سورة مكية، ليس لها فضل خاص، حيث لم يرد نصّاً شرعيّاً يبيّن فضلٍاً خاصاً بسورة المدثر، ولكن فضلها كفضل سائر سور وآيات القرآن الكريم، ولا سيما المفصل منه، وعدد آياتها 56 آية، وقيل إن سورة المدثر هي أول ما نزل على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا أحد قولين في ترتيب نزول السور.[١]
روى البخاري عن جابر بن عبد الله عن النبي: (..جَاوَرْتُ بحِرَاءٍ، فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي هَبَطْتُ فَنُودِيتُ، فَنَظَرْتُ عن يَمِينِي فَلَمْ أرَ شيئًا، ونَظَرْتُ عن شِمَالِي فَلَمْ أرَ شيئًا، ونَظَرْتُ أمَامِي فَلَمْ أرَ شيئًا، ونَظَرْتُ خَلْفِي فَلَمْ أرَ شيئًا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُ شيئًا، فأتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلتُ: دَثِّرُونِي وصُبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا، قالَ: فَدَثَّرُونِي وصَبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا، قالَ: فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ})،[٢]
في حين يروي البخاري وغيره عن السيدة عائشة -رضي الله عنها- في الحديث المشهور في باب بدء الوحي أن أول ما نزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- هي الآيات الخمس الأولى من سورة العلق، وهذا هو الأشهر وقال به أكثر العلماء.[١]
فضل موضوعات سورة المدثر
تبدأ السورة الكريمة بأفضل عدة يحملها الداعية ليقوم بواجب الإنذار، وهي:[٣]
- وربك فكبر
- تكبير الله -سبحانه وتعالى- وتوحيده؛ فلا يخاف أحدا ولا يرجو من أحد سواه.
- وثيابك فطهر
- تطهير القلب -حيث تستخدم العرب الثياب وتقصد القلب- إضافة إلى جمال الهيئة والهندام.
- والرجز فاهجر
- ترك كل ما يؤدي إلى العذاب من المعاصي والآثام ومعبودات أهل الشرك والكفر.
- ولا تمنن تستكثر
- الجود والكرم وعدم المن على من يُحسن الشخص عليهم؛ فمهما بذل الداعية من وقته وجهده وماله يرى ذلك قليلا في حق الله -سبحانه وتعالى-.
- ولربك فاصبر
- طريق الدعوة شاق، وتكاليفه باهضة، وأعداء الداعية كثيرون، وأساليب صدهم الخبيثة عن الحق لا تحصى؛ فعلى الداعية ملازمة الصبر.
سبب نزول سورة المدثر
وردت عدّة روايات تبيّن أسباب نزول هذه الآيات من سورة المدّثثر، وفيما يأتي بيان أسباب النزول بحسب كل مجموعة من الآيات الكريمة:
- الآيات (1-7)
- يوضح سبب نزولها الحديث الذي يرويه جابر بن عبد الله في صحيح البخاري: (أنَّهُ سَمِعَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يقولُ: ثُمَّ فَتَرَ عَنِّي الوَحْيُ فَتْرَةً، فَبيْنَا أَنَا أَمْشِي، سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي قِبَلَ السَّمَاءِ، فَإِذَا المَلَكُ الذي جَاءَنِي بحِرَاءٍ، قَاعِدٌ علَى كُرْسِيٍّ بيْنَ السَّمَاءِ والأرْضِ، فَجُئِثْتُ منه، حتَّى هَوَيْتُ إلى الأرْضِ، فَجِئْتُ أَهْلِي فَقُلتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فأنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ قُمْ فأنْذِرْ} إلى قَوْلِهِ {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}).[٤]
- الآيات (11-30)
- نزلت في الوليد بن المغيرة حين طلب منه المشركون أن يقول في النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي القرآن قولا يتفقون عليه أمام الناس، وقد كان الوليد من أغنى رجالات قريش مكانةً، وأكثرهم أولادا، وأعلاهم منزلة، وأرجحهم عقلا؛ وقد أُعجب بالقرآن، ولم يجد فيه نقيصة.[٥]
- بل مدحه بقولته المشهورة: "والله إنَّ له لحلاوة، وإنَّ عليه لطلاوة، وإنَّ أعلاه لَمُثمِر، وإنَّ أسفَلهُ لَمُغدِق، وإنّه يعلو ولا يُعلى عليه"، ولكن وإصرار المشركين عليه في البقاء على دينه وتكذيب محمد -صلى الله عليه وسلم- جعلاه يبقى على كفره، فلم يجد إلا أن يصف النبي -صلى الله عليه وسلم- بغير أنه ساحر.[٥]
- الآيات (31-37)
- نزلت عندما تعجّبت قريش من عدد خزنة النار التسعة عشر، فقال أبو جهل معاتباً قريش ومحفزاً لهم: ألا يستطيع كل عشرة منكم على واحد من خزنة جهنم؟[٦]
- وقيل إنها نزلت في رجلٍ يُقال له أبو الأشَدين -كان شديد القوة والبأس- لمّا سمع بعدد خزنة جهنم، حيث قال: يا معشر قريش اكفوني اثنين منهم وأنا أكفيكم سبعة عشر منهم.[٦]
المراجع
- ^ أ ب محمد سيد طنطاوي (1997)، التفسير الوسيط للقرآن الكريم (الطبعة 1)، القاهرة:دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 171-172، جزء 15.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:4922، صحيح.
- ↑ الحجازي، محمد محمود، التفسير الواضح (الطبعة 10)، بيروت:دار الجيل الجديد، صفحة 774-775، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:3238، صحيح.
- ^ أ ب محمد علي الصابوني (1997)، صفوة التفاسير (الطبعة 1)، القاهرة: دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 451، جزء 3. بتصرّف.
- ^ أ ب أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير (1419)، تفسير القرآن العظيم (الطبعة 1)، بيروت:دار الكتب العلمية، صفحة 278، جزء 8. بتصرّف.