فن الرسائل في العصر العباسي الثاني

كتابة:
فن الرسائل في العصر العباسي الثاني

فن الرسائل في العصر العباسي الثاني

شهد العصر العباسي تطوراً ونشاطاً واسعين في مجالات الكتابة الفنية، وتحديداً في فن الرسائل الشخصية، والتي كانت تدور مواضيعها حول مظاهر الحياة الاجتماعية، والعلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع، فكتب الكتَّاب في ذلك الوقت رسائل كثيرة في العديد من الموضوعات، كالتعازي، والاعتذار، والتهنئة، والشكوى وغيرها من الموضوعات.[١]

تطور فن الرسائل في العصر العباسي

لا يعتبر فن الرسائل فنَّاً ناشئاً في العصر العباسي، ولكنه شهد تطوراً كبيراً في هذا العصر، وكان من بين أهم الأنواع الكتابية النثرية التي تطورت وتحسنت، وقد كان هناك عدد من الظروف التي ساهمت في هذا التطور الذي طرأ على فن الرسائل، منها تزامنها مع تطور الفنون الأدبية والعلوم، والحاجة إلى التواصل وازدهار الأوضاع الاجتماعية واختلاط الثقافات وغير هذا من الأسباب المهيئة لعملية تطور الرسائل في العصر العباسي.


أنواع الرسائل في العصر العباسي الثاني

انتشرت بعض أنواع الرسائل وشاعت في العصر العباسي الثاني، بعضها قد كان موجوداً سابقاً وبعضها ظهر وازدهر في هذا العصر تحديداً، ونذكر من الرسائل ما يلي:[٢]


الرسائل الديوانية

كانت الدواوين شائعة منذ العصر العباسي الأول، حيث أنشأ الخلفاء الكثير من الدواوين، بل وخصصوا ديواناً لكل شأن من شؤون الدولة تقريباً، فديوان للخراج ويدوان للنفقات وديوان للرسائل وديوان للخاتم وغيرها من الدواوين.[٢]


وقد أسهم وجود هذه الدواوين في تطور النشاط الكتابيّ، خاصة وأن هذا العمل كان يعود على من يقوم به بالرواتب والأرزاق الضخمة، وقد كان من يتقدم لوظيفة في الدواوين يختبر في الكتابة ويطلب منه تدبيج بعض الرسائل قبل أن يُقبل للعمل فيها.[٢]


وكانت صياغة هذه الكتب والرسائل تمتاز بالرصانة والجزالة، وتحمل محاولات واضحة للدقة في التعبير، وسرقة الذهن والسمع لكن دون استخدام السجع بل عن طريق الألفاظ المتوازنة والمتقابلة.[٢]


ومن نماذج هذه الرسائل رسالة أرسلها سعيد بن حميد واحد من البلغاء والكتاب المعروفين، يقول فيها:[٢]

"أما بعد، فإن زيغ الهوى صدف بكم عن حزم الرأي، فأقحمكم حبائل الخطأ، ولو ملّكتم الحق عليكم، وحكمتم به فيكم لأوردكم البصيرة ونفى غيابة الحيرة، والآن فإن تجنحوا للسلم تحقنوا دماءكم، وتُرغِدوا عيشكم ويصفح أمير المؤمنين عن جريرة جارمكم، ويُسبغ النعمة عليكم، وإن مضيتم على غُلَوائكم، وسوّل لكم الأمل أسوأ أعمالكم، فأذنوا بحرب من الله ورسوله، بعد نبذ المعذرة إليكم، وإقامة الحجة عليكم، ولئن شنَّت الغارات وشبَّ ضرام الحرب، ودارت رحاها على قطبها وحسمت الصوارم أوصال حماتها...".[٢]


الرسائل الإخوانية والأدبية

ظهرت الرسائل الإخوانية في العصر العباسي الأول، لكنها تطورت في العصر العباسي الثاني لتصبح فنَّاً أدبيَّاً ينافس الفنون الشعرية، وصارت محط تنافس بين الأدباء، وامتازت بجزالة الألفاظ ورصانتها، بما يأسر الألباب ويجتذب إليه القلوب، حيث صارت الرسائل في هذا العصر أكثر جمالاً من الشعر لما امتازت به من خصائص وسمات جعلتها أقرب إلى وجدان الناس والمجتمع.[٢]


ومن نماذج هذه الرسائل، رسالة كتبها الحسن بن وهب يهنئ فيها المتوكل بعيد النيروز فيقول: 

"أسعدك الله يا أمير المؤمنين بكر الدهور وتكامل السرور، وبارك لك في إقبال الزمان، وبسط بيمن خلافتك الآمال، وخصّك بالمزيد وأبهجك بكل عيد، وشدَّ بك أزر التوحيد، ووصل لك بشاشة أزهار الربيع المونق، بطيب أيام الخريف المغدق، وبمواقع تمكين لا يجاوزه الأمل، وغبطة إليها نهاية ضارب المثل، وعمّر ببلائك الإسلام، وفسح لك في القدرة والمدّة، وأمتع برأفتك وعدلك الأمة، وسربلكَ العافية، وردّ لك السلامة، ودرّعك العز والكرامة، وجعل الشهور لك بالإقبال متصدية، والأزمنة إليك راغبة..."[٢]

المراجع

  1. خالد الحلبوني، الرسائل النثرية في العصر العباسي، صفحة 1-30. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ د شوقي ضيف، العصر العباسي الثاني، صفحة 550-575. بتصرّف.
6493 مشاهدة
للأعلى للسفل
×