قانون العمل المصري

كتابة:
قانون العمل المصري

قانون العمل

لقد شهِدَ العالم تطوّرًا ملحوظًا في المجالات الصناعيّة والتجاريّة والزراعيّة، وانتشرت الحِرَف على مختلف أنواعها، حيث كان الأفراد يسعون بكامل جهودهم وطاقاتهم إلى سدّ حاجاتهم الشخصية وتحقيق رغباتهم من خلال البحث عن الأعمال التي تتناسب مع شخصياتهم كسبًا للمال، وكان هذا التطور يزداد شيئًا فشيئًا عبر المراحل التاريخيّة، ممّا ظهرت الحاجة إلى تنظيم قواعد وأحكام العمل في قانون خاصّ يتعلق بها، وفي ذلك سيتم بيان قانون العمل المصري، والصفة الآمرة لقواعد قانون العمل، وأهمية قانون العمل،

قانون العمل المصري

انتشر نظام الرق في مصر في العصور الأولى والوسطى، حيث ظهر ما يسمّى بنظام الطوائف في القرن العاشر حتى أواخر القرن التاسع عشر، وكان شيخ طائفة كل حِرفة من الحِرَف صاحب سلطة وسيادة في تنظيمها والفصل في المنازعات القائمة بين الأفراد وإيقاع العقوبات المناسبة عليهم، وكان هناك واجب على جميع العمال بإطاعة وتنفيذ أوامره، وفي عام 1890 تم إلغاء نظام الطوائف بموجب مرسوم يسمى الباتنته، الذي أعطى لكلّ فرد من الأفراد مزاولة أيّ مهنة يرغب فيها.[١]

وبقيت علاقات العمل بعيدة عن تنظيم المشرع بسبب تأخّر ظهور الصناعة، وظلت هذه العلاقات محكومة بالعقد ومبدأ سلطان الإرادة، ومن ثمّ ظهر ما يسمى بالتقنين المدني والذي كان يضم خمس مواد متعلقة بالعمل والتي سميت بعقد إيجار الأشخاص.[١]

وبعد الاحتلال البريطاني تدفّقت رؤوس الأموال الأجنبية لمصر وظهرت بعض الصناعات، وازداد عدد العمال وتعرضوا لكثير من الاستغلال من قبل أصحاب العمل، وبدأ العمّال بتوحيد جهودهم للدفاع عن حقوقهم، فكان لزامًا على المشرع التدخل وأصدر ما يسمى بقانون العمل المصري رقم 14 لعام 1909 والذي قام بدوره بتنظيم أعمال الأحداث في بعض الصناعات، وبعد ذلك ظهرت عدة قوانين تشغل النساء في الحرف الصناعية والتجارية، إلى حين صدور قانون العمل المصري الحالي، والذي حدد بدوره ساعات العمل للصناعات، ونظم أحكام ساعات العمل الإضافي، والتعويض عن إصابات العمل، والحد الأدنى للأجور، وحقوق العمال وأصحاب العمل وغير ذلك من القواعد.[١]

الصفة الآمرة لقواعد قانون العمل

تتميّز قواعد قانون العمل المصري بأنها قواعد تتعلق بالنظام العام، أي أن الدولة تتدخل في مجال تنظيم العمل، والهدف من هذا التدخل هو حماية حقوق الفئة العامل ومصالحهم من أي استغلالات قد تقع عليهم من أصحاب العمل، بحيث أن قواعد قانون العمل المصري مرتبطة بمبدأ سيادة الدولة، فلا يجوز لأي طرف من أطراف عقد العمل مخالفتها أو التنازل عنها، وتظهر الصفة الآمرة في العديد من القواعد التي نظّمها قانون العمل المصري.[٢]

مثل القواعد الخاصّة بأهليّة المتعاقدين، والقواعد المتعلقة بتحديد الحد الأدنى للأجور والمكافئآت التي يستحقها العامل، والقواعد المتعلقة ببطلان تطبيق أي قانون يتعارض مع قانون العمل المصري، كما أنّ المشرِّع لم يكتفِ بهذا الحدّ، بل وضع أحكامًا جزائية على كل من يخالف أحكام قانون العمل من عمال وأصحاب عمل، وأخضع جميع الأعمال إلى الرقابة والتفتيش من بعض الجهات المسؤولة عن ذلك.[٢]

أهمية قانون العمل

إنّ للعمل على مختلف مجالاته أهمية كبيرة في حياة الأفراد، ولا تقتصر هذه الأهمية على الأفراد فحسب، بل تنعكس آثارها على المجتمع أيضًا، ومن خلال ذلك سيتم توضيح أهمية العمل قانون العمل التي تنبع من الناحية الاقتصادية والاجتماعية:[٣]

  • توجيه الاقتصاد في المجتمع: حيث من الممكن من خلال قانون العمل توجيه الأيدي العاملة إلى بعض المناطق أو بعض الصناعات، وذلك عن طريق تحديد الحدّ الأدنى للأجور، وتحديد ساعات العمل.
  • علاج ظاهرة البطالة: فالعمل هو السبيل للتخلص من ظاهرة البطالة وآثارها السلبية الخطيرة التي تؤثر على الفرد والمجتمع بأسره، ومن الممكن التخلص من هذه الظاهرة عن طريق تحديد حد أقصى لساعات العمل، ووضع حد أدنى لسن التشغيل، ومنع العامل بأن يعمل لدى جهة أخرى أثناء ارتباطه بعقد عمل، فكل ذلك يسهم في توفير فرص عمل.
  • التحكّم في سياسة الإستهلاك: إن زيادة الأعباء المالية على رب العمل عن طريق إلزامه بتوفير الخدمات الصحية والاجتماعية، يؤدي إلى زيادة الإنتاج، وارتفاع الأسعار، مما يؤدي إلى انخفاض الاستهلاك وعلى العكس من ذلك، حيث تزيد القوة الشرائيّة في يد الطبقة العاملة ممّا يترتب على ذلك زيادة في الاستهلاك.
  • توفير العدالة الاجتماعية: حيث يتم وضع العديد من الضمانات التي تحفظ حق العامل من استغلال أصحاب العمل، كمنحه الإجازات، وتحديد الحد الأدنى للأجور وإلى غير ذلك من الضمانات، فكل ذلك يؤدي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية.
  • تحقيق السّلّم الاجتماعي: حيث إن قانون العمل ينظم العلاقات بين العمال وأصحاب العمل، فيزيل الصراع بين الطبقة العاملة وطبقة أصحاب العمل، ممّا يؤدي إلى إقامة التعاون فيما بينهم.

الطبيعة القانونية لقانون العمل

من المعروف أن قانون العمل أقرب ما يكون إلى القانون الاجتماعي؛ لأنّ المشرع عندما شرع قواعده حرص على حماية الطرف الضعيف في عقد العمل وهو العامل، وقد اختلف الفقهاء قديمًا حول تحديد طبيعة قانون العمل، فمنهم من ذهب إلى اعتباره أنه فرعٌ من فروع القانون الخاص؛ لأنّ أحكامه نظمت في القانون المدني حيث يعد القانون المدني فرعًا من فروع القانون الخاص، والبعض الآخر عَدَّه من فروع القانون الخاص؛ لأنّه استقل عن القانون المدني ونظمت أحكامه في قانون خاص، وتدخلت الدولة في تنظيمه، ويعد الرأي الأخير هو الأقرب للصواب.[٤]

المراجع

  1. ^ أ ب ت محمد حسين منصور (1995)، قانون العمل في مصر ولبنان، بيروت: دار النهضة العربية، صفحة 12-13. بتصرّف.
  2. ^ أ ب بشير هدفي (2003)، الوجيز في شرح قانون العمل (الطبعة الثانية)، الجزائر: جسور للنشر والتوزيع، صفحة 25-26. بتصرّف.
  3. جعفر المغربي (2018)، شرح أحكام قانون العمل (الطبعة الثانية)، عمان-الأردن: دار الثقافة للنشر والتوزيع، صفحة 20-22. بتصرّف.
  4. حسن كيرة (1979)، أصول قانون العمل (الطبعة الثالثة)، الإسكندرية: منشأة المعارف، صفحة 69. بتصرّف.
4836 مشاهدة
للأعلى للسفل
×