قصائد على البحر الوافر

كتابة:
قصائد على البحر الوافر

قصيدة: سلوا قلبي غداةَ سلا وتابا

قال الشاعر أحمد شوقي:[١]

سَلو قَلبي غَداةَ سَلا وَثابا

لَعَلَّ عَلى الجَمالِ لَهُ عِتابا

وَيُسأَلُ في الحَوادِثِ ذو صَوابٍ

فَهَل تَرَكَ الجَمالُ لَهُ صَوابا

وَكُنتُ إِذا سَأَلتُ القَلبَ يَومًا

تَوَلّى الدَمعُ عَن قَلبي الجَوابا

وَلي بَينَ الضُلوعِ دَمٌ وَلَحمٌ

هُما الواهي الَّذي ثَكِلَ الشَبابا

تَسَرَّبَ في الدُموعِ فَقُلتُ وَلّى

وَصَفَّقَ في الضُلوعِ فَقُلتُ ثابا

وَلَو خُلِقَت قُلوبٌ مِن حَديدٍ

لَما حَمَلَت كَما حَمَلَ العَذابا

وَأَحبابٍ سُقيتُ بِهِم سُلافًا

وَكانَ الوَصلُ مِن قِصَرٍ حَبابا

وَنادَمنا الشَبابَ عَلى بِساطٍ

مِنَ اللَذاتِ مُختَلِفٍ شَرابا

وَكُلُّ بِساطِ عَيشٍ سَوفَ يُطوى

وَإِن طالَ الزَمانُ بِهِ وَطابا

كَأَنَّ القَلبَ بَعدَهُمُ غَريبٌ

إِذا عادَتهُ ذِكرى الأَهلِ ذابا

وَلا يُنبيكَ عَن خُلُقِ اللَيالي

كَمَن فَقَدَ الأَحِبَّةَ وَالصِحابا

أَخا الدُنيا أَرى دُنياكَ أَفعى

تُبَدِّلُ كُلَّ آوِنَةٍ إِهابا

وَأَنَّ الرُقطَ أَيقَظُ هاجِعاتٍ

وَأَترَعُ في ظِلالِ السِلمِ تابا

وَمِن عَجَبٍ تُشَيِّبُ عاشِقيها

وَتُفنيهِمِ وَما بَرَحَت كَعابا

فَمَن يَغتَرُّ بِالدُنيا فَإِنّي

لَبِستُ بِها فَأَبلَيتُ الثِيابا

لَها ضَحِكُ القِيانِ إِلى غَبِيٍّ

وَلي ضَحِكُ اللَبيبِ إِذا تَغابى

جَنَيتُ بِرَوضِها وَردًا وَشَوكًا

وَذُقتُ بِكَأسِها شهدًا وَصابا

فَلَم أَرَ غَيرَ حُكمِ الله حُكمًا

وَلَم أَرَ دونَ بابِ الله بابا

وَلا عَظَّمتُ في الأَشياءِ إِلّا

صَحيحَ العِلمِ وَالأَدَبِ اللُبابا

وَلا كَرَّمتُ إِلّا وَجهَ حُرٍّ

يُقَلِّدُ قَومَهُ المِنَنَ الرَغابا

وَلَم أَرَ مِثلَ جَمعِ المالِ داءً

وَلا مِثلَ البَخيلِ بِهِ مُصابا

فَلا تَقتُلكَ شَهوَتُهُ وَزِنها

كَما تَزِنُ الطَعامَ أَوِ الشَرابا

وَخُذ لِبَنيكَ وَالأَيّامِ ذُخرًا

وَأَعطِ اللَهَ حِصَّتَهُ اِحتِسابا

فَلَو طالَعتَ أَحداثَ اللَيالي

وَجَدتَ الفَقرَ أَقرَبَها اِنتِيابا

وَأَنَّ البِرَّ خَيرٌ في حَياةٍ

وَأَبقى بَعدَ صاحِبِهِ ثَوابا

وَأَنَّ الشَرَّ يَصدَعُ فاعِليهِ

وَلَم أَرَ خَيِّرًا بِالشَرِّ آبا

فَرِفقًا بِالبَنينِ إِذا اللَيالي

عَلى الأَعقابِ أَوقَعَتِ العِقابا

وَلَم يَتَقَلَّدوا شُكرَ اليَتامى

وَلا اِدَّرَعوا الدُعاءَ المُستَجابا

عَجِبتُ لِمَعشَرٍ صَلّوا وَصاموا

عَواهِرَ خِشيَةً وَتُقى كِذابا

وَتُلفيهُمُ حِيالَ المالِ صُمًّا

إِذا داعي الزَكاةِ بِهِم أَهابا

لَقَد كَتَموا نَصيبَ اللَهِ مِنهُ

كَأَنَّ الله لَم يُحصِ النِصابا

وَمَن يَعدِل بِحُبِّ اللَهِ شَيئًا

كَحُبِّ المالِ ضَلَّ هَوىً وَخابا

أَرادَ اللَهُ بِالفُقَراءِ بِرًّا

وَبِالأَيتامِ حُبًّا وَاِرتِبابا

فَرُبَّ صَغيرِ قَومٍ عَلَّموهُ

سَما وَحَمى المُسَوَّمَةَ العِرابا

وَكانَ لِقَومِهِ نَفعًا وَفَخرا

وَلَو تَرَكوهُ كانَ أَذىً وَعابا

فَعَلِّم ما اِستَطَعتَ لَعَلَّ جيلاً

سَيَأتي يُحدِثُ العَجَبَ العُجابا

وَلا تُرهِق شَبابَ الحَيِّ يَأسًا

فَإِنَّ اليَأسَ يَختَرِمُ الشَبابا

يُريدُ الخالِقُ الرِزقَ اِشتِراكًا

وَإِن يَكُ خَصَّ أَقوامًا وَحابى

فَما حَرَمَ المُجِدَّ جَنى يَدَيهِ

وَلا نَسِيَ الشَقِيَّ وَلا المُصابا

وَلَولا البُخلُ لَم يَهلِك فَريقٌ

عَلى الأَقدارِ تَلقاهُمُ غِضابا

تَعِبتُ بِأَهلِهِ لَومًا وَقَبلي

دُعاةُ البِرِّ قَد سَئِموا الخِطابا

وَلَو أَنّي خَطَبتُ عَلى جَمادٍ

فَجَرتُ بِهِ اليَنابيعَ العِذابا

أَلَم تَرَ لِلهَواءِ جَرى فَأَفضى

إِلى الأَكواخِ وَاِختَرَقَ القِبابا

وَأَنَّ الشَمسَ في الآفاقِ تَغشى

حِمى كِسرى كَما تَغشى اليَبابا

وَأَنَّ الماءَ تُروى الأُسدُ مِنهُ

وَيَشفي مِن تَلَعلُعِها الكِلابا

وَسَوّى الله بينَكُمُ المَنايا

وَوَسَّدَكُم مَعَ الرُسلِ التُرابا

وَأَرسَلَ عائِلًا مِنكُم يَتيمًا

دَنا مِن ذي الجَلالِ فَكانَ قابا

نَبِيُّ البِرِّ بَيَّنَهُ سَبيلًا

وَسَنَّ خِلالَهُ وَهَدى الشِعابا

تَفَرَّقَ بَعدَ عيسى الناسُ فيهِ

فَلَمّا جاءَ كانَ لَهُم مَتابا

وَشافي النَفسِ مِن نَزَعاتِ شَرٍّ

كَشافٍ مِن طَبائِعِها الذِئابا

وَكانَ بَيانُهُ لِلهَديِ سُبلًا

وَكانَت خَيلُهُ لِلحَقِّ غابا

وَعَلَّمَنا بِناءَ المَجدِ حَتّى

أَخَذنا إِمرَةَ الأَرضِ اِغتِصابا

وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّي

وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا

وَما اِستَعصى عَلى قَومٍ مَنالٌ

إِذا الإِقدامُ كانَ لَهُم رِكابا

تَجَلّى مَولِدُ الهادي وَعَمَّت

بَشائِرُهُ البَوادي وَالقِصابا

وَأَسدَت لِلبَرِيَّةِ بِنتُ وَهبٍ

يَداً بَيضاءَ طَوَّقَتِ الرِقابا

لَقَد وَضَعَتهُ وَهّاجًا مُنيرًا

كَما تَلِدُ السَماواتُ الشِهابا

فَقامَ عَلى سَماءِ البَيتِ نورًا

يُضيءُ جِبالَ مَكَّةَ وَالنِقابا

وَضاعَت يَثرِبُ الفَيحاءُ مِسكًا

وَفاحَ القاعُ أَرجاءً وَطابا

أَبا الزَهراءِ قَد جاوَزتُ قَدري

بِمَدحِكَ بَيدَ أَنَّ لِيَ اِنتِسابا

فَما عَرَفَ البَلاغَةَ ذو بَيانٍ

إِذا لَم يَتَّخِذكَ لَهُ كِتابا

مَدَحتُ المالِكينَ فَزِدتُ قَدرًا

فَحينَ مَدَحتُكَ اِقتَدتُ السَحابا

سَأَلتُ الله في أَبناءِ ديني

فَإِن تَكُنِ الوَسيلَةَ لي أَجابا

وَما لِلمُسلِمينَ سِواكَ حِصنٌ

إِذا ما الضَرُّ مَسَّهُمُ وَنابا

كَأَنَّ النَحسَ حينَ جَرى عَلَيهِم

أَطارَ بِكُلِّ مَملَكَةٍ غُرابا

وَلَو حَفَظوا سَبيلَكَ كان نورًا

وَكانَ مِنَ النُحوسِ لَهُم حِجابا

بَنَيتَ لَهُم مِنَ الأَخلاق رُكنًا

فَخانوا الرُكنَ فَاِنهَدَمَ اِضطِرابا

وَكانَ جَنابُهُم فيها مَهيبًا

وَلَلأَخلاقِ أَجدَرُ أَن تُهابا

فَلَولاها لَساوى اللَيثُ ذِئبًا

وَساوى الصارِمُ الماضي قِرابا

فَإِن قُرِنَت مَكارِمُها بِعِلمٍ

تَذَلَّلَتِ العُلا بِهِما صِعابا

وَفي هَذا الزَمانِ مَسيحُ عِلمٍ

يَرُدُّ عَلى بَني الأُمَمِ الشَبابا

قصيدة: إذا كشف الزمان لك القناع

قال الشاعر عنترة بن شداد:[٢]

إِذا كَشَفَ الزَمانُ لَكَ القِناعا

وَمَدَّ إِلَيكَ صَرفُ الدَهرِ باعا

فَلا تَخشَ المَنيَّةَ وَاِلقَيَنه

ودافِع ما اِستَطَعتَ لَها دِفاعا

وَلا تَختَر فِراشًا مِن حَريرٍ

وَلا تَبكِ المَنازِلَ وَالبِقاعا

وَحَولَكَ نِسوَةٌ يَندُبنَ حُزن

وَيَهتِكنَ البَراقِعَ وَاللِفاعا

يَقولُ لَكَ الطَبيبُ دَواكَ عِندي

إِذا ما جَسَّ كَفَّكَ وَالذِراعا

وَلَو عَرَفَ الطَبيبُ دَواءَ داءٍ

يَرُدُّ المَوتَ ما قاسى النِزاعا

وَفي يَومِ المَصانِعِ قَد تَرَكن

لَنا بِفِعالِنا خَبَرًا مُشاعا

أَقَمنا بِالذَوابِلِ سوقَ حَربٍ

وَصَيَّرنا النُفوسَ لَهَ مَتاعا

حِصاني كانَ دَلّالَ المَناي

فَخاضَ غُبارَها وَشَرى وَباعَ

وَسَيفي كانَ في الهَيجا طَبيب

يُداوي رَأسَ مَن يَشكو الصُداعا

أَنا العَبدُ الَّذي خُبِّرتَ عَنهُ

وَقَد عايَنتَني فَدَعِ السَماعا

وَلَو أَرسَلتُ رُمحي مَع جَبانٍ

لَكانَ بِهَيبَتي يَلقى السِباعا

مَلَأتُ الأَرضَ خَوفًا مِن حُسامي

وَخَصمي لَم يَجِد فيها اِتِّساعا

إِذا الأَبطالُ فَرَّت خَوفَ بَأسي

تَرى الأَقطارَ باعًا أَو ذِراعا

قصيدة: سلامٌ من صبا بردى أرق

قال الشاعر أحمد شوقي: [٣]

سلامٌ من صَبا بردى أرقُّ

ودمعٌ لا يُكَفكِفُ يا دمشقُ

وَمَعْذرة اليَرَاعةِ والقَوافِي

جَلَال الرّزْء عـن وصفٍ يدقُّ

وذِكْرَى عن خواطِرِها لقَلْبِي

إليك تلفتٌ أبدًا وخفقُ

وبِي ممًّا رَمَتكَ بهِ الّليالِي

جِرَاحَات لَها في القَلْبِ عُمْقُ

دخلتك والأصِيْلُ لهُ ائتلاقٌ

ووجهك ضاحك القسمات طلق

وتحتَ جنانِك الأنهارُ تَجْري

ومِلءُ رُبَاك أوراٌق ووُرْقُ

وَحَولِي فتيةٌ غرّ صباح

لهم في الفضلِ غاياتٌ وسَبقُ

عَلى لَهَواتِهِم شُعَراءُ لُسنٌ

وَفي أَعطافِهِم خُطَباءُ شُدقُ

رُواةُ قَصائِدي فَاعجَب لِشِعرٍ

بِكُلِّ مَحَلَّةٍ يَرويهِ خَلقُ

غَمَزتُ إِباءَهُمْ حَتّى تَلَظَّتْ

أُنوفُ الأُسدِ وَاضطَرَمَ المَدَقُّ

وَضَجَّ مِنَ الشَكيمَةِ كُلُّ حُرٍّ

أَبِيٍّ مِن أُمَيَّةَ فيهِ عِتقُ

لَحاها اللهُ أَنباءً تَوالَتْ

عَلى سَمعِ الوَلِيِّ بِما يَشُقُّ

يُفَصِّلُها إِلى الدُنيا بَريدٌ

وَيُجمِلُها إِلى الآفاقِ بَرقُ

قصيدة: ضروب الناس عشاق ضروبا

قال الشاعر المتنبي:[٤]

ضُروبُ الناسِ عُشّاقٌ ضُروبا

فَأَعذَرُهُم أَشَفُّهُمُ حَبيبًا

وَما سَكَني سِوى قَتلِ الأَعادي

فَهَل مِن زَورَةٍ تَشفي القُلوبا

تَظَلُّ الطَيرُ مِنها في حَديثٍ

تَرُدُّ بِهِ الصَراصِرَ وَالنَعيبا

وَقَد لَبِسَت دِمائَهُمُ عَلَيهِم

حِدادًا لَم تَشُقَّ لَها جُيوبًا

أَدَمنا طَعنَهُم وَالقَتلَ حَتّى

خَلَطنا في عِظامِهِمِ الكُعوبا

كَأَنَّ خُيولَنا كانَت قَديمًا

تُسَقّى في قُحوفِهِمِ الحَليبا

فَمَرَّت غَيرَ نافِرَةٍ عَلَيهِم

تَدوسُ بِنا الجَماجِمَ وَالتَريبا

يُقَدِّمُها وَقَد خُضِبَت شَواها

فَتىً تَرمي الحُروبُ بِهِ الحُروبا

شَديدُ الخُنزُوانَةِ لا يُبالي

أَصابَ إِذا تَنَمَّرَ أَم أُصيبا

أَعَزمي طالَ هَذا اللَيلُ فَاِنظُر

أَمِنكَ الصُبحُ يَفرَقُ أَن يَؤوبا

كَأَنَّ الفَجرَ حِبٌّ مُستَزارٌ

يُراعي مِن دُجُنَّتِهِ رَقيبا

كَأَنَّ نُجومَهُ حَليٌ عَلَيهِ

وَقَد حُذِيَت قَوائِمُهُ الجُبوبا

كَأَنَّ الجَوَّ قاسى ما أُقاسي

فَصارَ سَوادُهُ فيهِ شُحوبا

كَأَنَّ دُجاهُ يَجذِبُها سُهادي

فَلَيسَ تَغيبُ إِلّا أَن يَغيبا

أُقَلِّبُ فيهِ أَجفاني كَأَنّي

أَعُدُّ بِهِ عَلى الدَهرِ الذُنوبا

وَما لَيلٌ بِأَطوَلَ مِن نَهارٍ

يَظَلُّ بِلَحظِ حُسّادي مَشوبا

وَما مَوتٌ بِأَبغَضَ مِن حَياةٍ

أَرى لَهُمُ مَعي فيها نَصيبا

عَرَفتُ نَوائِبَ الحَدَثانِ حَتّى

لَوِ اِنتَسَبَت لَكُنتُ لَها نَقيبا

وَلَمّا قَلَّتِ الإِبلُ اِمتَطينا

إِلى اِبنِ أَبي سُلَيمانَ الخُطوبا

مَطايا لا تَذِلُّ لِمَن عَلَيها

وَلا يَبغي لَها أَحَدٌ رُكوبا

وَتَرتَعُ دونَ نَبتِ الأَرضِ فينا

فَما فارَقتُها إِلّا جَديبا

إِلى ذي شيمَةٍ شَعَفَت فُؤادي

فَلَولاهُ لَقُلتُ بِها النَسيبا

تُنازِعُني هَواها كُلُّ نَفسٍ

وَإِن لَم تُشبِهِ الرَشَأَ الرَبيبا

عَجيبٌ في الزَمانِ وَما عَجيبٌ

أَتى مِن آلِ سَيّارٍ عَجيبا

وَشَيخٌ في الشَبابِ وَلَيسَ شَيخًا

يُسَمّى كُلُّ مَن بَلَغَ المَشيبا

قَسا فَالأُسدُ تَفزَعُ مِن قُواهُ

وَرَقَّ فَنَحنُ نَفزَعُ أَن يَذوبا

أَشَدُّ مِنَ الرِياحِ الهوجِ بَطشًا

وَأَسرَعُ في النَدى مِنها هُبوبا

وَقالوا ذاكَ أَرمى مَن رَأَينا

فَقُلتُ رَأَيتُمُ الغَرَضَ القَريبا

وَهَل يُخطي بِأَسهُمِهِ الرَمايا

وَما يُخطي بِما ظَنَّ الغُيوبا

إِذا نُكِبَت كِنانَتُهُ اِستَبَنّا

بِأَنصُلِها لِأَنصُلِها نُدوبا

يُصيبُ بِبَعضِها أَفواقَ بَعضٍ

فَلَولا الكَسرُ لَاِتَصَلَت قَضيبا

بِكُلِّ مُقَوَّمٍ لَم يَعصِ أَمرًا

لَهُ حَتّى ظَنَنّاهُ لَبيبا

يُريكَ النَزعُ بَينَ القَوسِ مِنهُ

وَبَينَ رَمِيِّهِ الهَدَفَ المَهيبا

أَلَستَ اِبنَ الأُلى سَعِدوا وَسادوا

وَلَم يَلِدوا اِمرَءًا إِلّا نَجيبا

وَنالوا ما اِشتَهَوا بِالحَزمِ هَونًا

وَصادَ الوَحشَ نَملُهُمُ دَبيبا

وَما ريحُ الرِياضِ لَها وَلَكِن

كَساها دَفنُهُم في التُربِ طيبا

أَيا مَن عادَ روحُ المَجدِ فيهِ

وَعادَ زَمانُهُ التالي قَشيبا

تَيَمَّمَني وَكيلُكَ مادِحًا لي

وَأَنشَدَني مِنَ الشِعرِ الغَريبا

فَآجَرَكَ الإِلَهُ عَلى عَليلٍ

بَعَثتَ إِلى المَسيحِ بِهِ طَبيبا

وَلَستُ بِمُنكِرٍ مِنكَ الهَدايا

وَلَكِن زِدتَني فيها أَديبا

فَلا زالَت دِيارُكَ مُشرِقاتٍ

وَلا دانَيتَ يا شَمسُ الغُروبا

لِأَصبِحَ آمِنًا فيكَ الرَزايا

كَما أَنا آمِنٌ فيكَ العُيوبا

قصيدة: رماني الدهر بالأرزاء

قال الشاعر المتنبي:[٥]

رَماني الدَهرُ بِالأَرزاءِ حَتّى

فُؤادي في غِشاءٍ مِن نِبالِ

فَصِرتُ إِذا أَصابَتني سِهامٌ

تَكَسَّرَتِ النِصالُ عَلى النِصالِ

وَهانَ فَما أُبالي بِالرَزايا

لِأَنّي ما اِنتَفَعتُ بِأَن أُبالي

وَهَذا أَوَّلُ الناعينَ طُرًّا

لِأَوَّلِ مَيتَةٍ في ذا الجَلالِ

كَأَنَّ المَوتَ لَم يَفجَع بِنَفسٍ

وَلَم يَخطُر لِمَخلوقٍ بِبالِ

صَلاةُ الله خالِقِنا حَنوطٌ

عَلى الوَجهِ المُكَفَّنِ بِالجَمالِ

عَلى المَدفونِ قَبلَ التُربِ صَونًا

وَقَبلَ اللَحدِ في كَرَمِ الخِلالِ

فَإِنَّ لَهُ بِبَطنِ الأَرضِ شَخصًا

جَديدًا ذِكرُناهُ وَهُوَ بالي

وَما أَحَدٌ يُخَلَّدُ في البَرايا

بَلِ الدُنيا تَؤولُ إِلى زَوالِ

أَطابَ النَفسَ أَنَّكَ مُتَّ مَوتًا

تَمَنَّتهُ البَواقي وَالخَوالي

وَزُلتِ وَلَم تَرى يَومًا كَريهًا

يُسَرُّ الروحُ فيهِ بِالزَوالِ

رِواقُ العِزِّ حَولَكِ مُسبَطِرٌّ

وَمُلكُ عَلِيٍّ اِبنِكِ في كَمالِ

سَقى مَثواكَ غادٍ في الغَوادي

نَظيرُ نَوالِ كَفِّكِ في النَوالِ

لِساحيهِ عَلى الأَجداثِ حَفشٌ

كَأَيدي الخَيلِ أَبصَرَتِ المَخالي

أُسائِلُ عَنكِ بَعدَكِ كُلَّ مَجدٍ

وَما عَهدي بِمَجدٍ عَنكِ خالي

يَمُرُّ بِقَبرِكِ العافي فَيَبكي

وَيَشغَلُهُ البُكاءُ عَنِ السُؤالِ

وَما أَهداكِ لِلجَدوى عَلَيهِ

لَوَ أَنَّكِ تَقدِرينَ عَلى فَعالِ

بِعَيشِكِ هَل سَلَوتِ فَإِنَّ قَلبي

وَإِن جانَبتُ أَرضَكِ غَيرُ سالي

نَزَلتِ عَلى الكَراهَةِ في مَكانٍ

بَعُدتِ عَنِ النُعامى وَالشَمالِ

تُحَجَّبُ عَنكِ رائِحَةُ الخُزامى

وَتُمنَعُ مِنكِ أَنداءُ الطِلالِ

بِدارٍ كُلُّ ساكِنِها غَريبٌ

طَويلُ الهَجرِ مُنبَتُّ الحِبالِ

حَصانٌ مِثلُ ماءِ المُزنِ فيهِ

كَتومُ السِرِّ صادِقَةُ المَقالِ

يُعَلِّلُها نِطاسِيُّ الشَكايا

وَواحِدُها نِطاسِيُّ المَعالي

إِذا وَصَفوا لَهُ داءً بِثَغرٍ

سَقاهُ أَسِنَّةَ الأَسلِ الطِوالِ

وَلَيسَت كَالإِناثِ وَلا اللَواتي

تُعَدُّ لَها القُبورُ مِنَ الحِجالِ

وَلا مَن في جَنازَتِها تِجارٌ

يَكونُ وَداعُها نَفضَ النِعالِ

مَشى الأُمَراءُ حَولَيها حُفاةً

كَأَنَّ المَروَ مِن زِفِّ الرِئالِ

وَأَبرَزَتِ الخُدورُ مُخَبَّآتٍ

يَضَعنَ النَقسَ أَمكِنَةَ الغَوالي

أَتَتهُنَّ المُصيبَةُ غافِلاتٍ

فَدَمعُ الحُزنِ في دَمعِ الدَلالِ

وَلَو كانَ النِساءُ كَمَن فَقَدنا

لَفُضِّلَتِ النِساءُ عَلى الرِجالِ

وَما التَأنيثُ لِاِسمِ الشَمسِ عَيبٌ

وَلا التَذكيرُ فَخرٌ لِلهِلالِ

وَأَفجَعُ مَن فَقَدنا مَن وَجَدنا

قُبَيلَ الفَقدِ مَفقودَ المِثالِ

يُدَفِّنُ بَعضُنا بَعضًا وَتَمشي

أَواخِرُنا عَلى هامِ الأَوالي

وَكَم عَينٍ مُقَبَّلَةِ النَواحي

كَحيلٌ بِالجَنادِلِ وَالرِمالِ

وَمُغضٍ كانَ لا يُغدي لِخِطبٍ

وَبالٍ كانَ يُفكِرُ في الهُزالِ

أَسَيفَ الدَولَةِ اِستَنجِد بِصَبرٍ

وَكَيفَ بِمِثلِ صَبرِكَ لِلجِبالِ

فَأَنتَ تُعَلِّمُ الناسَ التَعَزّي

وَخَوضَ المَوتِ في الحَربِ السِجالِ

وَحالاتُ الزَمانِ عَلَيكَ شَتّى

وَحالُكَ واحِدٌ في كُلِّ حالِ

فَلا غيضَت بِحارُكَ يا جَمومًا

عَلى عَلَلِ الغَرائِبِ وَالدِخالِ

رَأَيتُكَ في الَّذينَ أَرى مُلوكًا

كَأَنَّكَ مُستَقيمٌ في مُحالِ

فَإِن تَفُقِ الأَنامَ وَأَنتَ مِنهُم

فَإِنَّ المِسكَ بعضُ دَمِ الغَزالِ

قصيدة: فتى الفتيان

قال الشاعر جرير:[٦]

مِنّا فَتى الفِتيانِ وَالجودِ مَعقِلٌ

وَمِنّا الَّذي لاقى بِدِجلَةَ مَعقِلا

وَمِنّا أَميرا يَومِ صِفّينَ وَالَّذي

أَعادَ قَضاءَ الأَشعَرِيِّ مُغَربَلا

قصيدة: جزى الله الأغرّ جزاء صدقٍ

قال الشاعر عنترة بن شدّاد:[٧]

جَزى اللَهُ الأَغَرَّ جَزاءَ صِدقٍ

إِذا ما أوقِدَت نارُ الحُروبِ

يَقيني بِالجَبينِ وَمَنكِبَيهِ

وَأَنصُرُهُ بِمُطَّرَدِ الكُعوبِ

وَأُدفِئُهُ إِذا هَبَّت شَمال

بَليلاً حَرجَفًا بَعدَ الجَنوبِ

أَراهُ أَهلَ ذَلِكَ حينَ يَسعى

رُعاءُ الحَيِّ في طَلَبِ الحَلوبِ

فَيُخفِقُ تارَةً وَيُفيدُ أُخرى

وَيَفجَعُ ذا الضَغائِنِ بِالأَريبِ

إِذا سَمِنَ الأَغَرُّ دَنا لِقاءٌ

يُغِصُّ الشَيخَ بِاللَبَنِ الحَليبِ

شَديدُ مَجالِزِ الكَتِفَينِ نَهدٌ

بِهِ أَثَرُ الأَسِنَّةِ كَالعُلوبِ

وَأُكرِهُهُ عَلى الأَبطالِ حَتّى

يُرى كَالأُرجُوانِيِّ المَجوبِ

أَلَستَ بِصاحِبي يَومَ اِلتَقَين

بِسَيفَ وَصاحِبي يَومَ الكَثيب

قصيدة: إذا رفعوا سمعت لهم عجيجا

قال الشاعر الفرزدق:[٨]

إِذا رَفَعوا سَمِعتَ لَهُم عَجيجًا

عَجيجَ مُحَلِّئٍ نَعَمًا نِهالا

وَمَن سَمَكَ السَماءَ لَهُ فَقامَت

وَسَخَّرَ لِاِبنِ داوُدَ الشَمالا

وَمَن نَجّى مِنَ الغَمَراتِ نوحًا

وَأَرسى في مَواضِعِها الجِبالا

لَئِن عافَيتَني وَنَظَرتَ حِلمي

لَأَعتَتِنَن إِنِ الحَدَثانُ آلا

إِلَيكَ فَرَرتُ مِنكَ وَمِن زِيادٍ

وَلَم أَحسِب دَمي لَكُما حَلالا

وَلَكِنّي هَجَوتُ وَقَد هَجَتني

مَعاشِرُ قَد رَضَختُ لَهُم سِجالا

فَإِن يَكُنِ الهِجاءُ أَحَلَّ قَتلي

فَقَد قُلنا لِشاعِرِهِم وَقالا

وَإِن تَكُ في الهِجاءِ تُريدُ قَتلي

فَلَم تُدرِك لِمُنتَصِرٍ مَقالا

تَرى الشُمَّ الجَحاجِحَ مِن قُرَيشٍ

إِذا ما الأَمرُ في الحَدَثانِ عالا

بَني عَمِّ الرَسولِ وَرَهطَ عَمرٍ

وَعُثمانَ الَّذينَ عَلَوا فَعالا

قِيامًا يَنظُرونَ إِلى سَعيدٍ

كَأَنَّهُمُ يَرَونَ بِهِ هِلالا

ضَروبٍ لِلقَوانِسِ غَيرِ هِدٍّ

إِذا خَطَرَت مُسَوَّمَةً رِعالا

قصيدة: عذرنا النخلَ في إبداء شوكٍ

قال الشاعر ابن الرومي:[٩]

عَذَرْنَا النَّخل في إبداء شوكٍ

يذودُ به الأناملَ عن جناهُ

فما للعَوْسج الملعون أبدى

لنا شوكًا بلا ثمرٍ نراهُ

تُراه ظنَّ فيه جَنىً كريمًا

فأظهر عُدَّةً تحمي حماهُ

فلا يتسلَّحنَّ لدفع كفٍّ

كَفاه لُؤْمُ مَجناه كفاهُ

قصيدة: ألم ترَ طيئًا وبني كلابٍ

قال الشاعر أبو العلاء المعري:[١٠]

أَلَم تَرَ طَيئًا وَبَني كِلابٍ

سَمَوا لِبِلادِ غَزَّةَ وَالعَريشِ

وَلَو قَدِروا عَلى الطَيرِ الغَوادي

لَما نَهَضَت إِلى وِكرٍ بِريشِ

إِذا آتاكَ هَذا الدَهرُ مُلكًا

فَما لَكَ مِن أَقَذّ وَلا مَريشِ

يُجَوِّزُ كَونَ راعي الضَأنِ قَيلًا

وَأَن تُدعى الخِلافَةُ في الحَريشِ

قصيدة: حبيبك من تحب ومن تجلّ

قال الشاعر أحمد شوقي:[١١]

حَبيبُكَ مَن تحبُّ ومن تُجِلّ

ومَن أحببتُ للحالَيْنِ أهلُ

ومَن يَجزيكَ عن ودٍّ بودّ

ومالكُ مُهْجتي سَمْحٌ وعَدْلُ

إذا ما الحبُّ لم يكسبْكَ عزًّا

فكلُّ مودّةٍ في النّاسِ خَتْلُ

وفضلٌ منكَ أن تَرعى وِدادًا

وليسَ لمَن تودّ عليك فضلُ

بلوت النّاسَ خدنًا بعد خدْنِ

فَما للمَرءِ غيرُ النّفسِ خِلُّ

وطالَعتُ الأمورَ فكلُّ صعبٍ

إذا لَزِمَ الرّجالَ الصبرُ سَهلُ

قصيدة: لقد ترك الحروب نساء قيس

قال الشاعر الأخطل:[١٢]

لَقَد تَرَكَ الحُروبُ نِساءَ قَيسٍ

مُكِبّاتٍ عَلى كُحلٍ مَضيضِ

أَرادوا وائِلًا لِيُطَحطِحوها

فَبادوا دونَ أَبطَحِها العَريضِ

المراجع

  1. "سلو قلبي غداة سلا وثابا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-22. بتصرّف.
  2. "قصيدة إذا كشف الزمان لك القناع"، ديواني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-22.
  3. "قصيدة سلام من صبا بردى"، الموسوعة الشاملة، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-22.
  4. "قصيدةضروب الناس عشاق ضروبا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-22.
  5. "قصيدة: رماني الدهر بالأرزاء حتى"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-22.
  6. "قصيدة: فتى الفتيان"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-22.
  7. "قصيدة: جزى الله الأغر جزاء صدق"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-22.
  8. "قصيدة إذا رفعوا سمعت لهم عجيجا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-22.
  9. "قصيدة: عذرنا النخل في إبداء شوك"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-22.
  10. "قصيدة ألم ترَ طيئًا وبني كلاب"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-22.
  11. "حبيبك من تحب ومن تجل"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-22.
  12. "لقد ترك الحروب نساء قيس"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-22.
6613 مشاهدة
للأعلى للسفل
×