قصة البطة والارنب
كان ياما كان، في قديمِ الزمان، وسالِف العصر والأوان، كان هناك غابة سعيدة، تعيش فيها الحيوانات سعيدةً مع بعضها دون أن يُكدّر صفو هذه السعادة شيء، فكانت الحمير ترعى حقول البرسيم، والأبقار تنتج الحليب للبشر، والعصافير تزقزق، والعنادل تغرّد بأعذب صوت وأجمل غناء، والبط يرقص في البحيرة، والأرانب تختبئ في اوكارها وتخرج وكانّهم يلعبون لعبة الاختباء (الغُمَّيضة)، وكان هناك أرنب يحمل كرته ويلعب بها وحدَه، وهذا الأرنب كان أنانيًّا ولا يحبّ أن يُشرِكَ معه في اللعب أيّ أحد من الحيوانات، وكان يلعب بالكرة قرب البحيرة، وكان في البحيرة بطّة صغيرة تنظر إلى الأرنب وتراقبه، وسيكون لهما قصّة معًا سترويها هذه السّطور، واسمُها قصة البطة والأرنب.
نظر هذا الأرنب الأنانيّ إلى البطة، فعَلِمَ أنّها تريدُ أن تلعبَ معه فأخذ كُرَتُه بعيدًا وصار يلعب في الغابة وحده، صار يرمي الكرة عاليًا ثمّ يلتقطها، ويركلها إلى الشجرة ثمّ تعود إليه، وفجأة ضربها عاليا فضربت عشّ عصفور وكسرت البيض الذي فيه، فحمل الأرنب كرته وهرب إلى مكان آخر من الغابة، وظلّ يلعب باستهتار ومن دون أيّ إحساس بالمسؤوليّة؛ فالأناني لا يهتم إلّا لنفسه، ولا يسأل عن سلامة غيره ولا عن مشاعرهم، فهو يحبّ نفسه فقط، وصار يلعب إلى جوار شجرة فيها خليّة نحل مهجورة، ولكنّها مليئة بالعسل، وقد جعلها الدبّ طعامًا له؛ لأنّها غنيّة بالعسل، وصار الأرنب يلعب قرب هذه الشجرة، ويرمي عليها الكرة فتعود إليه، وهكذا ظلّ يلعب إلى أن أصاب الخليّة وأوقعها، وكسرها وتسرّب العسل منها، وكالعادة حمل الأرنب كرته وهرب من مكانه، وانتهى به الأمر إلى أن يعود إلى مكانه الأوّل قرب البحيرة التي فيها البطّة، ونظر فرأى البطّة تنظر إليه وهو يلعب بسعادة، فدار ظهره للبطة لئلّا تراه وهو يلعب فتشعر بسعادة، فهو كان يرى أنّ السّعادة حكرٌ عليه هو فقط! وصار يرمي الكرة عاليًا، ويركلها إلى الأشجار، وفجأة تقدّمت منه البطّة وقالت له: ما رأيك أن تُشركني في اللعب معك بالكرة يا صديقي الأرنب؟ فالتفت إليها وقال لها: اذهبي والعبي وحدك بعيدًا، أنا لا أحبّ أن يشاركني أحدٌ بكرتي، وأيضًا لا أحبّ اللعب مع الصّغار، هيّا عودي إلى البحيرة.
وعادت البطّة الطّيبة إلى البحيرة حزينة تبكي من جواب ذلك الأرنب المغرور، ونزلت إلى الماء وسبحت بعيدًا عن الأرنب، وفرح الأرنب لأنّه استطاع أن يجعلها تعود باكية، وواصل لعبه بالكرة، وبينما هو يلعب إذ بريح قويّة قذفت بكرته إلى البحيرة، والأرنب لا يستطيع السّباحة ليأتي بها، فصار يبكي لأنّه فقد كرته. وفجأة رأى البطّة التي طردها منذ قليل قد أقبلت عليه تحمل على ظهرها الكرة، ووضعتها قربه، وأرادت الانصراف، فقال لها الأرنب وهو يبكي: أيّتها البطّة الطّيبة، لقد جئتِني بالكرة مع أنّني طردتُك منذ قليل ولم أسمح لكِ باللّعب معي، فكيف لي أن أعتذر منكِ؟! أجابت البطّة الطّيبة: لا عليك يا صديقي، هذا حقّك أن تمنعني من اللعب معك، وأنا لم أغضب منك، وعندما رأيتك حزينًا جئتك بالكرة لتعود إلى اللعب بها؛ فأنا أحبّ أن أرى النّاس من حولي سعداء وإن لم أكن أنا سعيدة.
حفرت هذه الجملة في رأس الأرنب حكمة قرّر أن يؤمن بها، ولذلك قرّر أن يدعو البطّة الطّيبة لتلعب معه، فقد لمس في قلبه سعادة لم يلمسها من قبل، وهي أن يجعل الآخرين سعداء، فالسعادة التي رآها على وجه البطّة غيّرت كثيرًا من العادات في داخله، ومنذ ذلك اليوم والبطّة والأرنب أصدقاء ويلعبان بالكرة قرب البحيرة وهما سعيدان، وهذا ما كان في قصة البطة والأرنب.
والعبرة من هذه القصّة تتلخّص في أنّ المرء إذا رزقه الله -سبحانه- بشيءٍ ليس عند غيره منه فليعلمْ أنّ ذلك ليس ليُغضِب المخلوقات، أو يُؤذي ممتلكات الآخرين، ولكن عليه أن يرسم بما أعطاه الله -تعالى- السعادة على وجوه الىخرين، وهذا ما فهمه الأرنب في نهاية قصة البطة والأرنب وقرّر أن يفعله بعد الذي فعلته معه البطّة الطّيبة مع أنّه قد نهرها وجعلها تبكي، وأيضًا إذا كان المرء حزينًا فلا يعني أن يحاول أن يعكّر صفو غيره، وليتعلّم من البطّة التي جاءت بالكرة للأرنب مع أنّه أبكاها، ولكنّها عندما رأته حزينًا قالت في نفسها إنّما السّعادة في إسعاد الآخرين، وأعطت الأرنب درسًا عظيمًا غيّر له حياته، وهذه العبرة من قصة البطة والأرنب.