قصة الثعلب والغراب وقطعة الجبن
قصَّة الثعلب والغراب من ألطف القصص وأكثرها عبرةً، أحداثُها مشوِّقة ورائعة، بَدءًا من الغابة الخضراء، ففي يومٍ ربيعيٍّ جميل، كانت الحيوانات قد استيقظت، وبدأ كلٌّ منهم بالبحث عن قوت يومه، وكان على الشّجرة غرابٌ كثيف الرِّيش، ممتلئ الجسم، ذو منقارٍ صغير، طيِّب الملامح، يقف على شجرةٍ ذات أغصانٍ وفيرةٍ، وأوراقٍ خضراء جميلة، وكانت تحيط هذه الشجرة الأزهار الملوَّنة من كلِّ مكانٍ، والأعشاب الطَّويلة، وخيوط الشَّمس تتسلّلُ بين هذه الأغصان لتختلط باللون الأخضر فتشكل لوحةً فنيةً فائقة الجمال، وكان الغراب يحمل في منقاره الصغير قطعة جبنٍ ليسد بها رمقه، ولشدَّة خوفه عليها كان يحميها كأنَّها حياته.
وفي هذه الأثناء مرَّ ثعلبٌ من تحت تلك الشجرة، كان هذا الثعلب نحيل الجسم حادُّ النظرات، مقوَّس الظهر، تبدوعلامات المكر والخداع عليه، رفع رأسه فرأى الغراب، وفي فمه قطعة الجبن تلك، فتخيَّلها وكأنَّها لؤلؤةٌ يريد الحصول عليها، بدأ عقله بالتَّفكير بحيلةٍ ماكرةٍ، وهو يدور حول تلك الشَّجرة، ذهابًا وإيابًا، وفي النِّهاية خطرت في باله فكرةٌ ذكيَّة، يصغب على ذلك الغراب المسكين اكتشافها، رفع رأسه إلى الغراب وقال له: عِمت صباحًا يا صديقي العزيز، في الأمس كنت أسير بين الحيوانات، وقد سمعتهم يتحدَّثون عن صوتك الشجيِّ العذب، وأنغامك الرائعة، وبدأت أنا من الصَّباح في البحث عنك، لأستمتع بصوتك ونمضي معًا وقتًا ممتعًا، فنكون أصدقاء لهذا اليوم.
بدأ عقل الغراب المسكين بالتَّفكير، هل يعقل أنَّ صوتي محطُّ أنظار حيوانات الغابة جميعهم، يا إلهي فعلًا هو ثعلبٌ طيِّب، إنَّه الوحيد الذي أفصح لي عن جمال صوتي ومكافأةً له، سأسمعه صوتي العذب، ما إن فتح الغراب فمه ليبدأ بالغناء، حتى سقطعت منه قطعة الجبن، ووقعت في فم الثَّعلب مباشرة، دُهش الثعلب من حجم نجاح خطَّته، والتهم قطعة الجبن تلك، وبدأ الغراب بالعويل، وأحسَّ بالخدعة الماكرة التي دبّرها له الثعلب المخادع، بدأ الثعلب بالضحك على الغراب وقال له: ليس عليك أيها الغراب الضَّعيف أن تصدِّق كلّ ما يقال لك، بل عليك أن تعمل عقلك لا أن تتركه جانبًا، قال صوته جميل قال، وعاد الثَّعلب يطلق ضحكاته وهو يركض تاركًا الغراب في حزنه، وعويله، ولكنّ الغراب تعلَّم درسًا لن ينساه ما دام على قيد الحياة، وهكذا على الإنسان أيضًا أن يكون فطنًا ذكيًّا، ويأخذ بالعبر، ولا يصدِّق أي كلامٍ يسمعه من الآخرين.