محتويات
- ١ ما المقصود بالفتنة الكبرى؟
- ٢ مقتل أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب
- ٣ تسلّم عثمان بن عفّان الخلافة
- ٤ تخطيط رؤوس الكفر لاقتلاع شوكة المسلمين
- ٥ الطعن في خلافة عثمان بن عفّان
- ٦ محاصرة بيت عثمان بن عفان وموقفه
- ٧ تخيير أهل الفتنة عثمان بن عفّان
- ٨ رفض عثمان بن عفان ترك الخلافة
- ٩ إشارة الصحابة على عثمان بقتل أهل الفتنة
- ١٠ مقتل عثمان بن عفّان رضي الله عنه
- ١١ خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه
- ١٢ هل بايع معاوية عليًا على الخلافة؟
- ١٣ تعاهد بعض الصحابة على الاقتصاص من قتلة عثمان
- ١٤ خروج جيش أم المؤمنين وجيش علي بن أبي طالب
- ١٥ تفاوض الجيشين والوصول إلى اتفاق مُرضٍ
- ١٦ معركة الجمل
- ١٧ عودة أم المؤمنين إلى المدينة
- ١٨ متابعة علي رضي الله عنه طريقه إلى الشام
- ١٩ معركة صفيّن
- ٢٠ حادثة التحكيم
- ٢١ تخطيط أهل الفتنة لقتل أمراء المسلمين
- ٢٢ مقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه
- ٢٣ العبر المستفادة من قصة الفتنة الكبرى
ما المقصود بالفتنة الكبرى؟
الفتنة الكبرى هي الفتنة التي أخبر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حذيفة بن اليمان صاحب سرّه، وقد ذكر سيّد الخلق أنّ لتلك الفتنة بابًا، وبابها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلمّا سمع ابن الخطاب -رضي الله عنه- أنّه باب تلك الفتنة سأله هل سيُفتح ذلك الباب أم سيُكسر؟ فأجابه حذيفة أن الباب سيُكسر، ومعنى ذلك أن تبدأ الفتنة الكبرى بقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه،[١] والفتنة الكبرى هي الفاتحة لوقوع الشر بين المسلمين فإذا ما بدأت لا يُغلق بابها حتّى يوم القيامة.[٢]
مقتل أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب
لماذا قتل عمر رضي الله عنه؟
إنَّ الثابت في مسألة قتل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنَّه لم يُقتل نتيجة تصرف فردي بل كان الأمر مؤامرة مجوسية نصرانيَّة أدت بحياة الفاروق رضي الله عنه، ففي ليلة قتل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- رأى بعض الصحابة رجلًا نصرانيًّا اسمه جفنة مع أبي لؤلؤة المجوسي، كانا يقفان في الظلام وسقط من بين يديهما نصل عريض ذو حدين، وفي صباح تلك الليلة اختبأ أبو لؤلؤة في أحد أركان المسجد ونفذ تلك الجريمة التي كُسر بها الباب الذي كان يقف في وجه الفتن، وقد قتل بالإضافة لعمر -رضي الله عنه- عددًا من الصحابة وطعن بضعة عشر رجلًا منهم وهو يضرب يمنة ويسرة حتّى يستطيع الفرار بحياته.[٣]
ومن وراء تلك الفتنة كان الهرمزان وهو واحد من ملوك فارس، فكان يًحرك أبا لؤلؤة المجوسي خفية، والهرمزان هذا قد جيء به إلى المدينة فأظهر الإسلام وأبطن الكفر، وأراد أن يهدم الإسلام ويطعن بأمر الله، ولمَّا قُتل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قُتل الهرمزان فورًا بعد ذلك.[٣]
تسلّم عثمان بن عفّان الخلافة
كيف وقع الخيار على عثمان رضي الله عنه؟
لمَّا قتل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أجمعت الأمّة كلها على أن يكون عثمان بن عفان هو خليفة المسلمين، وكان استلام عثمان -رضي الله عنه- بناء على شورى بين ستة أشخاص اختارهم عمر -رضي الله عنه- وهو على فراش الموت، وقد اتفقوا أن يختاره عبد الرحمن بن عوف، فاختاره بعد المشاورة مع علي رضي الله عنه.[٤]
تخطيط رؤوس الكفر لاقتلاع شوكة المسلمين
مَن هو عبد الله بن سبأ؟
إنَّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان هو الباب الذي يسدّ الفتن، فبموته تجرأ رؤوس الكفر على ما لم يقدروا عليه في عهده، فخرج يهودي، كان رأس اليهود، وهو عبد الله بن سبأ، وكان قد ادعى الإسلام وأبطن الكفر، خرج هذا اليهودي بأمر جديد على الأمة الإسلاميّة، ولكن لشدة دهائه وخبثه فإنَّه لم يأت الأمر مباشرة بل التفّ حوله، فبدأ برسم خطة محكمة يكون من ورائها الأطاحة بأمر المسلمين، فحاول أن يجد صدى لدعوته في المدينة، ولكن المدينة كانت مأوى رؤوس الصحابة رضوان الله عليهم فلم يستطع.[٥]
فذهب إلى بلاد كانت بعيدة عن الصحابة وعن واقع عيشهم، فذهب إلى العراق إلى البصرة والكوفة وكذلك إلى مصر، فوجد هناك أعوانًا له على الفتنة التي ابتدرها، وصدورًا طامعة بأمر الدنيا بعيدة عن أمر الآخرة فاستقرّ أمره هناك.[٥]
الطعن في خلافة عثمان بن عفّان
ما حجة الطاعنين بعثمان؟
إنَّ الأمر الذي بدأ في هذه الفتنة وسيستمر إلى يوم القيامة أنَّ الظالم يتستر وراء راية الإسلام، وهو ما فعله عبد الله بن سبأ الذي جمع النَّاس من حوله فكانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، يحسب مَن رآهم أنّهم من أهل الحق يُعجب النَّاس بقولهم، غير أنّهم كانوا الأضلّ سبيلًا، وقد رأى ابن سبأ أنَّ الأمر إذا كان من الدّاخل كان أشد، ووقعه أعظم، فلو كان الأمر حربًا لكان الصحابة لها وأقدر على إيقافها بإذن الله، لكن هي الفتنة التي يتستر أصحابها بالإسلام.[٦]
وبدأ ابن سبأ يُثير قلاقل فحواها أنَّ علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- هو أحق بالأمر من عثمان، وقال قولته الشهيرة "إنَّ لكل نبيٍّ وصيًّا، وعلي هو وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فكانت تلك المقولة هي أوّل ما طُعن به بخلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه.[٦]
محاصرة بيت عثمان بن عفان وموقفه
كم هي مدة حصار بيت عثمان؟
خرج رجال من بعض الأمصار إلى المدينة المنورة يرتدون ثياب الإحرام في موسم الحج، ولكنّ نيتهم غير ذلك، فشكّ بهم الخليفة عثمان -رضي الله عنه- فدسّ بينهم رجلين فعرف بنيتهم فأراد أن يكون الصلح بينه وبينهم،[٧] فاصطلح عثمان -رضي الله عنه- مع كلّ مصرٍ على حدة، وخرجوا من عنده راضين.[٨]
ولكن في طريق عودة أهل مصر إلى ديارهم وجدوا رجلًا على جملٍ وهو يُظهر لهم كأنّه هاربٌ منهم، فلمّا أمسكوه قالوا له من أنت؟ فقال: أنا رسول أمير المؤمنين إلى والي مصر، فلمّا فتشوه وجدوا رسالة فحواها أنَّ عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قد كتب فيها أن إذا وصلوا فاصلبهم واقتلهم وشرّدهم، وهذا الرجل كان من رجال ابن سبأ.[٨]
فعادوا من فورهم إلى عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فحلف أنّه لم يكتب ذلك -وهو صادق- والدلائل تكشف على صدقه رضي الله عنه، فلو كان ذاك هو حقًّا رسوله لما سار بدربهم ولكانوا قتلوه، ولكنّ أيًّا من ذلك لم يحدث، وهذا يدلّ على اختلاقهم لذلك لكتاب؛ لأنَّ الخطة الأولى كانت قد أخفقت.[٨]
فحاصروا عثمان بن عفان -رضي الله عنه- في بيته، واختلف العلماء في مدة ذاك الحصار فقالوا عشرين يومًا وقالوا شهرًا وقالوا أربعين يومًا، وقد شددوا الحصار عليه حتّى إنَّه كان لا يستطيع أن يخرج لأداء الفريضة، ولم يُحاول عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أن يُقاتلهم حتّى إنَّ أحد المحاصِرين كان يُصلي بالنَّاس ولم يأمر عثمان أصحابه ألّا يُصلّوا خلفه.[٨]
تخيير أهل الفتنة عثمان بن عفّان
ما الخيارات التي قدمها القتلة لعثمان؟
بعد أن أمعن المحاصرون في تشديد الوثاق على عثمان بن عفان -رضي الله عنه- في داره فإنّهم حاولوا أن يضعوه أمام خيارين لا ثالث لهما: فإمَّا أن يتنازل عن الخلافة وإما أن يقتلوه.[٩]
رفض عثمان بن عفان ترك الخلافة
لماذا رفض عثمان التنازل عن الخلافة؟
رفض عثمان بن عفان -رضي الله عنه- التنازل رفضًا تامًا، وأشار عليه عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- بذلك حتَّى لا تكون سنة للناس والخلفاء من بعده، بحيث لو كره بعض السوقة خليفتهم استطاعوا أن يخلعوه، وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه- في ذلك قولته الشهيرة: "لا أخلع سربالًا سربلنيه الله".[٩]
إشارة الصحابة على عثمان بقتل أهل الفتنة
ما رأي الصحابة بأمر القتلة؟
استشار عثمان بن عفان -رضي الله عنه- صحابته في الأمر وما يفعل به، فأشار عليه عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- بعدم القتال، وإنّ ذلك سيكون حجة له عند الله تعالى، فأخذ عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بمشورته، بينما اتخذ بعض الصحابة الآخرين غير ذلك الموقف ومن بينهم حارثة بن النعمان وعبد الله بن الزبير وزيد بن ثابت وكعب بن مالك والحسن بن علي رضي الله عنهم أجمعين، وشددوا عليه أن يُقاتل أهل الفتنة وحثّ كعب بن مالك الأنصار على نصرة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فتجمهروا ووقفوا على بابه ولكنّه أبى عليهم.[١٠]
مقتل عثمان بن عفّان رضي الله عنه
مَن هو قاتل عثمان؟
في هذا الوقت كان عدد كبير من الصحابة يجلسون مع عثمان بن عفان -رضي الله عنه- يُريدون الدفاع عنه، ومن بينهم عبد الله بن عمر والحسن بن علي ومروان بن الحكم وغيرهم كثُر، وبقي عثمان يُحاول معهم أن يخرجوا من الدار ولكنّهم قد أبوا عليه، حتى استطاع أخيرًا أن ينجح في إقناعهم فخرجوا، ففتح عثمان باب بيته وكان صائمًا ففتح كتاب الله يتلو منه، فدخل عليه واحد من الرجال، فقال له عثمان: بيني وبينك كتاب الله، فاستحى وخرج، ثم دخل عليه رجل من بني سدوس فخنقه خنقة كاد يقتله بها، ثم ضربه بالسيف، فاتقى عثمان -رضي الله عنه- السيف بيده فقُطعت.[١١]
فقال عثمان: هذه أول يد خطت المفصّل؛ وذلك لأنّه كان من كتبة الوحي، فأجهز عليه بالسيف فقتله، فتناثر دمه على المصحف الشريف ووقع على قول الله تعالى: {ۖفَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.[١٢][١١]
خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه
كيف وصلت الخلافة لعلي؟
لقد كان علي متألمًا جدًّا لقتل عثمان رضي الله عنهما، ولكن لا بدَّ من إمام يحكم المسلمين فابتدر كبار الصحابة -رضوان الله عليهم- لمبايعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان علي يقول: والله لمَّا كنت أسمع أحدهم يقول لي يا أمير المؤمنين كأن قلبي ينصدع، ثم يقول رضي الله عنه: اللهم خذ لعثمان مني حتّى ترضى، لم يكن عليًّا -رضي الله عنه- راضيًا بمقتل عثمان بن عفان أبدًّا، ولكنّ الصحابة قد اختاروه ولا بدَّ للأمر من صاحبٍ يُقيم الحق بعد الفتن.[١٣]
هل بايع معاوية عليًا على الخلافة؟
إنَّ التاريخ الإسلامي لم يُبدأ تدوينه إلا في عهد الخلافة العباسية؛ أي: بعد انتهاء دولة بني أمية، فانقسم المؤرخون في ذلك إلى ثلاثة أقسام، فقسمٌ قد كتب ما يُعجب أمراء بني العباس وينتقص من معاوية -رضي الله عنه- وأصحابه، وقسم قد انتقص من معاوية وأشاد بعليّ -رضي الله عنهما- حتى كاد أن يجعل من علي إلهًا حاشا لله، وقسم كان وسطًا من أئمة المسلمين مثل الطبري وابن كثير وابن عساكر وهؤلاء قد جمعوا التّاريخ في زمان حرج جدًّا من الناحية السياسية؛ لذلك فقد وضعوا كل الروايات في كتبهم مع ذكر أسانيدها؛ حتى يتيقّن الباحث من صحة الرواية بعد الرجوع إلى السند.[١٤]
ومعنى ذلك أنّه ليست كل الروايات المذكورة في كتب التاريخ صحيحة، ولا بدّ من التثبت منها بالنظر إلى السند، وفي خضم التوتر السياسي في المدينة جاء طلحة والزبير وطلبوا من علي -كونه بويع على الخلافة- أن يقتصّ من قتلة عثمان رضي الله عنهم، ولكنّ عليًّا -رضي الله عنه- اعتذر؛ إذ هم كثرٌ الآن ولا طاقة له بقتالهم، والأمر ما زال غير مستتب، فثار الزبير وطلحة وبضعة من الصحابة مطالبين بالثأر، وفي ذلك الوقت كانت نائلة -زوجة عثمان- قد بعثت بقميص عثمان -رضي الله عنهما- مع أصابعها التي قطعها ذاك المنافق -لما أرادت أن ترد السيف عن عثمان- إلى معاوية.[١٤]
فلمَّا رأى معاوية ذلك ثارت ثورته وبكى بكاء مرًّا شديدًا، وأخذ قميص عثمان -رضي الله عنهما- وعلقه في المسجد وعلق عليه أصابع نائلة، وثار النَّاس ورفض معاوية البيعة حتى يتم القصاص من قتلة عثمان.[١٤]
تعاهد بعض الصحابة على الاقتصاص من قتلة عثمان
مَن طالب بدم عثمان؟
لمَّا اعتذر علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عن قدرته على الأخذ بدم عثمان بن عفان رضي الله عنه، خرج طلحة والزبير إلى مكة المكرمة من المدينة المنورة، وخروجهم ذاك ليس نقضًا لبيعة علي بن أبي طالب أبدًا، بل قد خرجوا حتى يُقابلوا عائشة -رضي الله عنها- في مكة المكرمة، فلمَّا سمعت عائشة بمقتل عثمان بدأت بحثّ النَّاس على الأخذ بدم عثمان.[١٥]
خروج جيش أم المؤمنين وجيش علي بن أبي طالب
لماذا خرجت عائشة -رضي الله عنها- إلى البصرة؟
أرادت عائشة -رضي الله عنها- العودة إلى المدينة فحثها طلحة والزبير على الذهاب إلى البصرة ففيها والي علي رضي الله عنهم، وقد أخبرهم أنَّ هناك من ينصرهم في دم عثمان، وحثوها على الخروج فهي أم المؤمنين، وستفصل ما بين الفريقين لو أدى الأمر إلى الشجار أو القتال، فوافقت على ذلك، ولمَّا سمع علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- خروجهم إلى البصرة أراد الخروج، وحذره كُثُر من الخروج، ومن بينهم ابنه الحسن وعبد الله بن سلام رضي الله عنهما، ولكنّه خرج يُريد الإصلاح كما أراده الزبير وطلحة وعائشة رضوان الله عليهم.[١٦]
تفاوض الجيشين والوصول إلى اتفاق مُرضٍ
ما هو الاتفاق الذي رضيه فريق طلحة وعلي؟
لمّا وصل القعقاع بن عمرو إلى البصرة قابل عائشة وطلحة والزبير -رضوان الله عليهم- فسألهم عن حاجتهم فقالوا: الإصلاح، فسألهم عن الإصلاح الذي يُريدونه، فقالوا أن يقتل عليّ قتلة عثمان وإلا سيكون عليًّا تاركًا للقرآن؛ لأنّه لم يُقِم الحد، فقال لهم: فإن قتل علي الستة أفراد الذين قتلوا عثمان، وغضب لهؤلاء الستة ستة آلاف فكيف ستصنعون؟ فإن لم تقتلوهم وقعتم فيما قلتم إنّ عليًّا قد وقع فيه، ولكن ننتظر حتى يتمكن علي من الأمر وتجتمع الأمصار تحت رايته، فأُعجب عائشة وطلحة والزبير بالقول، وذهب القعقاع إلى علي فأخبره الخبر وأعجبه.[١٧]
معركة الجمل
ما سبب حدوث القتال بعد الصلح؟
لمَّا رأى عبد الله بن سبأ ما حلّ وكيف أنّ قتلهم بات قاب قوسين أو أدنى، فإنّه اتفق مع جيشه أن يُقسمهم إلى قسمين، قسمٌ يهجم على جيش علي وقسم على جيش الزبير فيظنّ كل فريق أنّ الآخر قد خدعه، وتمّ له ذلك الأمر، وبقيت المعركة حتّى شروق الشمس، وقد سًميت بمعركة الجمل نسبة إلى جمل السيدة عائشة رضي الله عنها، وقد قُتل في هذه المعركة طلحة فجعل علي يمسح التراب عن وجهه ويبكي ويقول: "عزيز عليّ أبا محمد أن أراك مجندلًا في التراب تحت نجوم السماء".[١٨]
عودة أم المؤمنين إلى المدينة
بمَ أمر الرسول -عليه الصلاة والسلام- عليًّا في شأن عائشة؟
انتهت المعركة واقترب علي بن أبي طالب من عائشة -رضي الله عنهما- وهي في هودجها، فسألها كيف حالك يا أمنا؟ فقالت له: بخير والحمد لله، وتحقق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعليِّ بنِ أبي طالبٍ: "إنَّهُ سيكونُ بينَكَ وبين عائشةَ أمرٌ قال فأنا أشقاهُم يا رسولَ اللهِ قال لا ولكنْ إذا كان ذلك فاردُدْها إلى مأمنِها"،[١٩] فنزلت من هودجها وزودها بمؤونة السفر وعادت إلى المدينة نادمة على خروجها، وهي تقول ليتني كنت غصنًا رطبًا ولم أخرج إلى البصرة.[٢٠]
متابعة علي رضي الله عنه طريقه إلى الشام
لماذا أكمل علي مسيره إلى الشام؟
لمَّا انتهى أمر موقعة الجمل أكمل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- طريقه إلى الشام، وبعث برسله إلى معاوية وهو يُحاول تقريب وجهات النظر لكنّ معاوية -رضي الله عنه- كان يرى أنّه لا بدّ من أخذ قتلة عثمان قبل المبايعة ولذا لم يصلوا إلى حل.[٢١]
معركة صفيّن
ما سبب معركة صفين؟
استنكر بعضهم على معاوية أنه يُناوئ ابن أبي طلب وليس له سابقة، فقال معاوية: والله إني لا أناوئه وهو أحسن مني وأحق بالأمر مني وهو السبّاق بالخير، ولكن ألم يُقتل عثمان مظلومًا؟ إنّي أريد دم عثمان حتى لا تكون آية بين النّاس إذا كرهوا خليفة قتلوه ولم يُطالَب بدمه، وهنا معاوية اجتهد والصحابة -رضوان الله عليهم- كلهم اجتهدوا فمَن أخطأ منهم فله أجر، ومَن لم يُخطئ فله أجران، فكانت معركة صفين بين علي بن أبي طالب وجيشه ومعاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهم- وهو على رأس جيش الشام.[٢٢]
حادثة التحكيم
ما فحوى حادثة التحكيم؟
لقد شاع في الكتب أنّ قضية التحكيم حدث فيها استغفال لأبي موسى الأشعري ودهاء ومكر من عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وقالوا إنّ عمرًا بن العاص قد مكر بأبي موسى فقال أثبت صاحبي وأخلع صاحبك، ولكن السؤال هنا على ماذا يثبّت عمرو بن العاص معاوية؟ بل هل كان معاوية -رضي الله عنه- خليفة؟ فالراجح أنّ معاوية -رضي الله عنه- لم يطلب الخلافة لنفسه.[٢٣]
ولكنّ الذي حدث في التحكيم أنّ معاوية انتدب عمرًا بن العاص ليفاوض عنه، وعلي انتدب أبا موسى الأشعري ليفاوض عنه رضي الله عنهم جميعًا، فأخذا مهلة للتفكير، واصطلحوا على أن يكون كل من الفريقين آمن على أهله وبيته ولا قتال، فعاد فريق علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- إلى الكوفة وفريق معاوية -رضي الله عنه- إلى أرض الشام.[٢٣]
تخطيط أهل الفتنة لقتل أمراء المسلمين
مَن هم رؤوس الفتنة بين المسلمين؟
إنّ أصحاب الفتن لم يُعجبهم تصالح الأمة من جديد، فاختلقوا الافتراءات بين علي وطلحة والزبير رضوان الله عليهم، فخرج من جيش علي بن أبي طالب ما بين الخمسة عشر ألف مقاتل والعشرين ألفًا وكانوا يسمون أنفسهم القراء وفيما بعد صار اسمهم الخوارج، فرفضوا من علي أن يرضى بحكم أبي موسى وعمرو بن العاص رضي الله عنهم، وقالوا: "إن الحكم إلا لله"، فقال علي -رضي الله عنه- قولته الشهيرة: "كلمة حق أريد بها باطل"، فاتفقوا جميعهم على تكفير علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وتكفير كل مَن يكون على رأيه.[٢٤]
مقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه
من قتل علي رضي الله عنه؟
استعان علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بفقيه الأمة وترجمان القرآن ابن عباس -رضي الله عنهما- فحاجج الخوارج، واستطاع أن يقيم الحجة عليهم، فعاد قسم كبير منهم وأبى الباقون، ومرة أمسك الخوارج عبد الله بن خباب بن الأرت وزوجته التي كانت حبلى فسألوه عن نفسه، فلمّا عرفوه سألوه عن الخلفاء الثلاثة فأثنى عليهم خيرًا فذبحوه، وبقروا بطن زوجته وقتلوها مع جنينها، فاستحل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قتالهم، فقاتلهم قتالًا عظيمًا حتى أباد أكثرهم، فكان بعضهم ذات مرة يتذاكرون أصحابهم وكيف قتلوا، فتعاهدوا على قتل أئمة الكفر عندهم، فاتفق أربعة على قتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص وصحابي آخر.[٢٥]
فأخفق ثلاثة منهم في بغيتهم بأمر من الله، وامّا الرابع فكان عبد الرحمن بن ملجم، فطعن بسيفه -الذي شحذه أربعين يومًا ووضعه في السم أربعين آخرين- علي في رأسه طعنة قاتلة، فحمله أهله إلى بيته ولم يولّ علي بعده على الحكم أحدًا، ولما سأله أصحابه أن يولي بعده أحد، فقال له بعضهم: كيف ستقول لربك إن متّ ولم تولّ، فقال: سأقول له ذهبت عن الأمة ولم أولّ أحدًا كما ذهب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يولّ أحدًا، ومات إثر ذلك وكان قد أوصى أبناءه وأصحابه أن إذا مات فيُقتل ابن ملجم ولا يُعتدى على غيره باسم دمه، وإنما هو فقط القصاص فكان ذلك.[٢٥]
العبر المستفادة من قصة الفتنة الكبرى
ماذا يستفيد المسلم من قصة الفتنة الكبرى؟
تكثر العبر في حادثة الفتنة الكبرى، ومن أهمها:[٢٥]
- الفتنة نائمة لعن الله موقظها، والابتعاد عن الدماء هو خير وأبقى.
- الصحابة كلهم لا يُقطع بخطئهم ولا يُقال صحابي أخطأ، بل كلهم مجتهدون فمًن أخطأ فله أجر، ومًن لم يُخطئ فله أجران.
- الابتعاد عن فتن آخر الزمان أولى لمن عقل معنى الفتنة.
المراجع
- ↑ محمد حسان، الفتنة بين الصحابة، المنصورة:مكتبة فياض، صفحة 73. بتصرّف.
- ↑ موسى شاهين لاشين، كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم، صفحة 465. بتصرّف.
- ^ أ ب سفر الحوالي، دروس للشيخ سفر الحوالي، صفحة 6. بتصرّف.
- ↑ محمد حسان، الفتنة بين الصحابة، صفحة 116. بتصرّف.
- ^ أ ب محمّد حسان، الفتنة بين الصّحابة، صفحة 119. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد حسان، الفتنةُ بين الصحابة، صفحة 120-121. بتصرّف.
- ↑ محمد حسان، الفتنة بين الصحابَة، صفحة 127. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث محمد بن عبد الله غبان الصبحي، كتاب فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، صفحة 157-175. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد بن عبد الله غبان الصبحي، فتنةُ مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، صفحة 175-176. بتصرّف.
- ↑ محمد الصبحي، كتاب فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، صفحة 191-195. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد بن عبد الله غبان الصبحي، كتاب فتنةُ مَقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، صفحة 223-230. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية:137
- ↑ محمد حسان، الفتن بين الصحابة، صفحة 174. بتصرّف.
- ^ أ ب ت محمد حسان، الفتنة بين الصحابة، صفحة 200-205. بتصرّف.
- ↑ محمد حسان، الفتنة بين الصحابة، صفحة 206. بتصرّف.
- ↑ محمد حسان، الفتنة بين الصحابة، صفحة 200-215. بتصرّف.
- ↑ محمد حسان، الفتنة بين الصحابة، صفحة 218. بتصرّف.
- ↑ محمد حسان، الفتنة بين الصحابة، صفحة 220. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن حجر العسقلاني، في فتح الباري، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الصفحة أو الرقم:59، حديث إسناده حسن.
- ↑ محمد حسان، الفتنة بين الصحابة، صفحة 226-227. بتصرّف.
- ↑ محمد حسان، الفتنة بين الصحابة، صفحة 220. بتصرّف.
- ↑ محمد حسان، الفتنة بين الصحابة، صفحة 240. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد حسان، الفتنة بين الصحابة، صفحة 270. بتصرّف.
- ↑ محمد حسان، الفتنة بين الصحابة، صفحة 285. بتصرّف.
- ^ أ ب ت محمد حسان، الفتنة بين الصحابة، صفحة 305-315. بتصرّف.