قصة عام الرمادة

كتابة:
قصة عام الرمادة

عام الرمادة

يطلق اسم عام الرمادة على السنة الثامنة عشرة من هجرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام على أغلب الأقوال، وقد وقعت زمن خلافة عمر بن الخطاب، وفيها ضرب المدينة المنورة وما حولها من البقاع قحط وجدب، فلم تهطل المطر، ولم تنبت الأرض، وعاش الناس أيامًا صعبة من المجاعة؛ جفّ فيها الضرع، وهزلت الأبدان ونفقت المواشي، وخلى البيت من زاد اليوم، فمرض الناس، وخارت قواهم، وأوت الوحوش تلتمس المأكل عند مساكن الناس، فحلّت المسغبة التي راح ضحيتها عددُ كبيرُ من الناس؛ جلهم من الأطفال الذين لا يصمدون أمام الجوع وألم الأحشاء الخاوية، وفزع أهل البوادي إلى المدينة يطلبون الزاد من مركز الخلافة، فزاد الخطب على المسلمين واستمر المحل 9 أشهر قبل أن يغاث الناس، ويأتي تاليًا تفصيل لأحداث قصة عام الرمادة مع ذكر سبب التسمية وفقه الخليفة عمر بن الخطاب وحكمته في تجاوز الأزمة.[١]

قصة عام الرمادة

تذكر أحداث قصة عام الرمادة أن انقطاع المطر بدأ بعد عودة الناس من الحج سنة 18 للهجرة، ومع طوال مدة انقطاع المطر بدأ جفاف الزرع، فهزلت الماشية وجف ضرعها، وهلك جُلّها، ولم يجد ما يسدّون به رمقهم؛ حتى أكلو الجرذان والجرابيع لشدّة الجوع وانعدام مصادر الطعام من لحم ونبات، وحاول الخليفة عمر في تلك الأيام تأمين مصادر الطعام من الأرياف، ثم قام بدفعه لأهل البوادي الذين فزع كثيرٌ منهم إلى المدينة بعدما أصابهم من المشقة والجهد، وانتشار الموت الذي نال من ضعاف الأجساد، ولا سيما منهم الأطفال والشيوخ، وقد أنفق الخليفة في محاولة استدارك الخطب جميع ما في بيت مال المسلمين لكنّ مدة الأزمة طالت فكتب لأهل الأمصار في الشام ومصر والعراق وفارس ليرسلوا ما فاض عندهم من الزاد إلى المدينة، فأرسل له عمرو بن العاص ألف بعير تحمل الدقيق والمؤن، وجهز عشرين سفينة لتقطع البحر بسرعة إلى مركز الخلافة، ثم تتابعت نجدات أهل الأمصار، فأرسل سعد بن وقاص ثلاثة آلاف بعير تحمل الدقيق، وجاء العون من أبي عبيدة بن الجراح وأبي موسى الأشعري، وهكذا واسى المسلمون بعضهم وظهرت، وحدتهم في مواجهة المحنة التي أُطلق اسم عام الرمادة لأسباب تأتي تاليا مع ذكر بعض اللمحات والصور من فقه الخليفة عمر في وقت الأزمة.[٢]

سبب التسمية

يذكر أهل التاريخ، ومؤلفوا السير عند الحديث عن قصة عام الرمادة أن السبب وراء التسمية يعود إلى لون الأرض الذي تغير في تلك السنة لما حل بها من الجفاف الذي تركها أقرب إلى لون السواد، [٣]فكأن الأرض صارت كلها رماد كرماد النار إذا خبت جذوتها، كما أن الريح في ذلك العام كانت تهبّ فتنشر معها غبارًا كارماد يؤذي عيون الناس وأجسادهم التي تغير لونها أيضًا من قلّة الطعام حتى صارت بشرتهم غليظة الملمس شاحبة اللون.[٢]

من فقه عمر في حل الأزمة عام الرمادة

أبدى الخليفة عمر بن الخطاب في قصة عام الرمادة قدرة عالية على إدارة شؤون الأزمة، فظهرت حكمته وصبره، كما ظهر ورعه وفهمه العميق لروح الدين الإسلامي وعلل الأحكام والحدود في الشريعة الإسلامية، ومن فقه عمر في إدارة الأزمة وتذليل العقبات والتغلب على ظروف المحنة بعض النقاط:

  • مواساة الناس من خلال حرمان نفسه من الطعام: فقد روي في جميع مصادر الكلام عن قصة عام الرمادة أنّ الخليفة في ذاك العام حرم نفسه من كل طعام لا يجده الناس، واكتفى في أغلب أيامه بأكل ما توفر من خبز الشعير، ويؤثر عن عمر الكثير مما كان يؤدّب به نفسه في تلك السنة ويضبطها حتى لا تطلب غير ما يعطيها من الطعام، وكان رضي الله عنه إذا أتاه رزق، أو أُهديت إليه هديّة من لحم أو دُهن آثر بها غيره، ودفع بها إلى أشدّ الناس فقرًا وحاجة.[٤]
  • حث الناس على طلب المغفرة بكثرة الصلاة والدعاء واللجوء إلى الله: وكان عمر في تلك السنة يكثرُ من الصلاة، ويدعو نفسه ويدعو الناس ليل نهار للاستغفار والتوبة والدعاء إلى الله بأن يصرف البلاء، كما كان يحثّهم على طلب السقيا في دعائهم، ويجمعهم بعد كل صلاة للتضرع والدعاء والطلب من الله أن يذهب المحل، وأن يعمّهم بالرحمة والغيث.[٥]
  • حث عائلته على ترك النّعم والصبر على شظف العيش: وفي هذا تقول الأخبار أن الخليفة كان يؤنّب من يرى من أهله وقد حمل فاكهة أو زاد في طعامه، وكان حريصًا على ضرب المثل بنفسه وبعائلته في مدى الورع والصدق في مواساة الناس، والترويح عنهم.[٦]
  • إرساله إلى عمّاله في الأمصار لطلب الغوث: وقد بدأ عمر بأخذ التدابير قبل ذلك، فمع بداية القحط بدأ بإرسال الزاد للبوادي المحيطة بالمدينة، ومع طول مدّة امتناع الغيث من السماء بدأ الناس يتوافدون على المدينة، فأنفق عمر جميع ما في بيت المال، ثم بدأ بطلب الغوث من العمّال؛ يحثهم على نجدة من في المدينة من أخوانهم في الدين، فتوافدت عليه من الأمصار كثير من الأرزاق، فنزل في المدينة آلاف الإبل تحمل الدقيق والدهن والثمار والكساء للناس.[٥]
  • الاستسقاء بعم النّبي العباس: وتذكر أخبار قصة عام الرمادة أن عمرٌ خرج متواضعًا خاشعا، فجعل يجمع الناس، وحرص أن يجتمع إليه منهم الضعفاء والأطفال، فصلى بهم متضرعًا، ووعظهم، ثم قام يدعو الله، وألحّ في الدعاء حتى فاضت عيناه، وأبكى الناس، ثم طلب السقيا من الله بفضل العباس عمّ النبي، وكان العباس يومها كبيرًا طاعنًا في السن، ويروي هذه القصة أكثر المحدثين وقد جاءت في صحيح البخاري "أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ، كانَ إذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بالعَبَّاسِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْكَ بنَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَتَسْقِينَا، وإنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْكَ بعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا قَالَ: فيُسْقَوْنَ"[٧] وقيل أن العباس قام بعد دعاء عمر فدعى وتضرع واستجاب الله الدعاء وعمّت الرحمة[١]
  • تعطيل بعض الحدود: ومما برزت فيه حكمة الفاروق أنه أثناء هذه الأزمة شدد الأوامر على الجنود بألا يقاتلوا العدو إلا إذا أكرههم مع الأمر بتعطيل بعض الحدود كحدّ السرقة وتعليق تحصيل الزكاة في إلى حين استقرار الأوضاع الاقتصادية، وفي ذلك إدراكٌ وفهم كبير من عمر بن الخطاب لضرورات حفظ النفس وموافقة الشريعة الإسلامية لحال الزمان.[٨]

المراجع

  1. ^ أ ب "عام الرمادة وحال المسلميين اليوم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-12. بتصرّف.
  2. ^ أ ب "عام الرمادة"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-12. بتصرّف.
  3. "تعريف و معنى رمادة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، 2020-05-18. بتصرّف.
  4. "عام الرمادة"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-12. بتصرّف.
  5. ^ أ ب "سياسة فقه الأزمات [ عام الرمادة أنموذجا "]، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-12. بتصرّف.
  6. "التكافل والإغاثة في عهد عمر بن الخطاب"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-12. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:3710، حديث صحيح.
  8. "إدارة أزمة عام الرمادة"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-12. بتصرّف.
3596 مشاهدة
للأعلى للسفل
×