محتويات
قصة إسلام عبد الرحمن بن عوف
هو عبد الرحمن بن عوف، يُكنَّى بأبي محمد، وأُمه الشفاء بنت عوف بن عبد الحارث،[١] وقد كان لعبد الرحمن بن عوف عدة أسماء يسمّى بها في الجاهلية؛ منها عبد عمر، وعبد الكعبة، وعبد الحارث، ولكنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- سمَّاه عبد الرحمن بعد إسلامه،[٢] أسلم على يد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، حيث كان من الصحابة الذين أسلموا قبل أن يدخل الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى دار الأرقم.[٣]
وأسلم على يد أبي بكر العديد من الصحابة أيضاً منهم: عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنهم جميعاً-،[٤] وبعد إسلام عبد الرحمن بن عوف هاجر الهجرتين، وعندما وصل إلى المدينة آخى الرسول بينه وبين سعد بن الربيع -رضي الله عنهما-،[٥] كما أنَّه شهد المشاهد والمعارك كلها التي خاضها رسول الله، وثبت مع الرسول -عليه السلام- يوم غزوة أحد، ولم يقم بالفرار كما فعل غيره خلال الغزوة.[٦]
قصة هجرة عبد الرحمن بن عوف
هاجر عبد الرحمن بن عوف إلى المدينة،[٧] وأول هجرة حدثت في الإسلام هي الهجرة إلى المدينة، فكان عبد الرحمن بن عوف من المُسارعين في الخروج وتلبية النداء من بني زهرة، فهو من المهاجرين إلى أرض الحبشة الهجرتين معاً وإلى المدينة المنورة،[٨] وهاجر معه إلى الحبشة في المرة الثانية عامر بن أبي وقاص،[٩] وآخى الرسول -عليه السلام- بين عبد الرحمن بن عوف و عثمان بن عفان في مكة، وبينه وبين سعد بن الربيع في المدينة.[١٠]
قصة المؤاخاة بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع
المؤاخاة من الأعمال التي قام بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في مكة قبل الهجرة إلى المدينة، ومن ثُمَّ في المدينة بعد الهجرة، فلا تعارض بين المؤاخاة في مكة وبين المؤاخاة في المدينة، ومن المواقف التي تذكر في المؤاخاة ما حدث بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع؛ لما آخى الرسول بينهما عرض سعد بن الربيع على عبد الرحمن بن عوف شطر ماله وأن يطلق له أحسن زوجتيه، لكنَّه لم يقبل من ذلك شيئاً ودعا له بالبركة وطلب منه أن يدله على السوق، فما عاد إلا ومعه بعض اللبن والسمن،[١١] وبعد ذلك تزوج وأمهر نواة من ذهب، وأولم بشاة تنفيذاً لما أمره الرسول به.[١٢]
وفي هذا دليل على إيثار عبد الرحمن بن عوف على نفسه، وتفضيله للكسب من تعبه وكد جبينه، وحسن الظن بما عند الله -تعالى- من الرزق، فعوضه الله ورزقه من فضله،[١١] وفي هذا دليل على حث الإسلام على العطاء ومد يد العون والخير من المسلم لأخيه المسلم، فكان التآخي بين المسلمين مثالاً على وحدتهم بإيمانهم بعقيدة واحدة، وهدف واحد، وقائد واحد، فكانوا على قلب رجل واحد.[١٣]
قصص عبد الرحمن بن عوف في الجهاد
قصة عبد الرحمن بن عوف في غزوة بدر الكبرى
وقف عبد الرحمن بن عوف في الصف يوم غزوة بدر،[١٤] فإذا هو بين غلامين من الأنصار صغار السن، فتمنى لو أنَّه بين رجلين أشدّ وأقوى منهما، وعندما سمع منهما رغبتهما في قتل أبي جهل؛ لأنَّه كان يسبّ الرسول -عليه السلام-، تعجب من شجاعتهما وقوتهما، فأشار لهما عبد الرحمن بن عوف عليه، وأخبرهما بأنَّ هذا هو أبو جهل الذي تسألا عنه، فأسرعا إليه حتى قتلاه، ثمَّ انصرفا إلى النبي -عليه السلام-، فأخبراه بذلك، فقال لهما -عليه السلام-: (هلْ مَسَحْتُما سَيْفَيْكُمَا)،[١٥] فنظر الرسول -عليه السلام- إلى سيفيهما ليرى أيُّهما أكثر انغماساً بالدم، فأخبرهما بأنَّ كُلاً منهما تشارك مع أخيه في القتل.[١٦]
وكان بين عبد الرحمن بن عوف وأميّة بن خلف صداقة تجمعهما في الجاهلية، وعندما أسلم عبد الرحمن وغيّر الرسول له اسمه، استنكر ذلك أمية بن خلف، وقال له: "أرغبت عن الاسم الذي سماكه أبوان"، فقال له: نعم، فكان رد أمية بن خلف أنَّه لا يعرف اسم الرحمن، وأراد اسم آخر ليناديه به، فاجتمعا على أن يُناديه بعبد الإله، فإذا ناداه بغير ذلك لم يُجبه، وعندما وقعت غزوة بدر، أخذ عبد الرحمن بن عوف أمية بن خلف وابنه حتى لا يراه المسلمون فيقتلونهما، فرآه بلال بن رباح وقال: هذا أمية بن خلف فاقتلوه، وقال: "لا نجوت إن نجا"، فحاول عبد الرحمن أن يحميه ولكنَّ بلال ومن معه أحاطوا بهم، حتى قطعوا لحمهما بالسيوف، فقال عبد الرحمن: "يرحم الله بلالاً".[١٦]
قصة عبد الرحمن بن عوف في غزوة أحد
كان لعبد الرحمن بن عوف في غزوة أحد دورٌ كبير، حيث كان ممن ثبت يوم أحد مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- حين هرب الناس، وقد أبلى بلاءً حسناً حين بدأ بالقتال حتى أحصى الناس في جسده إحدى وعشرين طعنة، ثُمَّ أصيب في ساقه، وسقطت بعض ثناياه، وقتل أسيد بن أبي طلحة، وكلاب ابن أبي طلحة، وبقي عبد الرحمن بن عوف يعرج برجله إثر إصابته بها إلى أن مات.[١٧]
قصة مشاركة عبد الرحمن بن عوف في الغزوات مع النبي الكريم
شهد عبد الرحمن بن عوف الغزوات كلها مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-،[١٨] فشهد غزوة بني النضير، والخندق، وغزوة بني المصطلق (غزوة المريسيع)، وكان فارساً مقداماً، كما شهد غزوة بني قريظة، فقد أعطى النبي في هذه الغزوة سهمين للفرس وسهماً واحداً لصاحبه، وشهد غزوة ذي قرد،[١٩] وشهد غزوة الحديبية، وكان الهدي في ذلك اليوم من أهل الغنى، فكان عبد الرحمن بن عوف منهم، فقد ساق بدنات له من المدينة وعاد مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة، كما أنَّه كان من شهود الصلح بين المسلمين وقريش، وشهد غزوة خيبر، وكان فيها أحد الرؤساء.[٢٠] وشهد أيضاً غزوة حنين وحصار الطائف، فنال امرأة من السبايا، كانت من هوازن، فلما أمر الرسول بإعادة السبي، أعادها عبد الرحمن إلى أهلها، كما أنَّه شهد غزوة تبوك، وقد صلى النبي وراء عبد الرحمن صلاة الفجر في هذه الغزوة.[٢٠][٢١]
قصة عبد الرحمن بن عوف في سرية دومة الجندل
أرسل النبي عبد الرحمن بن عوف قائداً على سرية إلى دومة الجندل؛ ليقاتل بني كلب، وأمره أن يتزوج ابنة ملكهم إذا فتح الله -تعالى- عليه، فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام، فنجح في دعوتهم إلى الإسلام، فكان على رأس من أسلم على يده الأصبغ بن عمرو الكلبي وقد كان نصرانياً، وأسلم غيره الكثير، فتزوج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ، وقدم بها إلى المدينة، وأنجبت منه أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، فنجح عبد الرحمن في تأدية ما أمره الرسول به في هذه السرية نجاحاً عظيماً.[٢٢]
قصة عبد الرحمن بن عوف في عهد الخلفاء
قصة عبد الرحمن بن عوف في عهد عمر بن الخطاب
فتح عمر بن الخطاب في خلافته موسم الحج من سنة أربع عشرة للهجرة إلى سنة ثلاث وعشرين للهجرة،[٢٣] وأذن لزوجات النبي بالخروج للحج في آخر حجة حجها، وبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، فكان عثمان يسير من أمامهن، وعبد الرحمن من خلفهن، وحتى عند الوقوف لقضاء أمورهم، كانوا ينزلوا معهم في كل منزل، فينزل عثمان وعبد الرحمن في أول كل شعب حمايةً لهم، فلا يتركان أحداً يمر عليهن،[٢٤] وقد وصف عمر بن الخطاب عبد الرحمن بن عوف بالعدل الرضي،[٢٥] وقد كان عبد الرحمن بن عوف يُفتي في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، واستمر على ذلك في خلافة أبي بكر وعمر بن الخطاب.[٢٦]
ويروى أنَّ عمر بن الخطاب خرج غازياً إلى الشام، وعندما علم بوجود وباء في الأرض استشار المهاجرين والأنصار ومهاجري الفتح، وعندما وصل الأمر إلى عبد الرحمن بن عوف استشاره عمر، وقال له: "أنت عندنا الصدوق الأمين"، فماذا ترى في ذلك، فروى عبد الرحمن بن عوف حديث الرسول الذي مفاده عدم الخروج، فأخذ عمر بن الخطاب بمشورة عبد الرحمن بن عوف،[٢٧] كما أنَّه أخذ بمشورته في جزية المجوس، فقد امتنع عمر عن إعطاء الجزية للمجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أنَّ الرسول أخذها من مجوس هجر البحرين.[٢٨]
قصة عبد الرحمن بن عوف في عهد عثمان بن عفان
وصل عمر بن الخطاب في خلافته إلى النهاية، فقد بدأت تظهر عليه علامات الاحتضار؛ لأنَّه أُصيب بطعنة بسكين من أبي لؤلؤة المجوسي، فطلبوا منه الصحابة أن يضع خليفة من بعده، فأبى ذلك، وجعل الشورى في ستة من الصحابة، وكلهم من المبشرين بالجنة، وهم: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله -رضي الله عنهم جميعاً-.[٢٩][٣٠]
وبعد وفاة عمر بن الخطاب اجتمعوا في بيت أحدهم وتشاوروا فيما بينهم، وكان من ضمن الحضور عبد الله بن عمر مشيراً فقط، وتداولوا بينهم حتى أخرج عبد الرحمن بن عوف نفسه من الخلافة، فانتقل دور تعيين الخليفة له، فعمل جاهداً ثلاثة أيام متواصلة يسأل الكبير والصغير من يوليها، حتى أجاب عثمان بن عفان، فبايعه عبد الرحمن وعلي بن أبي طالب والناس جميعاً، وعندما حضر طلحة بعد غيابه بايعه هو كذلك،[٢٩][٣٠] وعندما تمت البيعة لعثمان بن عفان سنة أربع وعشرين بعث عبد الرحمن بن عوف على الحج، فحج بالناس في ذلك العام.[٣١]
المراجع
- ↑ ابن سعد (1968)، الطبقات الكبرى (الطبعة الأولى)، بيروت، دار صادر، صفحة 124، جزء 3.
- ↑ نور الدين الحلبي (1427)، السيرة الحلبية (الطبعة الثانية)، بيروت، دار الكتب العلمية، صفحة 394، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ محب الدين الطبري، الرياض النضرة في مناقب العشرة (الطبعة الثانية)، بيروت، دار الكتب العلمية، صفحة 302، جزء 4.
- ↑ موسى العازمي (2011)، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (الطبعة الأولى)، الكويت، المكتبة العامرية للإعلان والطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 204، جزء 1.
- ↑ ابن سعد (1968)، الطبقات الكبرى (الطبعة الأولى)، بيروت، دار صادر، صفحة 124-125، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 564، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ محب الدين الطبري، الرياض النضرة في مناقب العشرة (الطبعة الثانية)، بيروت، دار الكتب العلمية، صفحة 303، جزء 4.
- ↑ ابن حجر العسقلاني (1415)، الإصابة في تمييز الصحابة (الطبعة الأولى)، بيروت، دار الكتب العلمية، صفحة 290، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ أحمد البلاذري (1996)، أنساب الأشراف (الطبعة الأولى)، بيروت، دار الفكر، صفحة 36، جزء 10.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 237-239، جزء 10. بتصرّف.
- ^ أ ب موسى العازمي (2011)، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (الطبعة الأولى)، الكويت، المكتبة العامرية للإعلان والطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 188-189، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 239، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ محمود خطاب (1422)، الرسول القائد (الطبعة السادسة)، بيروت، دار الفكر، صفحة 70-71. بتصرّف.
- ↑ إسماعيل الأصبهاني، سير السلف الصالحين، الرياض، دار الراية للنشر والتوزيع، صفحة 249. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الرحمن بن عوف، الصفحة أو الرقم: 1752، صحيح.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 240-241، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 242، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ ابن حجر العسقلاني (1415)، الإصابة في تمييز الصحابة (الطبعة الأولى)، بيروت، دار الكتب العلمية، صفحة 290، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 243، جزء 10. بتصرّف.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 244-247، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 274-275، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 244، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 263، جزء 10.
- ↑ أحمد البلاذري (1996)، أنساب الأشراف (الطبعة الأولى)، بيروت، دار الفكر، صفحة 36-37، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ عبد الرحمن السيوطي، جامع الأحاديث، صفحة 140، جزء 26.
- ↑ أحمد البلاذري (1996)، أنساب الأشراف (الطبعة الأولى)، بيروت، دار الفكر، صفحة 36، جزء 10.
- ↑ حسين المهدي، الشورى في الشريعة الإسلامية، صفحة 210-212. بتصرّف.
- ↑ يحيى الشافعي (2000)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (الطبعة الأولى)، جدة، دار المنهاج، صفحة 250، جزء 12. بتصرّف.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة التاريخية، صفحة 172، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب خالد المصلح (1421)، شرح العقيدة الواسطية من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية (الطبعة الأولى)، الدمام، دار ابن الجوزي، صفحة 185-186. بتصرّف.
- ↑ ابن سعد (1968)، الطبقات الكبرى (الطبعة الأولى)، بيروت، دار صادر، صفحة 134، جزء 3. بتصرّف.