قصة فتح سمرقند

كتابة:
قصة فتح سمرقند

سمرقند

تقعُ مدينة سمرقند في منطقة آسيا الوسطى في دولة أوزبكستان حاليًّا، وهي واحدة من أكبر مدن آسيا الوسطى، ويعني اسمها قلعة الأرض، تُطلّ سمرقند على وادٍ اسمه وادي القصَّارين، قال عنها ابن بطوطة: "إنَّها من أكبر المدن وأحسَنِها وأتمِّها جمالًا، مبنيَّةٌ على شاطئِ وادٍ يُعرَفُ بوادي القصَّارين، وكانت تضمُّ قصورًا عظيمةً، وعمارة تُنْبئ عن هِمَم أهلها"، وقد وصل الفتح الإسلامي لأول مرة في التاريخ إلى سمرقند سنة 56 للهجرة، في زمن خلافة معاوية بن أبي سفيان، ثمَّ وصل الفتح الإسلامي النهائي إليها سنة 93 للهجرة، وهذا المقال سيسلِّط الضوء على قصة فتح سمرقند التي حدثت سنة 93 هجرية.[١]

الفتح الإسلامي لما وراء النهر

يُعرَّف الفتح الإسلامي لبلاد ما وراء النهر على أنَّه سلسلة من المعارك الطويلة التي خاضها المسلمون لسنوات طوال، بداية من عصر الخلافة الأموية وانتهاء بالخلافة العباسية، وبلاد ما وراء النهر هي البلاد التي تقع خلف نهر جيحون، وقد وصل المسلمون لأول مرة إلى نهر جيحون في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ولكنَّ الخليفة عمر أعطى المسلمين أكرًا بعدم تجاوز النهر، ثمَّ وبعد نهاية الخلافة الراشدية وانتقال الخلافة إلى الأمويين، وفي عهد عبد الملك بن مروان بدأت بعض الفتوحات الإسلامية في بلاد ما وراء النهر، ولكنَّها كانت خجولة نوعًا ما.[٢]

وبعد أن استلم الحجاج بن يوسف الثقفي ولاية خراسان مع العراق سنة 78 هجرية، فولَّى الحجاج بداية المُهلَّب بن أبي صفرة على خُراسان، فخاض بعض المعارك ثمَّ توفِّي، فولَّى الحجاج قُتيبة بن مُسلم الباهلي سنة 86 هجرية، القائد العسكري الذي فتح بلاد ما وراء النهر بعد معارك عنيفة خاضها في تلك المنطقة استمرَّت عشر سنوات، من سنة 86 حتَّى 96 هجرية.[٢]

وبعد وفاة قتيبة بن مُسلم الباهلي توقَّف الزَّحف الإسلامي في بلاد ما وراء النهر، فقد انشغل من خلفوه في ولاية خراسان بإخماد الفتن التي نتجتْ عن اتساع رقعة الدولة وابتعادها عن مركز الخلافة آنذاك، وبعد انهيار دولة الخلافة الأموية واستلام بني العباس زمام الأمور، بعثَ الخليفةُ العباسي أبو جعفر المنصور أبا مُسلم الخُراسانيّ إلى الصين لإعادة هيبة الدولة الإسلامية، ولضبط الفتن الكثيرة التي قام بها أهل تلك البلاد، فخاض المسلمون معركة ضد الصينين اسمها معركة نهر طلاس، هذه المعركة التي حسمت الصراع بين المسلمين والصينيين على تلك البلاد، حيث حددت حدود كلٍّ من الطرفين المتنازعين.[٢]

سمرقند في عهد معاوية

قبل الحديث قصة فتح سمرقند على يد قُتيبة بن مسلم الباهلي، جدير بالذكر أنَّ معاوية بن أبي سفيان ولَّى سعيد بن عثمان بن عفان على خُراسان وكان هذا سنة 56 للهجرة، فكان سعيد بن عثمان بن عفان أول من قطع نهر جيحون، وعندما علمت ملكة بُخارى والتي كان اسمها خاتون بأمر جيش المسلمين الذي اجتاز نهر جيحون، أرسلت إلى سعيد بن عثمان وثيقة الصلح الذي عُقد بينها وبين والي خراسان المعزول عُبيد الله بن زياد، فوافق على بنود الصلح ومنحها الأمان لها ولأهل بُخارى.[٢]

وفي هذه الفترة انتشر بين الناس خبر عبور المسلمين نهر جيحون فاحتشد أهل ما وراء النهر واجتمعوا في مئة وعشرين ألف مقاتل في بُخارى، فنقضتْ خاتون الصلح الذي أقرَّه لها سعيد بن عثمان، وتجهَّزت لقتال المسلمين وردِّهم إلى خراسان، ولكنَّ عددًا كبيرًا من الجموع المحتشدة ترك بُخارى مما أثر على الحالة النفسية على من بقي من الجيش المجتمع في بُخارى، فندمتْ خاتون على نقض الصلح وطلبت من سعيد الصلح من جديد، ولكنَّ سعيد حرَّك جيوشه إلى بخارى ودخلها فاتحًا.[٢]

ثمّ اتجه سعيد بن عثمان إلى سمرقند وأعانه أهل بُخارى على فتحها، فحاصرها ثلاثة أيام، فقاتل أهل سمرقند قتالًا عنيفًا وتعرَّض في هذه الأيام الثلاثة سعيد إلى إصابة في عينه، ثمَ جاء إلى سعيد رجل من أهل سمرقند يخبره بمكان وجود أبناء ملوك سمرقند، فحاصر سعيد القصر الذي فيه أبناء ملوك سمرقند، فخاف أهلها على أبناء ملوكهم فطلبوا الصلح من سعيد، فصالحهم على أن يدفعوا سبعمئة ألف درهم، وجدير بالذكر إنَّه في هذا الفتح استشهد قُثم بن العبَّاس بن عبد المُطلب ابن عم رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وبعده اتجه جيش سعيد إلى مدينة ترمذ وقام بفتحها بعد أن صالح أهلها أيضًا، والله تعالى أعلم.[٢]

قصة فتح سمرقند

تقول قصة فتح سمرقند إنَّه في عام 93 هجرية اتَّجه قتيبة بن مسلم الباهلي مع ثلاثين ألفَ مقاتل إلى سمرقند، التي كانت تحتَ حُكم الملك غوزك، والذي جهَّز جيشًا قوامه خمسون ألف مقاتل، وفي قصة فتح سمرقند جاء أنَّ سبب الفتح هو نقض ملك سمرقند العهد الذي بينه وبين المسلمين، فسار إليه قتيبة بالمسلمين وأمرهم بكتمان الأمر حتَّى يفاجئ عدوه بقدومه، ثمَّ وضع قتيبة أخاه عبد الرحمن ومعه مجموعة من الرماة والفرسان من المسلمين.[٣]

وخطب بباقي الجيش قائلًا: "إني أرجو أن تكون خوارزم والصَّغد كقُريظة والنَّضير"، ثمَّ حاصر المسلمون سمرقند شهرًا كاملًا، فاستنجد أهل سمرقند بمن حولهم مخوِّفين من المسلمين في حال سقوط سمرقند، فلبَّى من حولهم النداء وجمعوا لقتال المسلمين جيشًا من أمهر المقاتلين وأكثرهم تجربة، فلمَّا عرف كتيبة بأمر الجيش بعث أخاه صالح بن مسلم مع ستمئة من فرسان المسلمين وأمرهم أن يكمنوا للجيش القادم لقتال المسلمين، فانقض الفرسان على جيش الصُّغد وانتصروا انتصارًا عظيمًا، ثمَّ أمرَ قتيبة بقصف سمرقند بالمنجنيقات، فأحدثوا في حصون سمرقند ثُلَمًا كثيرة، فأرسل أهل سمرقند يطلبون الصلح، فقال قتيبة: "لا نصالحهم إلا ورجالنا على الثلمة"، أي على ثغور المدينة وعلى أبوابها وجدرانها المنهارة من المنجنيقات، فصالحهم قتيبة وفُتحت سمرقند بفضل الله تعالى.[٣]

بنود صلح سمرقند

في ختام ما جاء من قصة فتح سمرقند، جدير بالذكر أنَّه بعد قصة المدينة بالمجنيق طلب أهل سمرقند الصلح، فصالح قتيبة بن مسلم أهل سمرقند مقابل أن يدفعوا الجزية للمسلمين، وأن يحطِّّموا الأصنام التي يعبدونها وأن يتم إخلاء المدينة من المقاتلين، وأن يُبنى مسجد في وسط سمرقند ومنبر للخطب فيه، فتمَّ الصلح ووافق أهل سمرقند على مطالب قتيبة، فصلَّى في المسجد وخطب بالناس فيه وحطَّم الأصنام وحرقها، وهكذا تحكي قصة فتح سمرقند، وهكذا تم فتح هذه المدينة، وبعدها عاد قتيبة إلى مرو وترك في سمرقند أخاه عبد الله بن مسلم ومعه عدد من الجند.[٤]

المراجع

  1. "سمرقند"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 02-07-2019. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح "الفتح الإسلامي لما وراء النهر"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 02-07-2019. بتصرّف.
  3. ^ أ ب "فتح سمرقند سنة 93 هـ"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 02-07-2019. بتصرّف.
  4. "فتح سمرقند"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 02-07-2019. بتصرّف.
4078 مشاهدة
للأعلى للسفل
×