قصة قيس وليلى

كتابة:
قصة قيس وليلى

العلاقة بين قيس وليلى 

ما هي صفات ليلى العامرية؟

عرف قيس بن الملوح ليلى العامرية منذ الصغر فهي ابنة عمه وكانا يرعيان الغنم معًا فيلتقيان ويتحادثان، وقد شبّا وكبرا على ذلك حتى أحدث ذلك في قلبيهما أثرًا، فتحابّا وصار حبهما ينمو ويزيد كلما مضى بهما الزمان، ولم تكن علاقتهما في بدياتها مقتصرة على اللقاءات التي تتم أثناء رعي الغنم، فقد كانت ليلى العامرية مثقفة وذكية عارفة بالشعر والأدب وأخبار العرب وأيامهم ووقائعهم في العصر الجاهلي وفي عصر صدر الإسلام، وكان فتيان الحي وفتياتهم يجتمعون إليها في مجلسها فيستمعوا لحديثها ويتناشدون عندها الأشعار[١]، وقد خلّد شعر قيس بن الملوح هذه اللقاءات بليلى في قوله:[٢]

تَعَلَّقتُ لَيلى وَهيَ غِرٌّ صَغيرَةٌ

وَلَم يَبدُ لِلأَترابِ مِن ثَديِها حَجمُ

صَغيرَينِ نَرعى البَهمَ يا لَيتَ أَنَّنا

إِلى اليَومِ لَم نَكبَر وَلَم تَكبَرِ البَهمُ


كان قيس بن الملوح لا يفوت مجلسًا من مجالس الأدب التي تعقدها ليلى العامرية، ولم يكن من بين هؤلاء الفتية فتى أحب إلى قلب ليلى من قيس بن الملوح، كما أنها كانت تخصه دون غيره فلا ترد له طلبًا وكان الفتية على دراية بذلك حتى إذا أراد أحد منهم من ليلى العامرية حاجة توسّل بها إلى قيس بن الملوح، ولعل قيسًا قد أراد يومًا أن يختبر ما له في قلب ليلى فطلب منها حاجة فمنعته، فحزن كثيرًا وبكى أمام ناظريها[١]، وأنشد قائلًا:[٣]

وَإِنَّ اِنهِمالَ الدَمعِ يا لَيلَ كُلَّما

ذَكَرتُكِ يَومًا خالِيًا لَسَريعُ

مَضى زَمَنٌ وَالناسُ يَستَشفِعونَ بي

فَهَل لي إِلى لَيلى الغَداةَ شَفيعُ


لقد كان قيس بن الملوح يلازم ليلى في نهاره كله، يحاورها ويبادلها الحديث حتى إذا حل الليل فارقها وانصرف، والعرب آنذاك لم تكن تعد حديث الفتيان مع الفتيات ضرب من العيب ولم تكن تمنعه، إلا أنهم كانوا يرفضون التشبب والتغزل ببناتهم في الشعر، وكان قيس ينظم في ليلى العامرية جل قصائد الغزل العذري التي اشتهر بها، لذلك لم يطل الأمر على هذا النحو الآمن حتى افتضح ما كان بينهما واشتهر في القوم وصارت قصة عشقهما حديث الناس.[٤]



لقراءة المزيد عن سيرة ليلى، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: من هي ليلى العامرية.


تقدم قيس للزواج من ليلى 

ما العقبات التي تسببت بفراق قيس عن محبوبته؟

لقد كشفت قصة الحب التي جمعت بين قيس وليلى واشتهرت في القوم وتناولها الناس كمحور رئيس لحديثهم اليومي، وكان دستور العرب السائد في العصر الإسلامي والعصرالأموي يحكم على المحبّين إن اكتشف أمرهم بالبين والافتراق، وهذا بالطبع كان حال قيس بن الملوح وليلى العامرية، فقد منعه أهلها من زيارتها وشدّدوا عليهما فحرموا عليهما الكلام واللقاء الذي كان مباحًا في يوم من الأيام، وقد تسبب الفراق لقيس بالأذى النفسي والجسدي الكبير، فقد كاد يهلك أسى وحسرة، فتردد قومه عليه بالنصح واللوم على تمسكه غير المجدي بليلى تارة، وبالتعزية والمواساة ومحاولات الإقناع لتزويجه بفتاة غير ليلى تارة أخرى.[٤]


ثم إنّ الهوى وحرقته قد بلغت بقيس بن الملوح مبلغها حتى قيل إنّه قد ترك الطعام والشراب وأصبح جسده خاويًا وبات قيس مشرفًا على الموت، فخشيت أمه عليه من الهلاك فقصدت ليلى العامرية وطلبت منها أن تزوره لعل ذلك يغير من حاله إلا أنها اعتذرت عن ذلك خشية عقاب أهلها وفتكهم بها، إلا أن قلبها الذي دق لقيس وغالبه الشوق له قد رق لحاله واعتزمت على أن تغامر بنفسها فتزوره ليلًا بينما أهلها نيام، فزارته وبقيا يتحدثان ويتشاكيان حتى إذا طلعت الشمس فارقته وانصرفت إلى بيتها[٤] ، وفي ذلك يقول:[٥]

أَتُضرَبُ لَيلى كُلَّما زُرتُ دارَها

وَما ذَنبُ شاةٍ طَبَّقَ الأَرضُ ذيبُها

فَمُكرِمُ لَيلى مُكرِمي وَمُهينُها

مُهيني وَلَيلى سِرُّ روحي وَطيبُها

لَئِن مَنَعوا لَيلى السَلامَ وَضَيَّقوا

عَلَيها لِأَجلي وَاِستَمَرَّ رَقيبُها


لم يجد أهل قيس لابنهم حلًا غير تزويجه من ليلى العامرية، فتقدموا لخطبتها إلا أن الرد كان معروفًا، فقد رفض أهل ليلى تزويجه ابنتهم، جنّ جنونه فتمرد على عشيرتها وثار وظل يدخل بيوتهم وويهجم عليهم وما وجدوا من راد له سوى أن يشكوه للوالي الذي حكم لأهل ليلى وأهدر دمه لهم، ولكن ذلك على عظمه لم يكن ليثني قيس بن الملوح عن ليلى، إذ بات يجد في الموت راحة بعد قتلهم روحه بحرمانه من ليلى.[٤]


لقد بات الأمر شاقًا على أهل ليلى بعد تمرد قيس وثورته عليهم وإلحاحه في التردد على ابنتهم، لذلك فقد آثروا الارتحال والانتقال إلى مكان بعيد لا يهتدي قيس بن الملوح إليه، فلما مر قيس ببيت ليلى وجده خاليًا من أهله، أدرك أنّ الفراق قد حق فبكى ووضع رأسه على ترابه يمرغ به وجهه حزنًا وألمًا على ما لقي وأصبحت عواطفه في تخبط بين الألم والحزن وبين الشوق والحنين للمحبوبة وللأيام التي جمعتهما[٤]، فهو يقول:[٦]

أَحِنُّ إِلى لَيلى وَإِن شَطَّتِ النَوى

بِلَيلى كَما حَنَّ اليَراعُ المُثَقَّبُ

يَقولونَ لَيلى عَذَّبَتكَ بِحُبِّها

أَلا حَبَّذا ذاكَ الحَبيبُ المُعَذِّبُ

زواج ليلى من رجل ثقيف

كيف كانت ردة فعل ليلى تجاه الخاطب الجديد؟

كان قانون العادات والتقاليد صارمًا في التفريق بين المحبين، فقد ارتأى والد ليلى لنفسه أن يرفض تزويجها قيسًا وأن يبعده عنها بشتى الطرق حفاظًا على كرامته يما قد زعم، ولعله قد جنى جنايته على قيس ومحبوبته في آن معًا حين عزم على تزويج ليلى من رجل آخر يدعى ورد بن محمد من بني ثقيف، لقد قبلت ليلى عرض الزواج من ورد بن محمد بعد رفض طويل لعدد من الخاطبين، ويبدو أنّ والدها قد أرغمها على ذلك، فقد روي أنّ قيس بن الملوح قد تقدم في خمسين ناقة حمراء صداقًا لها، في حين كان ورد بن محمد قد تقدم لها في عشرة من الإبل، وحينئذ كان أهل ليلى قد ادعوا تخييرها بين الخاطبين، إلا أن حقيقة الأمر أن والدها قد أرغمها على الزواج من ورد بن محمد وتوعدها بأن يمثل بها إن رفضت، فوافقت مرغمة[٧]، وقد تأثر قيس بهذا الزواج وتحطم قلبه وأنشد فيها:[٨]

أَلا إِنَّ لَيلى العامِريَّةَ أَصبَحَت

تَقَطَّعُ إِلّا مِن ثَقيفٍ حِبالُها

إِذا اِلتَفَتَت وَالعيسُ صُعرٌ مِنَ البُرى

بِنَخلَةَ غَشَّ عَبرَةَ العَينِ حالُها

فَهُم حَبَسوها مَحبَسَ البُدنِ وَاِبتَغى

بِها المالَ أَقوامٌ أَلا قَلَّ مالُها


إن زواج ليلى من ورد بن محمد لم يَعُد بالسوء والهلاك على قيس بن الملوح وحسب، فقد أصاب ليلى ما أصاب قيس من العذاب والألم، فهي منذ أن تزوجت أصبح مصيرها بعيدًا عن حبيبها قيس لا تستطعم بطعام ولا يهنأ لها بال ولا يغفو لها جفن، بل تواصل البكاء والنحيب وتلوم نفسها على قرار الندامة الذي اتخذته وقد بقيت على هذا الحال حتى ضعفت وهزلت وزال نشاطها وأصيبت بالمرض وفارقت الحياة[٩]، ولما تلقى قيس خبر نعي ليلى قال:[١٠]

وَيا ناعِيَي لَيلى لَقَد هِجتُما لَنا

تَباريحَ نَوحٍ في الدِيارِ كِلاكُما

فَلا عِشتُما إِلّا حَليفَي مُصيبَةٍ

وَلا مُتُّما حَتّى يَطولَ بَلاكَما


على الرغم من أن قصة حب قيس وليلى لم تكد تنضج حتى تمزقت أوصالها بفعل تقاليد العصر، إلا أنها كانت مصدر إلهام شعري لقيس، أسهم في تشكيل إيقاع شعري خاص به يتمثل في الترددات العاطفية والتشكيل الخبري والإنشائي الذي بدا متناغمًا مع مضامينه الشعرية.[١١]

المراجع

  1. ^ أ ب قيس بن الملوح، ديوان قيس بن الملوح مجنون ليلى، صفحة 27. بتصرّف.
  2. "تعلقت ليلى وهي غر صغيرة"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 9/2/2021.
  3. "أيا حرجات الحي حين تحملوا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 9/2/2021.
  4. ^ أ ب ت ث ج عبد الستار أحمد فراج، ديوان مجنون ليلى، صفحة 8. بتصرّف.
  5. "أتضرب ليلى كلما زرت دارها"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 10/2/2021.
  6. "أحن إلى ليلى وإن شطت النوى"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 10/2/2021.
  7. زينب السيد فكي السيد محمد نور، قيس بن الملوح حياته وشعره، صفحة 78. بتصرّف.
  8. "ألا إن ليلى العامرية أصبحت"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 9/2/2021.
  9. مجنون ليلى، قصة قيس بن الملوح العامري المعروف بمجنون ليلى، صفحة 79. بتصرّف.
  10. "أيا ناعيي ليلى بجانب هضبة"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 10/2/2021.
  11. احمد دواليبي، محمد جميل قزو (2016)، "علم المعاني وإيقاع الشِّعر: جميل وعمر والقَيْسان نموذجًا"، مجلة دراسات في اللغة العربية وآدابها، العدد 22، صفحة 35. بتصرّف.
5356 مشاهدة
للأعلى للسفل
×