قصة مثل على نفسها جنت براقش

كتابة:
قصة مثل على نفسها جنت براقش

قصة مثل: على نفسها جنت براقش

الأمثالُ هي الوثيقةُ التاريخية التي تعدّ من أكثر الوسائل التعبيريّة إقناعًا ودروجًا على الّلسانِ؛ فهي تعكس الحالة الفرديةَ أو الجمعيّةَ، وتعبّر عن جانب معين من جوانب الحياةِ؛ ولذلك، فهي تمتازُ بأنها سريعة الانتشار والذيوع، وهذ ذات دلالة إنسانية عامةٍ؛ إذ إنها تحتكم، بطبيعة الحال، إلى المنظومة الاجتماعية الإنسانية في المقام الأول؛ والمثلُ بذلك قسمٌ من الحِكَمِ يرد في واقعة لمناسبة اقتضت وروده فيها، ثمّ يتداولها الناس في غير واحد من الوقائع التي تشابهها دون أدنى تغيير لما فيه من وجازة وغرابة ودقة في التصوير. والمثل جملة مفيدة موجزة متوارثة شفاهةً من جيلٍ إلى جيل. وهو جملةٌ محكَمة البناء بليغة العبارة، شائعة الاستعمال عند مختلف الطبقات. وإذ يلخّص المثل قصة عناءٍ سابق وخبرة غابرة اختبرتها الجماعة. وبهذا فقد كان المثلُ أسلوبًا من أساليب الإقناع وتحوير وجهات النظر وتوجيهها بشكل يتناسب والمنطق الإنساني العام الذي تدعو إليه، من وجهةٍ ما.[١]


عادةً ما تكونُ الأمثالُ حصيلةَ تجاربٍ تتسمُ، بالضرورة، بمعاناةٍ ما، ولهذا فقد اشتغل الكثيرُ من المؤلفين في جمعها ورصدها وذكر قصصها؛ لأنها تؤسس لمرحلة إنسانية معينة، ترتبط بالمنظومات الاجتماعية والتاريخية والسياسية، إلى آخر تلك المنظومات التي تشكل من خلالها هذا الفن القولي الذي تم توثيقه كتابيًّا لاحقًا. وبراقش هي في الحقيقة كلبةٌ كانت عند إحدى القبائل في العصر الجاهليّ؛ وقد امتازت هذه الكلبة بالقوّةِ؛ وكان أن عزمت إحدى القبائلِ الخارجية على الإغارة على القبيلة التي فيها براقش، فاجتمع الرجال لكي يتفقوا على حيلةٍ يستطيعون من خلالها التغلب على المُغِيْرينَ وأن يوقفوا هجومهم، وأشار الحكماء إلى مكانٍ يتخفّون فيه، فيباغتون الأعداءَ فيقتلونهم؛ وأخذوا -لسوء حظهم- الكلبةَ براقش معهم، فعندما شعرت بقدوم الأعداء الغرباء، خرجت إليهم بكل شجاعتها وصارت تنبحُ عليهم غاضبةً، ممّا جعل الأعداء يتنبّهون إلى مكان اختباء رجال القبيلة؛ فأغاروا عليهم وأبادوهم.[٢]


بعد أن ورّطتهم الكلبةُ براقش شرَّ ورطةٍ في كشف مكانهم وإفشال مخططهم، فقيل من حينها: "على نفسها جنت براقش"، والأمر في الحقيقة أنها جنت على نفسها وعلى قبيلتها كلّها؛ ويُضرَبُ المثلُ في التصرّف الطائش الذي يؤدي إلى التهلكة والضرر، دون أن يكون مبرَّرًا بالشجاعة في أصل تصرفه، فالشجاعة لا تبرر الخطأ التابع لها والضرر الناتجَ عنها.[٣]

المراجع

  1. محمد البكر، "مفهوم الأمثال"، mufahras.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-28. بتصرّف.
  2. بهاء الدين النقشبندي، مباحث في الفقه المنسي: فقه الأمة، صفحة 114. بتصرّف.
  3. بهاء الدين النقشبندي، مباحث في الفقه المنسي: فقه الأمة، صفحة 114. بتصرّف.
2827 مشاهدة
للأعلى للسفل
×