قصص الصحابة والتابعين

كتابة:
قصص الصحابة والتابعين

السابقون الأولون

قال تعالى: "وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" [١]إنها والله كرامة ما بعدها كرامة، أن يتولى الله -سبحانه وتعالى بنفسه بشارة الصحابة ومن اتبعهم بإحسان بسعادة أبدية تنسيهم ألم التضحيات والجراحات والمعاناة في سبيله، إن الصحابة ومن اتبعهم بإحسان، صوىً ومنارات على الطريق، وضعهم الله -سبحانه وتعالى- هداية للسالكين في هذا الطريق اللاحب الطويل، إنهم صمام الأمان للأمة، وسنتعرف من خلال هذا المقال عن بعض قصص الصحابة والتابعين. [٢]

قصص الصحابة مع القرآن

ثابت بن قيس بن شمَّاس -خطيب الأنصار- كان يرفع صوته أثناء الكلام، فلما نزلت هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}[٣]خشي -رضي الله عنه- أن يكون هو المعني بهذه الآية، فاحتبس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا له الخبر فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "بَلْ هو مِن أهْلِ الجَنَّةِ" [٤] هكذا كانت حال الصحابة مع آيات الوعيد، فالواحد منهم ما أن يسمع الآية إلا ويخشى أن يكون من أهلها.[٥]

قصة الصحابي أبو عقيل

خرج الصحابي أبو عقيل -عبد الرحمن بن عبد الله بن ثعلبة- ليلقى مسيلمة الكذاب، فكان أول من جرح أبو عقيل، رُمي بسهم فوقع بين منكبيه وفؤاده في غير مقتل، فلما حمي القتال وانهزم المسلمون، سُمع صوت -يا للأنصار- فقال: قد نوه المنادي باسمي، قال ابن عمر: فقلت له: إنما يقول: يا للأنصار، ولا يعني الجرحى، قال أبو عقيل: أنا من الأنصار وأنا أجيبه ولو حبوًا، هذا حال محب الله ومحب رسوله -ولو حبوًا- رغم الجراحات ورغم الآلام، فتحزم أبو عقيل وأخذ السيف بيده اليمنى، ثم جعل ينادي: يا للأنصار، كرةً كيوم حنين، فاجتمعوا -رحمكم الله جميعًا- حتى أقحموا عدوهم الحديقة فاختلطوا واختلفت السيوف بيننا وبينهم، قال ابن عمر: فوقفت على أبي عقيل وهو صريع بآخر رمق فقلت: يا أبا عقيل، قال: لبيك -بلسان ملتاث- لمن الدبرة؟ قلت: أبشر قد قتل عدو الله فرفع إصبعه إلى السماء -يحمد الله- ومات -رحمه الله-.[٥]

قصة التابعي الربيع بن خثيم

كان آية زمانه في الزهد، وقال له شيخه -ابن مسعود- لو رآك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأحبك، وقِيلِ له: يا أبا يزيد، ألا تذمُّ الناس؟ فقال: والله ما أنا عن نفسي براضٍ فأذمَّ الناس، وقيل له: يا ربيع، لم لا تجلس في الطرقات مع الناس؟ فقال: أنا أخشى ألاَ أردَّ السلام ولا أغضَّ بصري، وجاء رجلٌ إلى الربيع بن خثيم، فاغتاب أخًا له، فقال الربيع بن خثيم: أقاتلت الروم؟ قال: لا، قال: أقاتلت فارس؟ قال: لا، قال: فيَسلَمُ منك فارس والروم، ولا يسلم منك المسلم؟ قُمْ عني، وقال هلال بن إساف لضيفه -منذر الثوري- ألا أمضي بك يا منذر إلى الشيخ لعلنا نؤمن ساعة؟ فقالا: كيف أصبح الشيخ؟ فقال: أصبح ضعيفًا مذنبًا، يأكل رزقه وينتظر أجلـه، قال منذر: فما الداء إذًا يا سيدي الشيخ؟ فقال: الداء الذنوب، فقال: وما الدواء؟ قال: الدواء الاستغفار، فقال: وكيف يكون الشفاء؟ فقال: بأن تتوب ثم لا تعود، ثم حدق فينا، وقال: السرائر السرائر، عليكم بالسرائر اللاتي تخفى عن الناس وهن على الله تعالى بوادٍ التمسوا دواؤهنَ، فقال: وما دواؤهن؟ فقال الشيخ: التوبة النصوح. [٦]

قصة التابعي صاحب النقب

ومن قصص الصحابة والتابعين قصة صاحب النقب إن الأمير مسلمة كان يحاصر بجيشه حصنًا، واستعصى هذا الحصن ، فحرض الأمير مسلمة جنده على التضحية ، فتقدم من وسط الجيش جندي ملثم، وقذف بنفسه إلى جهة الحصن حتى أحدث فيه نقبًا فسقط الحصن ودخل الجيش فيه، وفرح مسلمة بذلك كثيرًا، ونادى : أين صاحب النقب؟ فلم يجبه أحد، فقال مسلمة: فإني عزمت عليه -أي حلفت- إلا جاء، وكان يريد أن يخصه بجزء من الغنائم ويمجده، وجاء الرجل بعدها إلى حاجب مسلمة، وقال له استأذن لي على الأمير، فلما قابله قال له: إن صاحب النقب يشترط عليكم ثلاثة شروط هي: ألا تبعثوا باسمه في صحيفة إلى الخليفة، وألا تسألوه مَنْ هو، وألا تأمروا له بشيء، قال مسلمة: فذلك له، فقال الرجل في استحياء: أنا صاحب النقب ثم ولى مسرعًا، فكان مسلمة لا يصلي بعدها صلاة إلا دعا فيها قائلاً: اللهم اجعلني مع صاحب النقب يوم القيامة.[٧]

إحدى قصص الصحابة والتابعين

لقد ضرب السلف الصالح من قصص الصحابة والتابعين أروع الصور لامتثال أمره -صلى الله عليه وسلم- وكانت قلوبهم متعطشة له يتنزل عليهم بردًا وسلامًا أينما وجدوا وعلى أي حال كانوا، فيجدون في قلوبهم همةً على تنفيذه والقيام به، فمن ذلك، "كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَهِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ، قالَ: لَيْتَ رَجُلًا مِن أصْحَابِي صَالِحًا يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ، إذْ سَمِعْنَا صَوْتَ سِلَاحٍ، فَقالَ: مَن هذا؟، فَقالَ: أنَا سَعْدُ بنُ أبِي وقَّاصٍ جِئْتُ لأحْرُسَكَ، ونَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" [٨]وهاهم كبار التابعين يضربون أروع الأمثلة في اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-: "وليس في السنة قياس، ولا تضرب لها الأمثال، ولا تدرك بالعقول والأهواء، إنما هي الإتباع، وترك الهوى"، وقصص الصحابة والتابعين هو البحر الذي لا ساحل له.[٩]

المراجع

  1. سورة التوبة، آية: 100.
  2. "فضل الصحابة رضوان الله عليهم"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2019-6-15. بتصرّف.
  3. سورة الحجرات، آية: 2.
  4. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 119 ، صحيح.
  5. ^ أ ب "الصحابة والقرآن"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-6-15. بتصرّف.
  6. "مع التابعي (الربيع بن خثيم)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-6-17. بتصرّف.
  7. "بطولات إنكار الذات"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-6-15. بتصرّف.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 2885 ، صحيح.
  9. "امْتِثَالُ السّلَفِ الأَبْرَارِ لأَمْرِ النَّبِيِّ المُخْتَارِ"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-6-15. بتصرّف.
5734 مشاهدة
للأعلى للسفل
×