قصيدة عن الغربة

كتابة:
قصيدة عن الغربة


قصيدة يا غربة الروح

يقول بدر شاكر السياب:

يا غربة الروح في دنيا من الحجر
والثلج والقار والفولاذ والضجر
يا غربة أروح لا شمس فأئتلق
فيها ولا أفق
يطير فيه خيالي ساعة السحر
نار تضيء الخواء البرد تحترق
فيها المسافات تدنيني بلا سفر
من نخل جيكور أجني داني الثمر
نار بلا سمر
إلا أحاديث من ماضي تندفق
كأنهن حفيف منه أخيلة
في السمع باقية تبكي بلا شجر
يا غربة الروح في دنيا من الحجر
مسدودة كل آفاقي بأبنية
سود وكانت سمائي يلهث البصر
في شطها مثل طير هدّه السفر
النهر والشفق
يميل فيه شراع يرجف الألق
في خفقه وهو يحثو كلما ارتعشا
دنيا فوانيس في الشطّين تحترق
فراشة بعد أخرى تنشر الغبشا
فوق الجناحين حتى يلهث النظر
الحب كان انخطاف الروح ناجاها
روح سواها له من لمسة بيد
ذخيرة من كنوز دونما عدد
الحب ليس انسحاقًا في رحى الجسد
و لا عشاًء وخمرًا من حمياها
تلتف ساق بساق وهي خادرة
تحت الموائد تخفي نشوة البشر
عن نشوة الله من همس ومن سمر
في خيمة القمر
يا غربة الروح لا روح فتهواها
لولا الخيالات من ماضي تنسرب
كأنها النوم مغسولًا به التعب
لم يترك الضجر
مني ابتسامًا لزوج سوف ألقاها
إن عدت من غربة المنفى هو السحر
و الحلم كالطل ميتلًا به الزهر
يمس جفنين من نور وينسكب
في الروح أفرحها حينا وأشجاها
تسللت طرقتي للباب تقترب
من وعيها وهو يغفو ثم تنسحب
و نشر الحلم أستارًا فأخفاها
ورف جفناها
حتى كأن يدي
إذ تطرق الباب مست منهما واها
من دق بابي أهذا أنت يا كبدي
و ذاب من قبلتي ما خلف السهر
في عينها من نعاس فهي تزدهر
كوردة فتحت للفجر عيناها.


قصيدة بريد الغربة

يقول محمد مهدي الجواهري:

هبَّ النسيم فهبتِ الأشواقُ

وهفا إليكمْ قلبه الخّفاقُ

وتوافَقا فتحالفا هو والأسى

وحَمامُ هذا الأيكِ والأطواق

عارٌ على أهل الهوى أن تُزدرى

هذي النفوسُ وتُشترى الأعلاق

ذَم الفراقَ معاشرٌ جهلوكُمُ

من أجلكم حتى الفراقُ يُطاق

ما شوقُ أهل الشوق في عُرفِ الهوى

نُكرٌ فقد خُلِقوا لكي يشتاقوا

أما الرفاقُ فلم يَسُؤْني هجرهمْ

إذ ليس في شرع الغرام رفاق

لو أُبرم الميثاقُ ما كَمَلَ الهوى

شرطُ الهوى أن يُنقَض الميثاق

كُتُبُ الإله تشّرفت في ذكره

وبذكركمْ تتشرفُ الأوراق

هذا القريض تكبَّرت بُرُآتهُ

إذ ضاق من ألم الفراق خناق

عَمَرت بذكركمُ اللذيذِ مجالسٌ

وازَّيَّنَتْ بهواكُمُ أسواق

ماذا أذُم من الهوى وبفضله

قد رق لي طبعٌ وصحَّ مَذاق

هي " فارسٌ " وهواؤها ريح الصَّبا

وسماؤها الأغصانُ والأوراق

وَلِعَتْ بها عُشّاقها وبليةٌ

في الشرق إنْ وَلِعَتْ بها العشاق

سالت بدفاق النُّضار بقاعُها

وعلى بنيها شحتِ الأرزاق

يا بنتَ " كومرثٍ " أقلَّى فكرةً

فلقد أضرَّ برأسك الإخفاق

وتطلَّعي تَتَبَيَّني الفجرَ الذي

تتوقعينَ وتنجلي الآفاق

لي في العراق عصابةٌ لولاهمُ

ما كان محبوباً إلىّ عراقُ

لا دجلةٌ لولاهمُ، وهي التي

عذُبت، تروق ولا الفراتُ يذاق

" شمرانُ " تُعجِبُني، وزهرةُ روضها

وهواؤها، ونميرُها الرَّقراق

متكسراً بين الصخور تمُدّهُ

فوقَ الجبال من الثُّلوج طِباق

وعليه من وَرَقِ الغُصونِ سُرادقٌ

ممدوةٌ ومن الظِلالِ رُواق

في كل غصْنٍ للبلايل ندوةٌ

وبكل عودٍ للغنا " إسحاق "

كانت منايّ فلم تُعَقْ وعجيبةٌ

أني أُحب منىً فلا تُعتاق

سرُّ الحياة نجاحُ آمالِ الفتى

أما المماتُ فسرُّه الإخفاق.


قصيدة الغربة في الوطن

يقول مانع سعيد العتيبة:

أأحيا فيك يا وطني

غريب الروح والبدنِ

وأنت بداية الدنيا

لدي وآخر الزمنِ

ورملك كان لي مهداً

وفي أحضانه كفني.


قصيدة الغربة

يقول أحمد مطر:

أحرقـي في غُربتي سفـني
إلاَ نّـني
أقصيتُ عنْ أهلي وعن وطني
وجَرعتُ كأسَ الذُّلِّ والمِحَـنِ
وتناهبَـتْ قلـبي الشجـونُ
فذُبتُ من شجَـني
إلا نني
أبحَـرتُ رغـمَ الرّيـحِ
أبحثُ في ديارِ السّحـرِ عن زَمَـني
وأردُّ نارَ القهْـرِ عَـنْ زهـري
وعَـنْ فَـنَني
عطّلتِ أحلامـي
وأحرقتِ اللقـاءَ بموقِـدِ المِنَنِ؟!
ما ساءني أن أقطَـعَ ا لفلَوَا ت
مَحمولاً على كَفَني
مستوحِشـاً في حومَـةِ الإمـلاقِ والشّجَنِ
ما ساءنـي لثْمُ الرّدى
ويسوؤني
أنْ أشتري شَهْـدَ الحيـاةِ
بعلْقـمِ التّسليمِ للوثنِ
ومِنَ البليّـةِ أنْ أجـودَ بما أُحِـسُّ
فلا يُحَسُّ بما أجـودْ
وتظلُّ تنثال الحُـدودُ على مُنايَ
بِلا حـدودْ
وكأنّني إذْ جئتُ أقطَـعُ عن يَـديَّ
على يديكِ يَـدَ القيـودْ
أوسعْـتُ صلصَلةَ القيـودْ !
ولقَـدْ خَطِبتُ يـدَ الفراقِ
بِمَهْـرِ صَـبْري، كي أعـودْ
ثَمِـلاً بنشوةِ صُبحـيَ الآتـي
فأرخيتِ الأعِنّـةَ : لنْ تعـودْ
فَطَفـا على صـدري النّشيجُ
وذابَ في شَفَتي النّشيـدْ!
أطلقتُ أشرِعَـةَ الدّمـوعِ
على بحـارِ السّـرّ والعَلَـنِ:
أنـا لن أعـودَ
فأحرقـي في غُربتي سُفُـني
وارمـي القلـوعَ
وسمِّـري فـوقَ اللّقـاءِ عقاربَ الزّمَـنِ
وخُـذي فـؤادي
إنْ رضيتِ بِقلّـةِ الثّمَـنِ!
لكـنّ لي وَطَناً
تعفّـرَ وجهُـهُ بدمِ الرفاقِ
فضـاعَ في الدُّنيـا
وضيّعني
وفـؤادَ أُمٍّ مُثقلاً بالهـمِّ والحُـزُنِ
كانتْ توَدِّعُـني
وكانَ الدَّمـعُ يخذلُهـا
فيخذلُني .
ويشدُّني
ويشدُّني
ويشدُّني
لكنَّ موتي في البقـاءِ
وما رضيتُ لِقلبِها أن يرتَـدي كَفَني
أَنَا يا حبيبـةُ
ريشـةٌ في عاصِفِ المِحَـنِ
أهفـو إلى وَطَـني
وتردُّني عيناكِ.. يا وَطني
فأحـارُ بينكُما
أَأرحَـلُ مِـنْ حِمى عَـدَنٍ إلى عَـدَنِ؟
كمْ أشتهي، حينَ الرحيلِ
غـداةَ تحملُني
ريحُ البكـورِ إلى هُناكَ
فأرتَـدي بَـدَني
أنْ تُصبِحـي وطَنـاً لقلبي
داخِـلَ الوَطَـنِ!.


قصيدة من ليالي الغربة

يقول فاروق جويدة:

الليلة أجلس يا قلبي خلف الأبواب
أتأمل وجهي كالأغراب
يتلون وجهي لا أدري
هل ألمح وجهي أم هذا.. وجه كذاب
مدفأتي تنكر ماضينا
والدفء سراب
تيار النور يحاورني
يهرب من عيني أحيانًا
ويعود يدغدغ أعصابي
والخوف عذاب
أشعر ببرودة أيامي
مرآتي تعكس ألوانًا
لون يتعثر في ألوان
والليل طويل والأحزان
وقفت تتثاءب في ملل
وتدور وتضحك في وجهي
وتقهقه تعلو ضحكاتها بين الجدران
الصمت العاصف يحملني خلف الأبواب
فأرى الأيام بلا معنى
وأرى الأشياء.. بلا أسباب
خوف وضياع في الطرقات
ما أسوأ أن تبقى حيًا..
والأرض بقايا أموات
الليل يحاصر أيامي..
ويعود ويعبث في الحجرات..
فالليلة ما زلت وحيدًا
أتسكع في صمتي حينًا
تحملني الذكرى للنسيان
أنتشل الحاضر في ملل
أتذكر وجه الأرض.. ولون الناس
هموم الوحدة.. والسجان
سأموت وحيدًا
قالت عرافة قريتنا ستموت وحيدًا
قد أشعل يوما مدفأتي
فتثور النار.. وتحرقني
قد أفتح شباكي خوفًا
فيجيء ظلام يغرقني
قد أفتح بابي مهمومًا
كي يدخل لصًا يخنقني
أو يدخل حارس قريتنا
يحمل أحكامًا وقضايا
يخطئ في فهم الأحكام
يطلق في صدري النيران
فيعود يلملم أشلائي
ويظل يصيح على قبري
أخطأت وربي في العنوان.


قصيدة من دفتر الغربة

يقول محمد مهدي الجواهري:

من بعيد لكم يحنُّ حنيني

وبذكراكمُ تُثار شجوني

وإذا ما خَطَرتُمُ خَطَر اليأسُ

وساوى تَيَقُّني بظُنوني

يا أحبايَ .. والليالي عجيباتٌ

عِجافٌ يأكُلنَ كلَّ سَمين

وبنو الدهر يمخرون على أثباجِ

غَيبٍ مُحمَّلٍ بالسَفين

أعلى العَهد أنتمُ . أم تَنائي الدار

يُنسي الخدينَ ذكرَ الخدين

أكرَهُ الحزنَ غير أنَّ فؤادي

بادِّكار الأحباب جدُّ حَزين

أنا عبدُ الوفاء والحبُّ دُنياي

هما دون من عَبَدتُ ودِيني

والرجولاتُ دونَ ذَينِ هباءٌ

وإنِ استعصَمتْ برُكنٍ رَكين

يا مطافَ الأحلامِ في الستينِ

جدّدي الذكرياتِ من عشرين

الهتِ السامرينَ نَشْنَشةُ الكأسِ

وعصفُ الهوى .. وسحرُ العيونُ

والأماسيّ راقصات .. وأسمارٌ

لذاذ وغُنجُ حُورٍ وعين

والنشاوى يخطِرن بين سَموحٍ

سَلْسَةِ المُشتَهى . وبينَ حرونِ

كلما خِيلَ أفلتَتْ من كمينٍ

لغواةٍ .. تعرضت لكمين

ومجرُ الذيول ذاتَ شَمالٍ

ساحبٍ عطرَهُ .. وذاتَ يمين

يَعبقُ الليلُ من لُهاثِ العذارى

:::تمسحُ الحزنَ ناضحاً عن جبيني

يا ربايا شعبٍ .. وحراسَ أجيالٍ

ويا أصفياءَ حقٍ مُبين

أيها المكثرونَ من نِعَمِ الدهرِ

جزيلَ العطاءِ .. غيرَ ضنين

جمراتٍ تُشَبُّ في عذباتٍ

تحتها للطغاة ألفُ طعين

هُنَّ .. هُنَّ الدنيا وهنَّ حياةٌ

لمُهانٍ .. وهنَّ حتفُ مَهين

ما تَهاوَى العروشُ إلا وكانت

خلفَها قبضتا أديبٍ مكين

يَسْبِقُ الموتَ عاصفٌ ثم تعوي

من ثنايا السطور ريحُ المنون

خُلِق الكونُ من حروفٍ عليهنَّ

الحضاراتُ شُيِّدتْ من قرون

حَضنتهُنَّ مثلما تَتَبنّى

روعةَ الشعرِ روعةُ التلحين

غَنَّتِ الخَلْقَ سادراً عبقريًا

تٌ تنزّلْنَ عن كتابٍ مبين

حلْيةٌ نحن من طرازٍ فريدٍ

وبقايا عطرٍ خفيٍّ ثمين

وَرحِمَتْ ألفُ ألفِ حُبلى وحُبلى

تتشهاهُ من بطونِ السنين

نحنُ من نطفةٍ سوى نُطَفِ النا

سِ وطينٍ من غيرِ ذاكَ الطين

نحنُ في غُرةِ الليالي رُواءٌ

من شبابٍ والناسُ مثلُ الغضون

تُتْعِبُ الشارحينَ منا حياةٌ

نحن في سِفْرِها نصوصُ متون

نحن ممن لا يسترٌقُهُم العمرُ

بِحُلوِ المُنى ومُرِ المنون

نحن لا نزدهي ببارقةِ العيشِ

ولا نعمةٍ من المنجنون

بحفوقٍ من نجمةٍ مستردٍ

وعطاءٍ من شمسهِ ممنون

نحن صرعى الهمومِ في كلِّ وادٍ

وضحايا الجلاّدِ في كلِ حين

نحن من في سبيلِهِم أُبرِمُ السوط

وشُيدت لهم جِبابُ السجون

نحن نحن الذين نستبقُ الغيبَ

بعقبى غدٍ مخيضٍ جنين

يتعادى الباغون إلا علينا

من " أمين " منهم .. ومن " مأمون "

صلةُ الأمر عندهمْ أنَّ ذِهناً

يستشفُ الغيوبَ غيرَ أمين

كَمْ أطحناهُمُ بضربِ الوتينِ

وفُدِينا منهم بعجلٍ سمين

نحن من لَقَّطوا لهم من حثالاتِ

الدُّنى كلَ فاجِرٍ مأفون

واستعانوا للجمِ كلِ أصيلٍ

يتحاشَوْنَه بألفِ هجين

يا أحبايَ والمصيبةُ أنّا

إذْ ركبْنا مستوعراتِ الحُزون

لَمْ نَجِدْ من يُنَفضُ الرملَ والوعثاءَ

عنّا من صاحبٍ وخدين

كَمْ دموعٍ جَفَّتْ على بسماتٍ

وخُطوبٍ هانَتْ على تهوين

وبميلادِ كل جيلٍ يوفي

حقَ جيلٍ من دائن ومدين

خِلقةٌ شِبْهُ خِلقَةٍ .. غيرَ جيلٍ

طالما امتدّ مُثقَّلاً بالديون

حاشَ للهِ .. والمروءاتِ إنّا

شركةُ الناسِ في عذابٍ وهون

لم نكنْ وحَدنا .. فقدْ وَحَّدتنا

بالملايينِ حشرجاتُ المئين
6623 مشاهدة
للأعلى للسفل
×