قصيدة للمتنبي مع الشرح

كتابة:
قصيدة للمتنبي مع الشرح

شرح قصيدة الرأي قبل شجاعة الشجعان

هذه القصيدة لشاعر العصر العباسي الحكيم المتنبي[١]، أنشد نونيّته مادحًا سيف الدولة حين انصرف من فتحه لبلاد الروم ويصِفه فيها بقوّة قلبه وشدّة بأسه، بيد أنّ حكمته وعقله قد سبقت شجاعته[٢]، ويقول المتنبي فيها:[٣]


الرَأيُ قَبلَ شَجاعَةِ الشُجعانِ

هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ المَحَلُّ الثاني

فَإِذا هُما اِجتَمَعا لِنَفسٍ مِرَّةٍ

بَلَغَت مِنَ العَلياءِ كُلَّ مَكانِ

وَلَرُبَّما طَعَنَ الفَتى أَقرانَهُ

بِالرَأيِ قَبلَ تَطاعُنِ الأَقرانِ

لَولا العُقولُ لَكانَ أَدنى ضَيغَمٍ

أَدنى إِلى شَرَفٍ مِنَ الإِنسانِ

وَلَما تَفاضَلَتِ النُفوسُ وَدَبَّرَت

أَيدي الكُماةِ عَوالِيَ المُرّانِ


استهلّ المُتنبّي قصيدته بالإشارة إلى أنّ العقل مُقدم دائمًا على الشجاعة؛ لأنَّ الشجاعة إذا لم تكن صادرة عن عقل ومنطق، أتت على صاحبها فأدّت إلى هلاكه، ومعنى ذلك أنّ العقل يأتي في المَقام الأوّل في ترتيب المَناقب ثمّ تليه الشجاعة، ويقول الشاعر في البيت الثاني أنّه إذا اجتمع العقل والشجاعة معًا لنفس أبيّةٍ للذلّ والظلم والضيم ولا تستعطفها الأعداء، بلغت بذلك أعلى المراتب من العُلى، وفي البيت الثالث إشارة إلى تفضيل العقل على الشجاعة، فيقول الشاعر: قد طعن الفتى أقرانه، وتطاعن الأقران أي مُحاربة المُقاربين له بالسنّ بالمكيدة، إلّا أنّ دقة الرأي وبراعة التدبير تفوّقت على التصريح بالقتال.


أمّا البيت الرابع والخامس فيقول الشاعر: إنّما تتفاضل نفوس الحيوانات بالعقل، فالإنسان أفضل من البهائم لعقله، ثمّ إنّ بني آدم يتفاضلون أيضًا بعقولهم، وقوله ودبّرتْ؛ أي أنّ الإنسان توصّل إلى استعمال الرّماح في الحروب بعقله، فلولا العقل ما أدركت الأيدي تدبير الطّعان بالرماح، ويريد الشاعر أنّ الشجاعة إنّما تُستعمل دائمًا بالعقل، ومعنى عوالي المُرّان أي حمل الرماح.


لَولا سَمِيُّ سُيوفِهِ وَمَضاؤُهُ

لَمّا سُلِلنَ لَكُنَّ كَالأَجفانِ

خاضَ الحِمامَ بِهِنَّ حَتّى ما دُرى

أَمِنِ اِحتِقارٍ ذاكَ أَم نِسيانِ

وَسَعى فَقَصَّرَ عَن مَداهُ في العُلى

أَهلُ الزَمانِ وَأَهلُ كُلِّ زَمانِ

تَخِذوا المَجالِسَ في البُيوتِ وَعِندَهُ

أَنَّ السُروجَ مَجالِسُ الفِتيانِ

وَتَوَهَّموا اللَعِبَ الوَغى وَالطَعنُ في ال

هَيجاءِ غَيرُ الطَعنِ في المَيدانِ


في هذه الأبيات يستكمل المُتنبّي مديحه لسيف الدولة ويقول: لولا سيف الدّولة لَما استلّت السّيوف ولبقيت في أغمادها، وفي البيت الثاني يقول: خاضَ سيف الدولة الموت من خلال سيوفه حتَّى ما أدرك النّاس هل هذا الخوض الذي خاضه وهذه الشجاعة كانت من احتقاره للموت، أم جاءت بسبب نسيانه له؟


يُوضّح المُتنبّي في البيتين الثالث والرابع من هذا المقطع ويقول: لقد مشى سيف الدولة الحمداني حتَّى لم يبلغ سعيه إلى العلياء أحد من العالمين السابقين والحاضرين واللاّحقين من كلِّ الأزمنة والعصور، وذلك بسبب أنّ النّاس جميعهم اتّخذوا من بيوتهم مَجالسًا لهم، وسيف الدولة الحمداني جعل سروج الخيول مجلسًا دائمًا له، وفي البيت الخامس يقول إنّهم ظنُّوا وتوهّموا أنَّ اللّعب بالرماح في الحالات التي يسود فيها السلم يُشبه ضرب الطعن الموجود في ساحات القتال، وفي الحقيقة أنَّه غير ذلك.


قادَ الجِيادَ إِلى الطِعانِ وَلَم يَقُد

إِلّا إِلى العاداتِ وَالأَوطانِ

كُلُّ اِبنِ سابِقَةٍ يُغيرُ بِحُسنِهِ

في قَلبِ صاحِبِهِ عَلى الأَحزانِ

إِن خُلِّيَت رُبِطَت بِآدابِ الوَغى

فَدُعاؤُها يُغني عَنِ الأَرسانِ


في البيت الأوّل يقول: إنّ سيف الدولة قاد الخيول إلى ساحة الحرب والقتال حتى اعتادَت خيله على الحرب وحسبت ساحات المعركة أوطانًا لها، وفي البيت الثاني

يقول إنّ كلّ فرس قد ولدته سابقة من الخيول إذا نظر إليه صاحبه أسعده وسرّه بحُسنه فأذهب عنه حزنه، أمّا البيت الثالث فيَصِف من خلاله الخيل بأنّها خيول مؤدبة وإن كانت مخلاةً غير مُقيّدة برباط، فتكون مُقابل ذلك مربوطة بما فيها من الأدب، وإذا دعوتها للمجيء أتتك بسرعة، فلا تحتاج إلى جذبها بالرسن.


في جَحفَلٍ سَتَرَ العُيونَ غُبارُهُ

فَكَأَنَّما يُبصِرنَ بِالآذانِ

يَرمي بِها البَلَدَ البَعيدَ مُظَفَّرٌ

كُلُّ البَعيدِ لَهُ قَريبٌ دانِ

فَكَأَنَّ أَرجُلَها بِتُربَةِ مَنبِجٍ

يَطرَحنَ أَيدِيَها بِحِصنِ الرانِ

حَتّى عَبَرنَ بِأَرسَناسَ سَوابِحًا

يَنشُرنَ فيهِ عَمائِمَ الفُرسانِ

يَقمُصنَ في مِثلِ المُدى مِن بارِدٍ

يَذَرُ الفُحولَ وَهُنَّ كَالخِصيانِ

وَالماءُ بَينَ عَجاجَتَينِ مُخَلِّصٌ

تَتَفَرَّقانِ بِهِ وَتَلتَقِيانِ


الجحفل في البيت الأوّل هو الجيش العظيم، أيْ في جيشٍ عظيمٍ وقويّ، غباره كثيف يملأ المكان ويستر الأعين حتى لا تبان فيه الخيل مع دقّة حاسّة نظرها وإذا شعرت بشيء نصبت آذانها كأنّها بآذانها تبصر، ويُريد الشاعر بالبيت الثاني سعة خطوات الخيل في العدْو، كأنّ أرجلها بالشّام وأيديها بالرّوم، فالمنبج هو الشام وحسن الران المقصود بها في الروم، أي كأنّها تقصد أن تَصِل إلى الرّوم وتبلغها بخطوة واحدة، أمّا البيت الثالث فيقول الشاعر إنّ الخيول من شدّة سُرعتها في السّباحة تعبر نهر أَرسَناس وهو نهر بالروم ماؤه بارد جدًا، فتُسرع في السباحة وتنشر عمائم فرسانها.


يَصِف الشّاعر الخيول في البيت الرابع ويقول إنّها تثب من خلال هذا النّهر الذي هو بمثابة المدى لضرب الريح حتى صيّرته كالطرائق فتمرّ عليه بسرعة لشدّة بُرودته، وفي البيت السادس ينقسم الجيش إلى فريقين عند عبور النهر، ففريق عبروا النهر وفريق لم يعبروه، ولكلّ منهما عجاج الماء يميّزهما عن بعضهما، وهاتان العجاجتان تفترقان بالماء وتلتقيان.


رَكَضَ الأَميرُ وَكَاللُجَينِ حَبابُهُ

وَثَنى الأَعِنَّةَ وَهوَ كَالعِقيانِ

فَتَلَ الحِبالَ مِنَ الغَدائِرِ فَوقَهُ

وَبَنى السَفينَ لَهُ مِنَ الصُلبانِ

وَحَشاهُ عادِيَةً بِغَيرِ قَوائِمٍ

عُقمَ البُطونِ حَوالِكَ الأَلوانِ


يقول الشاعر في البيت الأوّل ركضت خيول سيف الدولة إلى الرّوم والماء أبيض بلون الفضة، فلّما قتلهم وجرت خلاله دماؤهم عاد واحمرّ كالذّهب، وفي البيت الثاني يقول إنّه اتّخذ حبال سفنه من ذوائب الذين قتلهم واتّخذ خشبها من أعواد الصلب لكثرة ما غنم منها، والبيت الثالث يقول فيه إنّ حشا الماء سفنًا تعدو ولا يوجد قوائمَ لها وبطونها عقم؛ أي لا تلد وهي سود الألوان.


تَأتي بِما سَبَتِ الخُيولُ كَأَنَّها

تَحتَ الحِسانِ مَرابِضُ الغِزلانِ

بَحرٌ تَعَوَّدَ أَن يُذِمَّ لِأَهلِهِ

مِن دَهرِهِ وَطَوارِقِ الحَدَثانِ

فَتَرَكتَهُ وَإِذا أَذَمَّ مِنَ الوَرى

راعاكَ وَاِستَثنى بَني حَمدانِ


يوضّح من خلال البيت الأوّل أنّها تأتي بالجواري اللاتي سبين وكأنّهن غزلان تحت الحسان مرابضهن، وفي البيت الثاني يقول: إنّ هذا الماء الذي عبره سيف الدولة الحمدانيّ بحر اعتاد أن يجعل من وراءه في ذمّته، فلا يستطيع أحد الوصول إليهم وهو في جواره من حوادث الدهر، ويقول في البيت الثالث مُخاطبًا سيف الدولة: لقد تركت بعبورك هذا النهر أثرًا كبيرًا وهو أنّه يجير أهله من كلّ أحد باستثناء من بني حمدان فلا يجيرهم منك.


المُخفِرينَ بِكُلِّ أَبيَضَ صارِمٍ

ذِمَمَ الدُروعِ عَلى ذَوي التيجانِ

مُتَصَعلِكينَ عَلى كَثافَةِ مُلكِهِم

مُتَواضِعينَ عَلى عَظيمِ الشانِ

يَتَقَيَّلونَ ظِلالَ كُلِّ مُطَهَّمٍ

أَجَلِ الظَليمِ وَرِبقَةِ السَرحانِ

خَضَعَت لِمُنصُلِكَ المَناصِلُ عَنوَةً

وَأَذَلَّ دينُكَ سائِرَ الأَديانِ

وَعَلى الدُروبِ وَفي الرُجوعِ غَضاضَةٌ

وَالسَيرُ مُمتَنِعٌ مِنَ الإِمكانِ


المخفرين في البيت الأوّل هُم الذين يقومون بنقض عهود الدّروع على الملوك من خلال سيوفهم، فقد تحصّنوا بالدّروع فكأنّهم أصبحوا في ذممها ثمّ سيوف هؤلاء تقول بنقض تلك الذمم من خلال هتك دروعهم بالإضافة إلى الوصول إلى أرواحهم، والتصعلك في البيت الثاني هو التشبُّه بالصّعاليك وهم الذين يتلصّصون لما ليس لهم، ويقول هُم بالرُّغم من عظم ملكهم كالصعاليك؛ وذلك لكثرة أسفارهم وغاراتهم وهم مع عظم شأنهم يتواضعون للتقرّب من الناس.


المقصود بيتقيّلون في البيت الثالث أي ينامون وقت الظّهيرة في ظلال خيولهم، فلا ظلّ لهم وإذا جاؤوا لجؤوا إلى أفياء خيلهم في شدة الحرّ ويصفهم بذلك بالتغرّب، والمقصود بأجل الظليم وربقة السرحان، أنّها إذا أقدمت على طرد النّعام والذياب لحقت بها وأدركتها فقتلتها لمنعها من العدو، وفي البيتين الأخيرين، يقول إنّنا حين كنّا على الدّروب والطرق يعني مضايق الروم واشتدّ الأمر بهم حتى تعذر الانصراف والتقدُّم.


وَالطُرقُ ضَيِّقَةُ المَسالِكِ بِالقَنا

وَالكُفرُ مُجتَمِعٌ عَلى الإيمانِ

نَظَروا إِلى زُبَرِ الحَديدِ كَأَنَّما

يَصعَدنَ بَينَ مَناكِبِ العِقبانِ

وَفَوارِسٍ يُحَيِ الحِمامُ نُفوسَها

فَكَأَنَّها لَيسَت مِنَ الحَيَوانِ


في البيتين الأول والثاني يقول إنّ الطّرق قد ضاقت من كثرة الرماح وإحاطة أهل الكفر بأهل الإيمان، في هذه الأحوال التي ذكرت في البيتين وفي المكان الذي ذكر أيضًا، نظروا إلى جميع المُسلمين المُعتنقين للإسلام وهم مقنعون في الحديد، كأنهم قطع الحديد لاشتماله عليهم، فيركبون خيولًا كالعقبان في خفّتها وسُرعتها، ويُريد بزبر الحديد السيف أثناء صعودها إلى الهواء عندما يرفعها الأبطال للضرب، ويقول في البيت الثالث إنّهم إذا نظروا إلى الفوارس عندما يقتلون في الحرب يَرون حيوتهم في هلاكهم، وكأنهم لا ينتمون إلى الحيوانات، والمعنى أنهم كالغزاة ومن يستشهد منهم بالحرب صار حيًّا يُرزق عند الله تعالى.


ما زِلتَ تَضرِبُهُم دِراكًا في الذُرى

ضَرباً كَأَنَّ السَيفَ فيهِ اِثنانِ

خَصَّ الجَماجِمَ وَالوُجوهَ كَأَنَّما

جاءَت إِلَيكَ جُسومُهُم بِأَمانِ

فَرَمَوا بِما يَرمونَ عَنهُ وَأَدبَروا

يَطَؤونَ كُلَّ حَنِيَّةٍ مِرنانِ

يَغشاهُمُ مَطَرُ السَحابِ مُفَصَّلًا

بِمُثَقَّفٍ وَمُهَنَّدٍ وَسِنانِ

حُرِموا الَّذي أَمِلوا وَأَدرَكَ مِنهُمُ

آمالَهُ مَن عادَ بِالحِرمانِ


معنى البيت الأوّل أنّك ما زلت تضربهم ضربًا مُتتابعًا شديدًا في أعالي أبدانهم، وهذا الضّرب يعمل السيف فيهم كَعمل السّيْفين، ويُوضّح في البيتين الثاني والثالث ويقول: إنّ الحنية والقوس والمرنان الذي يسمع رنينه رموا بالقسي التي رموا عنها وأدبروا فجعلوا يطؤونها في الهزيمة، وفي البيت الرابع يقول: إنّ وقْع السّلاح بهم كان كوقع المطر يأتي دفعةً واحدة، وقَصَد بالسّحاب الجيش وقصد بالمطر وقعاتهم من هذه الأسلحة التي ذكرها، ويقول في البيت الخامس إنّهم حرموا أملهم بالظفر بك ومن عاد من الحرب بحرمان الغنيمة يكون قد أدرك أمله؛ لأنّه نجا بحياته.


وَإِذا الرِماحُ شَغَلنَ مُهجَةَ ثائِرٍ

شَغَلَتهُ مُهجَتُهُ عَنِ الإِخوانِ

هَيهاتَ عاقَ عَنِ العِوادِ قَواضِبٌ

كَثُرَ القَتيلُ بِها وَقَلَّ العاني

وَمُهَذَّبٌ أَمَرَ المَنايا فيهِمِ

فَأَطَعنَهُ في طاعَةِ الرَحمَنِ

قَد سَوَّدَت شَجَرَ الجِبالِ شُعورُهُم

فَكَأَنَّ فيهِ مُسِفَّةَ الغِربانِ

وَجَرى عَلى الوَرَقِ النَجيعُ القاني

فَكَأَنَّهُ النارَنجُ في الأَغصانِ


يقول في البيت الأول: إنّ الرّماح إذا تناوشت طالبَ ثار شغلته صيانةُ حياته عن إدراك ثار إخوانه، ومعنى ذلك أنهم شغلوا بأنفسهم ولم يهتمّوا لثأر قتلاهم، وفي البيت الثاني بعد ما تأمّلوا من العود إلى الحرب عاقهم عن ذلك السيوفٌ التي كثرت بها القتلى منهم وقلّ الذين أسروا لأنّ معظمهم قتلوا، ويعني بالمُهذّب في البيت الثالث سيف الدولة والمنايا أطاعته في الروم، والبيت الرابع اسودّت الأشجار بشعورهم التي قامت وطيرتها الريح في كلّ مكان، فكانت الغربان قد اقتربت منها، وفي البيت الأخير من هذا المقطع، النجيع هو دم الجوف والقاني شديد الحمرة ومعنى البيت أنّهم قتلوا على مواقع الجبال فاسودّت أشجارها بشعورهم واحمرّت أوراق الشجر بدمائهم التي سالت عليها.


إِنَّ السُيوفَ مَعَ الَّذينَ قُلوبُهُم

كَقُلوبِهِنَّ إِذا اِلتَقى الجَمعانِ

تَلقى الحُسامَ عَلى جَراءَةِ حَدِّهِ

مِثلَ الجَبانِ بِكَفِّ كُلِّ جَبانِ

رَفَعَت بِكَ العَرَبُ العِمادَ وَصَيَّرَت

قِمَمَ المُلوكِ مَواقِدَ النيرانِ

أَنسابُ فَخرِهِمِ إِلَيكَ وَإِنَّما

أَنسابُ أَصلِهِمِ إِلى عَدنانِ

يا مَن يُقَتِّلُ مَن أَرادَ بِسَيفِهِ

أَصبَحتُ مِن قَتلاكَ بِالإِحسانِ

فَإِذا رَأَيتُكَ حارَ دونَكَ ناظِري

وَإِذا مَدَحتُكَ حارَ فيكَ لِساني


تُظهر هذه الأبيات البلاغة في شعر المتنبي؛ فيقول في البيت الأول: إنّ السّيوف تُعين الشّجعان الذين لا يخافون في الحرب كما لا تخاف هي، وفي البيتين الثاني والثالث يَصِف المُتنبّي سيف الدولة ويقول إنّه يُمسك سيفه ويلقاه بجرأة وقد شرفت به العرب فكان رفيع العماد شريفًا، إذا قاتلته الملوك أوقدوا على رؤوسهم نار الحرب، وفي الأبيات الثّلاثة الأخيرة يُتابع المُتنبّي مدحه لسيف الدولة ويمدح نسبه المُمتد إلى عدنان، كما يمدح شجاعته وإقدامه على القتال، ويحتار المتنبي فيما يمدحه من كثرة مناقبه.

معاني المفردات في قصيدة الرأي قبل شجاعة الشجعان

  • ضيغم: الأسد.[٤]
  • أقرانه: المُتقاربون في السنّ.[٥]
  • الوغى: الحرب.[٦]
  • الكُماة: مفردها الكميُّ وهو الشجاع المقدام الجريء.[٧]
  • المُرّان: الرماح التي تجمع بين اللين والصلابة.[٨]
  • الأرسان: وهو الحبل الذي يوضع للخيل وللدّواب بشكل عام واللّجام هو ما يُوضع في فم الخيل.[٩]
  • جحفل: الجيش العظيم.[١٠]
  • منبج: مدينة منبج تقع في الشمال الشرقي لمدينة حلب.[١١]
  • مطهّم: الحسن التام.[١٢]
  • العقاب: طائرٌ من كواسِر الطَّيْر، قويُّ المخالب، مُسروَلٌ، له منقار قصير أَعقف، حادُّ البصر.[١٣]
  • المخفر: الذي ينقض العهد.[١٤]

الصور الفنية في قصيدة الرأي قبل شجاعة الشجعان

  • فَإِذا هُما اِجتَمَعا لِنَفسٍ مِرَّةٍ
بَلَغَت مِنَ العَلياءِ كُلَّ مَكانِ

شبّه المتنبي من خلال هذا البيت الحكمة الكامنة في المرء مع الشجاعة بشخصين يبلُغان العلياء وينالان مَرتبة رفيعة.


  • وَلَرُبَّما طَعَنَ الفَتى أَقرانَهُ
بِالرَأيِ قَبلَ تَطاعُنِ الأَقرانِ

يظهر في هذا البيت جمالية الاستعارة في: طعن الفتى أقرانه بالرأي، فالمقصود بطعن الفتى أقرانه أي حارب مَن يُماثلوه في السنّ، وفي البيت شبّه الشاعر الرأي بأداة حربية يطعن بها، والاستعارة هنا مكنية حُذِفَ فيها المشبه به وهو الأداة الحربيّة وبقيت صفة من صفاته ترمز إليه وهي الطعن.


  • لَولا سَمِيُّ سُيوفِهِ وَمَضاؤُهُ
لَمّا سُلِلنَ لَكُنَّ كَالأَجفانِ

شبّه الشّاعر المُتنبّي من خلال هذا البيت السُّيوف وهي في أغمادها بالأجفان.


  • رَكَضَ الأَميرُ وَكَاللُجَينِ حَبابُهُ
وَثَنى الأَعِنَّةَ وَهوَ كَالعِقيانِ

يظهر جمال التشبيه في هذا البيت، فقد شبّه الشاعر الماء باللُّجين أي الفضة في جمال لونه ولمعانه.


  • فَتَلَ الحِبالَ مِنَ الغَدائِرِ فَوقَهُ
وَبَنى السَفينَ لَهُ مِنَ الصُلبانِ

شبّه الشّاعر من خلال هذا البيت الحبال التي تفتل بالغدائر، وشبّه الصلبان بالخشب الذي تُبنى منه السفن.


  • قَد سَوَّدَت شَجَرَ الجِبالِ شُعورُهُم
فَكَأَنَّ فيهِ مُسِفَّةَ الغِربانِ

شبّه الشاعر سواد شعورهم على الأشجار بالغربان السود.


  • وَمُهَذَّبٌ أَمَرَ المَنايا فيهِمِ
فَأَطَعنَهُ في طاعَةِ الرَحمَنِ

شبّه الشّاعر سيف الدولة الحمدانيّ بالشخص المُهذّب، وشبّه المنايا بأناس تطيعه في طاعة الله.


نبذة عن المتنبي

هو أبو الطيب المتنبي أحمد بن الحسين الكنديّ، وُلدَ سنة 915 للميلاد، أحد أشهر الشعراء العرب، قامة أدبيّة عظيمة أثّرت الأدب العربي بكثير من القصائد الخالدة التي لم تزل يتداولها الناس حتَّى اليوم، وُلدَ أبو الطيب بالكوفة وعاش في الشام وانتقل إلى البوادي نهل من بلاغة أهلها، مدح المتنبي الملوك وكسب منهم الأعطيات الكثيرة، خاصة سيف الدولة فقد لازمه فترة طويلة، ومدح كافور الأخشيدي، وتوفي سنة 965 ميلادية مقتولًا بسبب بيت شعر قاله، وهذا المقال سيتناول الحديث عن قصيدة للمتنبي وشرحها وسيتم ذكر بعض قصائده وأسلوبه الشعري أيضًا.[١٥]


لقراءة المزيد عن سيرة الشّاعر، إليك هذا المقال: لماذا سمي المتنبي بهذا الاسم.

المراجع

  1. "ما لا تعرفه عن المتنبي"، أراجيك، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-30. بتصرّف.
  2. "في ظلّ سيف الدولة"، هنداوي، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-30. بتصرّف.
  3. "الرأي قبل شجاعة الشجعان"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-30.
  4. "معنى ضيغم"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-30.
  5. "معنى الأقران"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-30.
  6. "معنى الوغى"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-30.
  7. "معنى الكماة"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-30.
  8. "معنى المران"، المعجم، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-30. بتصرّف.
  9. "مصطلحات مستخدمة في عالم الخيل"، الخيل العربي، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-30.
  10. "معنى الجحفل"، معاجم، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-30.
  11. "منبج"، ويكيبيديا، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-30.
  12. "معنى طهم"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-30.
  13. "معنى العقاب"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-30.
  14. "معنى مخفر"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-30.
  15. "أبو الطيب المتنبي"، المعرفة، اطّلع عليه بتاريخ 2020-12-03. بتصرّف.
9160 مشاهدة
للأعلى للسفل
×