قضية الانتحال عند ابن سلام

كتابة:
قضية الانتحال عند ابن سلام

ابن سلام الجمحي

ما الذي يجعل الجمحيّ شخصيّة محبوبة؟

هو محمّد بن سلام بن عبد الله بن سالم الجمحي وكنيته أبو عبد الله البصريّ، وُلد سنة 140هـ، كان مولى لقدامة ابن مظعون، عُرف بعلمه وأدبه فكان من أهل الفضل والأدب، وله في ذلك مصنفات كثيرة أبرزها: كتاب طبقات الشعراء، الفاضل في الأخبار ومحاسن الشعراء، نَسب قريش وبيوتات العرب، طبقات شعراء الجاهلية، طبقات شعراء الإسلام، وأخيرًا كتاب الجلايب وإجراء الخيل، وكانت لابن سلام مكانته في قلوب الناس والعلماء، وقيل إنّه اعتلّ ذات مرة فأهدى إليه الأكابر أطباءهم وكان من بينهم الطبيب ابن ماسويه، الذي رأى به العافية والصحّة، وأن علّته كانت بسبب الجزع الذي سبّبه كِبَر سنّ ابن سلام، حيث بلغ اثنتين وثمانين من العمر، وكانت لا تزال في نفسه رغبة للوقوف بعرفة وزيارة قبر الرسول، وهو يرى أنها لو قضيت له لانزاح مرضه وكربه، وتنبأ له ابن ماسويه أنه سيعيش عشر سنين أخرى، وقد حقّ قوله، فعاشها وتوفّي سنة 232هـ.[١]

قضية الانتحال عند ابن سلام

كيف شَهِد كتاب الطّبقات على جهود الجمحيّ النقديّة؟

يُعرف الانتحال في معاجم اللغة[١]بأنه الانتساب للشيء وتبنيه أو ادعاء الشخص الشيء له وهو لغيره[٢]، وقد عرف هذا المفهوم كمصطلح أدبي نقدي يعني أن ينسب شاعر أو راوٍ ما شعرًا مزيّفًا إلى شاعر آخر جاهلي ليس هذا الشعر له في شيء[٣]، وقد تناول ابن سلام الجمحي هذا المفهوم كقضية أدبية أثارت الجدل بين الشعراء والنقاد في كتابه طبقات فحول الشعراء، كما كان صاحب الفضل في الوقوف على قضية الانتحال فيالشعر العربي وبيان خطورتها على الشعر الجاهلي، وقد أخذ ينقد الشعر ويصنفه بين منحول وصحيح ولعله أقام قضية الانتحال في الشعر على هذين الأساسين، فقد استبعد شعر عاد وثمود لأنه ضعيف، وغير متصل إنما ذكره أصحاب القصص والسير دعمًا لسردهم ورواياتهم، فقال: "وكان ممن هجّن الشعر وأفسده وحمل كل غُثاء، محمد بن إسحاق مولى آل مخرمة بن المطلب بن عبد مناف. وكان من علماء الناس بالسير فنقل الناس عنه الأشعار، وكان يعتذر منها، ويقول لا علم لي بالشعر إنما أوتي به فأحمله"، وكان ابن سلام يستدل في حكمه على الشعر بأدلة نقلية من القرآن تثبت محو عاد وثمود وأخبارهم، وأخرى عقلية منطقية تقوم على أساس إثبات اختلاف اللغة بين تلك العصور والعصر الجاهلي.[٤]

ولم يكن ابن سلام الجمحي الأسبق في الوقوف على قضيّة الانتحال الشعري رغم ما حازه من فضل، فقد وقف عليها من قبله عمرو بن العلاء ويونس بن حبيب النحوي من علماء اللغة والنحو ، وقد غلب على أسلوب ابن سلام الجمحي في تناوله لهذه القضية الجانب النقلي المتمثّل فيما رواه عن سابقيه عمرو بن العلاء ويونس بن حبيب، بينما كان دوره يتمثل فيما يعقب أقوال سابقيه من تعليق أو تفسير وتفصيل، كما كان وقوف ابن سلام على هذه القضية فيه شيء من التخصيص الذي يتمثل في اكتفائه في الوقوف على جانبَيْ الشعر المنحول والصحيح والتعمق في تفصيل هذين النوعين، بينما تابع الجاحظ هذه القضية من بعده بشكل أكثر تفصيلًا، فأضاف إلى الجانبين الأساسيين: الصحيح والمنحول من الشعر، جانب آخر يختص بالشعر المصنوع، بالإضافة إلى توسيع مجال هذه القضية ليتجاوز الشعر وحده كما هو الحال عند ابن سلام الجمحي، فيشمل سائر أنواع الفنون الإبداعية.[٥]

عوامل ظهور الانتحال عند ابن سلام

وقف ابن سلام الجمحي في مقدمة كتابه طبقات فحول الشعراء على أبرز عوامل ظهور الانتحال في الشعر الجاهلي، فالانتحال كما يرى ابن سلام يعود إلى عاملين أساسيين الأول منهما اجتماعي والثاني سياسيّ، وتاليًا تفصيل كلٍّ منهما.


العامل الاجتماعي

هل تقود الدّوافع القَبليّة إلى انتحال الشِّعر؟

يتصل العامل الاجتماعيّ بما اعتاد عليه العرب في الجاهلية وما بعدها من الفخر بالأنساب والتّباهي بالمآثر والمفاخر التي سجلها التاريخ وتغنى بها الشعراء في قصائدهم، بحيث تتعالى القبائل صاحبة المفاخر الكثيرة على من هي أقل منها ذكرًا في التاريخ والشعر، وذهب ابن سلام الجمحي إلى أن بعض القبائل حين بلغت عصر صدر الإسلام تنبهت إلى قلة ما قيل من الشعر فيها وأرادت أن يكون لها مثل ما كان لغيرها من المفاخر الشعرية، فكتبت الشعرت ونحلته لشعراء جاهليين في محاولة منها لتريم تاريخها القديم على ما تحب وترضى[٦]، وفي ذلك تورد الدراسة قول ابن سلام الجمحي: "فلما راجعت العرب رواية الشعر وذكر أيامها ومآثرها، استقل بعض العشائر شعر شعرائهم وما ذهب من ذكر وقائعهم، وكان قوم قلت وقائعهم وأشعارهم فأرادوا أن يلحقوا بمن له الوقائع والأشعار، فقالوا على ألسنة شعرائهم".[٧]

إنّ الشعر الذي نحلته القبائل بُغية رتق تاريخها وتزيين أمجادها لَيشكّل معظم الشعر المنحول، ولكنّ نَحلَ الشّعر لم يكن ليتوقف عند هذا المنحى وحسب، فهناك ما أحدثه رواة الشعر أنفسهم، وقد وقف ابن سلام بالتفصيل مثبتًا صحة ما وصل إليه من خلال الإشارة إلى رواة بعينهم، وذكر أسمائهم وبعض أشعارهم وتبيان الأسباب التي دفعتهم لانتحال الشعر، فمن هؤلاء خلف الأحمر الذي كان يقول الشعر فيجيده، ورما نحله إلى الشعراء المتقدمين فلا يتميز من شعرهم لمشاكلة كلامه كلامهم[٨]، وكذلك حماد الراوية الذي كان أول من جمع أشعار العرب وساق أحاديثها وكان غير موثوق به، وكان ينحل شعر الرجل غيره ويزيد في الأشعار.[٦]

ومن أشهر الرواة الذين أثبت ابن سلام نحلهم للشعر وزيادتهم فيه ابن إسحاق، صاحب كتاب السيرة النبوية، وقد تعرض له ابن سلام بالنقد اللاذع كما حمله مسؤولية إفساد الشعر الجاهلي، وقد قال عنه في كتاب طبقات فحول الشعراء: "كان ممن أفسد الشعر وهجنه وحمل كل غثاء منه محمد بن إسحاق بن يسار، وكان من أعلم الناس بالسير، فكتب في السير أشعارًا لرجال لم يقولوا شعرًا قط، وأشعار النساء فضلًا عن الرجال، ثم جاوز ذلك إلى عاد وثمود فكتب لهم أشعارًا كثيرة، وليس بشعر، إنما هو كلام معقود بقوافيَ".[٧]

العامل السياسي

كيف أثّر التاريخ السياسيّ على الواقع الأدبيّ؟

أمّا العامل الثاني فهو عامل سياسي يتصل بما أحدثته حركات الفتوحات الإسلامية وتوسيع رقعة الدولة، حيث قضى معظم الشعراء والرواة وحفظة الشعر الجاهلي نحبهم في تلك المعارك والوقائع، ففقد معهم مخزون وافر من التراث الأدبي والشعري الذي لم يكن العصر قد تعهده بالحفظ والتدوين بعد.[٦]

المراجع

  1. "ابن سلام الجمحي"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-17. بتصرّف.
  2. "تعريف و معنى انتحل في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-17. بتصرّف.
  3. "انتحال الشعر الجاهلي"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-17.
  4. "صالون الدكتور نبيل يناقش قضية الانتحال"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-19. بتصرّف.
  5. كامل محمد محمد عويضة، الجاحظ الشاعر الأديب الفيلسوف، صفحة 74. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت محمد ربيع (1990)، قضايا النقد الأدبي (الطبعة 1)، الأردن:دار الفكر للنشر والتوزيع، صفحة 11. بتصرّف.
  7. ^ أ ب حميد قبايلي، في قضايا النقد العربي القديم، صفحة 80.
  8. ابن سلام الجمحي (1974)، طبقات فحول الشعراء، القاهرة:مطبعة المدني، صفحة 4. بتصرّف.
8909 مشاهدة
للأعلى للسفل
×