كلمة عن التخرج
إنَّ أجمل لحظةٍ في حياة كلِّ إنسانٍ تلك الَّتي يقطف فيها ثمار تعبه، ويحصد زرعه الذي بذل عصارة روحه ليرويه وأحرق أيَّامه ليضيء له شمس نضوجه، ومهما عاش واحدنا من الفرح والمسرَّات في الزَّواج أو إنجاب الأطفال أو العمل أو غير ذلك من محطَّاتٍ مهمَّة، يبقى يوم التَّخرج في الجامعة هو الفرحة الأكبر في قلب الإنسان، ولا يساويه يوم آخر، فهي مرحلة فاصلة في حياته يتبدَّل فيها حاله بعد أن كان طالبًا ليحمل ما حصد من علمٍ طوال مدّة دراسته، ويعكس كلَّ ذلك في عطائه لعمله وحياته وبيته ووطنه بعد أن حاز الشَّهادة واستحقَّ شرف العلم وغدا شعلةً من نوره وخيطًا من خيوط شمسه.
ما أجمله من يومٍ ينسى به المرء سهر اللَّيالي وتعب السِّنين، ويهون عليه كلّ جهدٍ بذله وكلّ مشقَّةٍ تكبَّدها، هذه الأمور جميعها تزيد من سعادته وتعزِّز فخره بنفسه، فإنَّ المعالي لا تنال إلَّا ببذل الغالي ولا يبلغ الإنسان غايةً شريفةً إلَّا بعد تعبٍ وصبرٍ واجتهاد، وهذا ما يعطي الأهداف قيمتها، فلو كانت متاحةً لكلِّ من أرادها لتساوى البشر في الرِّفعة والشَّرف والمجد، لكنَّها منازل لا يصلها إلَّا صاحب همَّةٍ واقتدارٍ، وقد قال أحد الشُّعراء في ذلك:[١]
وكَابَدوا الجهدَ حتَّى ملَّ أكثرُهم
- وعانقَ المجدَ منْ وَافَى ومنْ صَبرا
لا تحسبِ المجدَ تمرًا أنتَ آكلُه
- لنْ تبلغَ المجدَ حتَّى تلعقَ الصَّبرا
التَّخرج ليس نهاية الطَّريق، بل إنَّه تتويجٌ لمسيرةٍ علميَّةٍ حافلةٍ وطريقٍ محفوف بالعقبات والتَّحديات، كما أنَّه بداية طريقٍ جديدةٍ إلى الحياة العمليَّة الَّتي يثبت فيها الإنسان كفاءته واستحقاقه لشهادته العلميَّة، وليست المسألة في الألقاب والمسمَّيات العلميَّة الَّتي تطلق على الإنسان بل بمقدار ما يثبت جدارته بها وما يحقِّقه من فائدةٍ لنفسه وللآخرين، فالعلم غايةٌ نبيلةٌ لا تتحقَّق إلَّا بالفائدة المتحصلة منه، وإنَّ علمًا بلا منافع علمٌ لا قيمة له ولا وزن، ولا تقتصر مشاقّ المرحلة الدِّراسيَّة على ما يواجه الفرد خلالها، بل إنَّ ما بعدها يحمل التَّحديات الأكبر والعقبات الأكثر، حيث ينتقل الإنسان من مرحلة التَّحصيل إلى مرحلة التَّنفيذ واستعمال العلم، وهو ما يختلف من شخصٍ إلى آخر.
كما يوظَّف العلم في الخير كذلك يوظَّف في الشَّر والفساد، وهو ما يحتِّم ضرورة الحذر في توظيف المكتسبات العلميَّة توظيفًا نافعًا وحسنًا يجعل الحياة أفضل وأجمل وأكثر سلامًا ويسرًا، والتَّخرج لا يعني اكتفاء الإنسان من العلم ولا يجب أن يدفع إلى الظَّن بشموليَّة المعرفة، فإنَّ العلم بحرٌ واسعٌ لا يدركه إلَّا الله تعالى ولا يحتويه سواه، لذلك لا بدَّ للإنسان من الاستزادة منه والبحث الدَّائم عنه مهما بلغ من معارف وعلوم، فإنَّ الإنسان بقدر ما يزداد علمًا بقدر ما يدرك جهله ونقصه منه، وكلَّما نقصت معرفته توهَّم باكتمالها وغناه عن زيادتها.
لقراءةِ المزيد، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: عبارات تهنئة بالتخرج.
المراجع
- ↑ محمد الأمين الهرري، تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن، صفحة 447. بتصرّف.