كيف أرجع لربي

كتابة:
كيف أرجع لربي

كيف أرجع إلى ربّي

يتمثّل الرجوع إلى الله -عزّ وجلّ- بنَدَم الإنسان على ما خرج منه؛ سواء كان قولاً أو فعلاً، وهذا الندم لا بُدّ أن يرتبط بتمنّي عدم وقوع هذا الذنب أصلاً، بالإضافة إلى العزم على عدم العودة إلى هذا الذَّنْب أو المعصية مرة أخرى، وهذا العزم يكون قائماً بحَدّ ذاته؛ إذ إنّ العبد إذا رجع إلى معصيته، فإنّ رجوعه الأوّل إلى الله -تعالى- صحيح؛ فالمطلوب هو العزم والإرادة الصادقة في عدم ارتكاب الذَّنْب وليس ارتكاب الذَّنْب، بَيْد أنّ الذَّنْب اللاحق يستوجب توبة أخرى مُخلصة،[١] وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ الرجوع إلى الله -تعالى- والتوبة إليه تستوجب من صاحبها أن يبتعدَ عن مُسبِّبات هذا الذَّنْب؛ بهدف التخلُّص منه، كما أنّ التوكُّل على الله -عزّ وجلّ-، والاستعانة به في الصبر والثبات من سُبل الرجوع إليه؛ فهو الخالق الرحيم قابل التوبة مِمّن أخلصَ الرجوع إليه، وطلب المغفرة منه -جلّ وعلا-،[٢]


وبالإضافة إلى ما سبق، لا بُدّ للمسلم في حال رجوعه إلى الله -تعالى- عن ذَنْب فيه حقٌّ لإنسان آخر من أن يتحلّل منه قَدْر المُستطاع؛ وذلك لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن كانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لأخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْها، فإنَّه ليسَ ثَمَّ دِينارٌ ولا دِرْهَمٌ، مِن قَبْلِ أنْ يُؤْخَذَ لأخِيهِ مِن حَسَناتِهِ، فإنْ لَمْ يَكُنْ له حَسَناتٌ أُخِذَ مِن سَيِّئاتِ أخِيهِ فَطُرِحَتْ عليه).[٣][٤] ولا شَكّ في أنّ هناك العديد من الأمور التي تساعد الإنسان على الرجوع إلى ربّه -عزّ وجلّ-، ومنها ما يأتي:

  • ذِكر الله -عزّ وجلّ-؛ وهو من أكثر الأمور التي تساعد العبد في الرجوع إلى الله -تعالى-؛ فذِكر الله -جلّ وعلا- يُورِث في القلب الرجوع إليه في الأحوال جميعها؛ إذ لا رَيْب في أنّ الله -تعالى- هو المَلجأ والمَلاذ.[٥]
  • مُصاحَبة خِيار الناس؛ إذ إنّ في ذلك طهارة للقلب، وانشراح للصدر، وإعانة على طاعة الله -عزّ وجلّ-؛ فرفيق الخير ناصح أمين إلى طريق الطاعة، كما أنّه باب مُغلَق في وجه أهل الذنوب والمعاصي،[٦] وتجدر الإشارة إلى أنّ بعض المعاصي قد يجتمع عليها الإنسان مع غيره، ممّا يعني أنّ على المسلم أن يعتزل أهلها ويبتعد عنهم؛ فهم يتّبعون خُطوات الشيطان؛ وقد قال الله -عزّ وجلّ-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ).[٧][٨]
  • الإخلاص لله -تعالى-؛ فالإخلاص والصدق في الرجوع إلى الله -عزّ وجلّ- فيه إعانة، وتسيير، وألطاف من الخالق؛ حتى تُقصى الأسباب التي تمنع التوبة من الطريق،[٩] وخشية الله -تعالى- والخوف منه سبيل من سُبُل الرجوع إليه، كما أنّ حُبّ الله -عزّ وجلّ-، وإدراك سَعة رحمته فيهما إعانة على التوبة؛ فالله -جلّ وعلا- يفرح برجوع عباده إليه، ويُبدّل لهم سيّئاتهم حَسَنات.[١٠]
  • التذكُّر المُستمرّ للموت؛ فصاحب الرغبة الكبيرة والصادقة في الرجوع إلى -الله تعالى- دائم التذكُّر لحقيقة أنّ الموت هو النهاية الحتميّة والقريبة له في الحياة الدُّنيا، وأنّ هذه الدُّنيا ما هي إلّا مُتعة مُؤقَّتة وزائلة لا مَحالة؛ فقد قال الله -عزّ وجلّ-: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ).[١١][١٢]
  • كثرة الاستغفار، والتي تُولّد لدى الإنسان شعوراً دائماً بأنّه عاصٍ ومُذنب، وأنّ عليه الثبات على الطاعة، وديمومة الاستغفار، والرجوع إلى الله -عزّ وجلّ-؛ قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ).[١٣][١٤]
  • الإقبال على طاعة الله -عزّ وجلّ- في كلّ أمر، واجتناب الذنوب والمعاصي؛ إذ إنّ ذلك من علامات حُبّ الله -تعالى-، والصدق في الرجوع إليه.[١٥]
  • توجُّه الإنسان إلى الله -عزّ وجلّ- بالدعاء؛ كي يخلّصه من الذنوب والمعاصي، ويحمي قلبه من السَّير وراء الشهوات، ويستبدل ذلك بحُبّ الله -تعالى- وطاعته؛ فلا شَكّ في أنّ الدعاء من أبرز الأمور التي تُساعد العبد وتعينه على الرجوع إلى الله -عزّ وجلّ-، وهو من أكثر الطُّرق نَفْعاً وتأثيراً؛ شريطة خروج الدعاء من قلب مؤمن ومخلص لله -تعالى-.[١٦]


الحاجة للرجوع إلى الله

وَسِعت رحمة الله -تعالى- كلّ شيء، بما يشمل أصحاب الذنوب أيضاً، وما من شيء أفضل من الرجوع إلى خالق الكون -عزّ وجلّ-، الأمر الذي يُعَدّ من الواجبات الدائمة التي لا بُدّ للمسلم من التمسُّك بها، وتُعَدّ هذه الرحمة الباب الوحيد الذي لا يُوصَد في وجه العبد، في الوقت الذي عادة ما تُغلَق فيه بقيّة الأبواب؛ إذ كلّما زادت الابتلاءات؛ بالمرض، أو الجوع، أو الفقدان، أو غيرها، زاد العبد في هروبه إلى ربّه -جلّ وعلا-،[١٧] ولا شَكّ في أنّ الله -عزّ وجلّ- جعل باب التوبة والرجوع إليه مفتوحاً دائماً؛ كي يُتيح لعباده الفُرَص العديدة للتوبة، وتحسين علاقاتهم به، مِمّا يُشعر الإنسان وكأنّه وُلِد من جديد، وفُتِحت أمامه مَسالك النجاة والراحة دون تفرقة بذلك بين عالم وجاهل، أو صغير وكبير.[١٠]


ثمرات الرجوع إلى الله

للرجوع إلى الله -عزّ وجلّ- ثمرات كثيرة، إلّا أنّ أعظم هذه الثمرات وأفضلها حُبّ الله -جلّ وعلا- لِمَن يرجع إليه؛ إذ قال في كتابه الحكيم: (إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)،[١٨] بالإضافة إلى أنّ الله -تعالى- يذكره عند الملائكة؛ وفي ذلك قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى إذَا أحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إنَّ اللَّهَ قدْ أحَبَّ فُلَانًا فأحِبَّهُ، فيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ في السَّمَاءِ: إنَّ اللَّهَ قدْ أحَبَّ فُلَانًا فأحِبُّوهُ، فيُحِبُّهُ أهْلُ السَّمَاءِ، ويُوضَعُ له القَبُولُ في أهْلِ الأرْضِ)،[١٩][٢٠] ومن الثمرات العظيمة أيضاً الفلاح والنجاح وتيسير الأمور والأمان؛[٢١] وفي ذلك قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- : "إذا أراد الله بعبده خيرا فتح له أبواب التوبة والندم والانكسار والذل والافتقار والاستعانة به وصدق الالتجاء إليه ودوام التضرع والدعاء والتقرب إليه".[٢٢]


المراجع

  1. ابن عثيمين، اللقاء الشهري، صفحة 39، جزء 37. بتصرّف.
  2. ابن عثيمين، اللقاء الشهري، صفحة 29، جزء 38. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6534، صحيح.
  4. هشام آل عقدة (1418 هـ)، مختصر معارج القبول (الطبعة الخامسة)، الرياض: مكتبة الكوثر، صفحة 334، جزء 1. بتصرّف.
  5. عبد الله البسام (2003)، توضيح الأحكام من بلوغ المرام (الطبعة الخامسة)، مكة المكرمة: مكتَبة الأسدي، صفحة 528، جزء 7. بتصرّف.
  6. محمد نصر الدين محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 279، جزء 4. بتصرّف.
  7. سورة النور، آية: 21.
  8. عبدالرحمن بن صالح المحمود، دروس للشيخ عبد الرحمن صالح المحمود، صفحة 16، جزء 15. بتصرّف.
  9. محمد نصر الدين محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 262، جزء 4. بتصرّف.
  10. ^ أ ب نبيل العوضي، دروس للشيخ نبيل العوضي، صفحة 1، جزء 48. بتصرّف.
  11. سورة آل عمران، آية: 185.
  12. أزهري أحمد محمود، التوبة التوبة .. قبل الحسرات، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 28-29. بتصرّف.
  13. سورة آل عمران، آية: 135.
  14. عائض القرني، دروس الشيخ عائض القرني، صفحة 13، جزء 255. بتصرّف.
  15. عائض القرني، دروس الشيخ عائض القرني، صفحة 11، جزء 201. بتصرّف.
  16. علي بن عمر بادحدح، دروس للشيخ علي بن عمر بادحدح، صفحة 29، جزء 108. بتصرّف.
  17. خالد بن عبدالمنعم الرفاعي (2-9-2014)، "كيف يكون الرجوع إلى الله عن اقتناع؟"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-7-2020. بتصرّف.
  18. سورة البقرة، آية: 222.
  19. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 7485، صحيح.
  20. محمد حسن عبدالغفار، شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي، صفحة 10، جزء 44. بتصرّف.
  21. ماهر بن عبدالحميد بن مقدم، شرح الدعاء من الكتاب والسنة، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 282، جزء 1. بتصرّف.
  22. محمد جميل زينو (1997)، مجموعة رسائل التوجيهات الإسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع (الطبعة التاسعة)، الرياض: دار الصميعي، صفحة 305، جزء 2. بتصرّف.
5092 مشاهدة
للأعلى للسفل
×