الإيمان
ذكر القرآن الكريم والسنة النبويّة المُطهّرة أركان الإيمان وشروطه، وكيف يُصبح المرء مؤمناً، وكيف يعرف إن كان مؤمناً حقاً، أو أن إيمانه قائمٌ على الوهم فقط، ومن النصوص العديدة التي بيَّنت المقصود بالإيمان وكيفيّته وأركانه، قول الله عزّ وجلّ: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ)،[١] وقوله سبحانه: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)،[٢] ففي هاتين الآيتين الكريمتين ذكرٌ لبعض أركان الإيمان، وهي ستة أركانٍ: الإيمان بالله عزّ وجلّ، والإيمان بالملائكة، والإيمان بالكتب السماوية، وبالرُّسُل جميعهم عليهم الصلاة والسلام؛ من ورد ذكره منهم بالقرآن الكريم والسنة النبويّة ومن لم يرد ذكره، والإيمان باليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، ومن الواجب على المؤمنين رجالاً ونساءً الإيمان بجميع تلك الأركان دون استثناء شيءٍ منها، وإن استثنى أحدٌ شيئاً من هذه الأركان فقد كفر بركنٍ يجب توفّره لصحة الإيمان وقبوله.[٣]
معنى الإيمان
الإيمان في لغة العرب: مصدر آمنَ يُؤمنُ إيماناً، فهو مؤمنٌ، وهو من الأمن الذي هو ضد الخوف، فالإيمان مشتقٌّ من الأمن أي: القرار والطّمأنينة، ويرتبط معنى الإيمان في اللغة بمعناه في الاصطلاحي؛ بأنّه يكون باستقرار الإيمان في القلب بمُطلَق التّصديق والانقياد لله سبحانه وتعالى، والإيمان في اللغة له عدة معانٍ منها: التّصديق، أو الثّقة، وقيل: الطّمأنينة، وقيل: الإقرار، واستخدم العرب الإيمان استخدامين: أولاً: الإيمان بمعنى التأمين: الذي يشمل إعطاء الأمان، الذي هو ضدّ الخوف، ومنه قوله سبحانه: (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْف)،[٤] ويشمل أيضاً معنى الحفظ والوقاية كما جاء في الحديث النبوي: (النّجومُ أمَنَةٌ للسماءِ، فإذا ذهبتِ النّجومُ أتى السّماءَ ما توعَد، وأنا أمَنَةٌ لأصحابي، فإذا ذهَبتْ أتَى أصحَابي ما يوعَدون، وأصحابي أمَنَةٌ لأمّتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمّتي ما يُوعدون)،[٥] ثانياً: الإيمان الذي هو بمعنى التّصديق ومنه قول الله عزّ وجلّ في سورة يوسف: (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ)،[٦] أي: لست بمُصدِّقٍ لنا.
أما تعريف الإيمان في الاصطلاح فقد عُرّف بعدة تعريفات، منها: الإيمان: هو قولٌ باللسان، واعتقادٌ بالقلب، وعملٌ بالجوارح يزيد وينقص.[٧] وعرّفت الحنفية الإيمان بأنه: قولٌ باللّسان، واعتقاد بالجَنان.[٨]
كيف أعرف أني مؤمنة
هناك العديد من العلامات التي تمكّن المرأة المسلمة من معرفة أنها مؤمنةٌ حقَّ الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وأنّ إيمانها كاملٌ حقيقةً وغير منقوصٍ في جزءٍ من ضرورياته، ومن تلك الأمور ما يلي:[٩]
- قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمنُ أحدُكم حتَّى يَكونَ هواهُ تبعًا لمَّا جئتُ بِهِ)[١٠] والمقصود بالهوى: المَيل، ففي هذا الحديث النبوي بيانٌ أنه لا أحد يصل إلى الإيمان الكامل الذي وعد الله أهله بدخول الجنة والنجاة من النار حتى يكون حُبُه وميله تابعاً لجميع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فينبغي على المرأة المسلمة حتى تصل إلى الإيمان الكامل أن يكون هواها تابعاً لما يُرضي الله ورسوله، وأن تُحب جميع ما يحبه الله ورسوله، وتكره من الأمور والأعمال ما يكرهه الله ورسوله.[١١]
- قول الله عزّ وجلّ: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[١٢] وفي هذه الاية الكريمة دلالة على وجوب التحاكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وحرمة التحاكم إلى غيرهما، ووجوب الرضى بحكم الله ورسوله والتسليم به، وينطبق ذلك على المرأة المسلمة فيجب عليها أن تحكّم شرع الله في جميع ما يعرض لها من المسائل والمعضلات، وإن لجأت إلى تحكيم هواها أو تحكيم قوانين وضعيّة لا توافق شرع الله فإنها تكون قد خالفت الإيمان الحقيقيّ.[١٣]
- قول الله عزّ وجلّ: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)[١٤] تبين الآية الكريمة أنه لا يصلح لمؤمن ولا مؤمنة أن يكون لهم حق الاختيار فيما حكم الله ورسوله فيه بالأمر أو المنع بل يجب عليهم طاعة الله فيما أمر، والامتناع عما نهى عنه.[١٣]
- قول الله عزّ وجلّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[١٥] تبين الآية الكريمة أنه من واجب المسلمة ألّا تقوم بعمل شيءٍ يخالف قول الله سبحانه تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وحكمهما، فإذا لم تجد شيئاً اجتهدت فيما يكون أقرب لحكم الله ورسوله إن كانت أهلاً لذلك.[١٣]
- قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليهِ من والدِه وولدِه والناسِ أجمعينَ)[١٦] يشمل معنى الحديث النبوي المؤمنين والمؤمنات، وأنّ من علامات كمال الإيمان عند المرأة المسلمة أن تعلم أنّ حق رسول الله صلى الله عليه وسلم وفضله عليها آكد من حق أبيها عليها وأمها وابنها والناس أجمعين، لأن الله عز وجل أنقذها من النار بالرسول صلى الله عليه وسلم، فلذلك وجب عليها أن تُحبّه بدرجةٍ أعظم من حبها لوالديها، ولأولادها، ولزوجها، وجميع الناس.[١٧]
- من علامات الإيمان عند المرأة الثقة بالله سبحانه، والتوكل عليه، وحسن الظن به.
- قول النبي عليه الصلاة والسلام: (من أحبَّ للهِ وأبغض للهِ وأعطَى للهِ ومنع للهِ فقد استكمل الإيمانَ)[١٨] من علامات كمال الإيمان عند المرأة المسلمة أن يكون حبها وبُغضها وعطاؤها ومنعها في الله ولله، فإن كان حبها وبغضها وعطاؤها ومنعها تبعاً لهواها كان إيمانها ناقصاً.[١٩]
- المحافظة على الصلوات، والإكثار من ذكر الله، وصحبة الأخيار، والأمانة، والوفاء بالوعود، وبر الوالدين، وطاعة الزوج، وصلة الرحم، والاستقامة على الخير، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أربعٌ من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خَصْلةٌ منهن كانت فيه خَصْلَةٌ من النفاقِ حتى يدعَها: إذا اؤتُمِنَ خانَ، وإذا حدَّثَ كذبَ، وإذا عاهدَ غَدرَ، وإذا خاصمَ فجرَ)[٢٠][٢١]
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية: 285.
- ↑ سورة البقرة، آية: 177.
- ↑ "الأدلة القرآنية لأركان الإيمان"، إسلام ويب-مركز الفتوى، اطّلع عليه بتاريخ 22-3-2017.
- ↑ سورة قريش، آية: 4.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعريّ، الصفحة أو الرقم: 2531.
- ↑ سورة يوسف، آية: 17.
- ↑ حياة بن محمد بن جبريل (2002)، الآثار الواردة عن عمر بن عبد العزيز في العقيدة (الطبعة الأولى)، المدينة المنورة-المملكة العربية السعودية: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، صفحة 541، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، التعليقات المختصرة على متن العقيدة الطحاوية، الرياض: دار العاصمة للنشر والتوزيع، صفحة 146.
- ↑ "موضوعات في التربية - الدرس : 062 - هل أنا مؤمن وما هي علامة إيمانك ؟؟؟"، موسوعة النابلسي، 1993-11-07، اطّلع عليه بتاريخ 7-6-2022. بتصرّف.
- ↑ رواه النووي، في الأربعون النووية، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 41، حسن صحيح.
- ↑ إسماعيل بن محمد بن ماحي السعدي الأنصاري (1380هـ)، التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثاً النووية (الطبعة الأولى)، مصر: دار نشر الثقافة، صفحة 92. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 65.
- ^ أ ب ت جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري (2003)، أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير (الطبعة الخامسة)، السعودية: مكتبة العلوم والحكم، صفحة 502، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 36.
- ↑ سورة الحجرات، آية: 1.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 15، صحيح.
- ↑ ابن دقيق العيد (2003)، شرح الأربعين النووية في الأحاديث الصحيحة النبوية (الطبعة السادسة)، السعودية: مؤسسة الريان، صفحة 136. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 380، صحيح.
- ↑ زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن (2004)، جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم (الطبعة الثانية)، السعودية: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 1152، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 34، صحيح.
- ↑ "علامات الإيمان"، الموقع الرسمي لسماحة الإمام ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 22-2-2017. بتصرّف.