كيف تحقق الاستقامة
تتحقّق الاستقامة من خلال الالتزام بالعديد من الأمور، منها ما يأتي:
- القيام بالواجبات التي فرضها الله -تعالى- على عباده، سواء كانت من حقِّه -سبحانه- على عباده أو من حقِّ العباد، ابتداءً من أداء الشّهادتين، ثمَّ الصّلاة، والزَّكاة، والصِّيام، وحجُّ البيت، ثمَّ أداء ما أمر الله -تعالى- به من الجهاد والأمر بالمعروف والنهيِّ عن المُنكر،[١] والإيمان بالله -تعالى- والأعمال الصَّالحة.[٢]
- إفراد الله -تعالى- بالعبادة،[٣] والثَّبات على توحيده، وعدم الرُّجوع عن ذلك،[٤]وطاعة الله -تعالى-،[٥] وكلُّ ما أمر به -سبحانه-، والابتعاد عمّا نهى عنه[٦][٧] حتى الممات؛ فلا يتوقَّف إن تحقّق مراده، أو فترت همّته، وإلا انحرف عن الطّريق المستقيم، وتجاوز حدود الله -تعالى-.[٧]
- القيام بالفرائض والنوافل؛ وجميع العبادات الزائدة عن الفرائضِ هي نوافلٌ، والنَّوافل من أعظم ما يتقرّب به المسلم إلى الله -تعالى-، فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن عادَى لي ولِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عن شيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ).[٨][٩]
- الابتعاد عمّا حرّمه الله -تعالى- من الشِّرك وكبائر الذُّنوب البيّنة والمشتبهة، فإنَّ الوقوع في مشتبهات الذُّنوب يؤدي إلى الوقوع في الحرام.[١٠]
- الابتعاد عن المكروهات، والورع، وأهل الاستقامة ليسوا بمرتبةٍ واحدةٍ، وإنّما يتفاوتون حسب ذلك.[١١]
- الدعوة إلى الله -تعالى-، وتحذير النّاس من الوقوع فيما حرّمه الله -تعالى-، والتمسُّك بقواعد الإسلام ومبادئه وأخلاقه، والاقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك،[١٢] والدَّاعي إلى الله -تعالى- يتحرّى أن يكون أحكم النَّاس وأحسنهم قولاً؛ لكي يستجيب النَّاس لدعوته ويقتدوا به.[١٣]
- الإكثار من الاستغفار، ليغفر الله -تعالى- به أيّ تقصير قد يقع في أعمال المسلم، والتقصير أمرٌ طبيعيٌ من الإنسان، ووقوع الخطأ منه واردٌ، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ، وأَتْبِعِ السيئةَ الحسنةَ تَمْحُها).[١٤][١٥]
- السير على صراط الله -تعالى- المستقيم، والتَّوازن في الأمور الدينيَّة والدنيويَّة، وتقديم الله -تعالى- على ما سواه.[١٦]
درجات الاستقامة
إنّ للاستقامة درجاتٍ عدّة، منها ما يأتي:[١٧][١٨]
- الدرجة الأولى: "الاسْتقَامَة على الِاجْتِهَاد فِي الاقتصاد"؛ بالاستقامة على الطَّاعة والتوازن فيها بلا إفراطٍ ولا تفريطٍ، والاقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في فعلها، والإخلاص لله -تعالى-، وتجنّب الرّياء، والحذر من الشيطان وغوايته، فإنَّه إنْ رأى في الإخلاص خللاً دعا المسلم إلى ترك العمل، وإن رآه حريصاً متمسّكاً بالإخلاص دعاه إلى الغلوِّ فيه والخروج عن طور التّوازن.[١٩]
- الدرجة الثانية: "استقامة الأحوال"؛ بتوحيد الله -تعالى- بالعبادة، والإيمان بقدرته وأنّ كلَّ ما في الكون تحت أمره وتصرّفه وفعله، ولا يقع إلّا بإرادته وقدرته -عز وجل-.
- الدرجة الثالثة: "الاستقامة بترك رؤية الاستقامة"؛ بمعنى أن يعلم المسلم أنّ الاستقامة حصلت له بتوفيق الله ورزقه له، لا بطلبه.[٢٠]
فضل الاستقامة
إنّ للاستقامة فضلاً كبيراً ينعكس أثره على المسلم، وفي يأتي ذكر أهمّ هذه الفضائل:[٢١][٢٢]
- التمسّك بالإيمان والعبادة وتحقيق الكرامة في الدنيا والآخرة، ولا سبيل لتحقيق الكرامة سوى بالاستقامة في العمل والاعتقاد.[٢٣]
- السعادة ونيل رضا الله -تعالى-، وتحقيق وعدِهِ بالجنَّة، فقد قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)،[٢٤][٢٥] والابتعاد عن الخوف، والحزن، ودخول الجنّة والخلود فيها.[٢٦] وهي دليل اليقين والحرص على نيل رضى الله -عز وجل-.
- نيل الرِّزق من الله -تعالى- لمن استقام ومن معه،[٢٥] حيث قال -تعالى-: (وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا).[٢٧][٢٨]
- وقاية المسلم من تسلّل الفتنة إلى قلبه،[٢٩] واستقامة الجوارح التي تأتي من استقامة القلب.[٢٢]
- دلالة على الحكمة، ووفور العقل، وقوّة الإرادة. أمّا الانحراف عنها فهو دليل الهوان، والانصياع لشهوات النَّفس، وضعف الإرادة.[٣٠]
- الاستقامة من أفضل الأعمال عند الله -عز وجل-، فهي من كمال إيمان العبد.[٢٢]
- كسب حبّ الناس لصاحبها،[٢٢] وملاقاتهم له بوجهٍ حسنٍ دون خداعٍ أو نفاقٍ.[٣١]
المراجع
- ↑ محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 62، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ إسحاق السعدي (2013)، دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه (الطبعة الأولى)، قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، صفحة 127، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ الرسالة القشيرية، عبد الكريم القشيري، القاهرة: دار المعارف، صفحة 357، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ موسى لاشين (2002)، فتح المنعم شرح صحيح مسلم (الطبعة الأولى)، عمّان: دار الشروق، صفحة 145، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ محيي الدين النووي (1998)، رياض الصالحين (الطبعة الثالثة)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 62. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي (1422)، التفسير الوسيط للزحيلي (الطبعة الأولى)، دمشق: دار الفكر، صفحة 2305، جزء 3. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 64-65، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6502، صحيح.
- ↑ محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 62-63، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 63، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 64، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، صفحة 60-61، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ سعيد القحطاني، الخلق الحسن فى ضوء الكتاب والسنة، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 83. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 5012، حسن.
- ↑ شحاتة صقر، دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ، مصر: دار الفرقان، صفحة 401، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ علي الجرجاني (1983)، التعريفات (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 19. بتصرّف.
- ↑ عبد الله الهروي، منازل السائرين، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 43. بتصرّف.
- ↑ محمد التويجري، موسوعة فقه القلوب، عمّان: بيت الأفكار الدولية، صفحة 1826، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ ابن القيم (1996)، مدارج السالكين (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 107-108، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ ابن القيم (1996)، مدارج السالكين (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 111، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ جابر الجزائري (2003)، أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير (الطبعة الخامسة)، المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم، صفحة 52، جزء 5. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث مجموعة من المؤلفين، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (الطبعة الرابعة)، جدة: دار الوسيلة للنشر والتويع، صفحة 319، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 57-58، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ سورة فصلت، آية: 30.
- ^ أ ب محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 58، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (1996)، الدرر السنية في الأجوبة النجدية (الطبعة السادسة)، صفحة 173، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ سورة الجن، آية: 16.
- ↑ عطية سالم، شرح الأربعين النووية، صفحة 10، جزء 47. بتصرّف.
- ↑ محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 59، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي (1422)، التفسير الوسيط للزحيلي (الطبعة الأولى)، دمشق: دار الفكر، صفحة 2304، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ محمد الهاشمي (2002)، شخصية المسلم كما يصوغها الإسلام في الكتاب والسنة (الطبعة العاشرة)، بيروت: دار البشائر الإسلامية، صفحة 249. بتصرّف.