كيف تكون مع الله دائما

كتابة:
كيف تكون مع الله دائما

كيف تكون مع الله دائما

يتحقّق القرب من الله -تعالى- بثلاثة أمور؛ أوّلها الالتزام بالقرآن الكريم وسنّة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وثانيها تصديق كل ما ورد في القرآن الكريم أو في سنة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّه يقين لا شكّ فيه، وثالثها الامتثال لأوامر الله -تعالى- ولأوامر نبيّه محمد -صلّى الله عليه وسلّم- واجتناب نواهيهما،[١] وقد أشار رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى ذلك بقوله: (احفَظِ اللهَ يحفَظْك ، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك ، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك ، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك)،[٢] فقوله: (احفَظِ اللهَ يحفَظْك ، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك) فيه توجيه للمسلم أن يحفظ حدود الله -تعالى-، وذلك بالوقوف عليها باتّباع أوامره واجتناب نواهيه؛ فينال المسلم بذلك حفظ الله -تعالى- له في دينه وعقله وماله وأهله وعافيته وبدنه وكل ما يحتاج إلى حفظ، كما ويُسهّل الله -تعالى- على المسلم نيل كلّ ما يطلبه ويحتاج إليه لقربه الشديد منه، قال -تعالى-: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ).[٣][٤]


وقوله: (إذا سألتَ فاسألِ اللهَ) فيه توجيه للمسلم أن يطلب ويتّجه لله -تعالى- وحده في سؤال حاجته الدينيّة أو الدنيويّة، وقوله: (وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ) فيه توجيه للمسلم أن يستعين بالله -تعالى- وحده في قضاء حوائجه، وقوله: (واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك ، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك)؛ فيه توجيه للمسلم أن يتيّقن ويثق بأنّ الأمّة على اختلاف أجناسها؛ سواءً من إنس أو جانّ لن ينفعوه أو يضرّوه إلّا بشيء قد قدّره الله -تعالى- عليه، فمَن أصيب بمرض من الأمراض وكان الله قد قدّر عليه الموت بسببه؛ فلن يُشفى منه وإن التفّ حوله أكثر الأطباء مهارة، وكذلك مَن قرر الأطباء موته ولا أمل في حياته وكان الله -تعالى- قد قدّر له الحياة والنجاة فسيُشفى وينجو،[٤] وهناك العديد من الأمور التي تُعين العبد على أن يكون مع الله -تعالى- دائماً، ومنها ما يأتي:[٥]

  • تقوية الإيمان وتمكينه داخل النفس؛ بالإقبال على الطاعات وأعمال الخير؛ إذ إنّ العبد يستند على إيمانه في الوصول إلى كلّ ما يبتغيه في الدنيا والآخرة؛ فكلّ خير يُقدم عليه مفتاحه الإيمان، وكلّ شر يبتعد عنه العبد مغلاقه الإيمان.
  • الإخلاص في التقرّب إلى الله -تعالى- وأن يكون أسمى وأعلى مُبتغى يسعى إليه العبد هو الله -تعالى-؛ فقد قال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).[٦]
  • التطلّع الدائم لِنيل أعلى الدرجات في الجنة؛ فلا يعمل ويجتهد المسلم للفوز بالجنّة فقط، وإنّما يسعى للفوز بالفردوس الأعلى، كما ويجعل إرضاء الله -تعالى- هدفاً نُصب عينيه.
  • الاقتداء بالصحابة -رضي الله عنهم-، وبالتابعين والسلف الصالح والتأسّي بهم.
  • استثمار كل دقيقة من شأنها أن تزيد المخزون الإيمانيّ، والحرص على الدعوة إلى دين الله -تعالى-، ومحاولة نشره على قدر الاستطاعة.
  • الحرص على اتّخاذ الصحبة الصالحة فهي المعينة على الطاعة والثبات عليها، والمُحذّرة من المعصية والقرب منها؛ إذ قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (المرءُ على دينِ خليلِهِ ، فلينظُر أحدُكُم مَن يخالِلُ).[٧]
  • الإكثار من فضائل الأعمال الصالحة التي تعين العبد على نيل السعادة في الدارَين.
  • الحرص على قيام الليل ودعاء الله -تعالى- في وقت السحر، فرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- خير قدوة في ذلك؛ فقد روت عائشة -رضي الله عنها- أنّ: (نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هذا يا رَسولَ اللَّهِ، وقدْ غَفَرَ اللَّهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ؟ قالَ: أفلا أُحِبُّ أنْ أكُونَ عَبْدًا شَكُورًا).[٨]
  • تلاوة القرآن الكريم والتفكّر والتدبّر في آياته، والحرص على اتّخاذ ورد قرآني، والمداومة عليه.


عوائق القرب من الله

العوائق التي تمنع العبد من القرب من الله -تعالى- ثلاثة، وقد ذكرها الشيخ محمد الشنقيطيّ، وبيانها آتياً:[٩]

  • الشهوة: تدفع الشهوة العبد لمعصية الله -تعالى- والبعد عنه باللهو واللعب لِنيل القليل من اللذّة، إلّا أنّ هذه الحقيقة لن تُدرَك إلّا بمغادرة الحياة، وحينئذ لا ينفع الندم، ولا يمكن الرجوع إلى الدنيا للتزوّد بالعمل بالصالح، قال -تعالى-: (قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ)،[١٠] إلّا أن ذلك لا يعني حرمان العبد من الشهوة؛ فقد ضبطها الله -تعالى- بحيث لا توضع إلّا في موضع معيّن؛ سليم ونقيّ.
  • سوء الظن بالله: يعتقد البعض بأنّ الحريّة والتمتع بالحياة يُقيّدان القرب من الله -تعالى-، ولكنّ هذا سوء ظنّ به؛ فلذّة العبوديّة لله -تعالى- والقرب منه لا يشعر بها إلّا مَن عاشها، ويمكن تعزيزها وتجديدها بالاستزادة من الأعمال الصالحة الداعية لرضا الله -سبحانه وتعالى-.
  • الشيطان: يحذر العبد من الشيطان الذي يُحاول جاهداً إبعاده عن الله -تعالى- وللشياطين نوعان؛ أوّلهما شيطان الإنس وهو كل إنسان يحاول إبعاد المسلم عن الطاعات والقربات، ولا يُعينه عليها إنّما يُقنطه من رحمة ربه، وعلى نقيضه الإنسان الذي يدعوه لمحبّة الله -تعالى- والقرب منه والتعبّد إليه ويُعينه على ذلك، وثانيهما شيطان الجنّ الذي يبثّ وساوسه في قلب العبد بأنّ الحياة طويلة للتمتع بشهوات وملذّات الدنيا.


آثار معيّة الله للعبد

دلّت النصوص الشرعية على قرب العبد المؤمن من الله -تعالى-، ومن ذلك قوله -تعالى-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ)،[١١] كما وقال -تعالى-: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَـئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ)،[١٢][١٣] وقد أشار بعض أهل العلم كابن القيّم إلى أنّ معيّة الله -تعالى- لعبده نوعان، وبيانهما آتياً:[١٤][١٥]

  • المعيّة العامّة: تعني إحاطة علم الله -تعالى- بجميع خلقه بحيث لا يخفى عليه سرّهم وعلانيتهم؛ لذا سُمّيَت معيّة عامة، ومن النصوص الشرعية الدالّة عليها قوله -تعالى-: (وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا)،[١٦] ويترتب على الايمان بهذه المعية آثار عديدة، ومنها ما يأتي:
    • زرع مهابة الله -تعالى- وتعظيمها في النفوس.
    • تعجيل القيام بالطاعات والابتعاد عن الذنوب والمعاصي.
  • المعيّة الخاصّة: تعني أن يخصّ الله -تعالى- أنبياءه وأولياءه وعباده الصالحين بنصرته، وتأييده، ومؤازرته لهم؛ لذا سُمّيَت معيّة خاصّة، ومن النصوص الشرعية الدالّة عليها قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)،[١٧] ويترتب على الايمان بهذه المعية آثار عديدة، ومنها ما يأتي:
    • سيطرة مشاعر الرضا والاطمئنان على قلب صاحب المعيّة، ويظهر ذلك جليّاً في موقف نبي الله موسى -عليه السلام- عندما حاصره فرعون وجنوده؛ قال -تعالى- على لسانه: (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ).[١٨]
    • سيطرة مشاعر الأنس بالله -تعالى-على قلب صاحب المعيّة وانتفاء الوحشة منه.
    • شعور صاحب المعيّة بالقوّة وعدم الخوف من أيّ شيء؛ لاتّصاله بالقويّ الذي لا يغلبه ولا يقهره أحد.


كن مع الله ولا تبالي

اعتماد المسلم على الله -تعالى- وتفويض أمره إليه يجعله في معيّته، وهذا من شأنه أن يثبّت قلبه، ويجعل له من كل ضيق مخرجاً ومن كل همّ فرجاً؛ فيُعينه في مواجهة أمور الحياة والثبات أمام تحدّياتها،[١٩] ويظهر هذا جليّاً فيمَن اختاره الله -تعالى- لابتلاءات عظيمة ومتتالية؛ إذ يهبه قوّة التحمّل والصبر والرضا، وهي نعمة منّ الله -تعالى- بها عليه؛ فلا يضرّه بعدها تخلّي الناس عن مواساته والوقوف بجانبه؛ لذا فكلام المبتلى الصابر يكون قليلاً عن مصابه، وصبره على ألمه عظيم، كما أنّه قد يسارع في نفع ودعم الغير ارضاءاً لله -تعالى- وحده، عسى أن يكون ذلك سبباً في كشف الضرّ عنه.[٢٠]


المراجع

  1. سعيد بن مسفر، دروس للشيخ سعيد بن مسفر، صفحة 21، جزء 42. بتصرّف.
  2. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2516 ، صحيح.
  3. سورة ق، آية: 16.
  4. ^ أ ب عبد الكريم الخضير، شرح الأربعين النووية، صفحة 17-19، جزء 12. بتصرّف.
  5. "أريد أن أكون ربانيّا .. الوصايا العشر"، www.islamqa.info، 3-2-2003، اطّلع عليه بتاريخ 13-7-2020. بتصرّف.
  6. سورة الذاريات، آية: 56.
  7. رواه الألباني، في صحيح أبي داوود، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 4833، حسن.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4837 ، صحيح.
  9. محمد الشنقيطي، دروس للشيخ محمد المختار الشنقيطي، صفحة 5، جزء 29. بتصرّف.
  10. سورة المؤمنون، آية: 99-100.
  11. سورة القمر، آية: 54-55.
  12. سورة الواقعة، آية: 10-14.
  13. محمد التويجري (1430ه - 2009م)، موسوعة الفقه الاسلامي (الطبعة الأولى)، عمان: دار بيت الأفكار الدولية ، صفحة 523، جزء 1. بتصرّف.
  14. "معية الله تعالى كما قررها القرآن"، www.islamweb.net، 3-11-2019، اطّلع عليه بتاريخ 14-7-2020. بتصرّف.
  15. عبد اللطيف آل الشيخ (1349 هـ)، كتاب مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (الطبعة الأولى)، الرياض: دار العاصمة، صفحة 250، جزء 3. بتصرّف.
  16. سورة المجادلة، آية: 7.
  17. سورة البقرة، آية: 153.
  18. سورة الشعراء، آية: 62.
  19. علي بادحدح، دروس للشيخ علي بن عمر بادحدح، صفحة 14، جزء 29. بتصرّف.
  20. "كن مع الله ولا تبالي "، ar.islamway.net، 5-2-2015، اطّلع عليه بتاريخ 11-7-2020. بتصرّف.
5096 مشاهدة
للأعلى للسفل
×