كيف حسن الظن بالله

كتابة:
كيف حسن الظن بالله

حسن الظنّ بالله تعالى

إنّ إحسان الظنّ بالله عز وجلّ منَ الأمور التّعبدية التي تدّل على سلامة إيمانِ العبدِ ويقينه برحمة الله تعالى، وقد جاءت كثير من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة مُذكّرةً بأهميته ومُبشّرةً بفضله، ذلك أنّ المسلم الذي يحسنُ الظنّ بالله تعالى يعيش متفائلاً بكلّ ما هو قادم وراضياً به طالما أنّه من الله، فما هو حسنُ الظنّ بالله؟ وما هي الدّوافع التي تُحرّك العبد لإحسان الظنّ بالله سبحانه؟ هذه التساؤلات وغيرها يجيب عنها هذا الموضوع كيف حسن الظنّ بالله.


تعريف حسن الظن بالله

معنى حسن الظن بالله عز وجلّ: هو أنْ يوقنَ العبدُ بربّه عز وجلّ خيراً ورحمةً وإحساناً في كل ما يقعُ عليه من أفعالٍ وأقدارٍ في الدنيا والآخرة.[١] ويمكن القول أيضاً إنّ حسن الظن بالله تعالى يعني اعتقاد ما يليق بالله تعالى من أسماء وصفات وأفعال، واعتقاد ما تقتضيه من آثار جليلة، كاعتقاد أنّ الله تعالى يرحم عباده المستحقين، ويعفو عنهم إنْ هم تابوا وأنابوا، ويقبل منهم طاعاتهم وعبادتهم، واعتقاد أنّ له تعالى الحِكَم الجليلة فيما قدَّره وقضاه.[٢]


دوافع حسن الظنّ بالله

أمورٌ كثيرةٌ تدفع العبدَ لحسن الظنّ بالله تعالى، وردت دلالاتها بسياقات متعددة في القرآن الكريم والسنّة النبوية، ومنها:

  • إنّ معرفة المسلم بسعة رحمة مولاه عز وجلّ ويقينه الكامل بفضل الله العظيم على عباده يقوده إلى حسنِ الظنّ بربّه، فهو القائل سبحانه: (وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا).[٣][٤]
  • جاء في الحديث القدسي: (إنَّ اللهَ جلَّ وعلا يقولُ: أنا عندَ ظنِّ عبدي بي إنْ ظنَّ خيرًا فله وإنْ ظنَّ شرًّا فله)؛[٥] فالله تعالى يفعل بالعبد ما يظنّه العبد بالله، وفي الحديث إشارة -لا تخفى- في الحث على إحسان الظنّ بالله تعالى؛ فالمسلم يظنّ بالله خيراً في كلّ طاعاته وقُرباته؛ فيوقن بإجابة الدّعاء وقبول العبادة ومغفرة الذنب.[٦]
  • حثّ النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلمين على حسن الظن بالله تعالى، ومن ذلك قوله عليه السلام: (لا يموتنَّ أحدكم إلا وهو يحسنُ الظنَّ بالله عزَّ وجلَّ)،[٧] والمقصود ألا يغفل العبد المسلم عن رجائه بالله وحسن ظنه به سبحانه حتى لا يفاجئه الموت وهو على حال من الغفلة وقطع الرجاء.[٨]
  • إدراك المسلم أنّ حسنَ الظنّ بالله يجعله يطمئنُّ إلى ركن الله؛ فهو سبحانه لا يضيع رجاء عباده، ولا ينسى أملهم وثقتهم برحمته وفضله؛ فيكون حسنُ الظنّ بالله سبباً في انشراح صدورهم واطمئنان قلوبهم، قال تعالى: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[٩] ولمّا كان التّوكل ناتجاً عن حسن الظنّ بالله كان ذلك سبباً في أنْ يطمئنّ العبد إلى أنّ الله سيكفيه ما أهمّه وأغمّه.[١٠]
  • عندما يعلمُ العبد المذنبُ بأنّ ربه عزّ وجل غافر الذنبَ وقابل التّوبَ، وأنّه سبحانه يعفو عن السيئات مهما بلغتْ إذا صدقت توبة عبده، قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[١١] وأنّه تعالى يغفر جميع الذنوب إلا الإشراك بالله، فإنّ العبد المذنب يُقبلُ على التوبة والإنابة لله تعالى وهو يحسن الظنّ بمولاه أنّه قد غفر ذنبه وتقبّل توبته.[١٢]
  • تتأصل ثقة المسلم بالله سبحانه ويزداد قلبه تعلّقاً بمولاه خاصة وهو يحسّ بالألم والحسرة على حال المسلمين وضعفهم وهوانهم على أعدائهم عندما يستقرئ سيرة النبي -صلى الله عليه وسلّم- وسيرة صحابته الكرام، وعندما يتدبّر فيها المواقف المشرقة التي تُظهر حُسن ظنّهم بالله تعالى رغم كل الآلام التي واجهها المسلمون في مكة المكرمة بداية الدّعوة الإسلامية، وفي رحلة الهجرة النبوية -على سبيل المثال- حيث تجلّى مفهوم الثقة وحسن الظن بالله تعالى، عندما علّم النبي -صلى الله عليه وسلّم- أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- والأمة من بعده درساً مهماً في حسن الظن بالله تعالى عندما أحسّ أبو بكر بخطر كفار قريش الذين يُلاحقونهم؛ فقال له -عليه السلام-: (ما ظنُّك باثنَينِ اللهُ ثالثُهما)،[١٣] ويوم غزوة الخندق (الأحزاب) في السنة الخامسة من الهجرة، حيث تحزّبت قريش وبعض القبائل العربية واليهود والمنافقين على حرب المسلمين في المدينة المنورة، يومها كان حسن الظن بالله وثقتهم بوعد الله سبباً مهماً في نصر المسلمين من حيث لم يحتسبوا، قال تعالى: (كَتَبَ اللَّـهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)،[١٤] وغيرها الكثير من المواقف التي تُعين المسلم على الثقة برحمة الله تعالى ونصره.[١٥]


التلازم بين حُسن الظنّ بالله والعمل

لا شكّ في أنّ العبد المسلم ينظر إلى حُسن الظنّ بالله تعالى على أنّه مُعينٌ له على عبادة الله سبحانه؛ فحسن الظنّ بالله والعبادة في قناعة المسلم متلازمان، لا ينفكّ أحدهما عن الآخر، وحسن الظنّ بالله هو رجاء بالله يقود صاحبه للعمل الصالح ويشحذ همّته للعبادة والتّطلع لما عند الله تعالى من فضل، ومخطئٌ من اعتقد أنّ حسن الظن بالله يغني عن العمل والعبادة، ومن اعتقد ذلك فقد أساء لنفسه وأساء الظنّ والأدب مع الله سبحانه؛ فالذي يجاهر بالمعاصي ولا يستقيم على فعل الطاعات فهو عاجزٌ لا يدرك حقيقةَ حُسن الظنّ بالله.[١٦] وفي تأكيد هذا المعنى يقول ابن القيم رحمه الله: (وَكَثِيرٌ مِنَ الْجُهَّالِ اعْتَمَدُوا عَلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَعَفْوِهِ وَكَرَمِهِ، وَضَيَّعُوا أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، وَنَسُوا أَنَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ، وَأَنَّهُ لَا يُرَدُّ بِأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ، وَمَنِ اعْتَمَدَ عَلَى الْعَفْوِ مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَى الذَّنْبِ فَهُوَ كَالْمُعَانِدِ).[١٧]

ولذلك يجدر بالعبد أنْ يوثّق صلته بالله تعالى، وأنْ يُدرّب نفسه على حسن الظن بمولاه عز وجلّ بكلّ ما يرجوه ويؤمّلهُ من خيري الدنيا والآخرة، موقناً حقاً أنّه سبحانه معه، يدبّر أمره، وينيرُ دربه، ويبارك عمله، ويدّخر له الخير عند لقائه سبحانه وتعالى.


المراجع

  1. خالد البليهد (20-7-1432)، "حسن الظن بالله"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 11-7-2017. بتصرّف.
  2. محمد المنجد (18-8-2010)، "معنى " حسن الظن بالله " وذِكر أبرز مواضعه"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 9-11-2017.
  3. سورة الأحزاب، آية: 43،
  4. مهران عثمان، "حسن الظن بالله تعالى"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 11-7-2017. بتصرّف.
  5. رواه محمد بن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 639، أخرجه في صحيحه.
  6. محمد المباركفوري، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 53-54، جزء 7. بتصرّف.
  7. رواه مسلم النيسابوري، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 2877، حكم الحديث صحيح.
  8. علي القاري، "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح"، المكتبة الإسلامية، اطّلع عليه بتاريخ 11-7-2017. بتصرّف.
  9. سورة الطلاق، آية: 3.
  10. ابن قيم الجوزية (1996م)، مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 468-469، جزء 1. بتصرّف.
  11. سورة الزمر، آية: 53.
  12. مركز الفتوى (9-3-2003 )، "دلائل قبول توبة العاصي"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 8-11-2017. بتصرّف.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي بكر الصديق، الصفحة أو الرقم: 4663، حكم الحديث صحيح.
  14. سورة المجادلة، آية: 21.
  15. "الثقة بنصر الله"، إسلام ويب، 30/09/2010، اطّلع عليه بتاريخ 8-11-2017. بتصرّف.
  16. محمد بن العثيمين (1426هـ)، شرح رياض الصالحين، الرياض: دار الوطن، صفحة 335، جزء 3. بتصرّف.
  17. ابن قيم الجوزية (1997م)، الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (الطبعة الأولى)، المغرب: دار المعرفة ، صفحة 28.
6001 مشاهدة
للأعلى للسفل
×