كيف يعيش الميت حياة البرزخ

كتابة:
كيف يعيش الميت حياة البرزخ

كيف يعيش الميت أول ليلة في القبر

أوّل ليلة للميّت هي أوّل حياة البرزخ، فالليلة الأولى التي يقضيها الإنسان في القبر تتعدّد فيها الأحداث، فيتعرّض الإنسان فيها لفتنة القبر، وسؤال المَلَكين، فيُسأل عن ربِّه ودينه ونبيِّه، فيَثبُتُ المسلم ويُجيب: الله ربّي، والإسلام ديني، ومحمّد -صلى الله عليه وسلم- نبيّي.[١]

وجاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ أَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ وَالآخَرُ النَّكِيرُ، فَيَقُولَانِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ مَا كَانَ يَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ).[٢]

أمّا الكافر فلا يعلم بماذا يجيب، فكيف يجيب بشيءٍ لم يَعِش عليه في الحياة الدنيا، وتجده يقول: هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، وربّما يقول مَن الله؟ ومَن نبيُّه؟ وما ديني؟[١] ففي الحديث: (..وإن كانَ منافقًا قالَ سمعتُ النَّاسَ يقولونَ فقلتُ مثلَهُ لا أدري فيقولانِ قد كنَّا نعلمُ أنَّكَ تقولُ ذلِكَ فيقالُ للأرضِ التئِمي عليْهِ فتَلتَئمُ عليْهِ فتختلفُ أضلاعُهُ فلا يزالُ فيها معذَّبًا حتَّى يبعثَهُ اللَّهُ من مَضجعِهِ ذلِكَ).[٢]

وفتنة القبرعامّة يتعرّض لها البشر كافّة إلّا من يصطفيه الله، فالله ينجِّي الشّهيد ومن مات مرابطاً في سبيل الله يدافع عن حرماته، وكذلك الرّسل والأنبياء، وتعدّدت أقوال أهل العلم عن سؤال المَلَكين مُنكَر ونكير لغيرَ المُكلَّف؛ كالصّغير، فقال البعض: يُسأل؛ لعموم الأدلّة، وذهب البعض الآخر لعدم سؤاله؛ لعدم تكليفه.[١]

وقال كثير من أهل العمل إنّ النّعيم والعذاب يحدثان على روح الإنسان، وقد تتّصل بعض الأحيان بالأبدان، وإنّ العذاب على الكافرين يبقى مستمرًا، أمَّا بالنسبة للمؤمنين فذلك يعود إلى نسبة ذنوبهم، وإنّ النعيم على المؤمنين هو الظّاهر والمستمرّ، وبذلك يتمُّ وعد الله لهم.[١]

نعيم القبر

إنَّ نعيم القبر يكون للمؤمن الصادق، فيفتح الله له من أبواب الجنَّة، وفيما يأتي بيان ذلك:

  • نعيم القبر

هوالجزاء الذي يحصل عليه المؤمن الصّادق في القبر، فهو للمؤمنين الصادقين، إذ تُوسَّع عليهم قبورهم، ويأتيهم من نعيم الجنَّة ما يُسلِّيهم ويسعد قلوبهم.[٣]

  • الدليل على نعيم القبر

قول الله -تعالى- ووعده لعباده المؤمنين: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ).[٤][٥]

  • يحصل على نعيم القبر

مَنْ كان من المؤمنين الصادقين، حيث يُفتح لهم بابٌ من أبواب الجنة، وتُوسَّع عليهم قبورهم فلا يشعرون بمدى ضِيقها أو سوء الحال فيها، ويأتيهم من نعيم الجنَّة ما تقَرُّ به عيونهم ويرضون به، ويفرحون بما آتاهم الله من فضله.[٣]

ويستطيع المؤمن أن يحصل على نعيم القبر ويفوز برضا الله ورحمته من خلال فعله الطاعات والحرص على الالتزام بها، والرّهبة من فعل المعاصي واجتنابها، والخوف من غضب الله، وأن يعبد الله كأنّه يراه، وبالصبر على الأذى، والمصائب، واحتسابُ الأجر كلُّه لله.[٣]

عذاب القبر

عذاب القبر: هو الجزاء الذي يحصل عليه الكافرون من ضيقٍ وعذاب في القبر نتيجة لتكذيبهم بما أرسل الله لهم من رسله، وهو جزاء كلّ كافر ضلّ عن عبادة الله والإيمان به وتصديق ما أتى به، فكلُّ من كفر بالله وآياته ورسله كان له نصيب من عذاب القبر.[٦]

ودليل عذاب القبر ثابتٌ عند أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة، وفيما يأتي بيان ذلك:

  • قوله -تعالى-: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ).[٧]

فالذي يُعرَض على آل فرعون صباحاً ومساءً يكون قبل يوم القيامة؛ أي في القبر، وفي هذه الآية أصلٌ كبير في استدلال أهل السنُّة على نعيم وعذاب القبر.[٨]

  • قول الله -تعالى-: (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ).[٩]

والمقصود بالمرّتين؛ أي مرَّة في الدنيا ومرَّة في القبر، ثمّ إلى العذاب الأبدي العظيم يوم القيامة.[١٠][٦]

  • قوله -تعالى-: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[١١]

ويشير حرف الجر "من" في الآية الكريمة إلى التبعيض، والمقصود بها أنّ الله -تعالى- قسّم العذاب على الكافرين بفترات مختلفة جزاءً بما كانوا يعملون، وعليه فقد كتب على الذين كفروا بعض العذاب، وأمَّا العذاب المتبقِّي فسيذوقونه في القبر، والعذاب الأكبر ليوم الحشر يوم القيامة، وبذلك لا مناص من هذا العذاب كلّه.

  • عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (أنَّهُ مَرَّ بقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، فَقَالَ: إنَّهُما لَيُعَذَّبَانِ، وما يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ، أمَّا أحَدُهُما فَكانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وأَمَّا الآخَرُ فَكانَ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ، ثُمَّ أخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً، فَشَقَّهَا بنِصْفَيْنِ، ثُمَّ غَرَزَ في كُلِّ قَبْرٍ واحِدَةً، فَقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، لِمَ صَنَعْتَ هذا؟ فَقَالَ: لَعَلَّهُ أنْ يُخَفَّفَ عنْهما ما لَمْ يَيْبَسَا).[١٠][٦]

هل يلتقي الموتى في حياة البرزخ؟

إنّ أمر الروح من الأمور الغيبية التي لا يمكن لأحدٍ معرفة معلومات وتفاصيل حولها إلّا ما ورد بشأنه حديث أو وحي مرسل، وقد دلَّت بعض الأحاديث الواردة عن الإمام أحمد والنسائي وغيرهما من العلماء الثقات أنَّ أرواح المؤمنين تلتقي في البرزخ وتتحدَّث فيما بينها.[١٢]

حيث جاء في الحديث عندما تأتي الملائكة بالميّت للأرض: (..حتى يأتون به أرواحَ المؤمنين ، فلَهُم أشدُّ فرحًا من أهل الغائبِ بغائبِهم، فيقولون: ما فعل فلان، فيقولون: دَعوه حتى يستريحَ، فإنه كان في غمِّ الدنيا..)،[١٣] إلى آخر الحديث.[١٢]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ابن عثيمين، كتاب مذكرة على العقيدة الواسطية، صفحة 59. بتصرّف.
  2. ^ أ ب رواه الألباني ، في صحيح الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1071 ، حديث حسن.
  3. ^ أ ب ت محمد بن إبراهيم الحمد، كتاب الطريق إلى الإسلام، صفحة 70.
  4. سورة فصلت، آية:30
  5. عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف، كتاب التوحيد للناشئة والمبتدئين، صفحة 84.
  6. ^ أ ب ت أسامة سليمان، كتاب شرح صحيح البخاري، صفحة 8. بتصرّف.
  7. سورة غافر، آية:46
  8. ابن كثير، تفسير ابن كثير، صفحة 472. بتصرّف.
  9. سورة التوبة ، آية:101
  10. ^ أ ب رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1361 ، صحيح.
  11. سورة السجدة، آية:21
  12. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، فتاوي الشبكة الإسلامية، صفحة 1634. بتصرّف.
  13. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3559، صحيح.
4468 مشاهدة
للأعلى للسفل
×