محتويات
اليد اليسرى ومستوى الذكاء
كثيراً ما يتردد على مسامعنا أن الأشخاص الذين يستخدمون يدهم اليسرى، أكثر ذكاءً من مستخدمي اليد اليمنى على الرغم من أن مستخدمي اليد اليمنى يشكّلون النسبة الأكبر حول العالم،[١]لكن ما مدى صحّة هذه الفرضية ؟ وما هي الدلائل العلمية التي يمكن الاستناد عليها في الحكم ؟
لماذا يستخدم البعض اليد اليسرى؟
لقد شكّل هذا السؤال على مر العصور دافعاً قوياً للعلماء لدراسة الأسباب الحقيقية وراء اليد المهيمنة؛ كأن يستخدم أشخاص يدهم اليمنى للكتابة مثلًا بينما يستخدم آخرون اليد اليسرى، وحُددت الكثير من العوامل المؤثرة في ذلك، مثل؛ التباين الجغرافي والسن وغيرها.
لكن تشير نتائج العديد من الدراسات الحديثة التي توظّف التقنيات الوراثية الجزيئية المتقدمة إلى أن نموذجًا متعدد العوامل يأخذ في الاعتبار العوامل الوراثية والبيئية المتعددة، بالإضافة إلى تفاعلاتها معاً، قد يكون أكثر ملاءمةً لشرح العمليات المعقدة الكامنة وراء تحديد ما إذا كانت اليد اليمنى أو اليسرى ستكون اليد المهيمنة عند شخصٍ ما.[٢][٣]
بالإضافة لما سبق، رُبط بين العوامل الهرمونية داخل الرحم وتطوّر هيمنة اليد اليسرى؛ إذ تعتمد هذه النظرية على افتراض أن الهرمونات الجنسية السابقة للولادة لها تأثير قوي على الجهاز العصبي المركزي للجنين، على وجه التحديد، تؤدي المستويات المرتفعة من هرمون التيستوستيرون أثناء نمو الجنين إلى إبطاء نمو الخلايا العصبية في النصف الأيسر من الدماغ، وبالتالي إضعاف سيطرته النسبية على التحكم باليد اليمنى، مما يؤدي بطبيعة الحال إلى هيمنة اليد اليسرى.[٣]
هل استخدام اليد اليسرى دليل على الذكاء الحاد؟
يبدو أن ربط استخدام اليد اليسرى بالذكاء العام مرتبطة بحقيقة أنّ الدماغ هو المركز المتحكم باليدين؛ إذ يعمل على تفضيل استخدام يد على الأخرى في المهام الحركية الدقيقة مثل؛ الكتابة والرسم وغيرها، بالتالي فإنه من المحتمل أن العوامل الوراثية أو البيئية التي تؤثر على نمو الدماغ بطريقة ما، تُحدد اليد التي ستكون مهيمنة، وقد تؤثر أيضًا على تطوير مناطق الدماغ المرتبطة بالذكاء.[٤]
فيما يتعلّق بالدراسات التجريبية، تُظهر الكثير من الأبحاث نتائجاً متضاربة وغريبة، وهذا الأمر شائع في دراسات العلوم النفسية؛ إذ يعود ذلك إلى اختلاف خصائص العينات المنتقاة والطرق المستخدمة في تقييم ذكاء الأفراد في كل دراسة، وحتّى نتمكن من تحييد تلك الاختلافات، يُجرى ما يسمى بالتحليل التلوي أو الدراسة الشمولية (meta-analysis) للدراسات المنشورة حول علاقة اليد اليسرى والذكاء؛ إذ يدمج هذا التحليل نتائج العديد من الدراسات التجريبية ويضم حجم عينة أكبر بكثير من الدراسات الفردية، مما يزيد من القوة الإحصائية ويجعل التحليل أقل عرضة للتأثر بخصائص العينات في تلك الدراسات.[٤]
إحدى هذه الدراسات الشمولية وجدت أنه وبالرغم من أن متوسط درجة الذكاء بين مستخدمي اليد اليمنى كان في الحقيقة أكبر من مستخدمي اليد اليسرى، مما يدل على أن أصحاب اليد المهيمنة اليمنى يملكون معدل ذكاء أعلى من مستخدمي اليد اليسرى، لكن عُدّ هذا الاختلاف غير مؤثر بشكل كبير في الحياة الواقعية.[٤]
جميع ما سبق يقودنا إلى أنّ استخدام اليد اليسرى ليس دليلاً كافياً على الذكاء الحادّ للإنسان، لكن يمكن اعتباره ميّزة صحيّة إضافية، فوفقًا للعديد من الدراسات، يتعافى الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليسرى من السكتات الدماغية والإصابات الأخرى المرتبطة بالدماغ أسرع من الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليمنى، كما أنّ لديهم معدلات إصابة أقل بالقرحة والتهاب المفاصل.[٥]
هل يعاني الشخص الذي يستخدم اليد اليسرى من نقص؟
للإجابة على هذا السؤال، ينبغي أولاً فهم العلاقة بين الجذور التي تربط اليدين والدماغ؛ إذ ينقسم الدماغ إلى نصفين: الأيمن والأيسر، بينما يتحكّم النصف الأيسر للدماغ بالجزء الأيمن من الجسم، يقوم النصف الأيمن بالعملية المعاكسة تماماً؛ أي التحكم بالجزء الأيسر الذي يشمل اليد اليسرى، وبناءً على ما سبق، يمكن القول أن النصف الأيمن من الدماغ هو المهيمن لدى مستخدمي اليد اليسرى.[٦]
ساد الاعتقاد قبل دراسة دور الجينات في تحديد اليد المهيمنة أن حدوث تلف بسيط الدماغ البسيط في وقت مبكر من تطور الجنين هو المسؤول عن هيمنة اليد اليسرى، وهذا ما نُفي في معظم الحالات حين اكتُشِف دور أحد الجينات الموجودة على الكروموسوم 2 الذي وُجد لدى معظم مستخدمي اليد اليسرى.[٦]
لا يعاني الشخص الذي يستخدم اليد اليسرى من نقص، لكن توجد علاقة قوية بين اليد اليسرى المهيمنة وارتفاع نسبة الإصابة بمخاطر صحيّة متعددة ومنها:[٥]
- الأمراض العقلية: مثل الفصام أو الشيزوفرينيا (schizophrenia) وما يترتب عليه من أعراض الهلوسة وضعف التفكير، كما وجدت الدراسات الحديثة وجود رابط قوي بين مناطق الدماغ المسؤولة عن التحكم في اليدين وزيادة احتمال حدوث التقلبات المزاجية، الأرق، والعصبية التي يمكن أن تتحول في بعض الحالات إلى اضطراب عقلي.
- سرطان الثدي: إذ افترضت إحدى الدراسات أنّ النساء ذوات اليد اليسرى المهيمنة، أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي من النساء ذوات اليد اليمنى المهيمنة.
- عسر القراءة وصعوبات التعلّم.
متى يتحدد استخدام الطفل لليد اليسرى أو اليمنى؟
من المثير للدهشة أن العديد من الدراسات أُجريت على الأجنة في الرحم وتبيّن من خلالها أن الجنين في عمر 9-10 أسابيع داخل الرحم يبدأ في إظهار حركات الذراع ويميل إلى مص إصبع اليد اليمنى أو اليسرى عندما يبلغ 12 إلى 27 أسبوعاً، مما يدعم أيضاً ارتباط التركيبة الجينية باليد المهيمنة.[٧]
بعض الأطفال يظهرون تفضيلاً لاستخدام أحد اليدين حين يبلغون عامهم الأول، إلا أنّ العديد منهم يستغرقون وقتًا أطول لإظهار تفضيل واضح ومعظمهم يحتاج حتى سن 3 سنوات أو أكبر، حتى بعد ذلك، قد يلاحظ الوالدين أن الطفل يبدّل بين استخدام اليد اليمنى واليسرى للقيام بمهام معيّنة مثل؛ تناول الطعام ورمي الأشياء وغيرها.[٨]
المراجع
- ↑ Christopher Melinosky (23-10-2019), "Left-Handed vs. Right-Handed"، webmd, Retrieved 24-7-2020. Edited.
- ↑ ChristianBeste,Sebastian Ocklenburg,Onur Güntürkün (2013), "Handedness: A neurogenetic shift of perspective", Neuroscience & Biobehavioral Reviews, Issue 10, Folder 37, Page 2788-2793.
- ^ أ ب V Llaurens,M Raymond,C Faurie (5-12-2008), "Why are some people left-handed? An evolutionary perspective"، royalsocietypublishing, Retrieved 24-7-2020. Edited.
- ^ أ ب ت Sebastian Ocklenburg (12-3-2019), "Are Left-Handers Smarter Than Right-Handers?"، psychologytoday, Retrieved 24-7-2020. Edited.
- ^ أ ب Scott Frothingham (30-4-2019), "Are Left Handers Less Healthy Than Right Handers?"، healthline, Retrieved 25-7-2020. Edited.
- ^ أ ب Michael Price (2009), "The left brain knows what the right hand is doing"، apa, Retrieved 24-7-2020. Edited.
- ↑ "Left-Handed vs. Right-Handed", webmd, Retrieved 6-8-2020. Edited.
- ↑ Heidi Murkoff (29-1-2019), "Toddler Handedness"، what to expect, Retrieved 24-7-2020. Edited.