ليس للإنسان إلا ما سعى

كتابة:
ليس للإنسان إلا ما سعى

تفسير آية (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى)

قال -تعالى-: (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)،[١] والسّعي هو العمل والاجتهاد للكسب، والمُراد بالسّعي في الآية هو عمل الخير، والمقصود من الآية أنّ الإنسان يحصل على أجر عمل الخير الذي قام به بنفسه، ولا يمكن أن يحصل على أجر عمل قام به غيره.[٢]

واللام المقترنة بكلمة الإنسان خصّصت معنى الآية بالأعمال الصّالحة، والآية متمّمة لقول الله -تعالى-: (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)،[٣] فالمعنى أنّ الشرّ يأثم به فاعله، وكذلك الخير ينال أجره فاعله، ولا يتحمّل أثر كل منهما غير فاعله.[٢]

وبناءً على ذلك فإنّ الإنسان مُرتهن بأعماله، ولا يُمكن لأحد أن يعطي من حسناته أو سيئاته لأحد إلّا بالقصاص لأخذ حق المظلوم من الظّالم، قال -تعالى-: (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)،[٤][٥] ثمّ يوم القيامة يرى كلّ إنسان عمله، ويُجازى عليه، فإن كان العمل سيّئا فالجزاء سيءاً، وإن كان العمل خيراً فالجزاء خيراً.[٦]

مبدأ العدالة في آية (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى)

إنّ من عدل الله -سبحانه تعالى- أن يجازي بالإحسان إحساناً، ولله أن يجازي الحسنة لعباده بألف حسنة، وقد فسّر أبو بكر الوراق قول الله: (إِلَّا مَا سَعَى)[١] بما قاله رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، حيث قال: (يُبْعَثُ الناسُ علَى نِيَّاتِهم)،[٧][٨] ومن عدل الله كذلك أنّه يعاقب كلّ إنسان بذنب نفسه، فلا أحد يعاقب بفعل غيره، ولا يفوز أحدٌ إلّا بفعل نفسه.[٩]

هل ينتفع الإنسان بسعي غيره؟

إنّ الآية لم تنصّ صراحة على أنّ الإنسان ينتفع أو لا ينتفع بعمل غيره له، لكن جاءت آية أخرى في كتاب الله تدلّ على أنّ الإنسان قد ينتفع بعمل غيره، فقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)،[١٠] وعند الجمع بين الآيتين يتحصّل ما يأتي:[١١]

  • دلّت الآية الأولى على أنّ الإنسان لا يملك من عمل غيره شيء، لكنّها لم تدلّ على أنّه لا ينتفع بعمل غيره، فالآية لم يكن نصّها: وأن لن ينتفع الإنسان إلّا بما سعى، فالإنسان يسعى بالخير وهو مخيّر إن أراد أن يجعل هذا الخير لنفسه أو يهبه لغيره، ثمّ إن العلماء أجمعوا على أنّ الدعاء للميت، والصّلاة عليه، والحجّ عنه يصل أجرها إليه.
  • إيمان الأبناء يصل أجره إلى الآباء، حيث إنّ سعي المسلمين يكون بناءً على ما تعلّموه من غيرهم من المسلمين، كما أنّ القيام بالعمل قد يتضاعف أجره إن قام المسلم به في جماعة، كما في الصّلاة، فإنّ الأجر يتضاعف في صلاة الجماعة عن صلاة المسلم لوحده.
  • يرفع الله درجات الأبناء ليقرّ الله أعين الآباء برؤيتهم معهم ورفقتهم في الجنّة، وهو من فضل الله -سبحانه وتعالى- عليهم.

المراجع

  1. ^ أ ب سورة النجم، آية:39
  2. ^ أ ب ابن عاشور (1984)، التحرير والتنوير، تونس :الدار التونسية للنشر، صفحة 132، جزء 27. بتصرّف.
  3. سورة النجم، آية:38
  4. سورة الطور، آية:21
  5. محمد بن العثيمين (2004)، تفسير الحجرات/ الحديد (الطبعة 1)، الرياض :دار الثريا، صفحة 242. بتصرّف.
  6. عبد الرحمن السعدي (2000)، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (الطبعة 1)، بيروت :مؤسسة الرسالة، صفحة 821. بتصرّف.
  7. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:9975، صحيح .
  8. الثعلبي (2015)، الكشف والبيان عن تفسير القرآن (الطبعة 1)، جدة :دار التفسير، صفحة 161، جزء 25. بتصرّف.
  9. عبد الله البسام (2003)، توضيح الأحكام من بلوغ المرام (الطبعة 5)، مكة المكرمة:مكتبة الأسدي، صفحة 149، جزء 3. بتصرّف.
  10. سورة الطور، آية:15
  11. محمد الأمين الشنقيطي (2019)، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (الطبعة 5)، الرياض/ بيروت:دار عطاءات العلم/ دار ابن حزم، صفحة 754-755، جزء 7. بتصرّف.
4214 مشاهدة
للأعلى للسفل
×